قصة «البئر 7».. هكذا اكتشف النفط في السعودية

الأحد 4 مارس 2018 10:03 ص

في مثل هذا اليوم من 80 عاما، اكتشفت السعودية، بئر الدمام رقم (7) أو ما أطلقوا عليه «بئر الخير»، هو أول بئر نفط اكتشف في المملكة خلال مارس/آذار 1938، وذلك على بعد أميال قليلة شمال الظهران على التل المعروف باسم «جبل الظهران».

في عام 1923 وقبل توحيد المملكة، كان النقابة الشرقية العامة، تملك امتياز التنقيب عن النفط، لكن هذا الامتياز انتهى في 1928، عندما فشلت في تحقيق مهمتها.

بداية البحث

ورغم أن توحيد البلاد تحت مسمى «المملكة العربية السعودية»، في 1932، لكن الملك «عبدالعزيز آل سعود» مؤسس المملكة، كان منذ هذا التاريخ بعامين يفكر بخطة تمكنه من إيجاد الموارد للبلاد، خصوصاً أن العالم كان قد دخل فترة كساد.

ومع اكتشاف النفط في البحرين عام 1925، ارتفع الأمل بإمكانية اكتشافه أيضاً في السعودية، فحاول الملك الحصول على دعم مالي من الحكومة البريطانية التي رفضت تقديمه لاكتشاف النفط، ووافقت على جوانب أخرى.

الآبار (1-6)

وفي 29 مايو/آيار 1933، وقع الملك «عبدالعزيز»، اتفاقية الامتياز للتنقيب عن النفط مع شركة «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا» (سوكال).

وأعقب التوقيع توافد الجيولوجيون الأوائل في 23 سبتمبر/أيلول 1933، والنزول عند قرية الجبيل الساحلية، التي تبعد نحو 105 كيلومترات شمال مدينة الدمام.

وما أن التقطوا أنفاسهم، حتى امتطوا الإبل واستقلو السيارات ليلقوا نظرة على (جبل البري) الذي يقع على بعد 11 كيلومترا جنوب الجبيل، بعدها بأسبوع قاموا بالتوغل جنوباً، وإجراء فحص جيولوجي لتلال جبل الظهران، لتتواصل بعدها عمليات الفحص والبحث والتنقيب التي لم تحقق أي نجاح ذي قيمة لمدة سنتين.

وفي 30 أبريل/نيسان 1935، تقرر بدء العمل في حفر بئر الدمام رقم (1)، وبعد سبعة أشهر من التأرجح بين الأمل واليأس، أنتجت البئر دفعة قوية من الغاز وبعض بشائر الزيت، وذلك حينما وصل عمق الحفر إلى قرابة 700 مترا، ولكن أجبر عطل في المعدات طاقم الحفر على إيقاف تدفق البئر، وتم سدها بالإسمنت.

وكانت بئر الدمام رقم (2) أفضل حالاً، وبدأ العمل بحفرها في الوقت الذي أغلقت فيه البئر الأولى في 8 فبراير/شباط 1936، وما أن جاء يوم 11 مايو/آيار من نفس العام، حتى كان فريق الحفر قد وصل إلى عمق 633 متراً.

وحينما اختبرت البئر في يونيو/حزيران 1936، تدفق الزيت منها بمعدل 335 برميلاً في اليوم، وبعد انقضاء أسبوع على ذلك الاختبار، وإثر المعالجة بالحامض، بلغ إنتاج الزيت المتدفق من البئر 3840 برميلاً يوميا.

شجع ذلك على حفر آبار الدمام (3) و(4) و(5) و(6)، دون انتظار التأكد من أن الإنتاج سيكون بكميات تجارية أو التعرف على حجم الحقل المكتشف.

عقب ذلك صدر قرار في شهر يوليو/تموز من ذات العام، بإعداد بئر الدمام رقم (7) لتكون بئر اختبار عميقة، وكانت زيادة حجم العمل تعني المزيد من الرجال والعتاد والمواد، وأصبح موقع العمل غير قادر على استيعاب الزيادة في عدد العاملين.

ومع نهاية عام 1936، ارتفع عدد العاملين من السعوديين إلى 1076 عاملا بالإضافة إلى 62 عاملاً من غير السعوديين.

وكان يفترض أن تسير الأمور بشكل طبيعي، لكن أخفقت بئر الدمام رقم (1) بعد أن جرى حفرها إلى عمق يزيد على 975 متراً ، أما بئر الدمام رقم (2) فقد تبين أنها «رطبة» بمعنى أنها تنتج الماء بشكل رئيس، إذ كان إنتاجها منه يزيد بمقدار 8 أو 9 مرات على حجم إنتاجها من الزيت.

ولم يزد إنتاج بئر الدمام (3) على 100 برميل من النفط الثقيل يوميا، مع وجود الماء في هذا الإنتاج بنسبة 15%.

وبالنسبة لبئري الدمام رقمي (4) و (5) فقد اتضح أنهما جافتان، أي غير قادرتين على إنتاج أي سوائل، وكذلك كان الحال مع البئر رقم (6).

ولم تقتصر متابعة الملك «عبدالعزيز،»، لمشروع التنقيب عن الزيت على النواحي التنظيمية والقانونية، إنما امتدت لتشمل مقابلة المسؤولين في شركة الزيت العربية الأمريكية بشكل متواصل، والقيام بالزيارات الميدانية لمنشآت الشركة.

البئر (7)

وفي 7 ديسمبر/كانون الأول 1936، بدأ اختصاصي في حفر الآبار، بحفر بئر الاختبار العميقة رقم (7)، فحدث تأخير في عملية الحفر، بسبب حدوث بعض المعوقات، حيث انحشر أنبوب الحفر، وانكسر جنزير الرحى، وسقطت مثاقيب الحفر في قاع البئر المحفورة، كما حدث انهيار لجدران البئر.

ورغم وصول جهاز الحفر الرحوي، الذي يعمل بقوة البخار، إلى طبقة البحرين الجيولوجية فقد ظلت النتيجة واحدة بأنه: «لا يوجد نفط».

بعد ذلك بعشرة أشهر، وبالتحديد في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1937، وعند عمق 1097 مترا شاهد الحفارون البشارة الأولى 5.7 لترات من الزيت في طين الحفر المخفف العائد من البئر، مع بعض الغاز.

وفي آخر يوم في عام 1937، حدث أن أخفقت معدات التحكم في السيطرة على البئر، وثارت البئر قاذفة بما فيها من السوائل والغازات، ولكن بعد الحفر إلى عمق 1382 متراً لم يجد فريق الحفر كمية تذكر من الزيت.

وسرعان ما تغيرت الأحوال، ففي الأسبوع الأول من مارس/آذار 1938، حققت بئر الدمام رقم (7) الأمل المرجو، وكان ذلك عند مسافة 1440 متراً تحت سطح الأرض، أي بزيادة تقل عن 60 متراً عن العمق الذي كان الجيولوجيون يتوقعون وجود النفط عنده.

فقد أنتجت في 4 مارس/آذار 1938، حوالي 1585 برميلا في اليوم، ثم ارتفع هذا الرقم إلى 3690 برميلا في 7 مارس/آذار، وسجل إنتاج البئر 2130 برميلا بعد ذلك بتسعة أيام، ثم 3732 برميلا بعد خمسة أيام أخرى، ثم 3810 براميل في اليوم التالي مباشرة.

حينها، هرع حينها محامي الشركة «ويليام لينهان»، إلى الرياض، لينقل إلى الملك «عبدالعزيز»، خبر العثور على الزيت وبكميات تجارية كبيرة، ليقوم الملك السعودي بزيارة تفقدية بنفسه لمنشآت شركة الزيت العربية الأمريكية في المنطقة الشرقية للمتابعة استخراج الزيت.

وواصلت البئر عطاءها على هذا المنوال، ما أكد نجاحها كبئر منتجة، وفي ذلك الوقت، كان قد تم تعميق بئري الدمام رقم (2) ورقم (4) حتى مستوى المنطقة الجيولوجية العربية، ولم تخيب هاتان البئران آمال الباحثين عن النفط، فقد أعطتا نتائج طيبة، وعم الفرح والسرور أرجاء مخيم العمل في الدمام.

وتتويجاً لعصر جديد، ذهب الملك «عبدالعزيز» في ربيع 1939، يصحبه وفد كبير إلى الظهران، مجتازاً صحراء الدهناء ذات الرمال الحمراء، حتى وصل إلى مخيم الشركة، ليجد مدينة من الخيام في مكان الحفل، قوامها 350 خيمة لتكون مركزا للاحتفالات التي تضمنت زيارة الآبار، واستقبال وفود المهنئين، والقيام بجولات بحرية في الخليج العربي.

وتزامن توقيت زيارة الملك «عبدالعزيز» مع اكتمال خط الأنابيب الذي امتد من حقل الدمام إلى ميناء رأس تنوره، بطول 69 كيلومتراً، حيث رست ناقلة النفط التي أدار الملك «عبدالعزيز» الصمام بيده، لتعبئتها بأول شحنة من النفط السعودي، لتبدأ معها أول شحنة من الزيت الخام تصدرها المملكة على متن ناقلة نفطية في 1 مايو/آيار 1939.

وفي 31 مايو/آيار 1939، وجه الملك «عبدالعزيز»، بالموافقة على توقيع اتفاقية إلحاقية تتضمن توسيع المنطقة الممنوحة للشركة، وإعطائها امتياز التنقيب على الزيت فيها، تبعها في 30 ديسمبر/كانون الثاني 1950، توقيع اتفاقية إلحاقية أخرى مع الشركة بشأن خضوعها للضرائب الحكومية.

ما بعد الاكتشاف

اتسمت الفترة منذ اكتشاف البترول في أراضي السعودية، وحتى الخمسينات بمنح الامتيازات لشركات النفط للبحث والتنقيب، وقد كانت المملكة تحصل على عوائد بترولية ضئيلة جدا، وذلك نتيجة الظروف السياسية والاقتصادية التي كانت سائدة في تلك الفترة من تاريخ البترول.

حيث كانت الشركات المتخصصة بالامتياز تسيطر على تصنيع وتوزيع تجارة البترول ومنتجاته وتحصل على أرباح طائلة، ولم يكن هذا الوضع قاصرا على المملكة فحسب، بل في المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما، برغم الطلب المتزايد على البترول العربي من الدول الغربية، قبل أن تبدأ السعودية جني ثار النفط الموجود بها.

وبعد 80 عاما، على اكتشاف أول البترول، تسعي شركة السعودية لمرحلة ما بعد النفط، فى إشارة إلى توقعات ما بعد نضوب النفط من العالم، حيث تتجه الشركة الآن للاستثمار الضخم فى مجال الصناعات الكميائية، معوضة بذلك أى نقص محتمل في منسوب النفط بالبلاد التي تعد أضخم منتج ومصدر للنفط في التاريخ، وفي ظل تراجع أسعاره.

وفى صميم برنامجه الإصلاحي، سيتم بيع حصة في «أرامكو» السعودية، للمستثمرين الدوليين في العام المقبل، وسيتم تحويل عائداتها إلى قطاعات غير نفطية، من التكنولوجيا والسياحة إلى الرعاية الصحية والتعدين.

  كلمات مفتاحية

النفط البئر 7 السعودية المملكة أرامكو اكتشاف نفطي