فيلم «Eternal Sunshine of the Spotless Mind أو إشراقة أبدية لعقل طاهر» إخراج وقصة الفرنسي «ميتشل غوندري» خير مثال للسينما الأمريكية الخفيفة السطحية ذات النكهة الفلسفية المقتمحة، إذ إن الفيلم رغم أن أبطاله أمريكيون لكنه بنكهة إخراج فرنسية.

صدر الفيلم في 19 من مارس/آذار 2004، ومع مجيء العام التالي حاز جائزة الأوسكار، مع ترشيح بطلته «كيت وينسلت» لنفس الجائزة عن فئة أفضل ممثلة عنه، كما حاز الفيلم 72 جائزة أخرى، ونجح في اقتناص قرابة 50 مليون دولار من الأرباح، فبلغت تكلفته 20 مليون وتخطت إيراداته 70 مليونًا.

دور «وينلست» في الفيلم يمكن توصيفه بأنه دور شبابي هزيل المضمون، بالإضافة إلى أنه لا يحمل عمقًا أو شخصية مركبة، كتلك التي تناولناها هنا من قبل في فيلم «الطريق الثوري»، لم يخل أداء الممثلة الأمريكية من عري فج ومشاهد خارجة غير موظفة درامية من الأساس، وشاركتها الأمر مواطنتها «كيرستن دانست».

مع ميل فكرة الفيلم وجنوحها إلى الفلسفية والخيال العلمي والمشاهد المبتذلة المكررة ظهر الفيلم نسخة مكررة من أفلام أخرى، وهو ما حرص المخرج كاتب القصة على تجنبه بالكلية مع كاتب السيناريو والحوار «تشارلي كوفمان»، عبر ما يمكن تسميته بالفيلم السينمائي الدوار أو الذي تقدم نهايته تفسيرًا يغاير في جزء منه أحداث الفيلم بالإضافة إلى لمحة الخيال العلمي.

سينما توظيف الجسد للانتصار للروح

تدور الأحداث كما في تسلسلها حول «جويل باريش» أو «جيم كاري» الذي يعاني من الملل من العمل ونمط الحياة الأمريكي السريع المزيف حتى إنه يستيقظ في يوم «عيد الحب» معتقدًا أن هذا اليوم تم اختراعه لصالح مكاسب شركات بطاقات التهنئة والألعاب.

وبدلًا من أن يتوجه «باريش» إلى عمله يذهب إلى بقعة نائية هي «مونتوك» ليلتقي «كلمنتين  كروزنسكي» أو «كيت ونسيلت»، فيما يبدو أنه لقاء عابر غير مدبر، وهناك تبدأ مشادات بينهما لا تخلو من توافق في الطباع بين الشاب المنطوي الخجول والفتاة التي تحب أن تكون لعوبًا، وبعد فترة وجيزة تأخذ الحبيبة في الانسحاب من حياة البطل، ليعرف أنها عمدت إلى أحد مراكز محو الذاكرة لتمحو تفاصيل حياتها غير القصيرة معه.

وفي حالة من التشتت وعدم القدرة على اتخاذ قرار يذهب «باريش» هو الآخر لمركز «الفجوة»، حيث يتم محو الذكريات المؤلمة من حياة المرضى، في إشارة إلى إمكانية تدخل العلم مستقبلًا لمحو ملفات من العقل على نفس نمط ونسق الحاسبات الآلية، ومع توالي عمليات المسح من ذهن البطل يكتشف أنه لا يستطيع مفارقة «كروزنسكي» بحال من الأحوال، ومع تمسكها به كقيمة وحيدة تشعرها بحب الحياة وإمكانية التغلب على صعابها يتواعدان قبل محو ذاكرته عنها في اللقاء في «مونتوك» ومن هنا يتم تتابع احداث الفيلم بنسق آخر غير المهلهل الأحداث للغاية الذي ظهر في البداية.

اللافت للنظر أن الفيلم اعتمد سياقًا آخر لنفس الأزمة العاطفية لكنه سياق فاشل تمامًا، إذ إن الطبيب «هوارد» أو (توم ويلكنسون) المُعالج لـ«باريش» و«كروزنسكي» يوقع مساعدته الشابة «ماري سفو» أو «كيرستن دانست» في علاقة جنسية رغم زواجه، ثم يقوم بمحو ذاكرتها لتنسى الأمر وتشتبك مع زميلها «ستان» أو «مارك رافالو» في علاقة من نفس النوع.

هذا التداخل في العلاقات الحسية الجسدية بين جميع أبطال الفيلم تقريبًا أثمر عملًا حائرًا تختلط فيه الرغبة في المثالية وتناسي العلاقات المؤلمة بالانغماس في آتون وجحيم الجسد، ويأتي اسم الفيلم «إشراقة أبدية لعقل طاهر» من تطلع المساعدة «ماري سفو» إلى التطهر كراهبة واعتزال عالم فوضى العلاقات الشخصية الأمريكية والغربية.

بين «إشراقة» و«استهلال»

بدأ فيلم اليوم متماسًا في كثير من أجزائه مع فيلم «استهلال» لـ«دي كابريو» الذي قدمه في 2010 المخرج الأمريكي «كريستوفر نولان» في فكرة واضحة المعالم مفصولة تمامًا عن تداخل عوالم فيلم اليوم، وظهور النبرة الفلسفية الخيالية العلمية فيه كمحاولة عاجلة لإنقاذ الفيلم من المباشرة الواضحة الفجة وإضفاء أي عمق عليه يجعله يختلف عن مئات الأفلام المماثلة من الحبيبين المختلفي الطباع اللذين يريدان الاستمرار في علاقة أيًا ما كان نوعها رغم الخلافات الشديدة بينهما.

جاءت الموسيقى التصويرية الخاصة بالفيلم مناسبة دون تميز، وجاء أداء البطل «جون كاري» مخيبًا للآمال، وبدت «وينسلت» أغلب الفيلم كمن تغالب عدم اقتناعها بما تؤديه، بخاصة مع تقدم عمرها عن أداء دور فتاة في أوائل العشرينات، وأجادت البطلة المساعدة «كيرستن دانست» تجسيد لحظات التيه والندم على علاقتها الحسية مع الطبيب الذي تعالجه.

فيلم «إشراقة أبدية لعقل طاهر».. فيلم يختصر العلاقات الشخصية الجنسية الأمريكية والغربية ويظهر مدى تورطها في الابتعاد عن الجانب الروحي المشرق من دفء الأسرة واطمئنانها، أخطأ الفيلم هدفه لما أكثر من التوابل والمراهقات، كما أخطأت جائزة «أوسكار» بالوصول إليه رغم أخطائه!