«بنات الرياض».. رواية سعودية تحدت الموروث الاجتماعي المتداخل والعولمة (1-3)

الاثنين 19 فبراير 2018 02:02 ص

في عام 2006 جمعت طبيبة الأسنان السعودية «رجاء عبدالله الصانع» 50 إيميلًا دأبت على إرسالها مُجهلة على مدار عام كامل، من 13 من فبراير/شباط 2004  ولمدة قرابة عام، بمعدل نحو إيميل أسبوعي عدا شهر رمضان، في رواية قدّم لها آنذاك الدبلوماسي والأديب السعودي الراحل «غازي القصيبي»، وأشعلت الإيميلات ومن قبل الكتاب انتقادات حادة للروائية وما كتبت.

قال كثيرون عما كتبته «رجاء الصانع» إنه ثورة ضد الموروث الديني، والحقيقة فإن طبيبة الأسنان المتخصصة في الخلايا الجذعية كانت مدركة لما تفعله جيدًا، فهي أرادت الاعتراض على فهم مجتمعها السعودي لحقائق الشريعة الإسلامية؛ وهو الفهم المتعنت أحيانًا والمتجاوز أحيانًا أخرى.

على أن الأمر لا يمنع أن فهمها خانها حينًا، بخاصة مع روح الدعابة التي لفت الرواية، فانتقدتْ صحيحًا من الدين لما أدركت أن واقع تطبيقه المجتمعي لا يحسن إدراكه ومن ثم التعامل معه، من مثل الرؤية الشرعية قبل الخطوبة، ومع عدم علمها بقبول الدين الإسلامي للاختلاط غير المتعمد والبريء بين الجنسين، ورفضه أن تذهب العلاقات أبعد من ذلك، فكانت النساء في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، يعالجن الجرحى في آخر صفوف الجيش.

على أن مجتمعًا يسمح في الخفاء بشرب المسكرات بأنواعها، وارتداء الفتيات والنساء للملابس في الغرب بمواصفاتها التي لا يقبلها الإسلام.. ثم التقيد بالزي السائد في السعودية، ومنه النقاب منذ دورات مياه الطائرة العائدة إلى الوطن، والسماح للمخطوبة بمهاتفة خاطبها، أو حتى غريب عنها بالساعات ثم تقييد التواصل الجنسي المُحلل بين الزوجين في أيام العلاقة الأولى لئلا يمل الزوج من الزوجة (!)، ثم يلقي المجتمع بالمسؤولية كاملة على رأس الفتاة المعقود قرآنها، إن قبلت بأن يعاملها الزوج كزوجة شرعية قبل الزفاف.

ومع وجود كل هذه البلايا في قلب المجتمع، وأكثر من احتقار الفتاة السعودية ذات الأم الغريبة عن المجتمع سواء أكانت عربية أو أمريكية،  ثم يدعي المجتمع السعودي أنه الوحيد المطبق للشريعة الإسلامية (كما تقول سديم إحدى البطلات مستنكرة في صـ127 من نسخة الرواية على الإنترنت)، كل هذه المتناقضات أقضت مضجع «رجاء الصانع» فجاءت الرواية.

لم تتوافر للرواية مقومات الرواية الشكلية كاملة إذ آثرت كاتبتها إبداعها مجزأة، مع مقدمة بالعامية السعودية غالبًا أو اللبنانية أحيانًا ببداية كل جزء والمقدمة خارجة عن السياق الروائي تسوقها في سياق واضح يجعلها أقرب للمقال المباشر.

صديقات ومجتمع متوازن

تمت ترجمة «بنات الرياض» إلى لغات عالمية، وبيع منها نحو 3 ملايين نسخة، والكاتبة من مواليد 1981 ساهمت الرواية في شهرتها في المجال الطبي الغربي فمنحتها ولاية شيكاغو الأمريكية جائزتها للإنجازات العظيمة في عام 2013، رغم أنها كادت تحرم من البعثة بسبب الرواية ولم تجد لها عملًا في المملكة لولا تدخل مسؤولين نافذين.

تروي الرواية قصة 4 صديقات سعوديات لكن من بيئات ثقافية مختلفة: « .. بطلاتها (الرواية) منكم وفيكم؛ فنحن من الصحراء وإلى الصحراء نعود، وكما تُنبت نجد الصالح والطالح، فمن بطلات قصصي من هي صالحة ومن هي طالحة، وهناك الاثنان في واحد» صـ2.

ولو أن الكاتبة تنبهت لما ذكرته من أن نجد «تضم الصالح والطالح» لأكثرتْ من وصف الصالح، حتى لتتم مهمة تعليم الأمور المجتمعية بدقة للواتي لم يدخلن مدرسة الحياة من قبلها، أو كما تقول في موضع آخر: «إنني لا أرى عيباً أن أُورد عيوب صديقاتي في رسائلي ليستفيد منها الآخرون ممن لم تُتَح لهن فرصة التعلم في مدرسة الحياة، المدرسة التي دخلتها صديقاتي من أوسع أبوابها: باب الحب!» ص68.

«لميس» النموذج الأنجح

عبر قطاع عرضي في الرواية يستطيع القارئ والناقد أن يلمحا 4 شخصيات نسائية محورية ضمن عشرات الشخصيات الثانوية في الرواية: «لميس جداوي»، «قمر قصمنجي»، «سديم الحريملي»، و«مشاعل العبدالله».

«لميس الجداوي» و«قمر قصمنجي» يمثلان طرفي النقيض في الرواية من النجاح الباهر للفشل الاجتماعي المذهل، فيما تترنح الشخصيتان الأخريان بين حالتي الفشل الشديد والرغبة في التحمل والمسير.

«لميس» مثال النجاح الأشد في الرواية، لا تمر الكاتبة بذكرها كثيرًا مقارنة بالصديقات الثلاث الأخريات، نكاد نلمح من قلة ذكرها أن الكاتبة تحسدها على نجاحها المطلق في الحياة الاجتماعية، كما تختارها لزوم التمويه فتجعلها طبيبة مثلها، ففي عالم الرواية العام يمكن للشخصية التخفي حتى لا تنكشف وسط ما تروي عنه من شخصيات، و«لميس» لنجاحها الشديد جعلتها الروائية طبيبة مثلها، وأكدت على هجرتها لكندا قرب نهاية الرواية.

«لميس» لها اخت توأم «تماضر»، هادئة محبوبة من الجميع، على النقيض من أختها الجريئة المثيرة للفضول، والداهما «عاصم حجازي» عميد كلية الصيدلة سابقاً ووالدتهما الدكتورة «فاتن» وكيلة سابقة في الكلية نفسها، وفرا لهما البيئة المعاونة على النجاح، ومع ذلك أُغرمت «لميس» بالتنجيم وإصدارات «ماغي فرح»، وكذلك بمعرفة جميع الطبقات الاجتماعية من البالغة التناقض للأميرة.

كانت لـ«لميس» تجربة مع «علي» الطالب الشيعي اقتحمتها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتنهيها بشدة، ولولا كونه شيعيًا لأحبته «لميس»، بحسب الرواية.

بعد هذه التجربة المريرة علمتها أمها الدكتورة «فاطمة» أنها لكي توقع رجلًا في شباكها يجب أن تختار الأنسب لها من أندادها، وأن تعتمد فترة زمنية لا تطول لنهاية التجربة لكيلا تستهلكها وتقع في فخ التعلق العاطفي، ولذلك اختارت زميلها في التدريب العملي «نزار»، منحته القدرة على التعرف عليها، وعلى أخطائها حتى في مجرد النطق، ثم انسلت .. انسحبت.. لا ترد على هاتفه، ولا تتمادى معه لدرجة عدم الإجابة على هاتفه في المرات النادرة التي اتصل بها فيها، مع أن قلبها كان يتراقص مع نغمة الرنين شوقًا إليه.

وبزواجها من «نزار» قررت «لميس» حمد الله على نعمه وارتداء الحجاب.

  كلمات مفتاحية

السعودية نجد رواية بنات الرياض الصانع طب حرمان الشريعة فهم موروث ثقافي اجتماعي