«جلوبال ريسك»: مؤشرات خطيرة على انفجار قادم في مصر

الثلاثاء 27 فبراير 2018 05:02 ص

من المألوف حاليا أن تسمع المصريين وهم يرددون أن الثورة فشلت، وأنها قد اختطفت من قبل الانتهازيين، أما الثوار الحقيقيون فقد تُركوا في حالة يأس، ودون قيادة موحدة.

لم ينجح التحول السياسي بعد مظاهرات 30 يونيو/حزيران في إعطاء الشعب الشئ الوحيد الذي طالب به منذ 2011، وهو أن يكون له صوت.

في هذا المقال، يتحدث المحلل السياسي والدارس في شؤون الشرق الأوسط، «جوزيف كولونا»، كجزء من سلسلة «Risk Pulse» للتنبؤ بالأخطار في دول العالم، محللاً العلامات التحذيرية التي تنبئ بخطر عدم الاستقرار القادم في مصر.

نفس القمع القديم

يتطلب التحول الديموقراطي الناجح أن يحكم الشعب الحكومة، وأن يسيطر الشعب على المجال العام، وليس العكس.

لم يكن هناك تحول فعال أو توزيع للسلطة بين مؤسسات الدولة الحاكمة في مصر، وبالتالي لم يحدث كسر ملموس في السلطوية المتأصلة في الماضي؛ أي إن الجيش استمر في السيطرة على الدولة.

وأدى غياب الضوابط والتوازنات إلى قمع حرية الكلام والمجتمع المدني، كل هذا تحت ستار «الأمن القومي»، والنتيجة هي مجتمع في حالة ثورة هادئة ضد نفس نوع القمع الذي أدى إلى ثورة 2011 والربيع العربي.

وتصاعدت هجمات المسلحين ضد قوات الأمن والمدنيين في شبه جزيرة سيناء على الفور بعد الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين من الحكم، وواجه المتظاهرون الموالون لـ«مرسي» قبضة قوية من القوات المسلحة، وسرعان ما أصبحت الجماعة مرادفة لـ«الإرهاب» في الخطاب الحكومي.

عندما يتم وصف المعارضة بأنها تهديد للأمن القومي، فإن الطريق يبدو زلقا جدا؛ حيث تصبح الإجراءات القمعية الناتجة عن ذلك الوصف، وسيلة لسحق أولئك الذين يتحدون الحكومة.

وهناك الآلاف من المعارضين يقبعون الآن في السجون.

إذ أكد تقرير، صدر في سبتمبر/أيلول 2016، أن السجون المصرية تضم نحو 60 ألف سجين سياسي؛ أي نسبة  57% من إجمالي السجناء.

نتيجة عكسية

اتخذ قمع المعارضة عدة أوجه في المجتمع المصري؛ إذ تم حظر الصحف الحرة، بينما تسبب تشديد القوانين المعارضة للاحتجاجات والمنظمات غير الحكومية، في جعل المجال العام عاجزا.

بينما انسحب المعارضون الحقيقيون للرئيس الحالي «عبد الفتاح السيسي»، من الانتخابات الرئاسية القادمة، وأنصارهم باتوا غير قادرين على الكلام خوفا من الانتقام.

لكن سحق المعارضة وعدم السماح بمعارضة حقيقية بدعوى الاستقرار، قد يؤدي للعكس تماما.

فالتمرد في شمال سيناء لا يهدأ، والذي يعد في جزء منه رد فعل على الحكم السلطوي لـ«السيسي».

كما إن مصر أصبحت أرض معارك مهمة في الحرب ضد تنظيم الدولة.

وإضافة إلى ذلك، فإن التدابير القمعية تهدد بإثارة السخط العام.

مؤشرات لها دلالة

ونشير هنا إلى إحصاءات جمعتها «داليا ريسيرش» (شركة خاصة لجمع البيانات)، بين نوفمبر/تشرين الثاني 2017 ويناير/كانون الثاني 2018، من أجل دراسة مستوى الاستقرار السياسي في مصر. وأشارت تلك الإحصاءات إلى أن ثقة المصريين في مؤسساتهم تنحدر بسرعة.

إذ انخفضت ثقة المصريين في الشرطة من 65% في نوفمبر إلى 62% في ديسمبر/كانون الأول، ووصلت إلى 56% في يناير/كانون الثاني.

 ونفس الأمر بالنسبة للثقة في المحاكم التي انخفضت من 64% نوفمبر إلى 57% في ديسمبر، ثم وصلت إلى 54% في يناير.

ويشير المصريون أيضاً إلى ما يرونه زيادة في الفساد خلال الأشهر الـ12 الأخيرة؛ إذ ارتفعت النسبة من 47% في نوفمبر، إلى 55% في يناير.

كما إن مشاعر الاستياء زادت؛ حيث ارتفع الغاضبون من مستوى الفساد من 50% في نوفمبر إلى 57% في يناير.

ولعل الأهم من ذلك، هو التغير الأكبر الذي أظهر تصاعدا في ميل الأشخاص الذين جرى عليهم المسح للمشاركة في الاحتجاجات بنسبة 13%؛ حيث ارتفعوا من 11% في ديسمبر، إلى 24% في يناير.

وارتفع تصور المصريين لمستوى عدم الاستقرار في البلد بمقدار 12%؛ فقد كان هناك 29% يعتقدون أن الوضع غير مستقر في نوفمبر، لترتفع النسبة إلى 35% في ديسمبر، و41% في يناير، وهذه تغيرات أكبر من التي ترصدها سلسلة رصد الأخطار في بقية الدول.

استقرار على المدى القصير

أعطى «السيسي» مؤخرا تحذيرا صارما للمعارضة؛ فأثناء حفل افتتاح حقل غاز ظهر في 31 يناير/كانون الثاني، ألقى خطابا مرتجلا ذكر فيه أنه «ليس رجل سياسة» عندما يتعلق الأمر «بأي شخص يحاول التلاعب في استقرار الدولة»، وعندما يأتي هذا الكلام من رجل عسكري سابق، فإن وعده ببذل كل ما بوسعه –بما في ذلك التضحية بحياته– لحماية استقرار الدولة وأمانها يبدو الأمر كأنه تهديد.

على المدى القصير، يوجد عاملان يحفظان الاستقرار السياسي للوقت الراهن، إلى جانب السيطرة الشديدة لـ«السيسي» على مؤسسات الدولة مثل الجيش وأجهزة المخابرات.

الأول هو أن أجهزة الشرطة والمخابرات أصبحت أكثر جرأة في اقتلاع المعارضة، ويدلل على ذلك العدد الكبير من السجناء السياسيين الذين يقبعون في السجون، إضافة إلى الافتقار لحرية الصحافة وتضييق المجال العام؛ ما يمثل نجاحا في قمع المعارضة.

ثانياً، وكنتيجة للتدهور في الحريات الفردية، والافتقار للتعددية السياسية، وفي ظل الدعوات بمقاطعة الانتخابات، فإن «السيسي» في طريقه ليفوز بالرئاسة في مارس/أذار القادم.

ورغم أن شركة «داليا ريسيرش» تشير إلى زيادة احتمال قيام المظاهرات احتجاجاً على ذلك، إلا إنه من غير الواضح ما إن كانت هذه الاحتجاجات ستكون كبيرة وطويلة بشكل كافي لتغيير النظام أم لا؛ حيث حُظرت احتجاجات الشارع منذ 2013، وإن حدثت؛ فهي تقمع بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والاعتقالات التعسفية.

الأمر مختلف على المدى الطويل

لكن الاستقرار السياسي على المدى المتوسط والبعيد ليس مؤكدا بالدرجة ذاتها، وإذا حاول «السيسي» تعديل الدستور ليمدد ولايته -بتمديدها إلى 6 سنوات أو إزالة القيود الزمنية تماماً مثل الرئيسين السابقين السادات ومبارك- فمن المرجح أن يواجه مقاومة.

وما لم يقم «السيسي» بالسماح بتعددية سياسية خلال ولايته الثانية، فإن خطر عدم الاستقرار السياسي سيظل في تصاعد، وسيؤدي فشله في إدخال ضوابط وتوازنات ودعم الحق في الحريات الشخصية، إلى جعل موقفه يرزح تحت ضغط شديد على المدى الطويل من السياسيين وأفراد الشعب، الذين ما يزالون يعتزون بالرغبة في نفس الحريات التي طالبوا بها في 2011.

المصدر | جلوبال ريسك إنسايتس

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي انتخابات الرئاسة