كيف سترد روسيا على مطلب (إسرائيل) كبح جماح إيران؟

السبت 3 فبراير 2018 06:02 ص

بعد هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»، في العراق وسوريا، توقع المحللون صعودا للقوة الإيرانية، وتساءلوا آنذاك عن الطريقة التي سترد بها كل من تركيا و(إسرائيل) على نشوء إيران كقوة رئيسية في العالم العربي.

ويبدو أننا بدأنا نرى رد (إسرائيل) بعد لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي «بينيامين نتنياهو» مع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في 29 يناير/كانون الثاني الماضي، حين أخبره أن إيران تحاول تحويل لبنان إلى قاعدة ضخمة لتصنيع الصواريخ.

وقت رد الدين

وكان «نتنياهو» قد صرح لـ«بوتين» عندما تدخلت روسيا في سوريا، بأن (إسرائيل) تتفهم أن روسيا لديها مصالح في سوريا، وأنها لن تتدخل مع الوجود الروسي هناك، وقال إن (إسرائيل) أيضا لديها مصالح هناك على رأسها الحد من الوجود الإيراني، السبب الذي يقف خلف هذه التصريحات هو أن زيارة «نتنياهو» لروسيا كانت بحثا عن رد الدين.

شهر عسل (إسرائيل) انتهى

الأولوية الاستراتيجية الأساسية لـ(إسرائيل)، هي في تجنب قيام حرب مع القوى العربية جميعها في وقت واحد، فالجيش الإسرائيلي محدود في الحجم والقدرة على استيعاب خسائر بشرية في حرب على طول محيط البلاد بأكمله، لكن سيناريو كابوس (إسرائيل) يبدو بعيد المنال.

فمصر لا مصلحة لها بقتال (إسرائيل)، وهي تتعاون مع (إسرائيل) ضد الجهاديين في سيناء، كما أن الأردن يظل معتمد على (إسرائيل) من أجل أمنه القومي، وحتى وقت قريب، كانت (إسرائيل) في أكثر أوضاعها أمانا عن أي وقت مضى.

وبالإضافة للأمن الموجود على حدودها مع مصر والأردن، كانت سوريا في حالة فوضى و«حزب الله» كان مشغولا بالقتال فيها، مما يعني أن سوريا ولبنان لم تكونا تشكلان تهديدا، وأن محيط (إسرائيل) بأكمله آمن.

هزيمة خصوم نظام «بشار الأسد»، غيرت واقع (إسرائيل) الاستراتيجي، فالأمر لا يقتصر على عمل الروس في سوريا، وإنما الإيرانيين أيضا و«حزب الله» الذي يحارب عنهم بالوكالة، وقد أصيبت قوات «حزب الله» التي تدعم نظام «الأسد» بإضعاف شديد، وسقطت منها الكثير من الخسائر البشرية خلال القتال الدائر.

والآن مع خفوت حدة القتال، يعمل «حزب الله» بجهد على إعادة بناء قوته بدعم من إيران، ويركز على (إسرائيل) بشكل منفصل، مما جعل (إسرائيل) التي خاضت حربا مع «حزب الله» في 2006، تنظر الآن إلى لبنان وسوريا أيضا كقاعدة إيرانية تتنامى.

قلق إسرائيلي خلف الزيارة

لم تسر الأمور على ما يرام بالنسبة لـ(إسرائيل) في حرب 2006، فقد أثبت «حزب الله» آنذاك قوة دفاعية قادرة على صد الهجوم الإسرائيلي على مواقعه في جنوب لبنان، كما أنه أطلق الصواريخ لتصل إلى عمق الأراضي الإسرائيلية، وقد مر الحزب من الحرب سالما نسبيا مقارنة بـ(إسرائيل) التي اضطرت لإعادة النظر في عقيدتها العسكرية.

والإسرائيليون الآن لا يودون إعادة هذه الأيام حتى بعقيدة جديدة، ومن الناحية الأخرى لا تستطيع (إسرائيل) تحمل وابل صاروخي من لبنان.

وبالرغم من أن «حزب الله» والإيرانيين لديهم وقت كاف لبناء هياكل حماية للصواريخ، إلا أن الإسرائيليين لا قدرة لهم على تدميرها كلها، وفي الوقت ذاته سيكون من الصعب تنفيذ توغل للجيش الإسرائيلي في لبنان.

من هنا نستطيع أن نفهم زيارة «نتنياهو» لروسيا بشكل واضح، فبما أن (إسرائيل) لم تتدخل في عمل روسيا في سوريا، فإنها الآن تريد رد الدين، ومطالبة روسيا بكبح جماح الإيرانيين، وهو الدين الذي لن تكون روسيا ملزمة برده.

روسيا أيضا في مشكلة

المشكلة هي في الاستراتيجية الروسية، فقد حققت روسيا هدفها الاستراتيجي الوحيد، أثبتت أنها قادرة على الدخول في حرب ممتدة على مسافة بعيدة من الوطن.

لم تكن هذه حربا واسعة، ونصر روسيا كان جزئيا، لكنها حققت هدفها بأن تبدو قوية وهكذا تكللت المهمة بالنجاح، والآن تواجه روسيا المشكلة التي تواجهها القوى عندما يكون الهدف من الحرب هو استعراض القوة وهي: ماذا نفعل الآن بعد أن فزنا؟.

إيران لن تتنازل بسهولة

ما يطلبه الإسرائيليون من الروس، هو أن يسلبوا من الإيرانيين ما قاتلوا لأجله في سوريا، وهذه لن تكون مهمة سهلة، فبالنسبة لإيران كانت الحرب في سوريا هي جزء من استراتيجية أوسع لكي تصبح قوة كبيرة ومهيمنة في العالم العربي، وقد حققت موقعا قويا في العراق وسوريا ولبنان وحضورا كبيرا في اليمن، وانتقلت إيران من كونها معزولة نسبيا في المنطقة لتكون صاحبة وجود هام، حتى إن لم تكن مهيمنة.

إذا قبل الروس بما يريده الإسرائيليون فإنهم سيطلبون من الإيرانيين أن يقبلوا بحضور محدود فيما يعتبره الإيرانيون منطقة استراتيجية، لكن السؤال هو: «هل يستطيع الروس كبح الإيرانيين دون أن يضروا مصالحهم الاستراتيجية الخاصة في البلاد والمنطقة؟، فإيران تقدم فائدة أخرى للروس، حيث يمثلون قبل كل شئ مشكلة خطيرة بالنسبة للأمريكيين».

دفع إيران للزاوية

القاعدة التي تقوم عليها استراتيجية الولايات المتحدة في البلاد العربية في شبه الجزيرة العربية، هي الحكومات الملكية العربية.

ومعظم هؤلاء –باستثناء قطر– مرعوبون من قوة إيران، خاصة في الوقت الذي ما تزال فيه أسعار النفط مرتفعة بشكل كاف لها لتعويض السنين الماضية.

هذه الأنظمة أيضا لديها مشاكل داخلية يمكن لإيران أن تستغلها، كما إنهم لا يريدون أن يروا الولايات المتحدة تستوعب الإيرانيين، ولهذا يتعين على الولايات المتحدة أن تقيم مواجهات بسيطة مع إيران لتهدئة الحلفاء العرب، لكن فعل الولايات المتحدة لهذا، يجعل إيران ترتمي في حضن روسيا أكثر، والتحالف الإيراني الروسي سيكون قويا.

لطالما حذر الإسرائيليون من القدرة النووية الإيرانية، وهذا القلق كان مفهوما، لكن الحقيقة أن الأسلحة النووية لم تكن الأولوية الأساسية لإيران لأنها كانت تفهم أنها غير قابلة للاستخدام، وكان التهديد الحقيقي من إيران هو قدرات طهران الاستخباراتية من حيث القدرة على دعم وكلاء في مختلف البلاد العربية، لقد رأى الإسرائيليون الحرب في سوريا كفعل مفتت ومحيد، ولم يتوقعوا أن تنتهي إيران بمثل هذا الموقف الاستراتيجي.

روسيا ربما تحب الوضع

ليس من الواضح إن كان الروس يريدون تلبية احتياجات (إسرائيل) أم لا، أو ما إن كان بمقدورهم ذلك أصلا، فعلى الأرض، تمتلك إيران قدرات أكثر جوهرية من الروس، وبالتأكيد أكثر في لبنان.

وإن كان على روسيا أن تطلب من الإيرانيين ترك مثل هذا الموقف الاستراتيجي القوي، فهل تمتلك شيئا لتعوض به الإيرانيين؟، وهل روسيا أصلا متضررة من الموقف الإيراني؟، فإيران تسبب مشاكل كبيرة للأمريكيين في العالم العربي، وهذا ليس شيئا ستتخلى عنه روسيا.

تركيا أيضا في خطر

هذا يسبب مشكلة حقيقية لـ(إسرائيل) وكذلك تركيا، فأيا كانت الترتيبات المؤقتة التي تقيمها تركيا مع روسيا وإيران الآن، فإن علاقة تركيا مع كليهما ليست مستقرة، وقد كان الروس أعداء تاريخيين لتركيا في القوقاز.

وفي نهاية المطاف، هذه منطقة لن تنتهي فيها مصالح روسيا.

إيران أيضا كانت منافسة تاريخية لتركيا في الهيمنة على العالم العربي، وتركز تركيا حاليا على التهديد الكردي لسلامة أراضيها، ومع ذلك، على المدى الطويل، فإن السماح لإيران بتدعيم موقفها على الحدود التركية، يمثل مشكلة قابلة يحتمل ألا تكون قابلة للتحكم بها.

الرحلة القادمة لتركيا

قد تشير روسيا لإمكانية تعاونها مع الإسرائيليين للحد من الإيرانيين، لكنها لن تفعل شيئا حاسما، والولايات المتحدة لا رغبة لديها في التورط بشكل جدي في ذلك، لكنها سوف تكون مضمونة من ناحية تمسكها بمكانتها في شبه الجزيرة العربية.

إذا أريد حل هذه المشكلة لـ(إسرائيل)، فإن الرحلة التي سيتعين على «نتنياهو» أن يقوم بها، هي لأنقرة وليس موسكو، و«نتنياهو» يعلم ذلك دون شك، المناقشة مع تركيا جارية، لكن كل بلد تريد من الأخرى أن تكون الأولى التي تأخذ بالمخاطرة.

بالنظر إلى هذا الوضع، فإن موقف إيران يجب أن يصبح أصلب، نقطة الضعف في هذا السيناريو هي في الوضع الداخلي لإيران، ففي أعقاب الاضطرابات التي شهدتها إيران مؤخرا –والتي ما يزال حجمها وغرضها غامضا إلى حد ما– فإن هذا يثير سؤالا كلاسيكيا: هل تمتلك إيران القاعدة المحلية اللازمة لدعم مغامراتها الخارجية؟ وفي هذه اللحظة، يبدو أن الإجابة هي «نعم».

الحرب القادمة أصعب

بالنسبة لـ(إسرائيل)، فإن فترة الحصانة الإستراتيجية تنتهي، والرغبة في عدم التدخل مع الروس ولدت تهديدا لم تتنبأ به (إسرائيل)، وجود الإيرانيين في لبنان وسوريا يفتح الباب لصراعات كانت (إسرائيل) تعيش سعيدة بدونها، والوضع الجديد يلزم (إسرائيل) الآن بمراقبة لبنان أيضا، حيث تزداد احتمالية قيام حرب أهلية أخرى.

ومع زيادة الخطر، تواجه روسيا المشكلة التي يواجهها أي أحد يفوز بحرب في الشرق الأوسط: ماذا عليها أن تفعل في الحرب القادمة؟، صحيح أنها فازت بالجولة الأولى، لكنها كانت سهلة، والقادمة ستكون أصعب.

المصدر | جيوبوليتكال فيتوشرز

  كلمات مفتاحية

إسرائيل إيران تركيا روسيا حزب الله لبنان حرب الدولة الإسلامية نتنياهو بوتين