فيلم «الحالة المحيرة لبنجامين بتن».. كم مرة يؤلمنا صعق البرق؟!

الأربعاء 28 فبراير 2018 08:02 ص

فيلم اليوم «الحالة المحيرة لبنجامين بتن أو The Curious Case of Benjamin Button» واحد من أفلام مخرج أمريكي اشتهر بأفلامه المُحيرة، وسبق أن تناولنا أحدها منذ أشهر وهو «نادي القتال» الذي تم إخراجه عام 1999، كما سبق للمخرج الأمريكي «ديفيد فينشر» تقديم فيلم «اللعبة» عام 1997، وهو ما يبدو كنواة للفيلمين الذي تناولنا من قبل والذي نتناول اليوم.

فيلم اليوم حاز على 13 ترشيحًا لجوائز الأوسكار ليكون الثاني تاريخيًا بعد «تيتانك» الذي رشح لـ14 جائزة عام 1997، والفيلم عن قصة قصيرة للكاتب الأمريكي «فرنسيس سكوت فيتزغيرالد» تعود لعام 1922، و«فيتزغيرالد» أُخذتْ عن قصة له أيضًا أحداث فيلم «غاسبي العظيم» إنتاج 2013 والذي تعرضنا له أيضًا منذ أشهر.

قام «إريك روث» بتحويل القصة القصيرة القديمة التاليف لسيناريو وحوار فيلم اليوم، ونجح في أن يضفي على الفيلم لمسات خاصة بمساعدة المخرج «فينشر» زادت من أحداث القصة ومدى طرحها للأسئلة المحيرة في الحياة بخاصة لدى المواطن الأمريكي والغربي العاديين اللذين يعرفان عن المسيحية قشورًا، ولا يفهمان إلى أين ولماذا يقودهما معترك الحياة ومابعدها.

أفلام الحالة

بعض الأفلام ومنها فيلم «الحالة المحيرة لبنجامين بتن» تقود المشاهد إلى حالة خاصة، أو عويلم (تصغير عالم) خاص بعيدًا عن الذي يعرفه، فأثناء مشاهدة الفيلم يبدو الواقع والخيال والقدر والاختيار والبيئة والسعادة والآخرة والألم .. كل ذلك يبدو متداخلًا على نحو خاص جدًا، ومن هنا يشك المشاهد للحظات في أنه قد يستطيع أن يُعيد ترتيب عالمه على نحو آخر غير الحالي، ولو من باب التغيير، ولو لم يكن أفضل من المعاش.

وأفلام الحالة أو الأفلام التي تخلق حالة تعيد ترتيب المفردات المتعارفة، ومنها مثلًا ما تناولنا من قبل «الجزيرة الغامضة»، «جسور ماديسون»، و«استهلال»، هذه الأفلام خلقها للحالة يمثل أمرًا مجتمعيًا غربيًا يطرح أسئلة أكثر من مجرد النقد والتناول والتحليل الفني، ويضرب بعمق في بنية ولحمة ونسيج المجتمع الأمريكي خاصة، والغربي عامة، ويبقى أن خلق الحالة، أو ما يمكن أن نسميه بذلك، لا ينعكس بحال من الأحوال على تقييم بعض الأفلام السابقة خاصة فيلم اليوم.

طفل (بنجامين بتن أو براد بيت فيما بعد) يولد عند آخر أيام الحرب العالمية الأولى، 1918، في مدينة نيو أورليانز الأمريكية، لكن بوجه عجوز تعدى الثمانين من العمر، ويلعب المكياج بالطبع مع الخدع السينمائية الدور الأكبر في الفيلم، ولأن الطفل غريب التكوين فقد أدى إلى وفاة أمه بنزيف على الفور، بعد أن توصي أباه به خيرًا.

أما الأب المتفلت الطباع الذي يعيش لملذاته، وشركة خاصة بصناعة الأزرار الخاصة بالملابس؛ في إشارة ذكية لهامشية دوره في الحياة، لكن «بتن» أو (غاريد هاريس)، يختار إلقاء الطفل أمام أحد أبواب الفنادق الخلفية لتلتقطه زنجية مسيحية طيبة القلب «دونا دوبلانتر» (بلانش دفرو)، ورغم عملها المتواضع كطاهية تهتم به، وتعرضه على رجل دين زائر للبلدة، وهي لا تعرف سر شيخوخته المبكرة.

يحب «بنجامين» فتاة من عمره الزمني، «ديزي فالر»، أدت الدور فيما بعد (كايت بلانشيت)، لكنها وهي في الخامسة يكون هو في الخامسة والسبعين، إذ يكتشف أنه وُلد في عمر الثمانين ومع الأيام يصغر، ويبدأ الخلاف بينهما في الاتساع فحين يريدها لنفسه يكون في عمر السابعة والستين فيما تكون هي في الثالثة والعشرين، وهكذا تتسع الهوة بينهما تكبر ليصغر حتى يلتقيا عند مفترق الطرق الزمني، حين يصير لديها نيف أو بعض وأربعين عامًا ويكون في قرابة نهاية نفس العقد.. أو يكبرها بعدة سنوات ليس إلا.

لكن الأمر يزداد تعقيدًا مع تولي العمر عنها وازدياد الغضون أو التجاعيد في وجهها وصغره يومًا بعد يوم وإقباله على الحياة وملذاتها أكثر، وحينما تحمل «ديزي» يزداد الأمر تعقيدًا لأن «بنجامين» يزداد صغرًا ما يدفعه لترك العشيقة وابنتها منه والرحيل وإخفاء هوية الابنة خلف اسم لزوج لأمها غير أبيها، وتتوالى الأحداث بخاصة مرور الزمن على البطل، وانسحاب الأهل والرفاق والأصدقاء ووفاتهم وهو ما يزال يقبل على الصغر حتى يموت.

المنظومة السابقة للقصة كلها خدمها المكياج بقوة، وجعلنا نلهث وراء شكل «براد بيت» والبطلة والآخرين من الممثلين وكيف سيبدون، وكيف يمكن أن تنتهي مثل هذه القصة لو حدثت، مع عميق الأسئلة التي تبدأ من حيث النهاية عبر الفلاش باك للأم (البطلة ديزي)، التي تحكي القصة للمرة الأولى في المستشفى وهي تحتضر، فيما إعصار يقترب من المستشفى.

وفي البداية تسأل الابنة أمها عما تشعر به؟ فتقول لها «مشغولة بما أنا مقبلة عليه».. إنه الإيمان بمفرداته يتلبس الغرب من حيث يحتسب ومن حيث لا، ويبدو في فلتات الأفلام وأنامل بعض كُتّاب السيناريو، وهو لا يمنع من تعدد مشاهد الجنس في الأفلام نفسها وتصوير حياة الانحلال الأمريكية والغربية.

أحد أبطال الفيلم ظل عند ظهوره في قرابة نصفه لا يردد إلا جملة واحدة:

ـ «هل تعلم أن الكهرباء صعقتني 7 مرات طوال حياتي؟!».

بما يعني أنه عاش رغم صعق الكهرباء بطرق مختلفة عبر مراحل حياته، وهكذا يريد مخرج الفيلم تسريب فكرة سوداوية إلى نفس المشاهد، ألا يفرح باستمراره على قيد الحياة، فقد تكون الأخيرة صعقته ومات وهو لا يدري، أي ماتت روحه وظل جسده، مثل البطل «بنجامين» الذي صار مراهقًا قرب نهاية الفيلم فيما لديه قرابة السبعين عامًا من العمر، أو ربما بمنظور أعم أننا ينبغي أن نحيا ونواصل الحياة في مختلف ارجاء العالم برغم الآلام التي تترك بصماتها على أرواحنا.

هذا بالإضافة إلى الأسئلة الشائكة حول تأثير الوراثة حتى على المنتصرين في الحروب، فالمواطن الأمريكي يولد في الفيلم في نهاية الحرب العالمية الأولى التي انتصرت بلده فيها مشوهًا يحيا الحياة من الخلف إلى الأمام.

ومن أسئلة الفيلم العميقة حكاية المواطن الأمريكي الأعمى الذي اخترع ساعة في محطة السكك الحديدية تسير عكس الاتجاه الأيمن لجميع ساعات العالم لأنه يريد إعادة ابنه الذي مات في نفس الحرب إلى الحياة، ومع إلقاء الساعة في القمامة يموت «بنجامين».

حالة من الأسئلة القدرية المتداخله طرحها الفيلم بلا إجابة، فالإعصار قادم فيما «ديزي» تعالج في المستشفى، والإعصار سيلتهم الأطباء لا المرضى فحسب، وسيُغرق الساعة الأثرية التي صارت للمخازن.

إنه السؤال الأعمق للفيلم عن فائدة الحياة أو عبثيتها لدى صُنَّاعه الذين يجدون كل ما يتمنون في الحياة إلا الإيمان الحقيقي بما وراء هذه الحياة والعمل بموجبه.

المصدر | الــــــخــليج الجــــديد

  كلمات مفتاحية

فيلم أمريكي تجربة بنجامين بتن المحيرة The Curious Case of Benjamin Button فينشر الحياة أسئلة القدر