«نيويورك تايمز»: مخاطر النفوذ الإيراني على الساحة السورية

الجمعة 2 فبراير 2018 02:02 ص

بعلى حدود هضبة الجولان السورية، من كان ينتظر أن يرى المنطقة وهي تنعم بهذا الهدوء؟ ولقد كنت أتنقل على طول الطرق المجاورة لنقطة التقاء الحدود الإسرائيلية المشتركة بين لبنان وسوريا وإسرائيل فلفتت نظري القمم المغطاة بالثلج التي تكسو جبل الشيخ التي تبحث عن هواة التزلّج.

وهي منطقة محاطة بالقرى اللبنانية والسورية التي تنتشر على سفوح الهضاب وتكثر بين أحيائها المآذن. والصوت الوحيد الذي يمكنك أن تسمعه هنا هو صوت بنادق هواة الصيد اللبنانيين.

إلا أن ذلك يجب ألا ينسينا بأن من الممكن تصنيف هذه البقعة بأنها تحتل المرتبة الثانية من حيث درجة الخطورة التي تنطوي عليها على سطح الأرض بعد شبه الجزيرة الكورية. وربما تجسّد المشهد الذي ستكون عليه الحروب المقبلة في القرن الحادي والعشرين.

ولو أمعنت النظر في هذه القرى وسفوح الهضاب وغابات الصنوبر التي تجاورها، فسوف تعثر على العديد من الكيانات المتداخلة وعلى رأسها (دولة) إسرائيل التي لا تتوقف عن محاولة استكشاف أرض المعركة مع أعدائها مثل جيش النظام السوري والقوة الإقليمية الإيرانية والقوة العسكرية الروسية وفصائل المرتزقة والمتطرفين مثل «حزب الله» و«داعش» فضلاً عن القبائل المحلية ذات المذاهب والأديان المختلفة مثل الدروز والمسيحيين.

ولقد جئت إلى هذا التقاطع الحدودي المزدحم لأنني أشعر بأنه معرّض للانفجار في أي لحظة. وإذا كانت التحديات التي واجهها التحالف الدولي في سوريا والعراق تشكل العنوان العريض لما شهدناه عام 2017، فإن القصة الكبرى لعام 2018 سوف تتعلق بكل تأكيد بانفجار الصراع بين إسرائيل والتحالف الشيعي الإيراني، الذي يضم «حزب الله»، والذي لا يتوقف مقاتلوه عن النشاط وإعادة التموضع على طول الحدود المشتركة بين سوريا ولبنان وإسرائيل.

وخلال العامين الماضيين، وصل ما بين 1500 و2000 مستشار عسكري إيراني للعمل على توجيه الألوف من مرتزقة «حزب الله» الموالين لإيران فضلاً عن قوات الجيش السوري المموّل من إيران وأكثر من 10 آلاف من المرتزقة الشيعة الذين جاؤوا من أفغانستان وباكستان لمحاربة الثوار السوريين السُنّة وتنظيم «داعش» خلال «الحرب الأهلية» التي تشهدها سوريا.

إيران تشكل تهديداً خطيراً في الخليج العربي، ولكنني أريد أن أطرح السؤالين التاليين:

ما هذا السلوك الخطير الذي تنتهجه إيران عندما تعمل على تقويض الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية في لبنان، وتقضي على كل أمل بتقاسم السلطة في سوريا، وأصبحت تشكل الآن خطراً على إسرائيل؟

ولأي درجة تهتم روسيا الشريكة الجديدة لإيران، بسحق الانتفاضة الشعبية في سوريا رغم علاقاتها الجيدة بإسرائيل، وهي التي نشرت بطاريات صواريخ أرض جو من طراز «إس 400» لضمان الحماية الجوية لسوريا ولبنان وإيران و«حزب الله»؟

لقد برز هذان السؤالان معاً إلى مقدمة المشهد السياسي هذا الأسبوع. ولنستمع إلى ما قاله بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي اجتمع لتوّه مع فلاديمير بوتين للمرة السابعة خلال عامين، حيث قال بعد انتهاء اجتماعهما يوم الإثنين الماضي:

«لن تسمح إسرائيل لإيران بتعزيز وجودها في سوريا وتحويل لبنان إلى مصنع للصواريخ دقيقة التوجيه... لقد أوضحت لبوتين بأننا سوف نوقفها عند حدّها إذا لم تتوقف بنفسها».

ومنذ زمن بعيد، أثبتت القيادة العسكرية الإسرائيلية قدرتها على ممارسة لعبة الشطرنج ثلاثية الأبعاد في الحرب المنتظرة خلال القرن الحادي والعشرين. وعندما نأت بنفسها عن التدخل في «الحرب الأهلية» السورية، فإنها لم تتوانَ عن إجهاض محاولات إيران و«حزب الله» لتطوير قدراتهما الصاروخية الموجهة ضدها.

إلا أنه في وسع ضباط إسرائيليين أن يخبروك أيضاً بأن «حزب الله» وإيران تمكنا من التحضير للمواجهة المقبلة بشكل جيد على طول الحدود. وهما لا يتوقفان عن محاولات التقدم في هذا الاتجاه.

فما هي الاستراتيجية التي تتبناها إسرائيل لتهدئة التوتر مع «حزب الله» وإيران؟

أولاً وقبل كل شيء، عليها أن تعمل على إضعاف قدرة «حزب الله» وإيران بعدة طرق بحيث يصبح خوضهما لحرب مع إسرائيل ضرباً من الجنون.

وإذا كان «حزب الله» وإيران يعتقدان بأن في وسعهما إخفاء منصات إطلاق الصواريخ في القرى والبلدات المزدحمة بالسكان في لبنان وسوريا وبحيث يتسبب ضربها بسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، فسوف يرتكبان بذلك الخطأ ذاته الذي ارتكباه في حرب عام 2006.

واليوم، يبدو المخططون العسكريون الإسرائيليون أكثر اقتناعاً من أي وقت مضى بأن السبب الأساسي الذي دفع «حزب الله» إلى تجنّب الدخول في صراع حاسم مع إسرائيل منذ الحرب الكبرى التي اندلعت بينهما عام 2006.

وهو أن القوات الجوية الإسرائيلية، ومن دون شفقة، دمّرت البنى التحتية اللبنانية عن بكرة أبيها واستهدفت مكاتب «حزب الله» ومنشآته العسكرية في ضاحية بيروت الجنوبية. ولم يكن هدفها قتل المدنيين ولكنها لم تكن ترغب أيضاً بأن تتعرض للخطر بسببهم.

وصحيح أن الهجوم الإسرائيلي تميز بالقسوة والوحشية، لكنه أدى الغرض المراد منه. وقال ضابط إسرائيلي: «أحياناً لا يمكنك أن تهزم الجنون إلا بالجنون»، ولا بد أن يكون رئيس «حزب الله» حسن نصر الله قد تلقى مضمون الرسالة جيداً. وصرح عقب انتهاء حرب 2006. بأنه لم يكن يتوقع بأن تتسبب إسرائيل بمثل هذا الدمار الكبير لمؤيديه الشيعة وممتلكاتهم.

ويأمل المخططون العسكريون الإسرائيليون منه ألا ينسى ذلك مرة أخرى، وأن تتذكر إيران ذلك أيضاً.

وقالوا أن إيران لو فكّرت بإطلاق حرب بالوكالة ضد إسرائيل من لبنان وسوريا، فإن عليها أن تعيد حساباتها من جديد.

* توماس فريدمان كاتب صحفي بصحيفة "نيويورك تايمز".

المصدر | نيويورك تايمز - ترجمة الاتحاد الظبيانية

  كلمات مفتاحية

إيران لبنان (إسرائيل) سوريا حسن نصرالله روسيا