«ن.تايمز»: في ليبيا.. «ترامب» متردد و«الدولة» يتجمع وروسيا تواصل الضغط

الجمعة 9 فبراير 2018 07:02 ص

قام قائد عام البنتاغون في أفريقيا في مارس/آذار الماضي بزيارة نادرة إلى مقر الكونغرس مقدما بعض التحذيرات، حيث قال الجنرال «توماس والدهاوسر» للمشرعين «إن عدم الاستقرار في ليبيا وشمال أفريقيا قد يكون أهم تهديد على المدى القريب لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في القارة».

ولكن ربما كان الأمر يتعلق فقط بالقلق من تقارير المخابرات بأن روسيا تساعد «حفتر» على التحول إلى رجل قوى عسكريا في معركته للسيطرة على حكومة البلاد والموارد النفطية الهائلة.

وفي الواقع، قبل أشهر قليلة، وفي تأكيد قاطع على طموحات الكرملين المتزايدة في الشرق الأوسط، دخلت حاملة الطائرات الوحيدة في روسيا المياه الليبية، وتم الترحيب على متنها بقائد الميليشيا الجنرال «خليفة حفتر».

وخلال حملته للرئاسة، قام «دونالد ترامب» بانتقاد عملية الناتو المدعومة من الولايات المتحدة التي أطاحت بالديكتاتور الليبي العقيد «معمر القذافي»، وكان ذلك حجر الزاوية في نقده للرئيس «باراك أوباما» والسياسة الخارجية لـ«هيلاري كلينتون»، وقد ترك تدخل 2011 ليبيا بين حكومتين متصارعتين واحدة معترف بها من قبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، والأخرى منحازة مع الجنرال «حفتر»، وفي ظل هذه الفوضى، أصبحت ليبيا أيضا ملاذا آمنا لتنظيم «الدولة الإسلامية».

وقد ذكّر الهجوم الإرهابي الذي وقع في بريطانيا في الربيع الماضي، والذي كان منفذه من أصول ليبية تذكيرا فظيعا بأن «الدولة الإسلامية» في ليبيا لا تزال تشكل تهديدا مميتا، ولكن مع هذا فإن إدارة «ترامب» لم تصل بعد إلى سياسة متماسكة للبلاد تجاه ليبيا.

فمن ناحية، قال الرئيس إنه لا يرى أي دور للولايات المتحدة في ليبيا، ومن ناحية أخرى، قال إن على الولايات المتحدة أن تحارب تنظيم «الدولة الإسلامية» هناك، وقد ساعد الفراغ السياسي الناتج عن ذلك، وفقا للمسؤولين الليبيين والقادة العسكريين الأمريكيين ومحللي الاستخبارات، روسيا على نشر نفوذها المتنامي في واحدة من أخطر أجزاء العالم.

لعدة أشهر، ركزت الأسئلة حول السيد «ترامب» وروسيا بشكل كبير على قضية مختلفة؛ وهي عما إذا كان أي شخص في الدائرة الداخلية للرئيس متواطئا في جهود موسكو لعرقلة انتخابات عام 2016، ولكن عندما يقدم نهج الرئيس في ليبيا كدراسة حالة لما يقوله النقاد فإن هذا الخلل الذي يتخلل سياسته الخارجية الشاملة يوضح أيضا الديناميكية الغريبة التي تميز علاقته مع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين».

كان الكرملين يختبر أحد الافتراضات التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي في السياسة الخارجية، وهو إمكانية أن يعمل مع «بوتين» لمعالجة القضايا الشائكة في العالم الإسلامي، وبدلا من ذلك أرسل الكرملين إشارة للعالم بأن روسيا ستستمر في مواصلة العمل لأجل مصالحها الخاصة هناك.

ومع ذلك، وكما كان الحال في كثير من الأحيان عندما يتعلق الأمر بـ«بوتين»، لم يكن هناك أي مقاومة على الإطلاق من «ترامب»، ولم يقل الرئيس نفسه شيئا، ويبدو أن تقييم وزارة الخارجية يتعارض مع تقييم البنتاغون الحذر للتهديد الروسي.

وفي ديسمبر/كانون الأول، التقى السيد «ترامب» على انفراد مع رئيس الوزراء الليبي، «فايز السراج»، في واشنطن، وفى مقابلة، قال مسؤولان كبيران من البيت الابيض إن الولايات المتحدة تعمل من أجل إيجاد حل دبلوماسي للصراع الأهلي في البلاد، لكن الزعيم الليبى لم يصدر أي تصريح، والواقع أن الإدارة تركت المهمة الصعبة المتمثلة في التوسط في تسوية دبلوماسية تقريبا للأمم المتحدة.

وفي ليبيا، كما هو الحال في أماكن أخرى، استرشد «ترامب» إلى حد كبير بغرائزه الخاصة وبدائرة صغيرة من المستشارين الذين لا يتمتعون إلا بخبرة قليلة في البلد، وذلك لأنه منذ سنة من توليه منصب الرئيس، لا تزال العديد من مواقع العمل الحرجة في الخارجية شاغرة أو ملأت مؤخرا، ولم يتم تعيين كبار المتخصصين في أفريقيا للإشراف على ليبيا في مجلس الأمن القومي حتى أوائل سبتمبر/أيلول، ولا يوجد حاليا سفير أمريكي.

وقد عرقلت الجهود الرامية إلى التوصل إلى استراتيجية أمريكية شاملة من خلال الاقتتال الداخلي بين كبار المستشارين السياسيين الذين قالوا إن التدخل في أماكن مثل ليبيا لا يتماشى مع وعد حملة «أمريكا أولا» الذي قدمه «ترامب»، وبين المسؤولين الذين حثوا الرئيس على بذل المزيد من الجهد لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» هناك.

وقد جعل هذا الأمر المسؤولين الليبيين والحلفاء الغربيين وحتى سفارة الولايات المتحدة مسؤولة عن البلاد، حيث أعاد مقاتلو «الدولة» تجميع أنفسهم في ليبيا منذ انتخاب الرئيس.

وقد سأل «مارتن كوبلر»، المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة في ليبيا، في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» قبل وقت قصير من تنحيه في الصيف الماضي: «ما هي سياسة الولايات المتحدة في ليبيا؟».

موقف «دونالد ترامب» من ليبيا

فبراير/شباط 2011

دعم الرئيس «ترامب» في البداية التدخل في ليبيا، وحث إدارة «أوباما» على منع العقيد «معمر القذافي» من تنفيذ مجزرة في بنغازي: «الآن، يجب أن نذهب.. يجب أن نوقف هذا الرجل، وهذا سيكون سهلا جدا وسريعا جدا، يمكننا أن نفعل ذلك جراحيا، ووقفه عن القيام بمجزرة وإنقاذ هذه الأرواح».

يونيو/حزيران 2016

ردا على سؤال من قبل «سي بي إس» عن دعمه السابق للتدخل، قال السيد «ترامب» إنه في حين لم يعارض إسقاط السيد «القذافي»، لم يكن أبدا مع «التدخل القوي»، «يمكنك القيام بالعمل الجراحي.. أنا لم أكن مع ما حدث».

أكتوبر/تشرين الأول 2016

خلال الحملة الانتخابية، استخدم السيد «ترامب» الوضع في ليبيا لانتقاد خصمه «هيلاري كلينتون»، التي كانت وزيرة الخارجية: «انظري إلى ما فعلتيه في ليبيا مع القذافي، هذه فوضى، وبالمناسبة، تمتلك داعش جزءا جيدا من نفطها، أنا متأكد من أنك ربما سمعت ذلك، لقد كانت كارثة؛ لأن الحقيقة هي أن كل شيء فعلتيه تقريبا في السياسة الخارجية كان خطأ، إنها كانت كارثة».

أبريل/نيسان 2016

ولم يقل «ترامب»، منذ توليه مهام منصبه، شيئا عن نهجه تجاه ليبيا، باستثناء هذا البيان المتناقض إلى حد ما: «لا أرى دورا في ليبيا، وأعتقد أن الولايات المتحدة لديها الآن أدوار كافية، ونحن لنا دور في كل مكان، لذلك أنا أرى دورنا في التخلص من تنظيم الدولة».

توسيع النفوذ الروسي

وفي الوقت نفسه، اغتنم «بوتين» الجريء الفرصة لتوسيع النفوذ الروسي على دولة شمال أفريقيا الغنية بالنفط على بعد 300 ميل من أوروبا، وهذا جزء من استراتيجية أوسع وأكثر طموحا في الشرق الأوسط تستند إلى حملة الكرملين العسكرية الناجحة لدعم الرئيس السوري «بشار الأسد» على حساب أمريكا.
 
وفي ليبيا، عرضت روسيا علنا نفسها كوسيط بين الفصائل المتحاربة في البلاد لكن موسكو ساعدت أيضا سرا الجنرال «حفتر» في الوقت الذي تدعم فيه الولايات المتحدة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.

ووفقا لعشرات المقابلات التي أجريت مع المسؤولين الأوروبيين والليبيين والأمريكيين الحاليين والسابقين، فإن تدخل روسيا في ليبيا يذهب إلى أبعد بكثير من نقل الجنرال «حفتر» إلى قاعة في حاملة الطائرات الأدميرال كوزنتسوف ليتشاور مع وزير الدفاع الروسي في موسكو عبر خط هاتف آمن.
 
ويتضمن ذلك حالات لم يتم الإبلاغ عنها سابقا من محاولات شراء أسلحة مقابل النفط ومحاولات رشوة وجهود مبذولة للتأثير على تعيينات الدفاع الحكومية العليا، فضلا عن طباعة وختم النقود لحكومة «حفتر» المتحالفة معها، وقال مسؤولون بالمخابرات الأمريكية والبريطانية لصحيفة التايمز إن روسيا، بمساعدة من الإمارات العربية المتحدة ومصر، قدمت أيضا مجموعة من الأسلحة إلى الجنرال حفتر.

وفي العام الماضي، قامت روسيا بهدوء بإرسال مستشارين عسكريين وضباط استخبارات إلى شرق البلاد، ووفرت لقوات الجنرال «حفتر» قطع الغيار والإصلاحات والرعاية الطبية، وذلك وفقا لما ذكره مسؤولون أمريكيون وغيرهم من مسؤولين في المخابرات الغربية.
 
وقال «محمد منسلى»، وهو كبير مستشاري حكومة الوفاق الوطني، إنه «من الضروري» أن تصبح الولايات المتحدة أكثر انخراطا ولابد أن تدين التدخل الذي يزعزع استقرار الدول الأخرى وقال «إن الروس منخرطون في شؤوننا، بشكل كبير».
تضاؤل التعامل مع الحالة كحالة طارئة

ومن الأمور الخطرة أيضا الوضع الأمني في العاصمة الليبية طرابلس، حيث إن سفارة الولايات المتحدة قد نقلت مؤقتا إلى تونس، وفي أواخر مايو/آيار، في حفل عشاء في مقر السفير الأمريكي هناك، كان الجنرال «والدهاوسر» من بين الحضور، وقد تم الحديث بشأن عدم وجود سياسة متماسكة للإدارة بشأن ليبيا وقال أحد الضيوف الأمريكيين أنه لم يكن لديه إجابات حقيقية.

في الواقع، دعم «ترامب» التدخل في ليبيا قبل أن يصل إلى الحملة الانتخابية ثم بدأ يصف العملية العسكرية بأنها «كارثة».

وقال مسؤولون أمريكيون أن مسؤولين أمريكيين يعملون في السفارة في تونس أكدوا أن وزير الدفاع «جيم ماتيس» سيجعل ليبيا تحتل أولوية قصوى وقد كانت هناك تحذيرات من بعض كبار المستشارين العسكريين لـ«ترامب»، بما في ذلك شهادة الجنرال «والدهوسر» للجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ.

إن عدم اهتمام السيد «ترامب» المتواصل يسبب القلق في بعض الأوساط ليس بسبب التهديد الإرهابي فقط، ولكن أيضا لأن ليبيا ظلت طريق عبور أساسي للاجئين والمتجرين بالبشر.

وقال «جوشوا غيلتزر» وهو مسؤول سابق في وحدة مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي تحت رئاسة الرئيسين «أوباما» و«ترامب»: «كان هذا البلد موضوع الكثير من الخطابات في الحملة، وفي الوقت نفسه أولئك الذين عملوا في قضايا ليبيا في الحكومة شعروا بالحاجة الملحة لبناء جيوب من الاستقرار»، وأضاف: «لكن على مدى العام الماضي، لم أر الكثير من الزخم للقيام بذلك».

وفى الربيع الماضى، بعد شهرين من قيام الجنرال «والدهاوسر» بشهادته فى الكونغرس، فجر انتحارى عبوة ناسفة محملة بشظايا خلال حفلة موسيقية فى مانشستر بإنجلترا، مما أسفر عن مصرع 22 شخصا وإصابة 250 آخرين وكان الانتحاري من أصل ليبي وسافر مؤخرا إلى ليبيا للقاء قائد من «تنظيم الدولة الإسلامية».

وبحلول أوائل الصيف، كانت هناك دلائل على أن الدولة الإسلامية تتعافى في ليبيا بعد أن قتل البنتاغون أكثر من 80 مسلحا في معسكر تدريب ليبي قبل أيام من تولي «ترامب» مهام منصبه وقد حذرت «أماندا جيه دوري»، التي تنازلت لتوها عن أعلى مسؤولية في البنتاجون عن أفريقيا، من «أننا نشهد بعض الدلائل» على أن الدولة الإسلامية «تتجمع مجددا في ليبيا».

وحث بعض المساعدين الرئيس على زيادة العدد المتواضع من المستشارين العسكريين في ليبيا - ما يقرب من 12 من جنود العمليات الخاصة لكن هذا الجهد عرقله «ستيفن بانون» المساعد السابق لـ«ترامب».

وقد اشتبك «بانون» في كثير من الأحيان مع اللواء «ماكماستر» مستشار الأمن القومي لترامب، بخصوص الاستمرار في دفع المزيد من الانخراط الأمريكي في مجموعة متنوعة من الأماكن، بما في ذلك أفغانستان وسوريا واليمن، وقال «بانون» في مقابلة بعد مغادرته البيت الأبيض، «كل يوم كان هناك طرح جديد بدون استراتيجية شاملة»، مضيفا: «كانت مسألة ليبيا هي من دفعتني إلى الحافة».

كان «بانون» أكثر انفتاحا على فكرة طرحها «إيريك برينس»، مؤسس شركة الأمن الخاصة بلاك ووتر وورلد التي كان يعرفها «بانون» عندما أشرف على موقع «بريتبارت نيوز». وقد اقترح «برينس» الاعتماد على متعاقدين لمعالجة المشاكل الأمنية الليبية وقال أحد المسؤولين الليبين إن «برينس» قد تواصل معهم حول هذا الموضوع في مؤتمر في لندن حيث كان ينظّر لهذا للأمر مع «سيباستيان غوركا»، حليف «بانون» المستشار في البيت الأبيض في ذلك الوقت.

ويريد «بانون» أن يعرف كيف كان إرسال القوات الأمريكية إلى ليبيا في مصلحة أمريكا؟.

وفي اجتماع عقد في صباح 8 يوليو/تموز 2017، قدم «بانون» شكاواه إلى «ماتيس» وقال بانون إن البلاد كانت في حالة فوضى، وأن مشاركة أمريكية أكبر لا يمكن أن تؤدي سوى إلى نتائج عكسية.

استمع «ماتيس» بأدب، لبانون، لكنه أشار إلى أن ليبيا، جنبا إلى جنب مع أجزاء من سوريا والفلبين، كانت ساحة معركة حاسمة في المعركة ضد «الدولة الإسلامية». ورد «بانون» بأنه إذا كان سيطلب من الرئيس أن يشارك بشكل أعمق في ليبيا، فلابد على الأقل أن يكون لدى «ترامب» «لمحة استراتيجية عن الالتزامات الأمريكية في جميع أنحاء العالم، كل شيء من الأمور العسكرية إلى الاتفاقات التجارية، حتى يتمكن من وضع كل هذه الطلبات في سياق أوسع».

وقد عقد اجتماع متابعة استمر ثلاث ساعات مع الرئيس فى 20 يوليو/تموز فى البنتاغون وكما كان «بانون» يأمل، بمجرد أن اجتمع مجلس الأمن القومي لمناقشة النقاط الساخنة في جميع أنحاء العالم التي قد يحتاج البنتاغون إلى تعزيز وجوده فيها، سقطت ليبيا من قائمة الأولويات.

على الأقل في الوقت الراهن، انتصر بانون في ذلك اليوم، ولكن إذا كانت سياسة «ترامب» في ليبيا تبدو غير مفهومة للبعض، فإن رؤية رئيس قوة عالمية أخرى أوضح بكثير.

النفط والأسلحة

لقد كانت ليبيا في رؤية «بوتين» منذ سنوات. منذ أن أصبح مقتنعا بأن الولايات المتحدة، قد تجاوزت روسيا مرتين بإسقاط العقيد «القذافي» وفي ما وصفته بأنه تدخل إنساني محدود، حيث أن الرئيس الروسي يعمل على استعادة النفوذ هناك.

وقال «عبدالباسط اقطيط»، وهو رجل أعمال ليبي يعمل في مجال النفط متزوج من «سارة برونفمان» وهي ابنة «ادغار برونفمان» رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، في مقابلة أنه بعد أن أعلن في عام 2014 أنه سينافس على منصب رئيس الوزراء، دعي إلى اجتماع بشكل خاص في مؤتمر في اليونان مع «فلاديمير ياكونين»، رئيس شركة السكك الحديدية الروسية المملوكة للدولة.

وخلال عهد «القذافي»، وقعت ليبيا اتفاقا ليقوم الروس ببناء خط سكة حديد سريع بين بنغازي وطرابلس، وهي جزء من ممر شمال أفريقيا المتوخى ولكن المشروع توقف بعد تدخل 2011، وقال «اقطيط»، أن «ياكونين وعده بدعمه ودفعه إلى الأمام إذا انتخب».

وأضاف «اقطيط» إن السيد ياكونين بدا «يائسا»، بل عرض ما يبدو أنه رشوة لإعادة تشغيل المشروع. وقال «إنهم عرضوا على نسبة من العقد»، وأضاف «لم أكن أريد أن أسيء إلى أي شخص، ولكني أردت فقط أن أغادر».

وفي العام نفسه، اقترب الروس أيضا من «إبراهيم الجضران»، وهو زعيم ميليشيات يسيطر على الموانئ النفطية الرئيسية في ليبيا قبل الجنرال «حفتر»، وقد منعت البحرية التابعة للولايات المتحدة مؤخرا سفينة تحمل علم كوريا الشمالية، وتعطلت مؤامرة «الجضران» لتجاوز حكومة ليبيا وبيع النفط مباشرة في السوق الدولية.

وقد وصف اثنان من كبار نواب الجضران، الذين أعطوا فقط أسماءهم الأولى، أسامة وأحمد، كيف وصل الروس بعد ذلك إلى اقتراح «مدهش حقا» لمساعدة «الجضران» في بيع النفط - وتسليح ميليشياته.

وقال الروس، إنهم سيشترون النفط الخام، وينقلونه عبر مصر إلى روسيا، وسيدفع لـ«الجضران» من خلال تزويده بالأسلحة خلال الأشهر الستة الأولى، ومن ثم يدفع له نقدا بعد ذلك.

وقال «أسامة» إن «الأسلحة تضمنت كل شيء بالإضافة إلى السيارات المدرعة، والصواريخ المضادة للطائرات، والأسلحة الثقيلة، والأسلحة الخفيفة، والعتاد بما فى ذلك آليات التواصل اللاسلكية».

لكن عندما طالب الروس بالعمل بشكل حصري، قال أحمد وأسامة إن «الجضران انطلاقا من خوفه من أن الروس لا يمكن الوثوق بهم، خرج من الصفقة وهو الآن في مختبئ»، ولا يمكن الوصول إليه للتعليق.

وفي العام التالي، في عام 2015، عاد الروس، وقال أحمد وأسامة أن هذه الأسلحة كانت على الطاولة، ولكن هذه المرة أرادوا من «الجضران» أن يدعم خيار الروس لوزير الدفاع: سفير ليبيا في المملكة العربية السعودية آنذاك.

وقد أقنع مسؤولون في الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة «الجضران» بأنه سيكون من المفيد جدا مواءمة نفسه مع الغرب، وقد عقد اجتماع بين «الجضران» و«جوناثان باول»، ثم المبعوث البريطاني الى ليبيا، ويقول أسامة وأحمد: «بعد ذلك طلب إبراهيم الجضران منا إغلاق الملف مع روسيا».

ثم، في سبتمبر/ أيلول 2016، استولى الجنرال «حفتر» على محطات النفط من قوات الجضران وأشار أحمد، الذي كان قائدا خلال القتال، إلى أنه فوجيْ بتطور أسلحة الجنرال «حفتر» التي يبدو أنه قد حصل عليها بين عشية وضحاها بما في ذلك السيارات السريعة والصواريخ الموجهة ذاتيا والقدرة جديدة على إطلاق الغارات الجوية ليلا ونهارا، وقال أسامة وأحمد، إنهما يعتقدان أن الروس بدأوا بتوفير شحنات الأسلحة إلى الجنرال حفتر بعد أن رفض قائدهم «الجضران» ذلك.

وقال مسؤول أمني كبير في الأمن القومي الأمريكي ومسئول بريطاني كبير سابق إن الأدلة التي جمعت في أواخر 2015 و 2016 أشارت إلى أن الإمارات العربية المتحدة تتعاون مع روسيا لتوفير أسلحة روسية لقوات الجنرال «حفتر» بمساعدة مصر.

وأشار المسؤول البريطاني إلى هبوط هذه الأسلحة في مطار طبرق، الذي تسيطر عليه حكومة الشرق، في أواخر عام 2014 أو أوائل عام 2015. وكانت طائرة شحن أنتونوف العملاقة على المدرج، وكان يتم تفريغ صناديق تشبه المعدات العسكرية، وأضاف أن الطيار قال إن العتاد كان من بيلاروسيا.

ووصف المسؤول شحنات الأسلحة كوسيلة للروس لتوسيع نفوذهم، ومعادلة نفوذ الولايات المتحدة، دون أن يكونوا متورطين بشكل عميق.

من جانبها، أكدت روسيا أنها تمتثل لحظر الأمم المتحدة المتعلق بنقل الأسلحة إلى ليبيا فالحكومة الوحيدة المدعومة من الأمم المتحدة، والتي يرفض الجنرال حفتر أن يعترف بها، هي التي يمكنها استيراد الأسلحة، وبموافقة الأمم المتحدة فقط.

ومما لا شك فيه أن مشاركة روسيا في ليبيا بالمقارنة مع سوريا هي أقل، حيث تقوم القوات الجوية الروسية بسحق فصائل المتمردين التي تقاتل لإطاحة «الأسد»، وهناك تحلق الطائرات الروسية والأمريكية في السماء الشرقية لأغراض متقاطعة.

وفي ليبيا، يقع الدعم العسكري للجنرال «حفتر» إلى حد كبير على عاتق الإمارات العربية المتحدة ومصر اللتان تشتركان في حرب بالوكالة للتأثير الإقليمي مع قطر، التي تدعم الفصائل الإسلامية في البلاد التي تعهد الجنرال «حفتر» بالقضاء عليها.

ومع ذلك، بعد انتخاب السيد ترامب لم يكن الروس بذات الفجاجة عندما قاموا باستقبال الجنرال حفتر في موكب على متن حاملة طائراتهم فخلال العام الماضي، كانت المساعدة الروسية بشكل عام أقل حدة وقال مسؤولون بالمخابرات الأمريكية أن المستشارين العسكريين والضباط الاستخباراتيين الروس توجهوا بشكل منتظم إلى منطقة السيطرة حفتر وخارجها وقدم أفراد روس آخرون الدعم في قطع الغيار وإصلاح المعدات والرعاية الطبية.

وقال المسؤولون أن المقاولين الروس الخاصين حرسوا مصانع فى بنغازي وقدموا معدات لإزالة الألغام لقوات الجنرال «حفتر». وتستخدم القوات الخاصة الروسية قاعدة جوية في غرب مصر مع الحدود الليبية، في إشارة لاتفاق وقع مؤخرا بين روسيا ومصر.

وفي أغسطس/آب، قال الجنرال «حفتر» أنه أثار مسألة تقديم روسيا للمساعدة العسكرية مع وزير الخارجية الروسي «سيرغي لافروف»، وفي الشهر الماضي، قال «عقيلة صالح»، المتحدث باسم مجلس النواب في طبرق وحليف الجنرال حفتر، لوكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك» إن روسيا قدمت في الواقع تدريبا عسكريا لجيش «حفتر».

وقال «جيرالد فيرشتاين»، وهو الدبلوماسي الثاني في وزارة الخارجية الأمريكية لسياسة الشرق الأوسط في الفترة من 2013 إلى 2016: «إن بوتين يتقدم، وسيواصل تقدمه إلى أن يتم إيقافه».

وبغية التحوط من رهاناته على مستقبل ليبيا السياسي، تواصل «بوتين» أيضا مع حكومة الوفاق الوطني، ورحب برئيس الوزراء، «فايز السراج»، بالإضافة إلى الجنرال «حفتر»، في موسكو.

وقال مسؤولون غربيون أن روسيا تسعى إلى تسوية سياسية - فالحكومة المركزية تخدم مصالحها الاقتصادية وخاصة فى عقود الأسلحة واتفاقات الطاقة ومشروع السكك الحديدية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من وجود أدلة في سوريا وأماكن أخرى على أن روسيا والولايات المتحدة لديهما مصالح متباينة بشكل حاد في المنطقة، فقد بدا بعض كبار المسؤولين منفتحين على فكرة أن روسيا يمكن أن تكون جزءا من الحل في ليبيا.

وقد ساعد «آري بن مناش»، وهو مستشار أمني إسرائيلي مقره كندا للضغط نيابة عن الجنرال «حفتر» وحليفه «صالح»، من أجل ترتيب زيارته حاملة
 الطائرات وقال أنه تحدث إلى العديد من كبار المسؤولين فى الإدارة وانطباعه هو أنهم يعتقدون أن موسكو يمكن أن تلعب دورا مفيدا، وقال «على الأقل، إن أي تسوية هي تسوية جيدة وهم سعداء إذا قام أي طرف بجهد في ذلك»، وأضاف «إنهم يشعرون أن الروس يمكن أن يساعدوا».

ولعل ذلك يفسر رد فعل العديد من المسؤولين من الإدارة وردا على سؤال حول التدخل الروسي في ليبيا، رفض مسؤول كبير في وزارة الخارجية إدانته أو حتى التعليق عليه قائلا «هذا موضوع لا أريد الدخول إليه اليوم».

وأحال هذا المسؤول الأسئلة إلى مساعدي الأمن القومي في البيت الأبيض، الذين رفضوا أيضا التعليق.

وقبل أيام فقط قال مسؤول آخر بوزارة الخارجية أن روسيا كانت أكثر فائدة فى «تعزيز ليبيا المستقرة والمزدهرة».

ولكن على الأقل في بعض الأوساط، تظل الشكوك قائمة حول نوايا موسكو. وقال الجنرال «والدهاوسر» ردا على أسئلة الصحيفة «إننا ما زلنا قلقين، ومن غير المفاجئ أن تحاول روسيا تطوير علاقاتها من أجل مصالحها».

"لا دور"، أو "دور رائد"

وبعد مرور عام على رئاسة ترامب، لا تزال ليبيا مكانا خطيرا للغاية وهناك تهديدات جديدة آخذة في الظهور كما أن التهديدات القديمة هي في حالة إعادة تجميع أو إعادة ظهور بطرق مختلفة.

في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد رحيل «بانون» من البيت الأبيض، أقنع البنتاغون «ترامب» بالموافقة على عمل محدود ضد الدولة الإسلامية في ليبيا وشنت طائرات أمريكية بدون طيار ضربات على معسكر تدريب هناك يوم 22 سبتمبر/أيلول مما أسفر عن مقتل 17 مسلحا وقالت قيادة الولايات المتحدة فى أفريقيا أن المسلحين كانوا يجندون المقاتلين داخل البلاد وخارجها ويخزنون الأسلحة.

وبعد أربعة أيام، نفذت غارات جوية أمريكية على بعد 100 ميل جنوب شرق سرت، مما أسفر عن مقتل عدد أكبر من المقاتلين، وفقا لما ذكر البنتاغون، وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اعتقل الكوماندوز الأمريكي في ليبيا  مشتبها به ثانيا في هجمات عام 2012 ضد البعثة الدبلوماسية للولايات المتحدة ووكالة المخابرات الأمريكية في بنغازي وهي الهجمات الإرهابية التي استخدمها «ترامب» كحربة سياسية ضد إدارة «أوباما».

وتم نقل المصرى «مصطفى الإمام» على متن سفينة حربية أمريكية واقتيد إلى الولايات المتحدة، حيث اعترف فى 9 نوفمبر/تشرين الثاني بأنه متورط فى تهم جنائية مرتبطة بالهجوم الذى أدى إلى مقتل السفير «كريستوفر ستيفنز» وثلاثة أمريكيين آخرين.

وعلى الرغم من تأكيد ترامب في أبريل/نيسان الماضي أن الولايات المتحدة لن يكون لها دور في المساعدة على إعادة بناء ليبيا، فإن وزارة الخارجية ومسؤولي البيت الأبيض يصرون الآن على أن الإدارة تتخذ ما يسمى «الدور القيادي» من خلال السعي إلى «الاستراتيجية»: تنفيذ ضربات مكافحة الإرهاب التي تستهدف تنظيم الدولة الإسلامية، مع دعم المصالحة السياسية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في البلاد، وجمع مختلف الفصائل الليبية معا لدعم حكومة السراج.

لكن بالنسبة للكثير من الليبيين، تبدو استراتيجية إدارة «ترامب» تشبه إلى حد كبير نهج إدارة «أوباما» في مرحلة ما بعد بنغازي: تنفيذ ضربات تفاعلية مع ترك مهام المصالحة الصعبة إلى مبعوث آخر للأمم المتحدة.

ويقول المسؤولون الليبيون والأمريكيون الحاليون والسابقون أنه في حين أنه لا توجد حلول جاهزة لمشاكل ليبيا، ومع وجود سياسة أمريكية أكثر نشاطا وفاعلية قد تحتوي على المزيد من التفاعلات الدبلوماسية الواضحة مع القادة الليبيين فإنه لابد من وجود مبعوث خاص جديد للولايات المتحدة يكلف بالعمل على نحو وثيق مع الفصائل الليبية المتنافسة؛ ويكون دبلوماسيا محنكا ليحل محل «بيتر دبليو بود»، الذي تقاعد في نهاية العام كسفير واشنطن لدى ليبيا ولابد من تقديم دعم أوثق للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة للتوفيق بين الأطراف المتحاربة؛ وإرسال عدد أكبر من مستشاري العمليات الخاصة على أرض الواقع. 

وقال «جيسون باك» المدير التنفيذى لجمعية الأعمال الليبية الأمريكية «لقد فوضنا بوضوح كل سياستنا الخارجية فى الخليج وليبيا إلى تحالف الإمارات والسعودية ومصر»، وأضاف أن «ذلك يتيح أساسا للروس الفوز في ليبيا لأنهم يؤيدون بالضبط نفس المجموعات».

وأضاف «باك» إن النتائج بعيدة المدى «ليبيا مهمة بسبب مكانها ومن يستطيع أن يحقق السلطة في ليبيا لديه القدرة على التحكم في طوفان المهاجرين لأوروبا واجتذاب اليمينيين إلى السلطة هناك والتدخل في أسعار النفط في السوق وغيرها».

 

المصدر | نيويورك تايمز - جو بيكر وإيريك سشميت

  كلمات مفتاحية

ليبيا ترامب أوباما روسيا بوتين الدولة الإسلامية النفط الحرب على الإرهاب أمريكا