«بوليسي دايجيست»: الخليج.. وحصاد عام مرتبك من رئاسة «ترامب»

الجمعة 16 فبراير 2018 11:02 ص

في خضم ما فجرته رواية «النار والغضب» لـ«مايكل وولف» حول رئاسة «ترامب» حتى الآن، يأمل القراء في مزيد من التبصر حول بعض الخلافات الدولية في العام الأول لـ«ترامب» في منصبه، ويتطلعون إلى ما هو أكثر من الصفحات القليلة التي عرجت على زيارة الرئيس -في مايو/أيار عام 2017- إلى السعودية و(إسرائيل). ويرى «وولف» أن «عقيدة ترامب» في المعاملات الدولية تتلخص في «إذا أعطيتنا ما نريد، سوف نقدم لك ما تريد»، وأن المملكة العربية السعودية قد أصبحت في حالة اختبار للقبول بهذه العقيدة ودخولها موضع التنفيذ. إلا أن «وولف» لم يتطرق إلى ما حدث في مؤتمر قمة الرياض الذي حضره «ترامب» ويعد هذا إغفالا، لأن التواصل بين المسؤولين من السعودية والإمارات مع الإدارة التي كانت قادمة - آنذاك - توفر قصة تحذيرية بشأن سير السياسة الخارجية في عصر «ترامب».

الالتفاف على الربيع العربي

وقد تدهورت العلاقات بين إدارة أوباما ونظرائها في الخليج -بشكل كبير- بعد اندلاع الربيع العربي. وقد رد المسؤولون في عواصم دول مجلس التعاون الخليجي -وخاصة الرياض وأبوظبي- بشكل سلبي على سحب الدعم الأمريكي في فبراير/شباط عام 2011  للرئيس المصري «حسني مبارك»، وهو -مثلهم- كان شريكا سياسيا وأمنيا لأمريكا منذ فترة طويلة، ثم الدعم الأمريكي اللاحق للحكومات الإسلامية التي جاءت بعد ذلك إلى السلطة في تونس ومصر. وكان قرار الرئيس أوباما -في سبتمبر/أيلول عام 2013- بالتخلي عن «خطه الأحمر» وعدم التدخل بعد أن استخدم نظام الأسد الأسلحة الكيميائية قد أفزع صناع القرار في قطر والسعودية، اللذين كانا يدعمان جماعات معارضة مختلفة في الحرب الأهلية السورية. ولم يخف المسؤولون السعوديون البارزون عن غضبهم بسبب تهميشهم من المفاوضات النووية التي قادتها الولايات المتحدة مع إيران، والتي بلغت ذروتها انتهاء بخطة العمل الشاملة المشتركة في يوليو/تموز عام 2015. وفي مارس/آذار عام 2016، تحدث «أوباما» عن «الراكبين بالمجان» في حديث لمجلة ذي أتلانتيك، الأمر الذي أثار غضبا إضافيا بين النخب الحاكمة في دول مجلس التعاون الخليجي، الذين شعروا أن هذه التصريحات كانت تستهدفهم جزئيا.

ومع تدهور العلاقات مع البيت الأبيض في ظل إدارة «أوباما»، أصبحت الدوائر الحاكمة في عواصم الخليج أكثر قوة في السعي لتحقيق مصالحها الإقليمية الخاصة. وكان ذلك -في جزء منه- رد فعل من قبل المسؤولين السعوديين والإماراتيين على نهج قطر الحازم في دعم الانتفاضات في شمال أفريقيا وسوريا، بين عامي 2011 و2013. وبقيادة الأمير «حمد بن خليفة آل ثاني»، ورئيس الوزراء «حمد بن جاسم آل ثاني»، ومع التحولات السياسية في تونس ومصر، والانتفاضات المناهضة للنظام في ليبيا وسوريا، شعرت قطر بالارتياح إزاء التمكين الإقليمي للإسلاميين السياسيين، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمون. وعلى النقيض من ذلك، اتبعت الإمارات العربية المتحدة نهجا معارضا تماما، يسعى إلى القضاء على إمكانات أي معارضة يقودها الإسلاميون على الصعيد المحلي، وعلى الصعيد الإقليمي في وقت لاحق. وعلى الرغم من مشاركة كل من الإمارات وقطر في التدخل الذي قادته منظمة حلف شمال الأطلسي في ليبيا، والذي أطاح بالعقيد القذافي عام 2011، ساعد توريدها للأسلحة إلى ميليشيات مختلفة في زرع بذور الصراع الذي مزق البلاد فيما بعد.

وتراجع الأمير «حمد» في 25 يونيو/حزيران عام 2013، وسلم السلطة لابنه الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني» -البالغ من العمر 33 عاما. وبعد 8 أيام- في 3 يوليو/تموز عام 2013، تمت الإطاحة بـ«محمد مرسي» عبر انقلاب عسكري في مصر، وحل محله الفريق «عبد الفتاح السيسي»، الذي خلفه رئيسا في عام 2014. وقد ضخت السعودية والإمارات والكويت على الفور أكثر من 12 مليار دولار للنظام المصري الجديد، وهو مبلغ تجاوز بكثير ما قدمته حكومة قطر لحكومة «مرسي»، وهو ما بلغ نحو 7.5 مليار دولار في شكل مساعدات مالية ومساعدات إنمائية في عام 2012-2013. وقال وزير الخارجية في قطر -آنذاك- «خالد بن محمد العطية» إن الضغوط السعودية والإماراتية على الأمير القطري الجديد بدأت أيضا في غضون أسابيع من تولي الشيخ «تميم» السلطة. وبعد أن أتيحت لهما فرصة غير متوقعة لعكس نتائج الربيع العربي، تصرفت أبوظبي والرياض بسرعة لضمان عدم تمكن الحركات الاحتجاجية ولا قطر مرة أخرى من تهديد الوضع السياسي الراهن.

وبعد النهج القطري النشط في عامي 2011 و2012، فقد نشطت دول الخليج في ليبيا واليمن والخليج ومصر. وضخت السعودية والإمارات عشرات المليارات من الدولارات في المساعدات المالية والاستثمار في البنية التحتية المصممة لإطلاق الاقتصاد المصري المتدهور. ونسقت دولة الإمارات -بشكل وثيق- مع مصر وروسيا لتدعيم الرجل الليبي القوي «خليفة حفتر»، حيث كان يقاتل الميليشيات الإسلامية في شرق ليبيا، وحظي بمجال نفوذ مستقل -إلى حد كبير- منفصلا عن العملية السياسية المدعومة دوليا في طرابلس. وسحب السعوديون والإماراتيون -إلى جانب البحرينيين- سفراءهم من قطر في مارس/آذار عام 2014، واتهموا الدوحة بالتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها الإقليميين.

واستمرت الأزمة الدبلوماسية الخليجية الأولى لمدة 9 أشهر، حتى وافقت قطر على تقديم عدة تنازلات أمنية، حيث عاد السفراء الثلاثة إلى الدوحة في ديسمبر/كانون الأول عام 2014. وقد شهدت اتفاقية الرياض -التي وقعها وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي الستة في 16 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014- تسوية ظاهرية للنزاع مع قطر. وقد تم نقل 7 من كبار أعضاء جماعة الإخوان المسلمون المصرية -بما في ذلك أمينها العام «محمود حسين»- إلى تركيا، كما تم طرد العديد من الإسلاميين الإماراتيين الذين أقاموا في قطر بعد فرارهم من الحملة الأمنية في الإمارات. وبعد 10 أشهر، بدا انضمام القوات القطرية إلى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن عودة فعلية لقطر إلى حظيرة مجلس التعاون الخليجي، وإنهاء لحواجز ما قبل عام 2014.

وعلى الصعيد الدولي، أوضح الملك «سلمان» استياءه من إدارة «أوباما»؛ وذلك من خلال إلغاء حضوره المقرر لقمة الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي في كامب ديفيد في مايو/أيار عام 2015. وقبل 6 أسابيع من ذلك، بدأت السعودية والإمارات عملية «عاصفة الحزم» في اليمن. وقد بدأت حرب اليمن لاستعادة حكومة الرئيس «عبدربه منصور هادي» الذي تمت الإطاحة به عام 2014، على يد التحالف التكتيكي بين المتمردين الحوثيين مع إيران والمسلحين الموالين للرئيس اليمني السابق «علي عبدالله صالح». وقد تم إطلاقها قبل 5 أيام فقط من الموعد النهائي (تم تمديده لاحقا إلى تموز/يوليو عام 2015) للمفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 5+1، وكان قرارا باتخاذ إجراء عسكري لمواجهة النفوذ الإيراني المتصور في اليمن. وكان اعتقاد إدارة «أوباما» بأنه كان من الممكن فصل القضية النووية عن التدخل الإيراني في الشؤون الإقليمية.

التواصل مع ترامب

وكان هذا الأمر في طليعة الشؤون الإقليمية والمنافسات التي أطلقتها إدارة «ترامب» نفسها بعد انتصار غير متوقع في الانتخابات الرئاسية، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016. وقد تواصل مسؤولون من الإمارات مباشرة بعد أن بدأت عملية الانتقال، وطلبوا من الإدارة المشاركة وعرض وجهات نظرهم. وعقد ولي عهد أبوظبي الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان» اجتماعا -استمر 3 ساعات- مع «كوشنر» و«ستيف بانون» و«مايكل فلين» -في برج «ترامب» في ديسمبر/كانون الأول عام 2016- وهي الزيارة التي أثارت جدلا، لأن الإمارات لم تخطر إدارة «أوباما» بوجود ولي العهد في نيويورك، كما هو معتاد عندما يتوجه رئيس دولة بحكم الأمر الواقع إلى الولايات المتحدة. وكان «إريك برنس» -شقيق بيتسي ديفوس- مرشح الرئيس المنتخب ترامب لشغل منصب وزير التعليم، زائرا آخر لدولة الإمارات. وكان «برنس» قد تم استئجاره من قبل أبوظبي لتطوير قوة أمنية خاصة، بعد أن سبق له تأسيس «بلاك ووتر» عام 2009. وقدم نفسه مبعوثا غير رسمي لترامب إلى كبار المسؤولين الإماراتيين، والتقى مع مسؤول روسي في اجتماع برعاية الإمارات في سيشيل، قبل تنصيب «ترامب» بقليل، كجزء من محاولة لإقامة قناة خلفية للاتصال حول سوريا وإيران.

وبدأ سفير أبوظبي المؤثر في واشنطن «يوسف العتيبة» في الاجتماع والتحدث بانتظام لمرة واحدة في الأسبوع مع «كوشنر» -صهر الرئيس- المكلف بمعظم سياسات إدارة «ترامب» في الشرق الأوسط. وبعد فترة وجيزة من تولي ترامب منصبه، ذكرت «بوليتيكو» أن «كوشنر» و«العتيبة» كانوا «يتواصلون دائما عبر الاتصال الهاتفي والبريد الإلكتروني». وقد نقل عن «العتيبة» قوله: «في الأسابيع الأولى للإدارة، تواصل كوشنر -أيضا- مع صناع السياسة السعودية، بمن فيهم ولي ولي العهد -آنذاك- الأمير محمد بن سلمان آل سعود، الذي يشبه كوشنر». وقيل إن الرجلين اجتمعا حتى الساعة 4 صباحا تقريبا في «تبادل الأخبار واستراتيجيات التخطيط»، خلال زيارة غير معلنة قام بها «كوشنر» إلى المملكة العربية السعودية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017.

وقد قرر الرئيس وكبار موظفيه القيام بأمورهم في طريقهم وتجاوز المسرحية التقليدية للسياسة الخارجية الأمريكية والدبلوماسية الدولية، الأمر الذي أتاح فرصة سانحة أمام المملكة ودولة الإمارات للتأثير على الإدارة الأمريكية.

ونادرا ما عرف التاريخ الأمريكي الحديث إدارة دخلت البيت الأبيض مع مثل هذا الازدراء الظاهر لسياسات سابقتها. وتوقعت الرياض وأبوظبي بأن تتبنى رئاسة «ترامب» مواقف متشددة بشأن القضايا الإقليمية مثل إيران والإسلام السياسي، تتطابق بشكل وثيق مع تعيينات «جيمس ماتيس» كوزير للدفاع، و«مايك بومبيو» مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.

وخلال ربيع عام 2017، زار كل من «بن سلمان» و«محمد بن زايد» البيت الأبيض، وأعلن الرئيس «ترامب» أن زيارته الأولى إلى الخارج ستكون إلى السعودية في مايو/أيار. وكان هذا انقطاع آخر عن التقاليد الرئاسية، حيث جعل 4 من أسلافه الخمسة المباشرين -منذ «رونالد ريغان»- أول زياراتهم الخارجية إلى كندا، في حين اختار جورج بوش - في فبراير/شباط عام 2001 - الخروج إلى المكسيك بدلا من ذلك. وشهدت كثير من الأعمال التحضيرية للقمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض التي حضرها الرئيس في الرياض -في 21-22 مايو/أيار- تنسيقا مباشرا بين البيت الأبيض والديوان الملكي في السعودية، وليس من قبل وزارة الخارجية. وفي الرياض، التقى الرئيس «ترامب» -على المستوى الثنائي- مع قادة من 5 دول من دول مجلس التعاون الخليجي الست، وألغى قبل وقت قصير اجتماعا مع نائب رئيس الوزراء العماني السيد «فهد بن محمود آل سعيد». وخلال القمة، تم تصوير ترامب في لقطة متوهجة مع الملك السعودي «سلمان» والرئيس المصري «السيسي».

وناقش الرئيس «ترامب» -خلال لقائه مع الأمير «تميم» أمير قطر- شراء الكثير من المعدات العسكرية. رغم تعليقاته اللاحقة ضد قطر، بعد أن بدأ الحصار الدبلوماسي والاقتصادي السعودي والإماراتي ضدها في 5 يونيو/حزيران عام 2017. وفي عدد من التغريدات -التي نشرت يوم 6 يونيو/حزيران- قال الرئيس «ترامب»: «خلال رحلتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، ذكرت أنه لا يمكن أن يكون هناك تمويل للأيديولوجية الراديكالية. وأشار القادة إلى أن قطر تفعل ذلك». وأضاف: «من الجيد جدا أن نرى أن زيارة السعودية بحضور الملك وقادة 50 بلدا أخرى تجدي بالفعل. وقد قالوا إنهم سيتخذون خطا متشددا بشأن تمويل التطرف، وكانت كل الإشارات تشير إلى قطر». ومع ذلك، وقفت وزارة الخارجية الأمريكية -ممثلة في «ريكس تيلرسون»- ووزارة الدفاع -ممثلة في «جيمس ماتيس»- أمام هذا الخط المنحاز من قبل «ترامب».

صداقة محفوفة بالمخاطر

ولم تكن جهود التوعية والضغط التي بذلها المسؤولون السعوديون والإماراتيون منفصلة عن الواقع، حيث كافح صناع السياسة عبر الطيف السياسي والتجاري لفهم العام الأول من إدارة «ترامب» الفوضوية. وأضافت السعودية 6 شركات ضغط جديدة -على الأقل- إلى قائمة شركات الضغط العاملة لصالحها في واشنطن العاصمة بين نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016 ومايو/أيار عام 2017، ولكن عقود الضغط المسجلة -التي بلغ عددها 28 عقدا- كانت أقل بكثير من العقود الـ47 التي تحتفظ بها اليابان. وفي الولايات المتحدة، أنفق عمالقة التكنولوجيا -أبل وفيسبوك وجوجل- مبالغ قياسية على الضغط الفيدرالي خلال عام 2017، كما سعى المديرون التنفيذيون لمواجهة المطالب السياسية بتنظيم أكبر لنشاطهم، وتشكيل تفكير الإدارة بشأن الهجرة وغيرها من القضايا الخلافية. وقد ساهم عدم القدرة على التنبؤ بصنع القرار، والخلفية غير التقليدية لبعض كبار المديرين في البيت الأبيض، في تدافع يبدو أنه جر الجميع إلى سباق للتأثير على الرئيس ودائرته الداخلية، على الأقل في الأشهر الأولى، حتى تعيين «جون كيلي» رئيسا للأركان في أغسطس/آب عام 2017.

ومع ذلك، فإن العنصر الملحوظ حول التواصل السعودي الإماراتي هو النجاح المحدود الذي حققه. وقد يكون المسؤولون قد اغتنموا الفرصة لتشكيل تفكير الإدارة، ونجحوا مؤقتا في ذلك خلال شهر يونيو/حزيران عام 2017، حين حصلوا على دعم الرئيس الأولي ضد قطر، إلا أنه قد ثبت -فيما بعد- أن التعاون لم يؤت ثمارا جوهرية. وهنا تكمن النقطة التحذيرية التي اكتشفها قادة العالم الآخرون، من «مالكولم تورنبول» في أستراليا إلى «تيريزا ماي» في بريطانيا «وأنجيلا ميركل» في ألمانيا، وهو أن نهج المعاملات في صنع السياسة الذي اتخذه ترامب، ليس بالضرورة مدعوما بأي التزام أعمق أو أساسي لعلاقة القيم أو المصالح. ومثال على ذلك ما جاء في يوليو/تموز 2017، عندما أخبر الرئيس «ترامب» «بات روبرتسون» -من شبكة الإذاعة المسيحية- أنه اشترط لحضور قمة الرياض الوصول إلى 110 مليارات دولار من مبيعات الأسلحة وغيرها من الاتفاقات الموقعة مع السعودية. وقد تفاخر «ترامب»: «لقد قلت، عليكم أن تفعلوا ذلك، وإلا لن أذهب».

كما أوضحت مكالمة هاتفية بين «ترامب» والأمير «تميم» -في 15 يناير/كانون الثاني 2018- عدم وجود موقف ثابت من الرئيس بشأن القضايا الرئيسية. وفي حين أيد «ترامب» الحصار السعودي الإماراتي على قطر في يونيو/حزيران عام 2017، وسعى حتى على تويتر للحصول على الفضل في هذه الخطوة، فإنه بعد 7 أشهر شكر الأمير على «الجهد القطري لمكافحة الإرهاب والتطرف في جميع أشكاله». وجاءت المكالمة بعد عدة أيام من الاتهامات الإماراتية لقطر باعتراضات جوية لطائراتها المدنية. ولم تكن هذه المكالمة تشير فقط إلى تحول موقف «ترامب» 180 درجة منذ يونيو/حزيران عام 2017 من أزمة الخليج، ولكنها أوضحت أيضا أن الرئيس لم يعد يتشاطر وجهة نظر منتقدي قطر بأن الدوحة تمثل تهديدا للأمن والاستقرار الإقليميين.

وقد وقعت القيادة القطرية مذكرات تفاهم مع واشنطن بشأن مكافحة الإرهاب وتمويله في يوليو/تموز عام 2017، وبشأن تعزيز التعاون بين النيابة العامة في قطر ووزارة العدل الأمريكية في يناير/كانون الثاني عام 2018. كما عقد مسؤولون من البلدين ورشة عمل لتبادل الخبرات الفنية في الدوحة في 4 أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 لتطوير نظام التعيين المحلي في قطر، ونظموا حوارا أمريكيا قطريا لمكافحة الإرهاب في واشنطن العاصمة يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2017. وشكلت هذه الإجراءات العملية خطوات لتعميق الشراكة الاستراتيجية والأمنية الثنائية، بالطرق التي دلت عليها -على الأرجح- وفود الولايات المتحدة إلى الدوحة برئاسة وزير الخارجية «ريكس تيلرسون»، ووزير الخزانة «ستيفن منوشين»، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017.

وفي المنطقة، تعرضت 4 عقود من التعاون الدبلوماسي والتكنوقراطي بين دول مجلس التعاون الخليجي الـ6 للخطر، مما يهدد بقاء إحدى المنظمات الإقليمية الأكثر دواما في العالم العربي. وفي حين تمكنت دول مجلس التعاون الخليجي من عقد مؤتمر القمة السنوي في ديسمبر/كانون الأول عام 2017، فإن عدم حضور القيادة السعودية والإماراتية والبحرينية قد عرقل القمة وفرغها من مضمونها. وقد تزامن ذلك مع الإعلان عن إقامة شراكة تعاونية سعودية وإماراتية، استبعدت بشكل كبير دول المجلس الأخرى. ومن الصعب أن نرى كيف يمكن للمجلس أن يتعافى بعد أن فشلت المؤسسة شبه الإقليمية في منع ثلاثة من أعضائها من الدخول في أزمة مع عضو رابع مرتين في 3 أعوام، وكانت المؤسسة غائبة في كل مرحلة من مراحل الأزمة، من بداية قائمة التظلم إلى محاولات الوساطة اللاحقة.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن الأزمة الخليجية -على الأقل في مراحلها الأولى- أضرت بمصداقية ووحدة صنع السياسة الأمريكية في المنطقة، وليس أقلها أنها خلقت ارتباكا بين البيت الأبيض من جهة، وإدارات الدولة والدفاع من جهة أخرى. وقد تضخمت الفكرة القائلة بأن الولايات المتحدة تفتقر إلى نهج موحد تجاه الأزمة، الأمر الذي تكشف عن طريق التناقض بين تعليقات الوزير «تيلرسون» والرئيس «ترامب».

لكن يبدو أن نهج السياسة الأمريكية تجاه قطر قد استقر الآن على وجهة النظر القائلة بأن المواجهة تضر بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية في الخليج وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط الأوسع، وينبغي حلها من خلال الوساطة التي تقودها الكويت. ومع ذلك، فإن الإشارات المختلطة التي خرجت من إدارة «ترامب» خلال الأشهر الستة الأولى في منصبه، تشكل نقطة تحذيرية، لأنها توضح ضعف فئة سياسية جديدة وعديمة الخبرة للتأثير، للدرجة التي تقترب من تعريض شراكة أمريكية رئيسية في الشرق الأوسط للخطر. وعلى عكس العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران، لا توجد جوانب واضحة «جيدة» و«سيئة» يجب على الولايات المتحدة دعمها أو معارضتها في تعاملاتها مع أعضاء مجلس التعاون الخليجي، وجميعهم كان محوريا -بطرق مختلفة- للهيمنة والنفوذ الأمريكيين في المنطقة. ومن جانبهم، يدرك صناع السياسات في الرياض وأبوظبي -وكذلك الدوحة- أنه لم يعد بإمكانهم -بلا شك- الحصول على دعم أمريكي غير مشروط، وأن طبيعة المعاملات مع رئاسة «ترامب» تقيم حالة بعد حالة، ويمكن أساسا أن تتحول وتتغير دون سابق إنذار.

المصدر | كريستيان كوتس أولريخسن - إنترناشيونال بوليسي دايجيست

  كلمات مفتاحية

إدارة ترامب المملكة العربية السعودية الأزمة الخليجية مجلس التعاون الخليجي