«واشنطن بوست»: قمع «السيسي» يقوض تماسك نظامه

الثلاثاء 20 فبراير 2018 02:02 ص

في الأسبوع الماضي، اعتقلت قوات الأمن في مصر رجلا يدعى «هشام جنينة» وهو الرئيس السابق لأكبر الأجهزة الرقابية في مصر.

لا يعتبر «جنينة» سياسيا في المقام الأول، ولكن من الواضح أن خلفيته كخبير مالي لم تكن هي التي استرعت انتباه المحققين في مصر، ولكن دوره كصوت متحدث باسم الفريق «سامي عنان» رئيس أركان الجيش الأسبق الذي تم سجنه الشهر الماضي بعد وقت قصير من إعلان اعتزامه الترشح للانتخابات ضد الرئيس «عبدالفتاح السيسي».

ومع اعتقال «عنان»، يكون «السيسي» قد أزال منافسه الجاد الأخير في الانتخابات الرئاسية المصرية المزمع إجراؤها في 26 مارس/ آذار.

وفي وقت سابق، سحب رئيس الوزراء الأسبق «أحمد شفيق» ترشيحه بعد أسابيع قليلة من إعلانه، على ما يبدو تحت ضغط شديد من النظام.

كما انسحب «محمد عصمت السادات»، ابن شقيق الرئيس المصري الأسبق، وكذلك «خالد علي» وهو محام في مجال حقوق الإنسان من السباق.

كما تم اعتقال «عبدالمنعم أبوالفتوح»، وهو مرشح إسلامي سابق للرئاسة عام 2012 ويدير اليوم حزب مصر القوية، في وقت سابق من هذا الشهر بعد عودته من رحلة إلى لندن.

وقد لفت «أبوالفتوح» انتباه وسائل الإعلام على نطاق واسع بعد أن قام بإجراء سلسلة من المقابلات قال خلالها إن الجيش لا يتحمل أي مسؤولية عن قيادة الرئيس غير الرشيدة.

وغني عن القول إن القضاء على المنافسين الفعليين لـ«السيسي» يجعل المصريين يتساءلون إذا ما كان هناك أي معنى للتصويت المنتظر.

ليس من المستغرب أن مقطع الفيديو القصير (جيف) الأكثر شعبية في البلاد خلال الذكرى السابعة لثورة 25 يناير/كانون الثاني هو مقطع من فيلم «الديكتاتور» يصور طاغية أسطوري يفوز في سباق 100 متر عدو عن طريق إطلاق النار على خصومه (وعلى حكام السباق)، لا يمكن أن يكون هناك مثال أكثر وضوحا على وفاة السياسة الحقيقية في مصر.

ومنذ منتصف عام 2013، أصبحت مصر تحت حكم «السيسي» ثقبا أسود لحقوق الإنسان والحكم الديمقراطي وسيادة القانون.

لكن حملة القمع التي يقودها الرئيس تمتد الآن إلى نظامه، واعتبر المحللون اعتقال «عنان» دليلا على استعداد «السيسي» للطعن في الرتب العليا لمؤسسته العسكرية.

ويبدو أن إقالة «السيسي» لرئيس جهاز الاستخبارات في البلاد يكشف عن صدع متنام داخل صفوف الأجهزة الأمنية.

ومن الواضح أن بعض البيروقراطيين أنفسهم بدأوا يتساءلون عما إذا كانت طموحات «السيسي» الشخصية صارت تهدد بقاء الدولة، وعلى أقل تقدير، يمكن للمرء أن يجادل بأن البلد يتجه نحو انهيار الحياة المدنية على نمط كوريا الشمالية.

وبإغلاق كل سبيل للتغيير السلمي، أرسل «السيسي» رسالة عدوانية إلى مصر، وحتى لبقية العالم، أن مظاهر الديمقراطية لم يعد لها مكان في بلاده، وأن القوة الغاشمة هي الرد الوحيد الممكن لأي شكل من المعارضة أو الانتقاد وفي الوقت نفسه، فإن سياسات «السيسي» لمكافحة الإرهاب، التي تشكل مبررا مهما لديكتاتوريته، قد خلقت أرضية خصبة للتطرف.

وقد شاهد كاتبا هذه المقالة هذا الأمر مباشرة خلال الأشهر الستين التي قضياها في السجن بين عامي 2013 و2017، وشاهدا عملية صناعة التطرف تتكشف مع تجنيد «الدولة الإسلامية» للسجناء الأبرياء الذين واجهوا احتجازا غير عادل وأحكاما قاسية وظروفا غير إنسانية.

وهكذا ساهمت حملة «السيسي» الغاشمة في تكريس وجود الدولة الإسلامية في مصر، وقالت أحدث رسائل الفيديو التي أطلقتها المجموعات المتطرفة إلى الشباب المصريين بوضوح إن الديمقراطية واللاعنف لم يجلبا إلا طاغية دمويا.

ومع كون عشرات الآلاف من الشباب الذين كانوا يوما متفائلين يواجهون الاضطهاد بشكل متزايد ويقعون ضحية لشراسة الدولة، تصبح خياراتهم ثنائية على نحو متزايد؛ إما الإحباط والاكتئاب، أو اللجوء إلى العنف.

هناك قول مأثور في مصر: «فاقد الشيء لا يعطيه»، لا يمكن لـ«السيسي» أن يوفر السلام والاستقرار في منطقة مضطربة إذا كان فشل في تحقيق ذلك في مصر، وقد أدت حالة انعدام الأمن وجنون العظمة إلى تحويل مصر إلى طنجرة ضغط عملاقة بدون صمام أمان، وعندما تنفجر في نهاية المطاف فإنها سوف تصيب الجميع.

غير أن ما يغفله النظام أن الثورة التي قامت في عام 2011 غيرت مصر إلى الأبد وأن محاولات إعادة البلاد إلى دولة استبدادية لن تنجح، وسوف تظهر انتخابات عام 2018 من بين أمور أخرى، أن الدعم الدولي لنظام «السيسي» هو الأساس الوحيد لبقائه.

وينبغي على الولايات المتحدة أن تستخدم نفوذها لمعالجة تدهور حالة حقوق الإنسان، والمطالبة بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين (بمن فيهم المرشحون للرئاسة)، وأن تحث على فتح المجال السياسي.

وباعتبارنا من الناجين من حملة «السيسي» وسجونه الأكثر قمعا في العالم، فإننا نؤمن بأننا نتشاطر مسؤولية الدعوة إلى سياسات أكثر دقة تجاه مصر والمنطقة.

إن صداقتنا لا تقوم على التاريخ المشترك فحسب، بل على قناعة مشتركة بأن الديمقراطية التمثيلية وحكم القانون هما وحدهما اللذان يمكن أن يضمنا السلام والاستقرار لمصر والمنطقة المحيطة بها.

  كلمات مفتاحية

السيسي مصر انتخابات مصر الدولة الإسلامية سامي عنان هشام جنينة

«إيكونوميست»: قمع «السيسي» أسوأ من «مبارك»