«الساحر الأسود» .. منفذ أكبر عملية احتيال على بنك إماراتي

الأحد 18 فبراير 2018 01:02 ص

بعد مرور 20 عاما على أكبر واقعة احتيال مالي في العالم باستخدام «السحر الأسود» استهدفت بنك «دبي الإسلامي» في الإمارات، وتسببت في سرقة 242 مليون دولار، في أغسطس/آب عام 1995، يروي بطل الواقعة «فوتانغا باباني سيسوكو»، تفاصيل ما حدث.

وبحسب «بي بي سي»، يعيش «سيسوكو» في مسقط رأسه بمالي، ولايزال حرا طليقا ويعيش في مالي دون أن يدخل السجن ولو ليوم واحد. وتصف الإذاعة في نسختها العربية أن ما قام به واحدة من أكثر حيل النصب جرأة وثقة في التاريخ.

وتوضح «بي بي سي» أن البداية كانت عندما ذهب مواطن مالي في الإمارات يدعى «فوتانغا سيسوكو»، لطلب قرض من بنك «دبي الإسلامي» لشراء سيارة، حيث ارتكب مدير البنك «محمد أيوب» الخطأ الفادح الذي تسبب في حدوث الواقعة، وهو قبول دعوة «سيسوكو» على العشاء كنوع من رد الجميل للموافقة على القرض.

وأثناء العشاء، بدأ «سيسوكو» تنفيذ مخططه بإدعاء شيء مدهش، وهو امتلاكه قدرات سحرية وأنه يمكنه «توليد الأموال»، بمعنى مضاعفة أي مبلغ يريده، ودعا صديقه الإماراتي للحضور إليه مرة أخرى ومعه مبلغ من المال لتأكيد قدرته السحرية على زيادة الأموال.

وتلفت الإذاعة عبر موقعها، إلى أن «أيوب» استسلم بالفعل لمزاعم «سيسوكو»، رجل الأعمال الغامض وصاحب الملابس المزركشة القادم من قرية نائية في مالي، ولم ينتظر مدير البنك طويلا حتى ذهب مجددا إلى منزل الأخير ومعه أمواله، وقابله مندفعا من إحدى غرف المنزل وهو يصيح بأن «الجن هاجمه للتو، وحذره من إغضاب الجن وإلا فلن تتضاعف أمواله، فاستجاب أيوب على الفور وترك الأموال في الغرفة المسحورة وظل ينتظر».

وروى «أيوب» ما حدث معه وقال «رأيت ضوء ودخانا وسمعت أصوات الجن. ثم فجأة ساد الصمت»، وكانت المفاجأة أن الأموال تضاعفت كما وعده الساحر.

من ناحيته، يوضح «ألان فاين»، محقق من ميامي استعان به البنك الإماراتي فيما بعد للتحقيق في الجريمة، ما حدث قائلا «أيوب آمن بأن ما حدث كان سحرا أسودا، وأن سيسوكو بالفعل قادر على مضاعفة الأموال»، وبالفعل عاد وأرسل أموالا إلى «سيسوكو»، وكانت من أموال البنك، واعتقد أنها ستعود إليه أضعافا مضاعفة ويستفيد منها.

وبحسب أوراق القضية فقد أجرى «أيوب» 183 تحويلا ماليا إلى حسابات «سيسوكو» حول العالم، في الفترة من 1995 إلى 1998.

كما عمل «سيسوكو» على استخدام أموال بطاقات ائتمانية كبيرة، بلغت الملايين بحسب «فاين»، وكان «أيوب» يتولى تسوية هذه الأموال بدلا منه.

وفي عام 1998، بدأت الشائعات تتناول البنك وأزمته المالية. حينها نشرت إحدى الصحف في دبي تقريرا عن أن البنك يعاني أزمة سيولة، وحدثت اضطرابات وتجمع المودعون أمام البنك في انتظار سحب أموالهم.

بينما سعت حكومة دبي لتهدئة الأزمة، وقالت إنها «مشكلة صغيرة ولن تتسبب في أية خسائر مالية سواء في استثمارات البنك أو حسابات المودعين». وهو الأمر الذي اتضح وقوعه لاحقا.

ويقول «فاين» عن حقيقة ما حدث «مالكو البنك تعرضوا لضربة كبيرة وكبيرة جدا. ولم تكن أموال التأمينات لتغطيها». وما أنقذهم هو «وقوف الحكومة إلى جانبهم ومساعدتهم، لكنهم تخلوا عن الكثير من حصتهم في البنك مقابل هذا»، على حد قوله.

وتوضح «بي بي سي» أن «سيسوكو» وضع مخططا من البداية يقضي بعدم التواجد في دبي أثناء تلقي الأموال، واعتمد على أن يكون بعيدا عنها بينما تتدفق الأموال إليه في الخارج. وبعد أسابيع قليلة من عرضه السحري أمام مدير البنك الإماراتي، توجه في نوفمبر/تشرين الثاني 1995، إلى مصرف آخر في نيويورك، وفعل أكثر من مجرد فتح حساب.

وقال «ألان فاين»: «لقد دخل إلى مقر سيتي بنك يوما ما، بدون موعد سابق، والتقى بإحدى الموظفات في قسم التحويلات المالية وسرعان ما تزوجها».

ويوضح المحقق الأمريكي أن تلك السيدة «لعبت دورا في تسهيل علاقته مع سيتي بنك الأمريكي، وانتهى به المطاف لفتح حساب هناك، يمكنني تذكر أنه من خلاله تم تحويل أكثر من 100 مليون دولار إلى الولايات المتحدة».

ووفقا للقضية التي رفعها بنك «دبي الإسلامي» ضد «سيتي بنك» الأمريكي، فقد تم تحويل أكثر من 151 مليون دولار «خصمها سيتي بنك من حساب المراسل الخاص ببنك دبي الإسلامي دون إذن مناسب». وقد تم إسقاط القضية لاحقا.

ودفع «سيسوكو» حينها أكثر من نصف مليون دولار لزوجته مقابل مساعدته في تحويل الأموال من دبي إلى نيويورك. وعن هذا الزواج يقول «فاين»: «لا أعلم الإطار القانوني لزواجه منها، لكنه قال إنها زوجته وهي بدورها صدقت أنها زوجته أيضا».

وأدركت أنه لديه زوجات أخريات، بعضهن من أفريقيا والبعض من ميامي وحتى زوجات من نيويورك.

ومع تدفق الأموال شرع «سيسوكو» في تحقيق حلمة بإنشاء شركة طيران في غرب أفريقيا. واشترى للشركة طائرة مستعملة من طراز «هوكر-سيديلي 125» وطائرتين عتيقتين من «بوينغ 727 إس». وكانت هذه البداية الحقيقية لشركة طيران «أير دابيا»، التي سماها على اسم قريته التي ولد فيها في مالي.

لكن «سيسوكو» ارتكب خطأ كبيرا، في يوليو/تموز 1996، عندما حاول شراء مروحيتين من طراز «هيوي» تعودان لحرب فيتنام، ومن غير المعروف السبب وراء هذه الصفقة.

ويقول «فاين» عن هذه الصفقة: «أوضح سيسوكو أنه أراد شراءهما لاستخدامهما في خدمة الإسعاف الطائر. لكن المروحيات التي كان يبحث عنها كانت كبيرة جدا، فهي ليست النوع الذي يستخدم في المستشفيات ومراكز الصحة في الولايات المتحدة، كانت أكبر بكثير من ذلك. ولأنها يمكن إعادة تهيئتها كطائرات حربية، فإن المروحيات تحتاج إلى رخصة تصدير خاصة في الولايات المتحدة».

وحينما حاول رجال «سيسوكو» تسريع الأمور من خلال تقديم رشوة بقيمة 30 ألف دولار إلى ضابط الجمارك، بدلا من ذلك، عرضوا أنفسهم للاعتقال. وأصدر الإنتربول أمرا بتوقيف «سيسوكو» أيضا. حيث تم القبض عليه أخيرا في جنيف، حينما ذهب إلى فتح حساب مصرفي جديد. وسريعا تم ترحيله للولايات المتحدة، حيث بدأ في حشد داعمين مؤثرين.

وأصيب قاضي جلسة الاستماع الخاصة بقضيته بصدمة عندما رأى استعداد دبلوماسيين لضمان «سيسوكو». كما تفاجأ المحقق «سبنسر» عندما وجد عضو مجلس الشيوخ الأمريكى السابق «بيرتش بايه» ينضم لفريق الدفاع عنه.

كانت الحكومة الأمريكية تريد احتجاز «سيسوكو» في السجن، ولكن تم إنقاذه بكفالة 20 مليون دولار، وهو رقم قياسي في ولاية فلوريدا في ذلك الوقت.

وبعد خروجه بدأ في الإنفاق ببذخ، وكافأ فريق الدفاع بسيارات مرسيدس أو جاغوار. ولكن هذه كان مجرد بداية.

وسريعا أصبح «سيسوكو» من المشاهير في ميامي. كان لديه بالفعل عدة زوجات، ولكن ذلك لم يمنعه من الزواج أكثر، وإيوائهم في بعض الشقق من 23 شقة استأجرها في المدينة.

كما كان يمنح مبالغ مالية كبيرة لأسباب جيدة. ومع اقتراب موعد محاكمته كان يدرك قيمة الدعاية الجيدة. وفي إحدى الحالات التي شهدها ابن عمه، قدم «سيسوكو» 413 ألف دولار إلى فرقة موسيقية بمدرسة ثانوي لأنهم كانوا بحاجة للمال للسفر إلى نيويورك لحضور موكب عيد الشكر.

كما يتذكر أحد محاميه ويدعى بروفيسور «اتش تي سميث»، كيف كان يتجول بسيارته كل يوم خميس ليعطي الأموال للمشردين في الشارع.

ويقول محاميه :«كنت أفكر هل هذا روبين هود العصر الحديث؟ لماذ تسرق الأموال ثم تتبرع بها؟ هذا ليس منطقيا».

وحول ما أنفقه يوضح أن صحيفة «هيرالد» في ميامي نشرت تقريرا بعد مغادرته، قالت إنهم يقدرون أنه تبرع بحوالي 14 مليون دولار، في 10 أشهر فقط، أي أكثر من مليون دولار في الشهر.

على الرغم من حملة العلاقات العامة، عندما جاءت قضية «سيسوكو» إلى المحكمة تجاهل نصيحة محاميه وأقر بالذنب. وكان الحكم بالسجن لمدة 43 يوما وغرامة قدرها 250 ألف دولار يدفعها بنك دبي الإسلامي بطبيعة الحال، حتى وإن كان لا يعرف أنه سيدفعها.

وبعد أن قضى فقط نصف المدة، حصل على إفراج مبكر مقابل دفع مليون دولار إلى ملجأ للمشردين. وكان من المفترض أن يقضي بقية العقوبة رهن الإقامة الجبرية في مالي. وبدلا من ذلك عاد إلى وطنه كبطل.

وتشير «بي بي سي» أنه خلال هذه الفترة كانت الحقائق بدأت تتكشف في الإمارات وبدأ عملاء بنك دبي الإسلامي يدركون أن شيئا ما خطأ قد وقع. إلى أن اعترف «أيوب» بما حدث معه وتحويله أموالا للخارج، قال إنها بلغت 890 مليون درهم ما يعادل 242 مليون دولار.

وفي النهاية تمت إدانته بالاحتيال المالي وصدر الحكم بسجنه ثلاث سنوات، وكان هناك شائعات بإجباره على الخضوع لعلاج بالقرآن لطرد الجن من جسمه وعلاجه من الإيمان بالسحر الأسود.

أما «سيسوكو» فلم يخضع للعدالة قط. وحكمت عليه محكمة في دبي بالسجن غيابيا ثلاث سنوات للاحتيال المالي وممارسة السحر الأسود. وأصدر الإنتربول مذكرة لاعتقاله ومازال مطلوبا للعدالة.

وأصبح «سيسوكو» عضوا في برلمان مالي لمدة 12 عاما، من 2002 وحتى 2014، وهو ما منحه حصانة سياسية ضد الملاحقة القضائية. وبعد خروجه من البرلمان وطوال أربع سنين ماضية تمثلت حصانته في أن مالي لم توقع أي معاهدة لتسليم مواطنيها المطلوبين قضائيا في الخارج.

بينما لا يزال بنك دبي الإسلامي يلاحقه قضائيا من خلال المحاكم دون جدوي.

ويقول في مقابلة أجرتها معه صحفية لـ«بي بي سي» قبل أيام، وهو محاط بحراسة مشددة بعد أن بلغ من العمر 70 عاما: «أنا لم أقم بأي من تلك الروايات.. إنها قصة مجنونة حقا»، وأصر في مقابلته على عدم اقتراف أي جرائم، نافيا جميع الروايات المتداولة عنه. 

ويلفت «سيسوكو» إلى أن أنه «فقير الآن ولم يعد ثريا» ولا يمتلك مالا كما يُشاع.

المصدر | بي بي سي + الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات مالي سارق حيلة نصب عملية احتيال بنك دبي الإسلامي سيسوكو