«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: تركيا وإيران على مسار تصادمي

الجمعة 9 فبراير 2018 03:02 ص

قال الجيش التركي -في 6 فبراير/شباط- إن جنديا قُتل وأُصيب 5 آخرون في هجوم بقذائف الهاون أثناء محاولتهم إقامة مركز عسكري في شمال غرب سوريا.

ولم يتضمن البيان العسكري التركي أي تفاصيل عن من هاجم الجنود، لكن صحيفة «أراب نيوز»، التي تصدر باللغة الإنجليزية في السعودية، زعمت أن «مليشيات إيرانية هي التي نفذت الهجوم».

إلا أن العديد من التقارير الأخرى أشارت ببساطة إلى أن «قوات موالية للنظام» هي التي نفذت الهجوم على القوات التركية.

وفي الحالتين، فإن تركيا وإيران على مسار تصادمي.

وبدأت الدولتان في هذا المسار بعد أن دعمت إيران وروسيا هجوم نظام الرئيس السوري «بشار الأسد» على محافظة إدلب، أحد مناطق «خفض التصعيد» التي كان من المفترض أنها ضمن اتفاق أمني مع تركيا.

وبهذا الهجوم، واللامبالاة من قبل النظام ردا على اعتراضات تركية متكررة، غضبت أنقرة؛ الأمر الذي أسفر عن توغل تركي في منطقة «عفرين» الشهر الماضي.

ورغم المقاومة الشديدة، يحرز التوغل تقدما مطردا، إلى حد أن تركيا تحاول إنشاء مركز عسكري جنوب غرب حلب منذ أكثر من أسبوع.

واشتبكت تركيا بالفعل مع قوات النظام الموالية لـ«الأسد» في نفس الموقع.

ففي 29 يناير/كانون الثاني، حاولت قافلة تركية قوامها مائة مركبة مدرعة -تدعمها القوات الجوية التركية- إنشاء موقع بين قوات النظام الموالية للنظام والقوات المعارضة لـ«الأسد» جنوب غرب حلب.

ووفقا لمعهد دراسات الحرب، قوبلت القافلة بمقاومة شديدة من قوات «الأسد»؛ ما أدى إلى وقف التقدم التركي الأولي.

وفى ذلك الوقت، جاء التقرير الوحيد من تركيا من الأركان العامة التركية، التي أشارت إلى أن جنديا تركيا وعاملا مدنيا قتلوا في هجوم بسيارة ملغومة على قافلة عسكرية.

وانتقد نظام «الأسد» -باستمرار- التوغل التركي دون أن يفعل الكثير.

وبصرف النظر عن العدد القليل من الهجمات على نطاق صغير وبعض التسريبات لـ«رويترز» التي ادعت  نشر «منظومة دفاع جوي جديدة وصواريخ مضادة للطائرات»، ركزت قوات «الأسد» بشكل أكبر على إعادة تمركز قوات الدفاع عن حلب، بدلا من الاشتباك المباشر مع القوات التركية.

ويرجع ذلك -جزئيا- إلى أن توغل تركيا لم يكن يشكل تهديدا مباشرا.

غير أن غزو «عفرين» كان مفيدا لتركيا؛ لأنه سمح لأنقرة بربط جماعات المعارضة المعادية لـ«الأسد»، التي كانت معزولة سابقا، ووضعت تركيا في وضع أفضل لتهديد حلب مباشرة إذا استمر «الأسد» في تقدمه نحو إدلب.

ولم يكن هذا ظرفا مثاليا لـ«الأسد» بأي وسيلة، لكنه كان توغلا محدودا ضمن حدود مقبولة.

لكن التحركات التركية الأخيرة في جنوب غرب حلب أكثر طموحا من التوغل الأولي؛ لأنها تزيد من التهديد المباشر لقوات «الأسد».

ويقع الموقع الذي يقال إن الجيش التركي يحاول إقامته خارج منطقة عفرين.

ولا تمتد منطقة «عفرين» -التي يسيطر عليها الأكراد- إلى حلب.

كما أن العاصمة الإقليمية -التي يطلق عليها اسم عفرين- تبعد حوالي 23 ميلا (37 كيلومترا) شمال حلب.

لكن القوات التركية دفعت إلى ما هو أبعد من ذلك؛ حيث يقال إنها تحاول إنشاء مركز ثابت في «العيس»، وهي مدينة سورية يبلغ عدد سكانها نحو 5 آلاف، وتبعد نحو 12 ميلا عن حلب، لكن إلى الجنوب الغربي من المدينة.

وعلاوة على ذلك، لا تقع «العيس» في محافظة إدلب؛ حيث وافقت إيران وروسيا من حيث المبدأ على أن تركيا مسؤولة عن أمنها، ولكن في محافظة حلب نفسها.

ومن المنطقي إذن أن يكون نظام «الأسد» وداعميه الإيرانيون قد هاجموا مرتين هذا التوسع لتوغل تركيا.

ويعني إنشاء مركز ثابت في «العيس» الإعداد لهجوم محتمل على موقع النظام في حلب.

ولهذا السبب، ردت إيران -على وجه الخصوص- على هذه التحركات العدائية التي قامت بها تركيا مؤخرا، حيث قال الرئيس «حسن روحاني» -في 5 فبراير/شباط- إن تركيا انتهكت سيادة سوريا انتهاكا صارخا.

وقال وزير خارجية إيران إن أعمال تركيا تخلق حالة من «انعدام الأمن، وعدم الاستقرار، والإرهاب».

الصمت الروسي

ومن الواضح أن الطرف الهادئ في كل هذا كان هو روسيا، التي بدون موافقة ضمنية منها لم يكن بوسع تركيا أن تدخل عفرين في المقام الأول. (لا تزال روسيا تسيطر على سماء سوريا، وكان عليها أن توافق على أي انتشار جوي تركي عبر الحدود).

وأُسقط لروسيا طائرة فوق سوريا -الأسبوع الماضي-، وكثفت هجماتها الجوية ردا على ذلك على أهداف جهادية في محافظة إدلب.

لكن روسيا لم تذهب حتى الآن إلى التنديد بعملية تركيا في عفرين.

ومع ذلك، أعطت روسيا موافقة ضمنية لـ«الأسد» وإيران لمحاولة منع تركيا من الانغماس حتى الآن في الأراضي التي يسيطر عليها النظام السوري، أو خارج نطاق اختصاصها في عملية عفرين. (يذكر أيضا أن تركيا نفذت ضربات جوية أقل خلال الأسبوع الماضي، وربما يشير ذلك إلى رفضا روسيا وراء الكواليس).

ومن ناحية، تحقق روسيا مكاسب من كل هذا؛ فهي تحقق علاقات لائقة مع تركيا، وشراكة أقوى مع إيران، لكن هذه حالة مؤقتة؛ فروسيا لديها مشاكل طويلة الأمد مع كل منهما.

وكلما ركزت تركيا وإيران على التنافس مع بعضهما البعض، كلما قل تركيزهما على التنافس مع روسيا.

ومع ذلك، فإن هذا الأمر أكبر من ذلك؛ حيث تعتمد روسيا على الوصول إلى تسوية دبلوماسية للحرب الأهلية السورية، حتى تتمكن من سحب أصولها العسكرية من البلاد بصورة مشرفة. فرجوع طيار مقاتل إلى وطنه في نعش، ومشاهدة مهمتها التجارية تقصف في دمشق، ورؤية الوضع على الأرض حول حلب يتدهور إلى هذا الحد، لم يكن جزءا من الخطة، وربما يتطلب التزامات روسية جديدة وأكثر جوهرية لحماية «الأسد».

ولا شيء من هذا هو نتيجة مفروغ منها حتى الآن. ولا تزال تركيا قادرة على التراجع، أو على الأقل التوصل إلى ترتيب عملي مع «الأسد» وإيران حول رسم حدود مؤقتة ترضي مصالح الجانبين.

ولكن العمليات العسكرية من هذا القبيل - التي بدأت في وقت مبكر - تبدأ في اتخاذ زخم من تلقاء نفسها.

وكل ما يتطلبه الأمر هو خطأ واحد في نية الجانب الآخر في مناوشة بسيطة ليتحول إلى معركة أكثر أهمية سيكون من الصعب الخروج منها.

وكانت «جيوبوليتيكال فيوتشرز» توقعت أن عام 2018 لن يكون العام الذي تواجه فيه تركيا وإيران بعضهما البعض بشكل مباشر، وقد توقعت استمرار شراكتهما، مهما كانت غير مستقرة، طوال العام. ويجري الآن وضع هذا التوقع موضع تدقيق.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

تركيا إيران روسيا نظام الأسد