كيف انقلبت معادلة الغاز الطبيعي بين مصر و(إسرائيل)؟

السبت 24 فبراير 2018 05:02 ص

أثار إعلان الجانب الإسرائيلي منفردا عن صفقة تصدير الغاز الأخيرة لمصر عدة تساؤلات عن طبيعة المتغيرات التي أحدثت انقلابا في معادلة استيراد وتصدير الغاز بين الجانبين، وخاصة أن ذلك جاء بعد الإعلان عن حقل «ظهر» التي روجت له الحكومة المصرية باعتباره سيمكنها من الاكتفاء الذاتي من الغاز.

ففي عام 2010، أعلنت شركة «شلمبرجير» الأمريكية، عن انتهاء المسح السيزمي متعدد الزوايا والنطاقات، بمنطقة شرق وغرب المتوسط، الذي بدأ عام 2008 بمشاركة خبراء من هيئة المساحة الأمريكة، وأسفر ذلك عن اكتشاف «كنز» من الغاز الطبيعي بمنطقة شرق المتوسط، يبلغ قدره 225 تريليون قدم مكعب.

ونقل موقع «هاف بوست» عن رئيس أحد القطاعات بوزارة البترول المصرية والمشتبك بشكل مباشر مع الملف، ( لم يذكر اسمه) قوله إن «هناك بروتوكولا حاكما لعملية البحث والتنقيب نظرا لارتفاع التكلفة، وهو أنه يتم تجنيب 40% من المنتج الصادر لصالح الشركة المنقبة كمقابل لتكلفة التنقيب والبحث نفسها، ثم يتم اقتسام النسبة الباقية بواقع 30% لكل طرف».

وتابع: «وبالتالي فإن نسبة شركة إيني الإيطالية من حقل ظهر هي 70%، ونصيب مصر 30%، ويستمر ذلك إلى أن نصل إلى ما يعرف باسم نقطة التعادل، أي يتم تسديد مديونيه قيمة التكلفة الأصلية المتعلقة بأعمال البحث والتنقيب».

وقال المسؤول الحكومي إن «الظروف خدمت شركة إيني كثيرا حيث تزامن ذلك مع ضغوط اشتراط صندوق النقد الدولي على الحكومة المصرية تسديد الديون المتراكمة عليها لشركات البترول، قبل الاستمرار في أخذ الدفعات التالية من القرض. وهو ما حدث بالفعل، إذ تم تحويل مبلغ 2.2 مليار دولار لتلك الشركات، كان نصيب شركة إيني منها ما يقرب من مليار دولار».

وأردف قائلا: «وبالإضافة إلى ذلك خفضت مصر نسبة (الإتاوة) -وهي نسبة تفرض على الشركات الأجنبية نظير العمل في مصر- من 15% إلى 7%».

وقال إنه «حينما تم الكشف عن هذا الكنز، ظهرت مشكلة تقاطع حدود الدول في هذه المنطقة الهامة. فنظريا الحدود البحرية للدولة تقدر بحوالي 12 ميلا بحريا، بينما الحدود الاقتصادية، وهي المنطقة التي يحق للدولة فيها الاستفادة من أي موارد طبيعية، فتصل إلى 200 ميل بحري من الشريط الساحلي».

واستطرد قائلا: «نظرا للتداخل والاقتراب في الخريطه بين عدة دول في شرقي المتوسط، فكان لا بد من تحرك سريع لإعادة ترسيم الحدود الاقتصادية، حتى يتمكن الجميع من الوصول إلى الكنز الجديد».

ونقل الموقع ذاته عن أحد القريبين من دوائر السلطة في مصر، (لم يسمه)، قوله إن «مفاوضات ترسيم الحدود مع قبرص واليونان كانت برعاية مباشرة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وساهم فيها فريق اقتصادي وفني، فضلا عن قيادات من الأمن القومي والاستخبارات».

وأوضح أن «هذه المنطقة من البحر مقسمة إلى (بلوكات)، وحدثت مفاوضات كثيرة انتهت إلى التصور الحالي للتقسيم، حيث تنازلنا لليونان عن 6 بلوكات، وأخذنا 3 أخرى عوضا عنها، وكان حظنا جيدا، إذ يقع حقل ظهر في البلوكات المصرية».

على خطى تفريعة قناة السويس

وأشار المصدر المسؤول إلى أن «عملية تجهيز وتطهير الحقل كان مقدرا لها ما يقرب من 5 سنوات، لكن الرئاسة المصرية كانت حريصة على انتهاء العمل والبدء في ضخ الغاز قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، في مارس/آذار 2018، وعليه ضغطت مصر ليتم الانتهاء من المشروع برمته خلال عامين فقط».

وتابع: «هذا يعني ضرورة تضاعف تكلفة العمل، وهو نفس سيناريو حفر التفريعة الجديدة لقناة السويس التي قرر الرئيس ضغط مدة العمل بها».

وأردف: «وبالطبع رفض الجانب الإيطالي ضخ أموال إضافية في المشروع، أو تحمل تضاعف التكلفة، وبعد مفاوضات وصل الجانبان إلى اتفاق مؤداه أن مصر ستتنازل عن حصتها إلى شركة إيني لمدة تقترب من 7 سنوات لنصل لنقطة التعادل، لتعويض ذلك الفارق».

ومضى المسؤول الحكومي بالقول: «وبذلك فإن مصر لا تأخذ أي شيء من المنتج حاليا، بل إنها ستشتري كامل ما سيتم ضخه من الحقل بسعر 6 دولارات للمليون وحدة حرارية، وهو سعر ممتاز، لكنها في المقابل لا تملك فيه شيئا».

وأكد أنه «لاحقا قامت شركة (إيني) ببيع 40% من الحقل إلى شركة (بريتش بتروليوم) البريطانية، التي باعت بدورها ما نسبته 30% إلى شركة (روس نفط) التي تمتلك دولة قطر فيها 5%، وبذلك أصبحت قطر شريكا مباشرا ومالكا لحصة في حقل ظهر، رغم كل العداوات السياسية بين البلدين».

يشار إلى أن الجانب الروسي نشر الخبر كاملا، فقد ذكر موقع «إنيرجيا 16» المتخصص في الشؤون النفطية قيمة النسب المملوكة لكل طرف في حقل «ظهر»، وجاءت كالتالي: شركة «روس نفط» الروسية تملك 30%، وشركة «بريتش بتروليوم» البريطانية تملك 10%، وشركة «إيني» الإيطالية تملك 60%.

ونقل «هاف بوست» عن أحد مهندسي شركة «شل» قوله: «يجب أن نفرِّق بين آبار البترول وآبار الغاز، فآبار البترول عمرها الافتراضي يتراوح من 40 إلى 60 عاما، أما آبار الغاز، والتي تعتمد على ضغط المنتج، فالعمر الافتراضي لها من 3 إلى 5 سنوات».

وأضاف أنه «نظرا للأوضاع التي مرت بها مصر بعد الثورة، والأزمات الاقتصادية وتراكم المديونيات لدى شركات التنقيب، توقف البحث والكشوفات الجديدة عن الغاز الطبيعي، وعليه فنحن لم يعد لدينا ما نصدره».

وأوضح أن «الوضع في (إسرائيل) كان مغايرا تماما، فقد نجحت تل أبيب في الاستيلاء على حقل (تمار)، ورغم اعتراض لبنان وتقديمها مذكرة إلى هيئة الأمم المتحدة في 2010 ضد (إسرائيل)، تقول فيها إن الأخيرة تستغل مناطق بحرية تتبع لبنان، فإن الهيئة المختصة بالأمم المتحدة أقرت أن الحقل يقع في المنطقة الخاصة بـ(إسرائيل)، وأن للبنان مناطق أخرى من المحتمل وجود الغاز فيها».

وقال إنه «في نفس الوقت تقريبا، قامت شركة (نوبل إنرجي) الأمريكية باستخراج الغاز من حقل (لڤياثان) للغاز الطبيعي لصالح (إسرائيل)، وهو الحقل الذي يقع على مسافة 150 كم شمالي مدينة دمياط، وهو ما أثار اعتراضات حول وقوعه في المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر».

يشار إلى أن حقل «ظهر»، يقع على أعماق بعيدة، وهو ما يعني نظريا إمكانية أن يعمل بكفاءة لأكثر من 15 عاما، ولكن هذا الكلام لم يختبر عمليا قبل ذلك، ما يهدد بتوقف الحقل عن الانتاج قبل أن تبدأ مصر في جني الأرباح منه.

المصدر | الخليج الجديد + هاف بوست

  كلمات مفتاحية

العلاقات المصرية الإسرائيلية حقل ظهر حقل ليفثيان شركة إيني غاز شرق المتوسط