«أبوالفتوح».. معارض التزم الجرأة فطاردته الاتهامات في 4 عهود

الأربعاء 21 فبراير 2018 01:02 ص

في فبراير/ شباط 1977 وقف أمام الرئيس المصري آنذاك، «محمد أنور السادات»، ليتجرأ في سنه الصغيرة على انتقاد من أسماهم المنافقين حول الرئيس.

وبعد 41 عاما، والشيب في رأسه يتحدث، في فبراير/ شباط 2018، بجرأة أكبر، في برنامج متلفز بلندن، منتقدا الرئيس المصري الحالي «عبدالفتاح السيسي»، معربا عن عدم خشيته من السجن، حال عودته.

هذا هو حال «عبدالمنعم أبوالفتوح»» (66 عاما)، رئيس حزب «مصر القوية» (المعارض)، الذي قُبض عليه، يوم 14 فبراير/ شباط الجاري، عقب عودته بيوم من المشاركة في لقاءات متلفزة بالخارج.

وبعدها، قررت النيابة حبسه 15 يوما، على ذمة التحقيق معه في اتهامات ينفيها، منها قيادة جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة، وسريعا تم إدراج «أبوالفتوح»، بشكل أولي، أمس الثلاثاء، على قوائم الإرهابيين في مصر.

«أبوالفتوح»، الذي ظهر للرأي العام من رحم حركتين إسلاميتين بارزتين، واجه اتهامات في أربعة عهود لرؤساء مصريين، ودفع أحيانا ثمنها سجنا.

وبجرأته المعهودة خالف «أبوالفتوح» جماعته الثانية، «الإخوان المسلمون»، لسنوات علنا.

وفي عام 2009 انفصل عن الجماعة، بعدما ضاق صدره بما يراه «خلطا بين العمل الدعوى والحزبي، وعدم وجود عمل مؤسسي لديها»، في وقت كان فيه بقمة السلم التنظيمي، كعضو بمكتب إرشاد الجماعة.

ورغم المعروف عن «أبوالفتوح»، في رأي كثيرين، من مرونة سياسية، لكنه واجه اتهامات ينفيها دوما بتمسكه بمواقف رمادية جعلته محط انتقاد المؤيدين للأنظمة الحاكمة، وفي الوقت نفسه بعض من معارضيه، لاسيما المنتمين لجماعة «الإخوان».

«قف مكانك».. عبارة شهيرة وجهها السادات (1970-1981) بغضب شديد خلال اجتماع مع الطلاب عام 1977، إلى رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة، الإسلامي التوجه «أبوالفتوح»، ردا على حديثه عن وجود منافقين حول الرئيس، وهو ما رفضه الأخير بشدة.

وقال «أبوالفتوح»، في أكثر من مقابلة متلفزة، إنه دفع ثمن جرأته بعد ذلك بمنع تعيينه معيدا في الجامعة بقرار سياسي، فضلا عن القبض عليه فيما عرف باعتقالات سبتمبر/أيلول 1981، التي شملت رموزا وكوادر سياسية عديدة.

وعُرف «أبوالفتوح» بأنه من أوائل المجموعات الطلابية التي كانت تنتمي إلى التيار الإسلامي، المعروف آنذاك باسم «الجماعة الإسلامية»، والتي كانت ذتا طابع متشدد في سبعينات القرن الماضي، قبل أن تستقطبه جماعة «الإخوان»، ويصير أبرز قياداتها الإصلاحية حتى عام 2009.

في عهد الرئيس «محمد حسني مبارك» (1981-2011) كان «أبوالفتوح»، القيادي في جماعة الإخوان حينها، من أبرز معارضيه، ومع انتقادات كثيرة وجهها إلى النظام الحاكم كان السجن عقابا له مرتين.

بالتزامن مع انتقادات لاذعة لسياسات مبارك، منها غياب الحريات، كان «أبوالفتوح»، وفق كثيرين، الوجه الأكثر استنارة لـ«الإخوان» في آرائه وتبنيه لمواقف مرنة.

وعادة ما كان «أبوالفتوح» يدعو إلى تأسيس حزب سياسي لجماعة «الإخوان»، التي بقيت محظورة سياسيا في عهد مبارك، وتتحرك تحت لافتة مستقلين.

وفي عام 1995، سُجن «أبوالفتوح» خمس سنوات في قضية عسكرية مع 32 قياديا من «الإخوان»، بتهم بينها الانتماء لجماعة محظورة، فضلا عن توقيفه لأشهر، في 2009، إثر تهم مشابهة.

وعُد «أبوالفتوح» في سنوات ما قبل انفصاله عن «الإخوان»، وفق تقارير صحفية آنذاك، من حمائم الجماعة، وأحد وجوهها الإصلاحية الأكثر تواصلا مع التيارات الأخرى.

في 2011، فصلت جماعة الإخوان «أبوالفتوح» رسميا، بعد إعلان نيته الترشح للانتخابات الرئاسية، متهمة إياه بمخالفة قرار الجماعة بعدم ترشيح أي من أعضائها آنذاك.

وكثيرا ما تجرأ «أبوالفتوح» على أفكار الجماعة، معتبرا أنها أكثر محافظة وكلاسيكية ومختلفة مع توجهاته الإصلاحية المعلنة.

ومضى «أبوالفتوح» يواجه اتهامات عدة من منتمين للجماعة، لاسيما قيادات بها، حول تطلعه للسلطة، بينما هو يزداد اقترابا من شبابها في تلك الفترة، عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، التي أطاحت بنظام «مبارك».

كان «أبوالفتوح» معروفا برفضه بقاء المجلس العسكري (فبراير/شباط 2011- يونيو/ حزيران 2012)، الذي كان يقود الفترة الانتقالية عقب الإطاحة بمبارك، ما أطلق في وجهه اتهامات عديدة.

وفي فبراير/شباط 2012 تعرض لاعتداء مسلح من جانب مجهولين أدانته كل القوى السياسية.

ورغم قرار «الإخوان» بعدم الترشح للرئاسة الذي خالفته هي نفسها بترشيح «محمد مرسي»، لكنه ترشح مستقلا لرئاسيات 2012، واستوعبت حملته الانتخابية ليبراليين ويساريين وإسلاميين.

خرج «أبوالفتوح» من رئاسيات 2012 من الجولة الأولى، حائزا على نحو ثلاثة ملايين صوت، شجعته لاحقا على تأسيس حزب «مصر القوية»، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

وقتها كان يرى «أبوالفتوح» أنه يؤسس لتيار ما بين الليبرالية واليسارية، متحفظا على وصف حزبه بالإسلامي، ومشددا على أنه لكل المصريين.

وعقب فوز «محمد مرسي»، المنتمي لجماعة «الإخوان»، كأول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، في رئاسيات 2012، برز «أبوالفتوح» كصوت معارض.

ولم يسلم «أبوالفتوح» من انتقادات إخوة الأمس، ووقتها طرح أكثر من مبادرة للخروج من أزمات سياسية ظهرت في عهد «مرسي» (30 يونيو/ حزيران 2012 – 3 يوليو/ تموز 2013)، ولم يستجب لها.

كما دعا إلى التصويت بـ«لا» في استفتاء دستور 2012، الذي كانت تدعمه جماعة «الإخوان» بقوة، معتبرا أنه «لم يراع القضايا محل الخلاف».

وعندما اشتد الصراع السياسي في فترة «مرسي»، كان «أبو الفتوح»، ضمن المطالبين بانتخابات رئاسية مبكرة، وأكد آنذاك نزوله ضمن مظاهرات شعبية محتملة، في يونيو/حزيران 2013، للمطالبة بذلك.

لكن مع إطاحة الجيش بـ«مرسي»، في 3 يوليو/ تموز 2013، كان «أبوالفتوح» من الفريق الرافض لتلك الخطوة، التي قادها «السيسي» حين كان وزيرا للدفاع آنذاك.

وقال «أبوالفتوح»، في مقابلات متلفزة، إنه شارك في اجتماع كان يترأسه الرئيس المؤقت آنذاك، «عدلي منصور» (يوليو/ تموز 2013- يونيو/ حزيران 2014) ، لبحث حل الأزمة المصرية.

ولم يسلم «أبوالفتوح» من انتقاد أنصار «الإخوان» ولا معارضيهم، لكن مؤيدين للنظام الحاكم كشفوا أنه أعرب خلال ذلك الاجتماع عن رفضه للتوقيفات بحق «مرسي» وأنصاره وقيادات المعارضة، ودعا إلى حلول سلمية سياسية.

ولم يسلم الرئيس المؤقت من جرأة «أبوالفتوح»، حيث دعا إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور، في 2014، إذ شبهه بـ«استفتاءات مبارك»، وهو ما عرضه لاتهامات وانتقادات.

وفي عهد الرئيس الحالي، «عبدالفتاح السيسي»، الذي تولى السلطة في 8 يونيو/حزيران 2014، كان «أبوالفتوح» يوجه من وقت إلى آخر انتقادات لنظام الحكم.

واتهم النظام الحالي بالفشل والتراجع الاقتصادي، بل دعا علنا إلى رحيله، في مقابل حديث مؤيديين لـ«السيسي» عن «إنجازاته وحفظه لمصر ولأمنها القومي».

الجرأة أيضا قادت «أبوالفتوح» إلى الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، المقررة في مارس/ آذار المقبل.

وتبدو نتيجة هذه الانتخابات محسومة لصالح فوز «السيسي» بفترة رئاسية ثانية من أربع سنوات، في مواجهة منافس وحيد هو رئيس حزب «الغد» (ليبرالي)، «موسى مصطفى موسى»، الذي أعلن قبل ترشحه تأييده لـ«السيسي».

وقال «أبوالفتوح»، في حوار بثته قناة «الجزيرة» القطرية، يوم 11 فبراير/ شباط الجاري: إن السيسي «لا خبرة له في إدارة الدولة، ولا تاريخ سياسي له»، وإنه يحكم بطريقة: «يا أحكمكم يا أقتلكم وأحبسكم».

وأثناء الحوار، الذي غلب عليه مهاجمة نظام «السيسي»، أكد «أبوالفتوح» نيته العودة إلى مصر، مشددا على أن «زنازين أبوزعبل (أحد سجون مصر) أفضل عنده من قصور لندن».

وعقب يوم من عودته، في 13 فبراير/شباط الجاري، للقاهرة، أوقفته السلطات المصرية، واتهمته وزارة الداخلية بأنه قيادي إخواني، لا زال مرتبطا بالجماعة رغم انفصاله عنها قبل عقد، وكان يتشاور مع قيادات بالجماعة في الخارج ضد الدولة، وهو ما نفته كل من أسرته و«الإخوان».

وقررت النيابة المصرية العامة حبس «أبوالفتوح»، 15 يوما على ذمة التحقيق، تلاها إعلان حزبه تجميد أنشطته مؤقتا، ثم إدراج اسمه على قوائم الإرهابيين، بقرار قضائي.

«أبوالفتوح» عاد إلى السجن في عهد «السيسي»، بعد سنوات طويلة من العمل العام اعتلى خلالها أعلى المناصب النقابية، ومنها أمين عام اتحاد الأطباء العرب.

وزاد توقيف «أبوالفتوح» من حملات اتهامه بالتفريط في المبادئ من أنصار محسوبين على «الإخوان»، وأخرى بتخريب الدولة من آخرين مؤيدين للنظام الحاكم، مقابل تيار ثالث يدافع عنه وعن مواقفه المنحازة للثورة ولمطالب المصريين.

وبينما يُلاحق «أبوالفتوح» بالاتهامات، ولا يُعرف إن كان سيغادر السجن أم يطول بقاؤه به، تداول كثيرون أول رسالة منسوبة له من محبسه، نقلها الناشط السياسي، «تقادم الخطيب»، على حسابه بموقع «تويتر»، الأحد الماضي، دون تعليق من الحزب ولا أسرته عليها.

وكأنه يستقرأ ماضيه وحاضره في معارضة أنظمة حكم متعاقبة في مصر يقول «أبوالفتوح» في هذه الرسالة: «نحن لا نُهزم، ولا نستسلم، بل نناضل بكرامة وشموخ».

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

مصر عبدالمنعم أبو الفتوح حزب مصر القوية السيسي مرسي مبارك أنور السادات