«بلومبيرغ»: «السيسي» يسعى لمصالحة مع «الإخوان» على حساب منافسيه

الثلاثاء 6 فبراير 2018 04:02 ص

بعد أكثر من 4 أعوام من الإطاحة بجماعة «الإخوان المسلمين» من السلطة في مصر عبر انقلاب عسكري وإعلانها «منظمة إرهابية»، قام الرئيس «عبد الفتاح السيسي» بتعديل اللاعبين الرئيسيين في حكومته، بطرق قد تفيد في النهاية الجماعة.

وخلافا للرئيس السابق «حسني مبارك»، الذي اعتمد حكمه على ركائز متعددة من الولاء المؤسسي، بما في ذلك القضاء والجيش والشرطة وبعض رجال الأعمال، فضلا عن «الحزب الوطني الديمقراطي» المدعوم من الحكومة، فإن «السيسي» يعتمد بشكل كامل تقريبا على الدعم الموثوق به الذي يتلقاه من الجيش.

ومع عدم وجود أحزاب سياسية ذات مغزى قادرة على العمل بحرية في مصر، فضلا عن تقزم القطاع الخاص، فإن مشاركة الجيش في الشؤون المدنية والاقتصادية والسياسية وصلت إلى مستويات لم يسبق لها مثيل.

لكن «السيسي» أقال -خلال الأسابيع القليلة الماضية- عددا من اللاعبين الرئيسيين في الجيش وجهاز الدولة، أبرزهم رئيس الأركان «محمود حجازي»، ورئيس جهاز المخابرات العامة «خالد فوزي».

وفي حين لم يتم تقديم أي تفسير لتلك الإقالات، قد تضعف هذه التحركات الدعم الذي كان يضمنه من الجيش من قبل.

ولم يكن «السيسي» ليتخذ خطوات من هذا القبيل دون سبب، لكن من المؤكد أنه يعتقد بأن ذلك سيوفر قدرا أكبر من الفائدة لنظامه.

وليست هذه المرة الأولى التي يمكن أن يستفيد فيها «الإخوان المسلمين» من تحولات السياسة المصرية.

فمن الرئيس «جمال عبد الناصر» (1956- 1970) إلى الرئيس «أنور السادات» (1970-1981) مرورا بالرئيس «حسني مبارك» (1981-2011) -وكلهم ارتقوا عبر الرتب العسكرية- كانت هناك قصة مألوفة؛ حيث يتحول الجنرالات ضد بعضهم البعض، وغالبا ما يتوجه الرؤساء إلى الإخوان المسلمين للحصول على الدعم السياسي.

وعندما قام «أنور السادات» بـ«ثورة التصحيح» عام 1971، أقال العشرات من الجنرالات الناصريين، ثم وافق على صفقة تم بموجبها الإفراج عن أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» المسجونين والسماح لهم بممارسة السياسة، مقابل عدم الانتقاد العلني لـ«السادات».

وكانت هذه الصفقة مجدية حتى وقع «السادات» معاهدة السلام مع (إسرائيل) عام 1979؛ الأمر الذي أدى إلى اغتياله.

ولأعوام عديدة، كانت جماعة «الإخوان المسلمين» لاعبا أساسيا مثيرا للجدل في تشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط.

وتأسست الجماعة عام 1928 بهدف محاربة الاحتلال البريطاني في مصر. ولكن رسالتها انتشرت بسرعة في جميع أنحاء المنطقة.

وقد حافظت الجماعة -المنظمة بإحكام- على أدوار متعددة، وعملت كحزب سياسي يسعى لتحقيق مكاسب انتخابية، كما أنها منظمة خيرية تروج لبرامج الرعاية الاجتماعية والتعليم الديني.

وعلى مر السنين، تطورت الجماعة لتشكل تحديا للحكومة في وطنها -مصر- وكذلك في المنطقة.

وفي بعض البلدان -مثل الأردن والمغرب وتونس والسودان- يعتبر «الإخوان المسلمين» شريكا سياسيا معترفا به.

ومع ذلك، في أماكن مثل مصر ودول الخليج العربي -باستثناء قطر- تم حظر «الإخوان المسلمين» مرارا وتكرارا، وفي بعض الحالات، تم إدراجها كـ«منظمة إرهابية». وحتى تاريخيا، تذبذبت علاقة الإخوان مع الحكومات الإقليمية بمرور الوقت.

ووصل كل رئيس مصري -في نهاية المطاف - إلى إدراك أن هناك حاجة إلى درجة معينة من الاندماج السياسي للإخوان، إذا ما أراد الحفاظ على الاستقرار.

وكان الرئيس «مبارك» ماهرا بشكل خاص في هندسة علاقته مع جماعة «الإخوان المسلمين»، بطرق مكنت الجماعة بدرجة محدودة من المشاركة في الحياة السياسية، رغم حظرها رسميا.

ولا يختلف «السيسي» عن تلك الحقيقة. وفي انعكاس تام لموقفه العام المناهض للإخوان، يقوم -من خلال وسطاء- باستكشاف فرص المصالحة مع الجماعة.

وقالت مصادر «الإخوان» في مصر إن مسؤولين من المخابرات العسكرية كانوا على اتصال مع شخصيات من «الإخوان المسلمين» في السجن مؤخرا للموافقة على صفقة يتم بموجبها الإفراج عن كبار القادة مقابل الانفصال عن السياسة.

وأشار «السيسي» إلى تحوله بسلسلة من القرارات خلال الأسبوع الماضي.

وكان أكثر ما ترتب على ذلك هو إقالة اللواء «خالد فوزي» -قائد المخابرات المؤثر في مصر- في 18 يناير/كانون الثاني.

وتولى اللواء «فوزي» مهام منصبه في ديسمبر/كانون الأول 2014 خلال فترة مضطربة، وكان ينظر إليه على أنه من عوامل تسريع حملة الحكومة ضد المعارضين الإسلاميين بشكل عام، و«الإخوان المسلمين» على وجه الخصوص.

وقالت مصادر عسكرية إن «فوزي» منع محاولات الحكومات المصرية السابقة للتوفيق مع الإخوان. ويشير رحيله إلى أن الإخوان لديهم الآن بابا جديدا.

وظهرت علامة أخرى على عودة «الإخوان»، في 23 يناير/كانون الثاني، عندما سجن «السيسي» منافسه الأبرز  قبل انتخابات الرئاسة المقرر لها في مارس/آذار، اللواء «سامي عنان».

وكان «عنان» -الذي شغل منصب رئيس أركان الجيش الأخير في عهد «مبارك»، وسلم السلطة لحكومة «مرسي»المنتخبة- يتمتع بعلاقة طويلة الأمد مع جماعة «الإخوان المسلمين».

وكان قد وعد بإعادة فتح ملفات الأحكام السابقة ضد الجماعة، ووصفها بـ«المسيسة»، على أمل الحصول على دعمها في الانتخابات المقبلة. ويبدو أن «السيسي» يعتقد أن المصالحة مع الإخوان أمر لا مفر منه، ويحاول الآن ضمان استفادته من ذلك وليس منافسيه.

وإذا كانت هناك بالفعل مصالحة؛ فسيتم تعزيز نفوذ الإخوان في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وسيثير هذا قلقا في بعض دول الخليج -مثل الإمارات والسعودية- التي أعلنت جماعة الإخوان «منظمة إرهابية».

ويمكن أن يعقد ذلك العلاقة المتشابكة بالفعل بين «السيسي» ودول الخليج رغم أن إخوان اليمن- ممثلين في حزب الاصلاح- يتحدثون مع الإمارات عبر السعودية. والسؤال المطروح الآن هو كيف ستواصل دول مثل الإمارات والسعودية تصنيف جماعة الإخوان كـ«منظمة إرهابية»إذا ما قررت مصر المصالحة مع الجماعة؟

ولأنها تحظى بدعم واسع النطاق في مصر والمنطقة، فقد تمكنت دائما من العودة وإحياء نفسها، رغم حملات القمع التي تعرضت لها من الأزمة التي تعاقبت على مصر. وإدراكا لذلك، ربما قرر «السيسي» أن يسير على خطى أسلافه من خلال التوصل إلى تفاهم جديد مع الجماعة. والوقت فقط كفيل بإثبات ذلك.

المصدر | بلومبرغ

  كلمات مفتاحية

الإخوان المسلمين السيسي مصر مصالحة