تطورات «بئر الأسرار».. لماذا انزعج الجيش المصري سريعا من «جنينة»؟

الثلاثاء 13 فبراير 2018 09:02 ص

لم يكن من المنتظر أن يعلو أي صوت فوق صوت معركة الجيش المصري التي أعلن عنها في سيناء على كافة المستويات، أو هكذا كان يخطط الرئيس «عبدالفتاح السيسي»، لتكون تلك المعركة التي أطلق عليها «العملية الشاملة: سيناء 2018» خير ختام لفترته الأولى أمام الرأي العام، قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس/آذار المقبل، أو مبررا منطقيا لتأجيلها أو عدم إقامتها من الأساس.

لكن، ومنذ ساعات، طغى حدث آخر على الساحة وأثار انتباه المؤسسة العسكرية المصرية التي من المفترض أنها «مشغولة حتى الثمالة» حاليا بمعركة سيناء، حيث أعلن الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات المستشار «هشام جنينة» عن امتلاك رئيس أركان الجيش المصري الأسبق والمرشح الرئاسي المستبعد، والمحبوس حاليا بالسجن الحربي الفريق «سامي عنان»، وثائق ومستندات تكشف جوانب مخفية من الفترة التي تلت ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وحتى 30 يونيو/حزيران 2013 في مصر، وما بعدها أيضا.

التطورات جاءت متلاحقة، حوار صحفي أجرته «هاف بوست عربي» مع «جنينة» من العيار الثقيل، أكد خلاله الأخير بأنه في حال المساس بحياة «عنان» داخل محبسه، ستظهر وثائق تتعلق بكافة الأحداث الجسيمة التي وقعت عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

وعبر «جنينة» عن مخاوفه من تعرض «عنان» للاغتيال في محبسه، على غرار الفريق «عبدالحكيم عامر»، (وزير الحربية المصري من 1954 حتى 1967)، محذرا في الوقت ذاته، أنه في حال المساس به فسوف تظهر الوثائق الخطيرة التي يمتلكها «عنان»، وحفظها مع أشخاص خارج مصر.

وعن طبيعة تلك الوثائق، التي وصفها بـ«بئر أسرار»، قال إنها تكشف «أزمات حقيقية مر بها المجتمع المصري، وذلك منذ وقت 25 يناير، وصولا لوقتنا هذا، ومن بينها الحقائق حول أحداث محمد محمود (مجزرة وسط القاهرة راح ضحيتها العشرات)، وكذلك تفاصيل ما جرى في مجزرة ماسبيرو (مجزرة قتل فيها عشرات الأقباط)، والمفاجأة أن تلك المستندات تكشف حقيقة الطرف الثالث الذي قام بالعديد من الجرائم السياسية بمصر عقب ثورة 25 يناير، ومنها اغتيال عماد عفت (شيخ أزهري)، وكذلك تنحي مبارك، ومحاولة اغتيال عمر سليمان (مدير المخابرات العامة الراحل)، والحقيقة الخفية حول أحداث 30 يونيو، والجرائم التي تمت بعدها».

تطورات متلاحقة

تصريحات «جنينة» أثارت زوبعة كبيرة، وتلقفتها وسائل إعلام مؤيدة ومعارضة بالتحليل والمناقشة، وكان واضحا أن الدائرة تكبر بسرعة.

لم تكد تمر ساعات حتى خرج المتحدث باسم الجيش المصري العقيد أركان حرب «تامر الرفاعي» ببيان رسمي عبر «فيسبوك» يؤكد أن «القوات المسلحة ستستخدم كافة الحقوق التى كفلها لها الدستور والقانون فى حماية الأمن القومى والمحافظة على شرفها وعزتها إزاء ما صرح به المدعو هشام جنينة حول احتفاظ الفريق مستدعى سامى عنان بوثائق وأدلة يدعى إحتوائها على ما يدين الدولة وقيادتها، وتهديده بنشرها حال اتخاذ أى إجراءات قانونية قبل المذكور».

بعد بيان الجيش المصري تم تداول أخبار عن القبض على «هشام جنينة» من منزله بمدينة القاهرة الجديدة (شرفي العاصمة)، لكنه لم يتم تأكيدها بشكل قاطع حتى الآن.

اللافت أن بيان الجيش للرد على «جنينة» جاء وسط مجموعة من البيانات حول سير المعركة في سيناء، وهو ما عكس حالة من الانزعاج الشديد لدى السلطة في مصر على أعلى مستوياتها.

تتابع تلك الأحداث في أقل من 15 ساعة، دفع مراقبين إلى طرح أكثر من سؤال..

الدولة والجيش

أولا: لماذا تحرك الجيش سريعا إزاء تصريحات «جنينة»، رغم أنها تحدثت عن كون الوثائق تدين قيادات بالدولة وليس الجيش؟

مؤيدو الجيش حاولوا الرد على هذا السؤال، قائلين إن بطل الواقعة هو رجل عسكري وكان يتولى منصبا شديد الحساسية بالجيش المصري، لذلك يجب أن يتدخل الجيش سريعا للتحقيق فيما نسبه «جنينة» لـ«عنان».

أما المعارضون، فرأوا أن سرعة تحرك الجيش جاء بسبب كون الوثائق تدين قيادات عسكرية، لأن المجلس العسكري هو الذي كان يحكم بشكل صريح ورسمي، بعد فترة يناير/كانون الثاني 2011.

وهناك وجهة نظر أخرى تشير إلى أن «السيسي» تصرف بسرعة، لأنه كان له الدور الأكبر في هذه الفترة، وتحديدا ما بعد حكم «محمد مرسي» حتى 30 يونيو/حزيران 2013، وبالتالي فإن هذه الوثائق من المتوقع أن تكشف أبعادا جديدة لا يريد «السيسي» أن تنكشف لا في الحاضر أو المستقبل، لا سيما مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي.

ثانيا: لماذا بدأ التحرك ضد «عنان» فورا، وبعد قليل من تصريحات «جنينة»؟

يشير المراقبون هنا إلى ما تداولته وسائل إعلام من صدور قرار «عسكري» بالتحفظ على أموال «عنان» وممتلكاته، وكذا زوجته وأبنائه، وهو ما يعطي زخما ومصداقية لما ذكره «جنينة»، ويدل على صحة وجود تلك الوثائق.

الأهم من ذلك، هل كان الإجراء العقابي المبكر تجاه «عنان» وأسرته دافعا أساسيا لخروج نجله «سمير» لنفي الواقعة برمتها؟ وهو النفي الذي أحرج «جنينة» ورفع الغطاء عنه.

حدود الضغوط

ثالثا: في حالة صحة وجود الوثائق خارج البلاد، ماذا ستفعل السلطة الآن؟ وما هي حدود الضغوط التي يمكن أن تمارس ضد «عنان» أو «جنينة» لمعرفة مكانها والتعامل معها؟

واقعيا، لا توجد إجابة واضحة على هذا السؤال، لكن التوقعات تشير إلى أن الضغوط ستمارس لأقصى درجة، لأن وجود مثل تلك الوثائق يهدد «السيسي» شخصيا، وقد يكون الأمر له انعكاسات وارتدادات إقليمية ودولية، وقياسا إلى منهج «السيسي» في التصعيد دون مراعاة أية خطوط حمراء، فإن كل الاحتمالات واردة.

ستكون أولوية السلطة هنا هو الإبقاء على حياة «عنان»، ومحاولة معرفة الشخص أو الجهة التي تحتفظ بتلك الوثائق خارج مصر، واستعادتها، والكرة الآن قد تكون في ملعب هذا الشخص أو تلك الجهة لمحاولة تأمين ما بحوزته، لا سيما مع حالة الغموض التي ستكتنف مصير «عنان» خلال الفترة المقبلة، بعد كل ما حدث.

رابعا: هل بالفعل لا تزال فترة الثورة وما بعدها حتى 30 يونيو صندوقا أسود؟ ويحتاج الى وثائق لكشفه؟ خاصة بعد كل ما تكشف عن دور الجيش والمخابرات الحربية وباقي أجهزة الدولة في مخطط إجهاض الثورة والانقلاب على حكم الرئيس الأسبق «محمد مرسي»؟

تشير ردة الفعل العسكرية السريعة تجاه ما قاله «جنينة» إلى أن تلك الوثائق، في حالة وجودها، تحتوي بالفعل على وقائع مذهلة، قد تشكل اضطرابا في موازين القوى التي بنتها السلطة داخليا، والتحالفات التي نسجتها إقليميا ودوليا، والأهم هو أنها قد تسبب حراكا غير مرغوب فيه داخل الجيش حاليا.

توازنات وجبهات

خامسا: على افتراض صحة واقعة الوثائق..  كيف نجح «سامي عنان» في تهريب تلك الوثائق دون أن ينتبه إليه أحد بالمجلس العسكري، خصوصا «السيسي» الذي كان مديرا للمخابرات الحربية آنذاك؟

الإجابة على هذا السؤال قد تفسر جزءا كبيرا من المشهد، حيث تشير إلى أن «عنان» ليس وحده، وأن هناك أطرافا داخل المجلس العسكري ساعدته على ذلك، وهو ما يعني صحة نظرية معارضة قيادات بالمؤسسة العسكرية لـ«السيسي» وأسلوبه في الحكم، وهو الرأي الذي تدعمه الإقالات التي نفذها «السيسي» بين أعضاء المجلس العسكري وقادة الأسلحة الرئيسية بالجيش، ووكلاء جهاز المخابرات خلال الفترة الماضية.

سادسا: هل من المتصور أن يخرج «عنان» وثائق قد تدينه هو شخصيا، باعتباره كان الرجل الثاني بالمجلس العسكري خلال فترة ما بعد يناير 2011 وحتى إقالته في 2012؟

نعم، قد تكون تلك الوثائق تدين بشكل أكبر «السيسي» والمخابرات الحربية، وهنا قد يسهل على «عنان» التحدث عن كون المخابرات الحربية تصرفت من تلقاء نفسها خارج سيطرة المجلس العسكري حينذاك، وهو ما يورط «السيسي» بشكل أكبر.

في كل الأحوال، باتت كل الاحتمالات مفتوحة حاليا نحو تصعيد يبدو أنه لم يعد من جهة واحدة، وأن الأيام المقبلة حبلى بمفاجآت أخرى، وهو ما يضع فرضية الانتخابات الرئاسية من أساسها على المحك.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

عبدالفتاح السيسي هشام جنينة بئر الاسرار وثائق مستندات المجلس العسكري.