«أردوغان» في أفريقيا مجددا.. سياسة توسيع النفوذ بالقارة السمراء

الاثنين 26 فبراير 2018 06:02 ص

أقل من شهرين، هي المدة التي فصلت بين الجولة الأولى التي أجراها الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» في أفريقيا نهاية العام الماضي، والجولة الجديدة للقارة السمراء التي انطلقت اليوم من الجزائر واصطحب فيها «أردوغان» مجموعة كبيرة من رجال أعمال بلاده.

تلك المدة الزمنية القصيرة التي تفصل بين الجولتين اللتين قادهما «أردوغان» بنفسه، تكشف مدى الاهتمام التركي في الفترة الحالية بالقارة السمراء، ومدى الاهتمام بتعزيز النفوذ التركي بها، بحسب مراقبين مطلعين على الشأن الأفريقي وتقارير غربية.

نفوذ تبرز أهميته ومدى الحاجة إليه، بالنظر إلى تزامن الجولتين مع حجم التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها تركيا، وأبرزها تلك العملية العسكرية الكبرى التي تقوم بها في الشمال السوري ضد تنظيمات كردية تعتبرها أنقرة إرهابية.

سفراء بجميع دول أفريقيا

أهمية هذا النفوذ أيضا كانت واضحة في التصريح الذي أدلى به الرئيس التركي، قبل أيام من انطلاق الجولة الأولى بأفريقيا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما قال إن بلاده بصدد فتح سفارات لدى جميع الدول الأفريقية، مشيرا إلى أنه قبل وصول «حزب العدالة والتنمية» إلى الحكم، كان لتركيا 12 سفارة فقط لدى القارة الأفريقية، بينما بلغت اليوم 39 سفارة.

ولفت «أردوغان» آنذاك، إلى أن «الخطوط الجوية التركية تطلق رحلات إلى 55 منطقة في 33 دولة أفريقية، كما أن وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) تقدم خدمات اجتماعية في القارة».

واستمرت جولة «أردوغان» السابقة لأفريقيا من 24 حتى 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وشملت السودان وتشاد وتونس، وكانت أول زيارة لرئيس تركي إلى السودان منذ استقلاله عام 1956.

وخلال تلك الجولة وقع الرئيس التركي مع البلدان التي زارها العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في الكثير من المجالات، خاصة في الشأن الاقتصادي.

وكان السودان رأس الحربة في هذه الجولة، حيث وقع «أردوغان» ونظيره السوداني «عمر حسن البشير» 13 صفقة بقيمة 650 مليون دولار، تشمل إنشاء مطار جديد ومنطقة تجارة حرة في العاصمة السودانية، وميناء رئيسي، والعديد من مخازن الحبوب، ومحطات توليد كهرباء، ومستشفى، وجامعة جديدة، كما شرعت تركيا والسودان في زيادة التجارة الثنائية بمقدار 20 ضعفا.

وتبرز أهمية الميناء الذي يقع في شمال شرق السودان، في أنه قد يخدم قريبا كل من الأغراض العسكرية والمدنية لأنقرة في حين يقدم المزيد من الخدمات للمسلمين في أفريقيا للوصول إلى مكة المكرمة في محاولة تركية للاستفادة اقتصاديا من الحج والعمرة.

واتفقت أنقرة والخرطوم على أن يكون لتركيا سيطرة مؤقتة مع إعادة بناء لجزيرة «سواكن» بالبحر الأحمر، التي تعود إلى عهد الإمبراطورية العثمانية من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر، ولكن تم التخلي عنها منذ القرن الماضي.

وعبر تلك الاتفاقات، يمكن القول إن الخرطوم فتحت بوابة دخول أنقرة إلى البحر الأحمر، ومن وجهة نظر أنقرة، فإن السيطرة التركية على جزيرة سواكن تعزز مسعى تركيا لإقامة وجود عسكري أكثر قوة في الخارج، وهو ما أبرزته قاعدتا تركيا الأخريان في الصومال وقطر.

وبحسب تقارير غربية، فإن الطبيعة التاريخية لجزيرة سواكن تحت الحكم العثماني تتوافق مع توجهات قيادة حزب العدالة والتنمية كانعكاس للقوة التركية الخشنة على المستوى العالمي وفرصة لتوسيع القوة الناعمة في جميع أنحاء أفريقيا وخارجها.

قلق من توسيع النفوذ التركي

الجولة الأفريقية للرئيس التركي ومساعيه لتوسيع نفوذ بلاده في القارة السمراء، أقلقت بعض الدول بالقارة، وهو ما بدا في التقارير التي انتشرت عقب زيارة «أردوغان» للسودان، وتحدثت عن نشر مصر قوات في إريتريا كجزء من استراتيجية القاهرة لمواجهة السودان، جنبا إلى جنب مع دور مصر في جنوب السودان ومع أوغندا، وذلك على الرغم من نفي الرئيس الإريتري «أسياس أفوركي» بسرعة لوجود الجيش المصري على أرض بلاده.

وبحسب «جيوبوليتيكال فيوتشر»، فإن جولة «أردوغان» الأفريقية التي زار خلالها السودان وتونس وتشاد، تأتي في إطار محاولات الحكومة التركية منذ عدة سنوات تعزيز العلاقات مع الدول التي كانت في السابق جزءا من الإمبراطورية العثمانية، ويعد هذا جزءا مما يعتبر عودة تركيا كقوة إقليمية.

وبينت أن استعادة التواجد في جزيرة سواكن السودانية بالبحر الأحمر، يعد جزءا من استراتيجية عثمانية جديدة أوسع لإحياء النفوذ التركي في المناطق التي كان يسيطر عليها العثمانيون في السباق.

وخلال الأعوام القليلة الماضية، بات السباق محموما على البحر الأحمر الذي يعتبر ممرا لنحو 3.3 ملايين برميل من النفط يوميا، كما أنه يشكل المعبر الرئيسي للتجارة بين دول شرق آسيا، ولا سيما الصين والهند واليابان مع أوروبا.

وتعد لجزيرة سواكن أهمية إستراتيجية تكمن في كونها أقرب الموانئ السودانية إلى ميناء جدة الإستراتيجي السعودي على البحر الأحمر، حيث تستغرق رحلة السفن بين الميناءين ساعات قليلة.

وبالإضافة للدول الإقليمية المطلة على البحر الأحمر كالأردن، ومصر، والسعودية، والسودان، وإريتريا، والصومال، واليمن، وجيبوتي، و(إسرائيل)، دخلت قوى دولية وإقليمية على خط النفوذ فيه، من بينها الإمارات وإيران، وهو ما يفسر بشكل أو بآخر الاهتمام التركي الكبير بهذه البقعة من أفريقيا بشكل أكبر عن الاهتمام بمناطق أخرى من القارة.

الجولة الجديدة

وبعيدا عن شرق أفريقيا، بدأ الرئيس التركي اليوم جولة جديدة في القارة تشمل الجزائر، وموريتانيا، والسنغال، ومالي، مصطحبا معه العديد من رجال الأعمال.

وبحسب وكالة الأناضول التركية الرسمية، يشارك «أردوغان» خلال تلك الجولة في منتديات أعمال سيتخللها عقد محادثات مع المستثمرين في تلك البلدان لتطوير التعاون الاقتصادي، وتقييم فرص الاستثمارات المشتركة، والتوقيع على اتفاقيات اقتصادية مشتركة، إلى جانب محادثات على الصعيد السياسي.

ورأى خبراء أن الجولة الجديدة، التي تشمل الجزائر وموريتانيا والسنغال ومالي، تهدف لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية المشتركة مع دول غرب أفريقيا.

ونقلت وكالة الأناضول، عن «فؤاد توسيالي»، رئيس مجلس الأعمال التركي الجزائري التابع لمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركية، قوله إن الجزائر هي واحدة من أقوى الاقتصادات في أفريقيا، وإن إدراج هذا البلد على برنامج جولة «أردوغان» الأفريقية سوف يؤثر بشكل إيجابي على عالم الأعمال في البلدين.

ولفت «توسيالي» إلى أن البلدان التي يعتزم «أردوغان» زيارتها بحاجة لمستثمرين أجانب، وأن المستثمرين الأتراك هم الأكثر خبرة في هذه المنطقة، وذلك لعدة أسباب أهمها القرب الثقافي مع الدول الأفريقية وبرامج التقارب التي جرى العمل عليها خلال الأعوام الـ15 الماضية.

ونوّه «توسيالي» إلى أهمية الأسواق في البلدان الأفريقية في التحول الصناعي الذي تشهده تركيا، وأن رجال الأعمال الأتراك مستعدون لنقل تكنولوجيات معينة إلى البلدان الأفريقية، ونقل عدد كبير من الصناعات وتجديد المرافق، لاسيما مع وجود فرص استثمارية مهمة ومناسبة جدًا للأتراك.

وكانت تركيا افتتحت العام الماضي، أول قاعدة عسكرية لها في أفريقيا، وتقع على بعد كيلومترين جنوب العاصمة الصومالية، مقديشو، وتبلغ مساحتها نحو 400 هكتار، وتضم ثلاثة مرافق مختلفة للتدريب، إضافة إلى مخازن للأسلحة والذخيرة، وتبلغ تكلفتها المالية 50 مليون دولار تقريبًا، كما تضم نحو 200 ضابط تركي.

واعتبر مراقبون تلك القاعدة أيضا، تعزز علاقات تركيا مع الدولة الواقعة في شرق أفريقيا، في حين توسع نطاق نفوذها كقوة إقليمية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا أفريقيا الصومال السودان أردوغان سواكن

39 مليون دولار استثمارات تركية بالنيجر خلال 5 أشهر