استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

حملات تدنيس التاريخ العربي

الجمعة 2 فبراير 2018 08:02 ص

مثلما حدث لحقل الفقه الإسلامي الذي أقحم كل من هب ودب نفسه في التحدث باسمه، من خلال نشر ادعاءات دينية خاطئة، وبلادات تخالف العقل والمنطق والقيم، واستعمالات دنيوية انتهازية، لتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية، فكذلك يحدث الآن الأمر نفسه بالنسبة لحقل التاريخ العربي.

فجأة بدأنا نرى أعدادا متزايدة من المهرجين واليائسين من الحاضر والمستقبل يتنطعون للحكم على التاريخ العربي بتعابير من الشماتة والسب والشتم، أو بانتقاء متعمد لأحداث صغيرة محدودة واعتبارها ظواهر عامة تعيب هذه الأمة، أو بترديد ببغائي لما قاله هذا المستشرق، أو ذاك الملفق صهيوني النزعة والأهداف.

الهدف الأساسي من هذه الحملة واضح، وهو زرع الشكوك والخجل من تاريخ الأمة، في أذهان الشباب العرب من جهة، والعمل على تهميش وتشويه أحد أهم مكونات الهوية العروبية القومية المتمثل في التاريخ العربي المشترك.

تزوير التاريخ وتشويه معاني أحداثه هو ظاهرة عالمية عرفتها الكثير من المجتمعات لأسباب كثيرة، لكن ما يحدث عندنا، في بلاد العرب، هو محاولة خبيثة لاستغلال موضوع التاريخ، ونقد بعض أحداثه لتجاوزها، واستغلاله كأداة سياسية وثقافية وطائفية للإمعان في تمزيق هذه الأمة، والقضاء على كل ثابت من ثوابت هويتها المشتركة.

وبذلك يعيش كل جزء من هذه الأمة في عالمه الخاص ومشاكله الذاتية البحتة. عند ذلك سيسهل لقوى الاستعمار والصهيونية الاستفراد بكل جزء على حدة، لإخضاعه واستعباده ونهب ثرواته.

ولذلك فإن الطريقة التي يتعامل بها البعض مع التاريخ العربي، عبر الكتابات والمقابلات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، مليئة بالأخطاء والأهداف المشبوهة القابعة وراء أقنعة خادعة، وتحتاج هي الأخرى لفضح مراميها ومنهجيتها غير العلمية وغير الموضوعية.

أولا: يركز الكثيرون من هؤلاء على التاريخ السياسي، ويتعمدون سلخه من التواريخ الأخرى العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمرانية والفكرية والأدبية، بل حتى العلمية. إنهم بهذا يتجنبون دراسة التاريخ الحضاري العربي الملم بكل الجوانب الحياتية.

التاريخ السياسي حقل مليء بالأخطاء والخطايا ويتميز بفترات استبداد حالكة السواد والقسوة. لكن الحكم على شخصية الأمة الطبيعية ومزاجها الحياتي وسلوكياتها وإمكانياتها الحضارية الإنسانية، من خلال تاريخها السياسي وحده، فيه ظلم كبير واختزال غير موضوعي. فالسياسة مهمة للغاية ولكن الحياة البشرية لا يمكن أن تختصر فيها.

ثانيا: إن إصرار البعض على اعتبار كل مصادر التاريخ العربية القديمة صالحة للحكم على التاريخ العربي، وعلى الأخص السياسي منه، فيه اعتباطية. فالقاصي والداني يعرف أن بعض تلك المصادر أثرت في كتابتها المصالح والأهواء والتعصبات المذهبية والتفاخرات القبلية.

كما أن منهجيات كتابتها تباينت في انضباطها العلمي، وفي موازين فحصها للأمور، خصوصا أن جزءا مهما كان عبارة عن تداولات شفوية تعتمد على أسانيد تعتريها الكثير من التساؤلات. من هنا فإن وصفا لحدث، أو قولا عزي لهذا الفاعل في الحياة العامة، أو ذاك قد يكون لغو مجالس أو دردشة عابرة أو تخيلا مريضا.

فهل حقا يمكن الحكم على أمة من خلال أوصاف أو أقوال عابرة هنا وهناك؟

لكن هذا ما يفعله البعض، إذ يهيجون ويشككون ويسخرون ويستنتجون اعتمادا على تلك الشذرات من سرد الأخبار والأقوال. لقد تعبنا، نحن العرب، من ادعاءات وكتابات المستشرقين، التي قرأت تاريخنا لتنشر في ما بيننا وفي العالم بأننا أمة قابلة للتخلف والكسل، وقبول الاستبداد والعيش في فوضى دائمة وصراعات لا تهدأ.

ولقد اختلطت كتاباتهم وتفاسيرهم بأغراض وإملاءات استعمارية، من أجل تأكيد مقولة مركزية التاريخ الحضاري في الغرب دون غيره. كما فنَد الكثيرون من المؤرخين والمفكرين العرب تلك المقولات.

لكن ما يهمنا ليس استرجاع تاريخ ذلك الافتراء، وإنما الإشارة إلى أنه يعود بقوة في أيامنا الحالية على يد كل يائس أو غاضب أو أحمق من أبناء الأمة العربية نفسها.

وهي ظاهرة تتلقفها الدوائر الاستخباراتية الاستعمارية والصهيونية، لتلعب بآثارها السلبية على وعي الجيل الجديد، لتحقيق مآربها التجزيئية ومحاربتها لكل فكر يسعى لتوحيد وإنهاض هذه الأمة.

نحن هنا بالطبع لا نشير إلى محاولات المؤرخين الاختصاصيين، وكتابات الملتزمين الغيورين على مسار أمتهم النهضوي، للقيام بتحليل الماضي ونقده وإعادة تركيبه، من أجل منع هيمنته على الحاضر من جهة، ومن أجل الاستفادة من نقاط إنجازاته وتألقاته في شتى المجالات لبناء المستقبل من جهة أخرى.

نلاحظ على الأخص محاولات البعض لهدم أو تشويه ما تعتبر الشخصيات الأمثولة التاريخية، التي نالت مراتب الاحترام والإعجاب والاعتزاز في الوجدان الشعبي العربي عبر القرون.

ويتركز هذا الهدم أو التشويه على التفتيش عن نواقص أو انحرافات في تصرفات أو سلوكيات هذه الشخصية التاريخية أو تلك. وهي نظرة طفولية لا تقبل أقل من الصفات الكاملة الملائكية في من تحب من الأبطال والشخصيات الأمثولة.

وينسى هؤلاء المهووسون بالتفتيش عن النواقص، مع تعمد لتناسي الجوانب المشرقة المشرفة في تلك الشخصيات التاريخية، أن البشر ليسوا ملائكة، ولا أنبياء معصومين.

لنذكر هؤلاء المهووسون بأن جورج واشنطن الأمريكي وونستون تشرشل الانكليزي ونابليون الفرنسي هم أبطال في الذهن الجمعي عند تلك الأمم، وذلك رغم نواقصهم الشخصية أو السلوكية المعروفة، لكن الأمم الواعية المعتزة بتاريخها تركز على البطولات والإنجازات والتألق الشخصي في أبطالها التاريخيين، بدلا من التركيز على نواقصهم البشرية.

الهجمة المجنونة على تاريخنا ورموزنا العامة التاريخية ليست بريئة، إذ يختلط فيها الجهل والهلوسات عند البعض بالخطط الاستخباراتية الاستعمارية والصهيونية، لتصبح تدنيسا للتاريخ يحتاج لمواجهة.

* د. علي محمد فخرو كاتب بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

التاريخ العربي تدنيس الرموز الاستشراق الصهيونية المصادر التاريخية