فيلم «حدث ذات مرة في أمريكا».. اليهود والمحذوف بالسينما والحياة

الخميس 8 فبراير 2018 01:02 ص

فيلم اليوم «حدث ذات مرة في أمريكا Once Upon a Time in America» أمريكي ـ إيطالي مشترك، إنتاج 1984، يمثل نهاية رحلة المخرج «سيرغو ليون»، والأخير مخرج فيلم «The Good ,The Bad and The Ugly أو الطيب والشرير والقبيح»، الفيلم الأمريكي الإيطالي الألماني الإسباني المشترك إنتاج 1966 الذي تناولناه الأسبوع الماضي، ورغم قلة أفلام مخرجهما على مدار ربع قرن كامل فإن الفيلمين يمثلان قمة ما قدم.

فيلم اليوم آخر أفلام «ليون»، ويرى كثير من النقاد أن «حدث ذات مرة في أمريكا»، رد اعتبار المخرج وكذّب ما قيل عنه أنه مخرج متخصص في أفلام «السبايتي وينسترن» من مثل فيلم الأسبوع الماضي، وإن مثل «الطيب والشرير والقبيح» ظاهرة سينمائية استمرت أكثر من 60 عامًا، أو سلسلة الأفلام التي دارت في الغرب الأمريكي في فترة الحرب الأهلية من القرن التاسع عشر، ومنها فيلم «جانغو الحر» إنتاج 2012.

رفض مخرج فيلم الليلة إخراج سلسلة أفلام «العراب» الواقعة في 3 أجزاء بطولة «آل باتشينو» والتي قدمها المخرج «فرانسيس فورد كوبولا» عن رواية لـ«ماريو بوزو» بنفس اسم الفيلم في السبعينات من القرن الماضي، وأضمر «ليون» نيته إخراج سلسلة مماثلة للفيلم الذي رفضه لرد اعتباره سينمائيًا، ولذلك عكف من عام 1972 حتى عام 1984 يصور فيلم الليلة مُخططًا أن يجيء في جزأين فحسب.

لكن فشل التوزيع التجاري لفيلم المخرج «برتولوتشي» الملحمي «1900» الذي خرج في جزأين عام 1976 جعل المنتجين يخافون ويتراجعون عن تقديم فيلم اليوم في أجزاء، فما كان من المخرج إلا أن قدم نسخة واحد للفيلم في 229 دقيقة، فقاموا باختصاره في 139 دقيقة فقط ما شوه العمل، وجعله يعوض مصاريف إنتاجه لكن يخفي كامل جماليته، ومن جانبه استطاع المخرج طرح فيلمه على وسائل تكنولوجية منتشرة ليست سينمائية في زمنه.

ويبدو أن الزخم الذي تركته النسخة الكاملة للفيلم عوضًا عن عدم نيله جوائز عدا «البافتا» وجوائز معدودة أخرى جعل منتجي الفيلم يقومون، بعيدًا عن المخرج بتقديم نسخة ثالثة في 248 دقيقة مضيفين لقطات جديدة أخرى كان المخرج استبعدها، ومنوهين في بداية الفيلم إلى رداءة تلك الدقائق!

أمريكا .. بين التفكك والعصابات

يذكرنا أمر الدقائق المحذوفة والمُعادة عشوائيًا لفيلم الليلة، بل ترتيب أحداث الفيلم بمعنى عام تُوحي به احداث الفيلم بشدة ونراه بقسوة في عالم اليوم، فإذا كان فيلم «الطيب والشرير والقبيح» أوضح كيف التأم المجتمع الأمريكي محتويًا المجرمين في داخلهم في الستينات من القرن التاسع عشر، فإن فيلم اليوم يؤكد أن أمريكا البلد المقدس الذي يقود حضارة العالم ما هو إلا نتاج الثقافة اليهودية القائمة على مزيج متداخل من الدعارة وعصابات السطو المسلح.

سيناريو فيلم اليوم عن رواية لـ«هاري غري» اسمها «الأغطية»، وقام على تحويلها لسيناريو وحوار 8 من الكُّتَّاب بالإضافة إلى المخرج، ويتم اختصار الفيلم الشديد والتعريف به عادة على أنه فيلم ملحمي ـ إجرامي ـ سيرة شخصية لحياة «ديفيد» أو «نودلز» (أدى الدور عدة ممثلين أبرزهم روبرت دي نيرو)، وتقع أحداث الفيلم بداية من الحي اليهودي في مدينة نيويورك سيتي أو «الجيتو» والمجتمع المغلق اليهودي من المدينة العملاقة.

أحداث فيلم اليوم قائمة في المقام الأول على التداخل بين أسلوبين للعرض الدرامي نادرًا ما يقوم مخرج بالخلط بينهما، الفلاش باك أو التتابع السردي العفوي للأحداث من الخلف للأمام، بالإضافة إلى تكثيف الأحداث المتتابعة عكسيًا لتوضيح أو استظهار نوايا أصحابها من أبطال الفيلم.

وما يزيد من قسوة عدم قدرة المشاهد على متابعة بعض الأحداث أن الحدث الواحد قد يتم التطرق إليه خلال الفيلم مرات، ولكن كل هذا يتم في خط درامي تمت إضافة روافد عليه، بين احداث الفيلم التي اختارها المخرج في 229 دقيقة والأخرى التي اعتمدها المنتجون في النهاية في 248 دقيقة.

تبدأ أحداث الفيلم وتنتهي بسماع جزء واحد من أغنية «God Bless America أو فليبارك الله أمريكا»، وهي الأغنية الوطنية الثانية في الولايات المتحدة بعد النشيد الوطني، وهي من كلمات «إرفينغ برلين» وغنتها «كايث سميث» عام 1938، والمخرج يفترض أن البطل «نولدز» يستمع الأغنية عام 1933، وهو يدخل لمقر للصينيين يتناولون فيه الأفيون ويمارسون الرذيلة مع الكلمات الأتية:

«فليبارك الله أمريكا

الأرض التي أحبها ووقف إلى جوارها».

يقدم لنا المخرج ما يعرفه عن أمريكا فـ«نولدز» أو «ديفيد» يفاجأ بأفراد من عصابة معادية تقتل إحدى عشيقاته وتكاد تقتل أحد أصدقائه وبالتالي يقتل أحد أفراد العصابة المضادة ومقدمة الأحداث تصور بذلك ألا قانون أصلًا يحكم بالفعل البلاد.

ومع توغل أحداث الفيلم يتضح أننا نشاهد أحداثا مختلطة تنتمي للسنوات (1920، 1933، 1969)، وعلى المستوى الأول نشاهد حي اليهود في نيويورك وبطل الفيلم طفلًا يبحث عن طريق لحياته وسط فقر بالغ، ودعارة منتشرة، وأيضًا قصة حب تبدو عفيفة مع الفتاة «ديبورا» أو «إليزبيث ماكغفرن»، وفي خضم تشرد البطل وعدم معرفته أسرة ينتمي إليها أو حتى مجتمع، يُكون عصابة مع متشرد آخر اسمه «ماكس بيركوفكز» أو «جيمس وودز» ومشاركة صبية أقل عمرًا والأخيرون انفصلوا عن عصابة لشاب أكبر سنًا «باغزي».

يحاول «باغزي» قتل أفراد العصابة الجديدة فينال من الطفل «دومينيك» وينال منه في المقابل «ديفيد»، ويقبض على الأخير ويسجن أكثر من 10 سنوات، وحين يخرج يجد أفراد العصابة وقد توغلوا في تهريب الكحوليات الممنوعة في الثلاثينيات، ليساهم معهم في عمليات إجرامية وقتل بل اغتصاب حبيبته الأولى «ديبورا» أخت أحد أفراد العصابة.

ومع إلغاء تجريم تجارة وتداول الكحوليات في الولايات المتحدة تفلس العصابة، ليفكر قائدها «ماكس» في السطو على البنك الفيدرالي، وعلى الفور يتهمه «ديفيد» بالجنون دون أن يدري أن لأسرة «ماكس» تاريخا مع الجنون في نهاية الحياة، ومن هنا ينفصل «ديفيد» عن العصابة ويحيا بمفرده حياة فقيرة من جديد.

وفي النهاية يواجه «ديفيد» «ماكس» وحبيتبه القديمة «ديبورا» فيجد صديقه وقد سطا على حبيبته مثلما أخذ ماله ومكانه في العصابة، وهو يطلب منه بهدوء أن يرد إليه أفعاله بقتله، وهو ما يرفضه «ديفيد» بشدة، ويخرج ليجد صديقه «ماكس» وقد القى بنفسه في آلة طحن النفايات.

أما المشهد الأخير فيعيدنا بسهولة لبدايات الفيلم حيث «ديفيد» والأغنية الخاصة المُمجدة لأمريكا وسني الشباب عام 1933، والنادي الصيني وتدخين الأفيون وكأن احداث الفيلم عبارة عن كابوس طويل ليس إلا.

ظهر الفيلم في النسخة التي قدمها المنتجون مهلهلًا وظهرت مشاهد كانت محذوفة أقل جودة تجعل المشاهد يتساءل عن موقعها من الأحداث، من مثل تزييف أفراد العصابة لقبور لهم على أنهم فارقوا الحياة وزيارة «ديفيد» للقبور وحصوله على مفتاح خزانة المال نظير سني سجنه مع كونه سيلتقي «ماكس» قائد العصابة بعد ثوان.

أبدع «إنيو موريكوني» في موسيقى الفيلم التصويرية، وأجاد المخرج تصوير المحذوف أو المسكوت عنه من التوغل اليهودي في المجتمع الأمريكي وقيام الحياة هناك على مجهوداتهم الإجرامية، وهو ما تعمد المخرج مداراته أحيانًا بإبراز أن المجرمين من الأبطال لهم قلوب يحبون بها، ويندمون على خيانة بعضهم البعض، مع أنهم يقتلون الآخرين بدم بارد، وهو الأمر الذي يتقاطع ويلتقي فيه مخرج اليوم مع المخرجين «فرانسيس فورد كوبولا»، «براين دي بالما»، و«مارتين سكورسيزي» سواء تناولوا اليهود أو غيرهم!

المصدر | الــــــخــليج الجــــديد

  كلمات مفتاحية

فيلم أمريكي ـ إيطالي مشترك حدث ذات مرة في أمريكا Once Upon a Time in America ليون نيويورك حي فقير جيتو دعارة تجارة خمور قتل خيانة