هل يتكرر سيناريو حلب في الغوطة الشرقية؟

الاثنين 26 فبراير 2018 08:02 ص

«تجربة حلب قابلة للتطبيق في الغوطة الشرقية».. هكذا قالها الأسبوع الماضي بشكل صريح وزير الخارجية الروسي، «سيرغي لافروف»، مؤكدا للجميع أن النظام السوري وداعميه روسيا وإيران لن يهدا لهم بالا إلا بتحقيق الإبادة الشاملة للغوطة وتحقيق تجربة مدينة حلب فيها، حيث جرى إخلاء المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة لصالح النظام.

هذا التصريح كانت نتيجته واضحة السبت الماضي في مجلس الأمن، فحين توافق روسيا على قرار معدل للمجلس يطالب بهدنة إنسانية في كافة مناطق سوريا، وبينها الغوطة، ولا يقر هدنة بالفعل، فإن موسكو تفعل ذلك بمثابة «تسوية» لرفع الحرج عن أعضاء المجلس، لكن السيناريو المرسوم سيستمر، فلا هدنة فعلية ستحصل ولا إغاثة كافية للسكان، والقتلة يواصلون قيادة مخططهم في الغوطة ليؤدي إلى سيناريو حلب في نهاية 2016.

والسبت، اعتمد مجلس الأمن بالإجماع القرار 2401، الذي يطالب جميع الأطراف بوقف الأعمال العسكرية لمدة 30 يوما على الأقل في سوريا ورفع الحصار المفروض من قبل قوات النظام، عن الغوطة الشرقية والمناطق الأخرى المأهولة بالسكان، ولا يلزم الأطراف بهذه الهدنة.

وفي 22 ديسمبر/كانون الأول 2016، استكملت عمليات إجلاء المدنيين وقوات المعارضة من الأحياء الشرقية لمدينة حلب السورية، التي كانت تحاصرها قوات النظام السوري والقوات الروسية والميليشيات الإيرانية الموالية له، وذلك بعد قصف دام أسابيع وأوقع مئات القتلى وسط صمت دولي رهيب، تشابه تماما مع الحالة الراهنة تجاه الغوطة.

وهو إجلاء جاء إثر اتفاق وجدت المعارضة نفسها مجبرة على الموافقة عليه لحماية ما تبقى منها ومن مدنيي المدينة، جراء الحملة العسكرية العنيفة، لتصبح بعد ذلك كامل الأحياء الشرقية لحلب خاضعة لسيطرة النظام السوري والمجموعات الأجنبية (الروسية والإيرانية) الموالية له، وهو السيناريو المخطط له في الغوطة والذي أعلن عنه صراحة «لافروف» قبل أيام.

وبالعودة إلى تصريح «لافروف»، نجده تزامن مع تطابق التقارير التي تفيد بأن قوات كبيرة معززة بدبابات وراجمات صواريخ ومدافع هاون وآليات ثقيلة وآلاف المقاتلين بقيادة العميد «سهيل الحسن» -الذي قاد عدة معارك ناجحة للنظام في اللاذقية وحلب ودير الزور وحماة ومؤخرا في إدلب- تدفقت إلى ريف دمشق بانتظار الدفع بها في هجوم على الغوطة الشرقية.

وسحبت هذه القوات من جبهات ما زالت ساخنة نسبيا في أرياف حماة وإدلب، يشير إلى أن النظام جعل من معركة الغوطة الشرقية أولوية له في الوقت الحالي، سواء بنية الحسم العسكري المباشر أو تكثيف الضغط على الصعيد المحلي والدولي لتحصيل اتفاق يناسب نواياه وأهدافه، ويصل لسيناريو حلب.

ورغم أن النظام استطاع الحسم عسكريا في عدة مناطق حول دمشق، من بينها الغوطة الغربية ومركزها داريا والريف الغربي والزبداني في السنوات الماضية وحتى أحياء تشرين والقابون وبرزة؛ فإن  المدن الرئيسية في الغوطة الشرقية، مثل دوما (المركز) وزملكا وسقبا وعربين ومسرابا وحرستا، بقيت عصية عليه، فيما تقوم المعارضة المسلحة بهجمات مفاجئة ومزعجة للنظام على محور حرستا وجوبر(القريبة جدا من العاصمة).

وفيما تعد هذه المواقع شوكة في خاصرة النظام ومصدر تهديد لدمشق بشكل مباشر، سواء بالاختراق العسكري أو القصف، فإنها تمثل ورقة حيوية للمعارضة على المستوى العسكري، وكذلك في أي مفاوضات سياسية، بل إنها تعد آخر أوراقها المهمة، كما يقول محللون لـ«الجزيرة».

ومع ورود هذه التقارير، فإن معظم الترجيحات تصب في خانة الحسم العسكري المباشر أو غير المباشر؛ الدفع نحو إجلاء أو مصالحة، لكن توقيت ذلك يبقى غير محسوم زمنيا، بالنسبة للنظام حتى مع التعزيزات الكبيرة التي دفع بها، وهو يقر بصعوبة الأمر، ويترك ذلك المجال لمبادرات ومفاوضات قد يكون بعضها جاريا بالفعل كما تشير بعض المصادر.

لماذا الغوطة؟

والسؤال الملح هنا، لماذا يسعى النظام وداعموه لتكرار سيناريو حلب في الغوطة؟

الإجابة على السؤال يمكن استناجها بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية للمدينتين بالنسبة للنظام السوري الذي أطلق استراتيجية عام 2013 تقضي بتأمين حزام العاصمة دمشق، وهي الاستراتيجية التي تتقاطع مع أهداف إيران وروسيا في سوريا للسيطرة على مناطق ما يعرف بـ«سوريا المفيدة».

كما أن النظام يتخوف من تسلل المقاتلين المعارضين إلى العاصمة عبر الأنفاق تحت الأرض؛ فقد تمكنت المعارضة من إخراج آلاف المدنيين ونقل الأدوية عبر أنفاق كانت تربط حرستا بحيي برزة والقابون قبل سيطرة النظام عليهما.

أيضا يرغب النظام في إبعاد المعارضة عن مطار دمشق الدولي الذي وصلت قذائفها إليه في سنوات ماضية، إضافة لتأمين قواعده العسكرية وفروعه الأمنية التي تتعرض لهجمات مستمرة آخرها هجوم المعارضة الشهر الماضي على فرع المركبات قرب حرستا.

ومن الأسباب المهمة التي يسعى النظام من خلالها للسيطرة على الغوطة، أنها تعتبر «سلة غذاء دمشق»، وذلك لاحتضانها مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وهو من عوامل صمود سكانها المحاصرين فيها.

ويعيش في الغوطة حاليا نحو 400 ألف نسمة حسب إحصاءات مؤسسات المجتمع المدني في المنطقة، بعد أن كان عدد هؤلاء السكان يزيد على مليون نسمة قبل الثورة عام 2011، وتعتبر الغوطة ضمن مناطق خفض التوتر التي تم الاتفاق عليها العام الماضي في أستانة بضمانة تركيا وإيران وروسيا.

وتسيطر المعارضة حاليا على نصف مساحة الغوطة الشرقية التي تقدر بنحو 110 كيلومترات مربعة.

وبعد أن كان عدد الفصائل المقاتلة فيها أكثر من خمسين، بات يتقاسم السيطرة عليها فصيلا «فيلق الرحمن» و«جيش الإسلام»، كما توجد حركة «أحرار الشام» في حرستا، بعد أن أعلن فصيل «ثوار حرستا» انضمامه إليها.

وما يميز الغوطة أنها المنطقة الوحيدة التي لم يتمكن تنظيم «الدولة الإسلامية» من الدخول إليها.

وثمة عوامل شبه كبيرة جمعت بين حلب والغوطة الشرقية، فالإبادة والقصف والحصار والدمار واحدة، وأيضا كانت تخضع المدينة للمعارضة.

علاوة على ذلك فحلب هي أكبر مدينة في سوريا وهي عاصمة محافظة حلب التي تعد أكبر المحافظات السورية من ناحية تعداد السكان، وهي تقع شمال غربي سوريا على بعد 310 كم من دمشق، وتعد أقدم مدينة في العالم.

والأهم من ذلك كله كان قربها من تركيا الداعمة بقوة للثورة السورية والرافضة بقوة أشد لأن يكون لرئيس النظام السوري «بشار الأسد»، أي دور في أي تسوية سياسية مستقبلية في البلاد، ولذلك سعى النظام السوري للحسم فيها مبكرا، حيث يوجه ضربة مباشرة للمعارضة السورية من ناحية، وغير مباشرة لتركيا من ناحية أخرى، حيث تبعد المدينة عنها بنحو 150 كم فقط.

أيضا فإنه في أواخر 2016، كانت الكثير من التقارير تشير إلى أن نظام «الأسد»، فقد الكثير من الأراضي في البلاد لصالح المعارضة السورية، وهو ما حدا بداعميه للقيام بعملية كبرى تحفظ ماء وجه النظام، وكان ذلك على حساب «الأسد» آنذاك، أما الآن، فهناك الكثير من الأحاديث عن اقتراب عملية تسوية سياسية في البلاد، وهو ما جعل النظام يسعى لأن تكون هذه التسوية في يده أكبر قدر ممكن من أراضي البلاد، حيث تعد الغوطة أكبر منطقة في يد المعارضة بسوريا حاليا.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الغوطة حلب روسيا سوريا النظام السوري