«ستراتفور»: حروب الغاز تشتعل في شرق المتوسط وتغير خارطة التحالفات الإقليمية

الجمعة 23 فبراير 2018 07:02 ص

بالنسبة لصناعة الطاقة اليوم، هناك عدد قليل من الأماكن الأخرى التي تشبه مثل رقعة الشطرنج المعقدة تلك. واستحوذ شرق البحر الأبيض المتوسط ​​على اهتمام متزايد من شركات النفط العالمية الكبرى، خاصة في أعقاب سلسلة من الاكتشافات التي توجها حقل «ظهر» العملاق للغاز الطبيعي قبالة مصر عام 2015.

وبفضل ثروات البحر الكثيرة، توافدت شركات «بريتش بتروليوم»، و«إيني»، و«إكسون موبيل»، و«توتال» جميعا إلى المنطقة، ولكن الأمر لم يكن عملا بسيطا وعاديا.

يذكر أن شركة «إيني» الإيطالية للنفط والغاز وجدت نفسها الشهر الماضي في نزاعين سياسيين رئيسيين، أحدهما بين (إسرائيل) ولبنان، والآخر بين قبرص وتركيا، بالنسبة لأنشطتها في المنطقة.

وفي ظل رغبة كل بلد في استخدام مواردها لتحقيق أهدافها الخاصة، فإن التحديات السياسية التي تواجه شركات الطاقة جزء من التعقيدات والتحديات الكامنة في المنطقة، والتي من شأنها أن تعيق تطوير الكثير من إمكانات الهيدروكربونات في شرق المتوسط.

ليفياثان يستيقظ

وكانت ثروات شرق البحر الأبيض المتوسط ​قد جذبت ​اهتماما متزايدا من العالم الأوسع عام 2009، عندما اكتشف اتحاد برئاسة شركة نوبل الأمريكية للطاقة حقل «تمار» قبالة الساحل الإسرائيلي الذي كان أكبر حقل للغاز الطبيعي على الإطلاق في المنطقة في ذلك الوقت.

وكان من المتوقع أن يحقق حقل الغاز الطبيعي في «تمار» الاكتفاء الذاتي لسوق الغاز الإسرائيلي، حيث يحتوي على ما يقرب من 320 مليار متر مكعب من الاحتياطيات المؤكدة والمحتملة.

ولكن إذا كان تمار بمثابة جائزة السماء لـ (إسرائيل)، فإن الاكتشاف التالي كان عاملا غير اللعبة. وبعد عام واحد فقط من اكتشاف نوبل، حققت اكتشافا أكبر في حقل «ليفياثان». وقالوا إن المخزون الجديد يقارب 600 مليار متر مكعب من الاحتياطيات المؤكدة والمحتملة. وأعطت الاحتياطيات الجديدة لـ (إسرائيل) موارد كافية، لا تشبع مطالبها فحسب، بل تجعلها مصدرا هاما أيضا للغاز الطبيعي.

واستمرت «نوبل» في العام التالي، ولكن هذه المرة في المياه القبرصية. وعلى بعد 30 كيلومترا إلى الشمال الغربي من اكتشاف «ليفياثان»، اكتشفت الشركة الأمريكية احتياطي آخر من الغاز، وهو حقل غاز أفروديت، الذي يحتوي على 130 مليار متر مكعب. ويقدر مسؤولو الطاقة أن الحقول الثلاثة قد تنتج مجتمعة 40 مليار متر مكعب سنويا، وتحمل ما يقرب من تريليون متر مكعب من إجمالي الاحتياطيات.

بيد أن الخلافات سرعان ما برزت بين رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» واتحاد الشركات.

وأعربت «نوبل للطاقة» عن أملها في ربط الحقول الـ 3 بمصانع تصدير الغاز الطبيعي المسال، سواء كانت عائمة أو أرضية، للتصدير إلى الأسواق العالمية.

وعقد الاتحاد اتفاقا أوليا مع خبراء النفط والغاز الطبيعي في أستراليا «وودسايد بتروليوم» لمتابعة المشروع، ولكن لم توافق الشركة ولا (إسرائيل) على هيكل الصفقة. وعندما تخلت «وودسايد بتروليوم» عن المشروع، انهارت الآمال في إنشاء منشأة تصدير للغاز الطبيعي المسال.

وقبل اكتشاف تمار و ليفياثان، كانت (إسرائيل) تعتمد على الغاز الطبيعي من مصر المجاورة. غير أن هذا الاعتماد كان يمثل مشاكل رئيسية بالنسبة لـ (إسرائيل).

ولأنها سعت منذ فترة طويلة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في عدد من المجالات، مثل الماء والغذاء والطاقة والمشتريات العسكرية، كان أي اعتماد على الغاز الطبيعي الأجنبي يمثل التزاما استراتيجيا.

وربما كان الوضع أسوأ بالنسبة لحكومة «نتنياهو»، فقد أتاح الوضع للقوى الإقليمية فرصة ممارسة نفوذ كبير على (إسرائيل).

وعلاوة على ذلك، هددت الاضطرابات الداخلية - التي شملت هجمات على خطوط الأنابيب - التي سادت مصر بعد الربيع العربي استمرار توريد الطاقة المستقرة لـ (إسرائيل).

وبعد اكتشاف تمار وليفياثان، أصدرت الحكومة الإسرائيلية قانونا عام 2013 يقضي بتخصيص أغلبية 60% من احتياطي الغاز الطبيعي في البلاد للاستهلاك المحلي.

وقال المسؤولون إن هذا الترتيب يضمن الاكتفاء الذاتي لـ(إسرائيل) من الغاز الطبيعي حتى العشرينات من القرن المقبل، بينما توفر كمية كبيرة من الغاز في الحقول الإسرائيلية فرصة للتصدير. ومن خلال مضاعفة الجهود لتصدير 40% من احتياطياتها، تأمل البلاد فى جذب جيرانها من أوروبا والأردن وتركيا ومصر إلى علاقات أوثق؛ من خلال تبادل الصفقات.

ومع ذلك، لم تتحقق أي من خطط التصدير الإسرائيلية، لأن النزاعات بين اتحاد الشركات بقيادة «نوبل» و«نتنياهو» وبقية الحكومة الإسرائيلية، دفعت ليفياثان إلى 6 أعوام من التوقف. وواجه «نتنياهو» معارضة داخلية شديدة من قبل جهات مكافحة الاحتكار في (إسرائيل)، حيث قالت إن سيطرة الاتحاد على الكثير من الغاز الطبيعي قد يضر بأسواق الغاز الطبيعي والكهرباء الإسرائيلية.

ودفعت الاعتراضات «نتنياهو» إلى الاحتجاج بشرط الأمن القومي في قانون الممارسات التجارية التقييدية الإسرائيلي، للتحايل على المعارضة.

وفي وقت لاحق، اعترضت المحكمة العليا الإسرائيلية على قرار «نتنياهو»، ولكن جميع الأطراف في الخطة توصلوا أخيرا إلى اتفاق في أوائل عام 2017، مما يسمح لاتحاد الشركات باتخاذ قرار استثماري نهائي بشأن المرحلة الأولى من عمل ليفياثان.

وسيقدم هذا الحقل الغاز الطبيعي محليا إلى (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية (التي تعتبر داخلية في قانون الاستهلاك المحلي) وللتصدير إلى الأردن، غير أن النزاع الذي استمر نصف عقد، والبيئة التنظيمية غير المؤكدة، أدت إلى تأخير كبير في تطوير «ليفياثان»، وعرقلت قيام اتحاد الشركات الذي تقوده «نوبل» من إكمال الاتفاقات الإقليمية لتصدير الغاز الطبيعي من المرحلة الثانية من التخطيط.

مصر تعثر على الكنز

وبالنظر إلى استراتيجية (إسرائيل) للغاز الطبيعي بعد اكتشاف تمار وليفياثان، ألغت مصر عقد التصدير مع جارتها عام 2012، مدعية أن الأخيرة كانت متأخرة عن صرف الدفعات.

وفي الحقيقة، كان السبب وراء إنهاء القاهرة للاتفاق أكثر من ذلك؛ حيث كان الغاز الطبيعي في مصر بدأ بالنفاد. وكان عقد الاستثمار ناقصا بسبب شروط قاسية أهملت محدودية الاستكشاف والإنتاج في مصر، مما اضطر القاهرة في نهاية المطاف لاستيراد الغاز الطبيعي.

وفي ذلك الوقت، كانت الاكتشافات الإسرائيلية الجديدة قد وفرت فرصة استراتيجية للتصدير إلى مصر، لكن القيود المحلية الإسرائيلية، وتفضيل القاهرة للغاز الطبيعي المسال، حالت دون أي اتفاق.

غير أن التغييرات الرئيسية حدثت لاحقا وأطاح الزعيم العسكري «عبدالفتاح السيسي» بالرئيس المنتخب شعبيا «محمد مرسي».

وكانت الإصلاحات الجديدة التي حققتها الإدارة في قطاع الطاقة عام 2014 ناجحة للغاية في حفز اهتمام جديد باحتياطيات مصر من الطاقة، وإنهاء أزمة الغاز الطبيعي في البلاد.

وأوقف «السيسي» الكثير من الدعم المتعلق بقطاعي الغاز الطبيعي والنفط، مما سمح لشركات الطاقة المملوكة للدولة في القاهرة بتقديم صفقات أكثر جاذبية لشركات النفط العالمية.

وفي الوقت المناسب، بدأت مصر تقدم ما يصل إلى ضعف السعر لشركات النفط لإنتاج الغاز الطبيعي. وفي عام 2015، أطلقت شركة «بريتش بتروليوم» مشروع تطوير دلتا النيل الغربي، قبالة ساحل البحر المتوسط ​​في مصر، مع توقعات باكتشاف حقل قد ينتج في نهاية المطاف ما يصل إلى 15 مليار متر مكعب في العام، أو 30% من الطلب على الغاز الطبيعي في مصر.

غير أن الأمر كان أكثر استثنائية، عندما تجاوز اكتشاف آخر عام 2015 حقل ليفياثان الضخم. وتم اكتشاف حقل «ظهر» للغاز الطبيعي، الذي عثر عليه اتحاد شركات بقيادة إيني الإيطالية، باحتياطي يقدر بـ 850 مليار متر مكعب.

وسارع المسؤولون إلى تسريع المشروع، ليعلنوا عنه عبر الإنترنت أواخر عام 2017. وبحلول نهاية عام 2019، يُتوقع أن ينتج الحقل 30 مليار متر مكعب سنويا. وقد يقضي ظهر والاكتشافات الأخرى على حاجة مصر من واردات الغاز الطبيعي المسال، ربما في وقت مبكر من أواخر عام 2018.

وغير اكتشاف «ظهر» تماما الملعب في شرق البحر المتوسط. واضطرت بلدان مثل (إسرائيل) وقبرص على الفور إلى إعادة تقييم استراتيجياتها، لأن مصر لم تعد بحاجة إلى الغاز الطبيعي.

بالإضافة إلى ذلك، بدأ حقل «ظهر» في جذب اهتمام متجدد بين أكبر شركات النفط والغاز في العالم، التي تتطلع للاكتشاف التالي عن حقل غاز ضخم في شرق المتوسط.

ولم تستمر عمليات التنقيب في التدفق إلى مصر فحسب، بل شهدت قبرص أيضا اهتماما كبيرا بجولة الترخيص لعام 2016، مما مهد الطريق لمزيد من أنشطة الاستكشاف هذا العام. وفي الشرق، نجحت لبنان أخيرا في الوصول إلى إطار قانوني لتسهيل التنقيب في مياهها.

معركة المربعات

وعلى الرغم من اكتشاف حقل «أفروديت» عام 2010، لم تستفد قبرص بعد من أي فائض مالي. وكان احتياطي الحقل أصغر بكثير من احتياطي تمار وليفياثان القريبين، ولم تظهر شركة «نوبل» وشركاؤها اهتماما يذكر بتطويره كموقع مستقل، في غياب أي ربط مع مشروع إقليمي آخر.

ولكن مع اكتشاف «ظهر»، اقتنعت شركات الطاقة بتجديد بحثها في شرق المتوسط، وأعلنت «إيني» العام الماضي نيتها حفر 2 من الآبار الاستكشافية، واحد في مربع 6 في أواخر عام 2017، وواحد في مربع 3 في أوائل عام 2018.

وانضماما إلى المعركة، أعلنت «إكسون موبيل» وقطر للبترول عزمهما حفر بئرين استكشافيين في الربع رقم 10 في النصف الثاني من عام 2018.

وفي 8 فبراير/شباط، ذكرت «إيني» أن حقلها الجديد في كاليبسو في مربع 6 قد أصاب تشكيلا غازيا كبيرا، قد يحتوي على ما لا يقل عن 200 مليار متر مكعب، مما يجعله أكبر بكثير من «أفروديت». وتأمل «إيني» في تكرار نجاحها في المربع 3 على مدى الأشهر القليلة المقبلة.

وفي حين لم يكن «أفروديت» أبدا موضع خلاف في قضية قبرص التي طال أمدها، أثارت نشاطات «إيني» غضب أنقرة.

وعلى الرغم من وقوع البحث قبالة الساحل الجنوبي من قبرص اليونانية، فإن الجزء الشمالي من مربع 6 يقع على الجرف القاري الذي تقول تركيا إنه يخصها. وتقول  أنقرة أيضا إن مربع 3، الذي يقع في جنوب شرق الجزيرة، يجب أن يدار من قبل قبرص التركية، بدلا من جمهورية قبرص. وفي الحقيقة، منحت قبرص التركية حق الاستكشاف في مربع متشابك مماثل لمربع 3 إلى شركة النفط التركية (تي بي إيه أو) في عام 2011.

وتقول تركيا إن أنشطة «إيني» في كلا المربعين لا مبرر لها، وتحولت إلى عرقلة ومضايقة وتعطيل الشركة الإيطالية.

وفي 6 فبراير/شباط، نشرت القوات المسلحة التركية مذكرة تعلن فيها أنها تشغل جميع المياه جنوب قبرص، بما فى ذلك مربع 3، لتدريبات عسكرية حتى 22 فبراير/شباط.

وفي يوم 9 فبراير/شباط، منع الجيش التركي سفينة «إيني» للحفر من الإبحار بين المربعين 6 و9. وجددت تركيا هذا الإشعار حتى 10 مارس/آذار. وأكدت أنقرة أيضا رفضها لجميع الاتفاقات البحرية القبرصية، بما فيها الاتفاقات مع (إسرائيل) ومصر، مما دفع هذه الأخيرة إلى الإعراب عن تأييدها لنيقوسيا.

ومع ذلك، بعد انهيار محادثات إعادة توحيد قبرص في يوليو/تموز عام 2017، من غير المرجح أن تعتمد أنقرة خطا أكثر ليونة في ملف التنقيب في جميع أنحاء الجزيرة في المستقبل القريب.

ويمكن لتركيا أيضا نشر أول سفينة حفر حديثة لها، وهي «مترو ديبسيا إي»، لدعم مطالبها السياسية في المنطقة، مثلما تفعل الصين في بحر الصين الجنوبي. وتعتزم شركة «تي بي إيه أو) استخدام سفينة الحفر، ربما مع مرافقة البحرية التركية، لعمل استكشافات في شرق البحر الأبيض المتوسط، ​​في مناطق خلافية قد تشمل مربع 6.

وفي عام 2012، هددت أنقرة بمراجعة الاستثمارات التي تتخذ من تركيا مقرا لها، لأي شركة تستكشف النفط والغاز الطبيعي في قبرص.

وتمتلك «إيني» محفظة واسعة في تركيا، بما في ذلك الاستثمارات في «بلو ستريم»، وهي حلقة وصل ذات أهمية كبرى بين روسيا وتركيا. وإذا حققت قبرص تقدما أكثر وضوحا نحو تسويق الاكتشافات، فمن المرجح أن تواصل أنقرة مضايقاتها، وتوسيع ضغطها على شركات النفط العالمية العاملة في تركيا.

لبنان وحرب الكلمات مع (إسرائيل)

وعلى الرغم من تأخرها في ركوب الموجة، سعت الدولة الساحلية الأخرى في المنطقة، لبنان، هي الأخرى إلى مواصلة أنشطتها الاستكشافية، ولكن النظام السياسي الطائفي في البلاد، الذي يتطلب توخي توازن دقيق بين المصالح بين المجموعات الإثنية والطائفية المختلفة، أعاق تنمية قطاع الطاقة المحلي.

وفشلت جولة بيروت الأولى في تقديم العطاءات البحرية عام 2013، بسبب أزمة سياسية تركت البلاد بدون رئيس حتى أكتوبر/تشرين الأول عام 2016. وبمجرد أن تولى «ميشال عون» المنصب في النهاية، بذلت السلطات اللبنانية على الفور جهودا لاستئناف عملية المناقصة.

وفي يناير/كانون الثاني عام 2017، أقر مجلس الوزراء اللبناني قانونين ضروريين لعقد الجولة، في حين وافق البرلمان أخيرا على قانون ضرائب النفط والغاز الطبيعي، في سبتمبر/أيلول عام 2017.

وبفضل هذه اللوائح الجديدة، أجرت لبنان أول جولة لمناقصاتها ​​في الربع الأخير من 2017، ومنحت حق الاستكشاف في المربعين 4 و9 إلى اتحاد شركات يقوده مجموعة شملت أيضا «إيني» و«نوفاتك».

ولكن في الوقت الذي انتهى فيه الطرفان من التوصل إلى اتفاق في أوائل فبراير/شباط، أصدرت (إسرائيل) تحذيرات صارمة إلى الاتحاد وبيروت حول المربع 9، الذي يتضمن المياه المتنازع عليها بين (إسرائيل) ولبنان، ووصفت أي أنشطة هناك بأنها ستكون «صعبة للغاية واستفزازية».

في المقابل، هدد حزب الله بمهاجمة البنية التحتية الإسرائيلية للنفط والغاز الطبيعي، في حال تحركت (إسرائيل) لمنع الاستكشاف اللبناني.

وقال «ستيفان ميشيل» رئيس شركة توتال للاستكشاف والإنتاج في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن الاتحاد يهدف إلى الحفر على بعد لا يزيد عن 25 كيلومترا من الحدود، حيث يقع النزاع على مساحة تقارب 7 كيلومترات بين بلدان.

وإذا اكتشفت «توتال» وشركاؤها الغاز الطبيعي في لبنان، فإن «اللعبة الكبيرة» في شرق البحر المتوسط ​​سوف تصبح أكثر تعقيدا. ومثل قبرص، يمكن أن تجد لبنان نفسها مرهونة بموارد الغاز للشركاء الآخرين من أجل جعل مشروع التصدير قابلا للاستمرار اقتصاديا.

وفي ظل كون الشراكة مع (إسرائيل) مستحيلة فعليا، يمكن لبيروت التعاون مع نيقوسيا، ولكن هذا التعاون قد يؤدي إلى انسحاب (إسرائيل) من أي صفقة تصدير إقليمية مع قبرص، بسبب التداعيات السياسية على المشاركة مع لبنان.

وعلاوة على ذلك، لا يزال يتعين على قادة لبنان أن يقرروا كيف سيتقاسمون أي إيرادات محتملة بين مختلف مجموعات البلاد.

ويمكن للحكومة تخصيص بعض المكاسب للميزانية الوطنية، مع تخصيص جزء آخر من الأموال لصندوق الثروة السيادية الذي لم يتم إنشاؤه بعد.

واعتمادا على موقع أي اكتشاف، يمكن للمجموعات اللبنانية المختلفة أن تطالب بتنظيم العقود المحلية والتنمية المحلية، وفقا لشبكات المحسوبية.

الإبحار عبر العواصف السياسية

وهناك 3 خيارات رئيسية متاحة لقبرص و(إسرائيل)، وربما لبنان، للاستفادة من مواردها من الغاز الطبيعي بدرجة أكبر؛ حيث يمكن تصديرها عبر محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال في مصر، عبر وصلة إلى تركيا، أو عبر خط أنابيب إلى أوروبا، بيد أن كل بديل ينطوي على العديد من التحديات والقيود.

ولعل أبسط خيار يتلخص في سعي مصر إلى وضع نفسها كمركز محتمل للطاقة. ويذكر أن محطتي تصدير الغاز الطبيعي المسال في إدكو ودمياط قد ظلتا نائمتين منذ أعوام، وسيسمح ذلك لـ (إسرائيل) وقبرص بتصدير الغاز دون الحاجة إلى بناء محطاتهما الخاصة.

وفي عام 2016، وقعت مصر وقبرص اتفاقا حكوميا دوليا يسمح للمنتجين في حقل «أفروديت» باستخدام بنيتها التحتية للصادرات.

واستكشفت الشركات الإسرائيلية صفقة مماثلة، لكن آفاق التوصل إلى اتفاق جديد لا تزال قاتمة بسبب نزاع التحكيم الناجم عن إلغاء صفقة الغاز الطبيعي الإسرائيلي المصري السابق عام 2012.

وحتى الآن، تم الانتهاء من صفقة واحدة فقط، مع مجموعة «دولفينوس» الصناعية القابضة، التي وافقت في 19 فبراير/شباط على الحصول على 64 مليار متر مكعب من تمار وليفياثان على مدى 10 أعوام.

ومع ذلك، لم يقم الطرفان بعد بإصدار أي إعلان بشأن أي خطوط أنابيب محتملة، أو الإشارة إلى ما إذا كانت القاهرة قد شاركت في المحادثات.

وعلاوة على ذلك، سوف تشمل صفقة «دولفينوس» الغاز الطبيعي من المرحلة الأولى من ليفياثان فقط، وليس من المرحلة الثانية الأكبر.

وفي الوقت نفسه، قالت القاهرة إنها لن توقع أي اتفاق جديد مع (إسرائيل) إلى أن يتم التوصل إلى حل للاتفاق الذي ألغته في عام 2012. ومع ذلك، فإن الخيار المصري قد يغري (إسرائيل) في نهاية المطاف، بسبب إمكانية تقاسم البنية التحتية.

ويعد احتمال إيجاد طريق إلى تركيا أكثر بعدا. وعلى الرغم من أن «نتنياهو» قد دفع بعيدا هذا الخيار لأغراض سياسية، إلا أنه يمثل أحد أسباب تقارب (إسرائيل) وتركيا في الأعوام الأخيرة، حيث تسبب تلك الخطة مجموعة متنوعة من الصداعات اللوجستية.

ويجب مد خط أنابيب مباشر إلى تركيا عبر لبنان، أو إلى المياه القبرصية، وطالما استمرت تركيا في تحدي جهود استكشاف الجزيرة، فإن نيقوسيا ستعرقل أي محاولة لبناء خط أنابيب هناك.

ويمكن أن تتوصل البلدان إلى اتفاق سياسي عملي تتراجع فيه تركيا وتقبل السيطرة القبرصية في منطقتها البحرية، ولكن من غير المرجح أن توافق أنقرة على مثل هذه الصفقة من أجل خط الأنابيب.

وهناك طريق أوروبا. وفي 5 ديسمبر/كانون الأول عام 2017، وافقت قبرص واليونان و(إسرائيل) وإيطاليا على دعم خط أنابيب «إيست ميد» بطول 2000 كم، بتكلفة 7.4 مليار دولار.

وفي حين أعربت البلدان عن أملها في توقيع اتفاق حكومي دولي بشأن المشروع في وقت لاحق من هذا العام، لم تقدم أي شركة حتى الآن دعمها للمشروع بسبب الثمن الضخم.

غير أن طريق أوروبا ليس خاليا تماما من المزالق السياسية المحتملة. وتعد روسيا حريصة على منع دخول أي مصادر جديدة للغاز الطبيعي إلى القارة، وقد تقلل من سعر الغاز الطبيعي لردع الاستثمارات. كما أن أنقرة قد تشكل تحديا سياسيا، خاصة إذا كان الطريق يجتاز منطقة الجرف القاري الذي تطالب به تركيا.

بفضل إمكاناتها من الغاز الطبيعي، اجتذبت منطقة شرق المتوسط ​​اهتماما جديدا في الأعوام الأخيرة، حيث سجلت شركات النفط العالمية الاكتشافات الكبرى واحدا تلو الآخر.

ولم تؤد ثروة الطاقة الجديدة إلا إلى تعميق لعبة متاهة القوة بين بلدان المنطقة، كما أن القيود السياسية المختلفة تنتقص من كل خيارات جلب الغاز الطبيعي إلى السوق.

لكن الإمكانات كبيرة للغاية لتجاهلها. وستواصل شركات النفط البحث عن الاكتشاف المقبل الذي يغير اللعبة، ولكن علاقات القوة الحساسة في المنطقة ستبقي دول المنطقة تتحرك بحذر في نطاق مواردها لبعض الوقت.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

الغاز الطبيعي شرق المتوسط حقل ظهر حقل ليفياثان حقل تمار حقل أفروديت مصر تركيا إسرائيل