و.بوست: رقعة الشطرنج السورية تزدحم وتلتوي.. تركيا وإيران تتواجهان

الخميس 22 فبراير 2018 08:02 ص

يبدو أن الحرب الفوضوية في سوريا بدأت تصبح أكثر فوضوية، ففي يوم الثلاثاء، تحدثت الأنباء عن تحرك الميليشيات الموالية للنظام إلى منطقة عفرين التي تفرض عليها القوات التركية الحصار منذ أن دخلت سوريا الشهر الماضي، ويبدو أن قوات النظام أتت لتعزز الفصائل الكردية السورية التي كانت تسيطر على هذه المنطقة مسببة غضب أنقرة.

وكما كتبت في الأيام الأولى من التوغل التركي، فإن المعارك في عفرين تحمل خطورة بتطورها لحرب أوسع نطاقاً.

الارتماء في حضن الأسد

تعتبر تركيا الجماعة الكردية المسلحة الرئيسية – والتي تعرف باسم وحدات حماية الشعب – بمثابة وكيل مباشر لحزب العمال الكردستاني المحظور، الذي يقوم بعملياته في تركيا، وتعده كل من أنقرة وواشنطن منظمة إرهابية. لكن الولايات المتحدة تدعم وحدات حماية الشعب الكردية، وتعتمد على مقاتليها للمساعدة في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية».

 وأجبر دور واشنطن المعقد في الحرب بالإضافة إلى قرارها بتجنب التورط العميق في الاشتباكات في عفرين الميليشيات الكردية المسلحة على التوجه لرئيس النظام السوري «بشار الأسد» طلباً للمساعدة.

وقال المتحدث باسم وحدات الشعب الكردية «نوري محمود» إن «الحكومة السورية استجابت للنداء وأرسلت ميليشيات عسكرية يوم الثلاثاء، وسوف يتمركزون على الحدود ويشتركون في الدفاع عن وحدة وحدود الأراضي السورية».

التواء في حرب ملتوية

في الوقت ذاته، قال الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، إن تركيا ستبدأ هجوماً عنيفاً على وسط مدينة عفرين في الأيام المقبلة، ووصف تحرك الحكومة السورية بعمل إرهابيين، زاعماً أن المدفعية التركية تسببت في تراجع القوات الموالية للأسد، لكن المصادر السورية تزعم أن الوابل المدفعي لم يتسبب في إعاقة القوات المؤيدة إلا لفترة وجيزة.

وصول هذه القوات هو التواء جيوسياسي آخر في الحرب التي تزداد تعقيداً أكثر من أي وقت مضى.

فالقوات التي يفترض أنها جاءت لدعم الأكراد السوريين لديها مجموعة أخرى من الولاءات، حيث يبدو أن المقاتلين الواصلين، كانوا من شبكة وحدات تدعمها إيران، كانت تعزز جهود «الأسد» في كثير من الأحيان.

تشابك محير

وإذا كان الأمر كذلك، فسوف نرى تركيا وحلفاءها من المتمردين يتحدون ضد الميليشيات الموالية لـ«الأسد» والتي ترتبط بإيران وتعمل جنباً إلى جنب مع الوحدات الكردية الصديقة للولايات المتحدة – التي تعارض كلاً من حكومة الأسد» والوجود الإيراني في سوريا.

 هذا نوع من التشابك المحير الذي يميز الصراع المدمر الدائر منذ سبع سنوات والأطراف المتحاربة ذات المصالح المتشابكة.

لم تكن العملية التركية في عفرين مرحّباً بها من قبل إيران، فقد ندد الزعماء الإيرانيون – بمن فيهم الرئيس «حسن روحاني» بما وصفه الغزو، والذي أدى لتدهور المحادثات الأخيرة بين روسيا وتركيا وإيران بخصوص مستقبل سوريا السياسي.

وبحسب موقع المونيتور المختص بشؤون الشرق الأوسط، فإن المسؤولين الإيرانيين ضغطوا على نظرائهم الأتراك لتجنب حرب استنزاف فوضوية في سوريا.

تأتي الرياح بما لا تشتهي أنقرة

وكتب «غونول تول»، وهو زميل في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: «كانت تركيا تأمل أن تتحرك إلى عفرين وأن ينظر شركاؤها للناحية الأخرى، وظنت أنقرة أنها حققت أمنيتها عندما أعطت روسيا – التي تتحكم بسماء عفرين – الضوء الأخضر أخيراً لتوغل القوات العسكرية التركية في الجيب الكردي، لكن التطورات الحالية على الأرض تشير إلى أن التقدم للأمام لن يكون سلساً كالسابق، وأن الشراكة مع روسيا وإيران قد لا تكون قوية مثلما كانت تركيا تأمل».

رقعة الشطرنج تزدحم

رقعة الشطرنج السورية خارج عفرين ليست أقل ازدحاماً، فالجماعات الإسلامية في إدلب القريبة، تتقاتل مع بعضها البعض في الوقت الذي تشترك فيه مع القوات التركية ضد النظام السوري وحلفائه، كما أن القوات الأمريكية الجوية في سوريا – والتي تستهدف تنظيم الدولة الإسلامية بالأساس – قد أدت أيضاً لمقتل مرتزقة روس.

وتواصل الحكومة السورية بدعم روسي، ضرب المناطق التي يسيطر عليها المسلحون بلا رحمة، كما أن (إسرائيل) التي تشعر بالفزع من الوجود الإيراني المتجذر في سوريا، نفذت مؤخرا ضربات جوية على المواقع الإيرانية المشتبه فيها، ويتحدث المسؤولون الإسرائيليون بشكل منفتح حالياً حول احتمال الدخول في حرب إقليمية أشد وطأة.

الواقع القاسي بالنسبة لأنقرة: هو أن الخيارات الجيدة لتركيا قليلة.

أجندة أنقرة لا يدعمها أحد

فتصاعد الآراء المعادية لأمريكا في تركيا، مع دعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية، قد وضع الولايات المتحدة على خلاف معها.

وقال الخبير في الشؤون التركية، «نيكولاس دانفورث»«لا أحد يحرص على استيعاب المصالح التركية؛ لا روسيا ولا إيران، الذين ينظر إليهما السياسيون الأتراك أحياناً كبدلاء محتملين للولايات المتحدة».

وفي الواقع، هناك جوقة متنامية حالياً لدعوة واشنطن للتوقف عن استيعاب أجندة أنقرة، وقال الصحفي «ديفيد أغناتيوس»، الذي يكتب في عمود في الواشنطن بوست: «لا أحد يريد انفجاراً عنيفاً للوضع مع تركيا، ولكن بعد سبع سنوات من الحرب السورية الكارثية، يحتاج المراقبون للاعتراف ببعض الحقائق الأساسية».

الحقائق برأي الكاتب، هي أن تركيا سمحت للآلاف من المقاتلين الإسلاميين الأجانب بالتدفق إلى سوريا وخلق قواعد تهديد للولايات المتحدة وأوروبا؛ وكان هؤلاء المقاتلون سيظلون في عاصمتهم الرقة ويخططون للهجمات، إن لم تكن الولايات المتحدة قد تعاونت مع الميليشيات الكردية التي تكرهها تركيا كثيراً.

طريق أمريكا صعب أيضاً

الطريق أمام الأمريكيين أيضاً صعب، وكتبت الباحثة السياسية البارزة «منى يعقوبيان»«قدرة واشنطن على تشكيل التطورات في سوريا التي يسيطر عليها النظام ضعيفة، فمع وجود الأسد في السلطة، يصبح أفضل ما يمكن أن ترجوه الولايات المتحدة هو في الاستمرار في مواجهة السلوك الفظيع للنظام، دون مزيد من إشعال النزاع».

لكن هذا يعني محاسبة نظام ما يزال مذنباً بذبح أعداد كبيرة من شعبه، ففي يوم الثلاثاء؛ ومع تصاعد المعارك من أجل عفرين، أمطر النظام الغوطة الشرقية التي يسيطر عليها المتمردون بالقصف، وقتلوا العشرات، فيما وصفته وكالات الإغاثة بأنها واحدة من أكثر 24 ساعة دموية في تاريخ الحرب السورية، كما أصدرت اليونيسيف بيانا يحتوي على مساحة فارغة كبيرة، تنص على أنه لا يوجد كلمات تحقق العدالة للأطفال الذين قتلوا.

 كانت هذه صرخة أخرى من اليأس والسخط في صراع ما يزال يجد أعماقاً جديدة من القسوة كي يصل إليها.

المصدر | الخليج الجديد + و.بوست

  كلمات مفتاحية

تركيا سوريا إيران الأكراد أمريكا عفرين