تركيا تقترب وروسيا والصين تتطلعان.. هل تتحول أثيوبيا إلى ساحة جديدة للمنافسة العالمية؟

السبت 24 فبراير 2018 01:02 ص

للمرة الثانية منذ عامين، أعلنت إثيوبيا حالة الطوارئ في محاولة لقمع الاضطرابات العنيفة وقد جاء الإعلان فى 16 فبراير/شباط بعد يوم واحد من استقالة رئيس الوزراء بسبب الاضطرابات، بيد أن ذلك لم يؤد سوى إلى خلق المزيد من الاحتجاجات فى جميع أنحاء البلاد ودعوة المعارضة إلى تشكيل حكومة جديدة. (سيبقى رئيس الوزراء بشكل مؤقت حتى يعلن البرلمان رئيس الوزراء الجديد). وقد عانت إثيوبيا من حالة من الفوضى السياسية منذ منتصف عام 2016، ولكنها تبدو الآن مقتربة من ذروتها. وهذا في حد ذاته ليس ذا مغزى كبير من الناحية الجيوسياسية، ولكنه يمكن أن يجعل أكبر بلد في القرن الأفريقي ذي الأهمية الاستراتيجية مفتوحا أمام المنافسة العالمية على النفوذ.

جذور القضية تعود لكون الحكومة المركزية في إثيوبيا ليست ممثلة لغالبية السكان. ويهيمن على الائتلاف الحاكم الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الأثيوبية، من قبل قومية التيغرى العرقية ويحتكر أعضاء التيغري السلطة ولكنهم يمثلون 6% فقط من سكان البلاد، ومن ناحية أخرى، تشكل جماعات أورومو والأمهرية حوالي ثلث السكان وليس لديهم تمثيل رسمي في الحكومة، وعندما يحاولون أن يسمعوا أصواتهم، فإن الجبهة الشعبية الثورية عادة ما تلجأ إلى القمع العنيف لإسكاتهم. وقد عانت أثيوبيا من الاضطرابات ست مرات منذ عام 1960، وإذا كان التاريخ يعد دليلا، فإن الأزمة الأخيرة سوف تزداد سوءا.

وباستثناء مصر والسودان، فإن جيران إثيوبيا ليسوا مهتمين بشكل عام. فلمدة أكثر من عامين من القتال، لم يمتد الصراع إلى أي حدود. ولكن القوى الإقليمية والعالمية الكبرى تنظر إلى الاضطرابات كفرصة.

الأطماع

تعد إثيوبيا إلى حد بعيد أكبر بلد -حسب المساحة والسكان- في القرن الأفريقي. والقرن الأفريقي يعد مطمعا للقوى الكبرى، سواء بسبب موقعه بجانب الطرق البحرية للنفط أو كقاعدة يتم من خلالها التأثير في الشرق الأوسط ونتوقع أن هذه المنافسة في عام 2018 على القرن سوف تزداد بين القوى الخارجية وتمهد الاضطرابات في إثيوبيا الطريق أمام هذه المنافسة.

ومن السمات المميزة لإثيوبيا على مدى قرنين من الزمن قدرتها على الصمود أمام الغزو الأجنبي وصده فقد تعرضت البلاد للغزو من قبل إيطاليا والسودان ومصر والصومال، وخلافا لكل بلد تقريبا جنوب الصحراء الكبرى، فإن أثيوبيا تقريبا تجنبت الاستعمار من قبل القوى الأوروبية. (غزت إيطاليا واحتلت البلاد في عام 1936، ولكنها استمرت لمدة خمس سنوات فقط). وقد كانت هذه التجارب واضحة بالنسبة لإثيوبيا طوال القرن العشرين وعلمتها أنه قد يكون من مصلحة البلاد أن تتسق مع قوة خارجية بحيث يمكن إقامة الشراكة والاستفادة من شروطها الخاصة ولا تعيش تحت تهديد الغزو. وتقدم إثيوبيا للرعاة موقعا استراتيجيا قويا في القرن الأفريقي. وفي المقابل، تتوقع ضمانات بعدم تدخل أي طرف خارجي -بما في ذلك الراعي نفسه- في الشؤون الإقليمية والسياسية لإثيوبيا. وقد أقامت إثيوبيا شراكات مع عدة بلدان على مر السنين، غير أن شرط عدم التدخل ظل ثابتا.

المتنافسون

كانت الولايات المتحدة راعيا لإثيوبيا منذ أوائل التسعينات، ولكن مستقبل شراكتها ليس مضمونا. وبالنسبة لواشنطن، كانت قيمة إثيوبيا الرئيسية في مساعدتها في الحملات الأمنية المناهضة للجهاديين، ولا سيما جمع المعلومات الاستخبارية في القرن الأفريقي. غير أن سنوات الاحتجاجات البارزة جعلت الحكومة الإثيوبية شريكا أقل موثوقية، وقد أدى قمع الجبهة الشعبية للشعب الإثيوبي لتلك الاحتجاجات إلى زيادة الاحتمالات داخل واشنطن لإعادة تقييم الشراكة. ومن شأن التشريع المقرر للتصويت عليه في نهاية فبراير/شباط أن يمهد الطريق أمام الولايات المتحدة لمراجعة مساعدتها الأمنية والعلاقة بشكل عام مع إثيوبيا إذا لم يتم الوفاء بشروط معينة تتعلق بحقوق الإنسان والاضطهاد الحكومي.

إن إثيوبيا ليست بأي حال من الأحوال ركيزة أساسية في الاستراتيجية الأمريكية في شرق أفريقيا. ولن ترسل الولايات المتحدة قوات برية ضخمة لمكافحة انتشار الجهادية في المنطقة. وبدلا من ذلك، وضعت استراتيجية هجومية تعتمد على الطائرات بدون طيار والغارات الجوية لدعم القوات المحلية، وإذا قررت الولايات المتحدة أن تتخلى عن شراكتها مع إثيوبيا، فإنها يمكن أن تتكئ على شريك آخر في مكان قريب، مثل كينيا. (في الواقع، فقد تم بالفعل التراجع عن رهان واشنطن على إثيوبيا من خلال العمل عن كثب مع كينيا، ومع ذلك، تعاني كينيا من اضطراب سياسي خاص ولا ينظر إليها على أنها موثوقة تماما ).

وهذا يعني أنه بالنسبة للبلدان المهتمة بإنشاء موطئ قدم في القرن الأفريقي، فإن إثيوبيا يمكن أن تعيد قريبا فتح أبوابها وهذا صحيح بغض النظر عن الفصيل السياسي الذي سيأتي في نهاية المطاف إلى السلطة في أديس أبابا وهناك بلد جديد يعطي زخما لرغبة إثيوبيا في الحصول على ضمانات خارجية: تركيا.

يمكننا أن نقول إن أنقرة في المراحل الأولى من «عثمنة» سياستها الخارجية - فهي تحاول أن تنمي نفوذها العالمي في مناطق نفوذ الإمبراطورية العثمانية. فعلى سبيل المثال، تواصل تركيا إقامة علاقات أوثق مع السودان، حيث تعتزم استعادة المدينة الساحلية العثمانية السابقة في جزيرة سواكن، وفي الصومال، أقامت أنقرة قاعدة تدريب عسكرية صغيرة للقوات المحلية في مقديشو. ومع تأثير تركيا المتصاعد، سوف تتطلع إثيوبيا إلى الانضمام إلى راع جديد للسلطة إذا انسحبت الولايات المتحدة.

ولكن المرشحين كثر. فروسيا لديها مصلحة في إقامة وجود في القرن حتى تتمكن من مواكبة الولايات المتحدة وتركيا. وقد أثارت موسكو مسألة التعاون العسكري مع السودان في مناسبات عديدة في الآونة الأخيرة، ولكن نظرا لأن السودان وإثيوبيا متنافسين، فإن ذلك سيجعل التوافق مع إثيوبيا أقل جدوى. وترغب الصين والهند فى توسيع نفوذهما عبر المحيط الهندى، ووجود علاقات قوية مع دولة مثل إثيوبيا سيساعد على منحهما وجودا فى هذه الزاوية من العالم. وتسعى إيران أيضا إلى حضور قوي في المنطقة. وحتى وقت قريب كانت إيران راعية لكل من السودان والصومال، ولكن السعودية ضغطت على الجانبين وفقدت إيران مكانها. ويمكن أن تكون إثيوبيا بديلا، ولكن الخلافات الطائفية في البلدين ستكون عقبة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن إيران تقترب بالفعل من السيطرة الاستراتيجية على مضيق باب المندب -الممر المائى الضيق شمال القرن الافريقى من خلال نفوذها على الجماعات المسلحة فى اليمن وتلك السيطرة هي ما تهتم به إيران في المنطقة.

يتم الاهتمام بالمنافسة بين روسيا والولايات المتحدة وتركيا والصين وغيرها في معظم أنحاء العالم، لكن التقارير عن هذه المنافسة في إثيوبيا غائبة، حيث تميل التقارير للتركيز فقط على السياسة الداخلية. وسواء تخلت قومية التيغري عن السلطة للأغلبية أم لا، فستظل إثيوبيا دولة استراتيجية هامة في منطقة تريد فيها القوى المذكورة آنفا المزيد من التأثير.

  كلمات مفتاحية

إثيوبيا كينيا السودان مصر باب المندب تركيا البحر الأحمر