«ذا أمريكان كونزرفاتيف»: لماذا تفشل المساعدات الأمريكية لدول الشرق الأوسط في تحقيق أهدافها؟

الأحد 4 مارس 2018 09:03 ص

في كل عام بحلول هذا الوقت، تقدم الإدارة طلبها السنوي إلى الكونغرس لتخصيص مليارات الدولارات لحلفائها وشركائها في الشرق الأوسط، لتمويل شرائهم للتدريب والمعدات العسكرية الأمريكية.

ويوقع الكونغرس هذه الطلبات دون مراعاة ما إذا كانت هذه المساعدة تحقق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية أم لا. ويفعل الشيء نفسه عندما تطلب السلطة التنفيذية موافقة الكونغرس على مبيعات الأسلحة من أجل الحصول على الأموال. وقد تكون مثل هذه السرعة في الموافقة سياسة صناعية جيدة، فهي بعد كل شيء، تخلق وظائف في مقاطعات الكونغرس الرئيسية، وتقدم الرعاية لشركات الدفاع الأمريكية، وتساعد على الحفاظ على القاعدة الصناعية الدفاعية. ولكنها تحقق سياسة خارجية سيئة. وستواصل الولايات المتحدة صب النقود في جحر الفئران إلى أن يفهم الكونغرس والسلطة التنفيذية بشكل أفضل سبب استمرار تكرار هذه المشاكل، وحشد الإرادة السياسية لإصلاحها. واستنادا إلى خبرتنا في وزارة الخارجية، نطرح تشخيصنا للمشكلة، وبعض العلاجات لما يعوق المساعدات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.

وفي مجموعة أدوات السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، أصبحت المساعدة الأمنية ونقل الأسلحة من الأدوات المفضلة للدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين. ويتم التعامل مع منح المساعدة ومبيعات الأسلحة على أنها أدوات يمكن استخدامها لجميع الأغراض في أي سيناريو تقريبا. ووفقا للرأي السائد في حكومة الولايات المتحدة، فإن المساعدة الأمنية تبني قدرات البلدان الشريكة، وتوفر النفوذ على سياساتها، وتضمن الوصول إلى المؤسسات والشخصيات المؤثرة في العواصم في جميع أنحاء العالم. وإذا كان هذا صحيحا، فإن هذا يبدو أكثر من تبرير لإنفاق الولايات المتحدة لمبلغ 48.7 مليار دولار على المساعدة الأمنية للشرق الأوسط على مدى العقد الماضي.

وفي الواقع، لا تخدم المساعدات العسكرية الأمريكية الأغراض التي تنفق في سبيلها. وهناك أدلة قليلة خارج حالات قليلة منعزلة على أن الدعم المادي الأمريكي لبلدان الشرق الأوسط قد حقق أيا من هذه الأغراض. وقد فشلت الجهات المتلقية للتمويل والأسلحة الأمريكية إلى حد كبير في تحقيق خطوات كبيرة في قدراتها، بل وربما تراجعت في بعض الحالات.

قدرات محدودة

وعلى الرغم من إنفاق 47 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية في أكثر من 40 عاما، فقد كافح الجيش المصري لاحتواء ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة، رغم أن عددهم لا يزيد عن 1200 من المسلحين. ولم يستخدم السعوديون بالكاد طائراتهم القتالية الأمريكية المتقدمة في عملية «تنظيم الدولة» التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا، ولم تمنع 89 مليار دولار من مبيعات الأسلحة إلى المملكة، على مدى الأعوام العشرة الماضية، الرياض من التعثر في مستنقع مكلف على نحو متزايد في اليمن، رغم الأسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة. وقد باعت الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات من المعدات العسكرية إلى دول الخليج العربي، لكنها جميعا غير قادرة على الدفاع عن التدفق الحر للنفط من الخليج، ضد إيران الضعيفة عسكريا بدون مساعدات أمريكية.

وفي حين تشعر البلدان المتلقية بالسرور إزاء التفاؤل المطلق بشأن زيادة التعاون، فإنها عموما تقاوم بنجاح طلبات واشنطن بتعديل سياساتها مقابل المساعدة. ولم تنجح المساعدات الأمريكية المستمرة لمصر في تأمين استجابة القاهرة للمطالبات الأمريكية بالامتناع عن التفريق القسري لاعتصامين غير عنيفين إلى حد كبير في العاصمة، حيث شهدت مذبحة راح ضحيتها أكثر من 800 شخص.

وفي الوقت نفسه، لم تؤد محاولات الولايات المتحدة للربط الصريح بين المساعدة العسكرية ومبيعات الأسلحة مع السلوك السياسي المحلي للبلد المتلقي إلى تحقيق الكثير من الثمار. وعلى سبيل المثال، لم يحقق تعليق إدارة «أوباما» لبعض أنواع المساعدات العسكرية لمصر عام 2013 «تقدما موثوقا» نحو الإصلاحات الديمقراطية. كما أن وضع حزمة أسلحة بقيمة 4 مليارات دولار للبحرين قيد الانتظار، لم يسفر عن تحسن بيئة حقوق الإنسان في ذلك البلد. والأهم من ذلك، ترتبط هذه الإخفاقات ارتباطا مباشرا بانعدام الإرادة السياسية في واشنطن، حيث استسلمت الولايات المتحدة قبل أن تتخذ تدابيرها القسرية من أجل الأثر المنشود. ويشير تردد الولايات المتحدة في هذه المواقف إلى وجود مشكلة هيكلية في آليات المساعدة الأمريكية، التي تقوض فعاليتها كأداة للتأثير.

ويتمتع المسؤولون الأمريكيون بإمكانات ممتازة في عواصم الشرق الأوسط، ولكن من الصعب إرجاع ذلك إلى المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة. ولا تزال الولايات المتحدة لاعبا دوليا مهيمنا، ولا تملك معظم البلدان ترف تجاهل واشنطن لفترة طويلة. ويقول مسؤولو البنتاغون إن توفير الدعم المادي يزيد من اتصالاتهم مع الجيوش الأجنبية، مما يخلق فرصا لمعرفة المزيد عن القوات المسلحة الشريكة. غير أن البلدان المتلقية تتخذ من الناحية العملية تدابير وقائية كبيرة للحد من وصول الولايات المتحدة إلى قواتها وتنظيمها. وعلى سبيل المثال، يحظر على معظم العسكريين المصريين التفاعل مع المسؤولين الأمريكيين، في حين أن مجموعة صغيرة من كبار الضباط - الذين يتم فحصهم بعناية - مكلفين بإدارة العلاقة العسكرية المصرية مع الولايات المتحدة.

وفي ظل الظروف الحالية، لا تستفيد مصالح الولايات المتحدة ولا دافعو الضرائب من المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة. وبدلا من ذلك، يستفيد منها مقاولو الدفاع الأمريكيون والجيش الإقليمي، الذين غالبا ما يمنحون الأولوية للنفوذ السياسي المحلي على القدرات التشغيلية. وفي الأعوام الأخيرة، سجلت صناعة الأسلحة الأمريكية أرباحا قياسية، وهو نمط من المرجح أن يستمر في ظل مبادرة الرئيس ترامب لتسريع موافقة الحكومة على مبيعات الأسلحة. وبينما يدافع عن المبادرة أباطرة صناعة الأسلحة الأمريكية كمحرك لنمو الوظائف، وجد الاقتصاديون أن الاستثمارات في الصناعات الأخرى هي مولدات وظائف أكثر كفاءة.

وفي الوقت نفسه، استغلت القوات المسلحة في الشرق الأوسط مبيعات الأسلحة لدعم هيبتها ودعم شبكات المحسوبية المحلية، وكلاهما يساعد على الحفاظ على مكانته المهيمنة في السياسة الداخلية. فعلى سبيل المثال، جاء شراء مصر لأكثر من 1000 دبابة من طراز أبرامز M1A1 أقل ارتباطا بقيمتها العسكرية مقارنة بالوظائف المصرية التي يدعمها مصنع إنتاج مشترك في البلاد. وقد اختارت القوات المسلحة المصرية حتى الآن عدم نشر دبابات M1A1 في القتال في شبه جزيرة سيناء المضطربة.

وفي خطاب له أقر الرئيس «ترامب» بأن «التشريع يساعد في ضمان أن تكون الدولارات الأمريكية التي تنفق في المساعدة الأجنبية تخدم دائما المصالح الأمريكية، وتذهب فقط إلى أصدقاء أمريكا». ولكن حتى عندما تذهب هذه المساعدة إلى أصدقاء أمريكا، فإنها نادرا ما تخدم المصالح الأمريكية. وغالبا ما تنطوي قرارات بيع الأسلحة للحلفاء والأصدقاء والشركاء على استخدام أداة تقليدية دون إبداع فكري. ومن غير المعتاد تحديد أهداف واضحة ذات معايير قابلة للقياس فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة ومستويات المساعدة. وبدلا من ذلك، يحتج مؤيدو هذه المبيعات بمبررات حول كيفية توفير المساعدة للوصول إلى القيادة العسكرية للمستفيد، أو زيادة تعزيز العلاقات الثنائية.

ولكن لا ينبغي الخلط بين الوصول والتأثير، وينبغي ألا تعامل «صيانة العلاقات» كغاية في حد ذاتها. ولقد أصبحت واشنطن معتادة على إهدار المليارات من الدولارات لهذا الغرض، لأنها غالبا ما تنسى ماذا كانت أهداف هذه المساعدات في المقام الأول. وفي كثير من الأحيان، يأخذ حلفاؤنا وشركاؤنا المال ويستخدمون أسلحتهم في السعي إلى سياسات تضر بمصالح الولايات المتحدة أو بسمعتها. وقد استخدمت المملكة العربية السعودية الأسلحة الأمريكية في جلب الخراب إلى اليمن، وتعزيز الجماعات الجهادية هناك. وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة، التي هي شريك في حملة الرياض غير الأخلاقية والمأساوية استراتيجيا في اليمن، استخدمت الأسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة في ليبيا لدعم الجنرال المنشق «خليفة حفتر».

وهناك مشكلة ثانية وذات صلة تتمثل في أن الحكومة الأمريكية تقوم بعمل ضعيف مع الحلفاء والشركاء والزبائن بشأن السلوك الذي يتنافى مع المصالح الأمريكية. ولا توجد مراجعة منهجية لما تنجزه المساعدات العسكرية الأمريكية. والأسئلة الرئيسية التي نادرا ما يتم طرحها، ناهيك عن إجابتها، هي ماذا تريد الولايات المتحدة وتتوقعه من المساعدات التي تقدمها، وكيف تساعد هذه المساعدات أو تضر قدرة أمريكا على تحقيق هذه الأهداف؟ وإذا لم تتمكن الولايات المتحدة من تحديد الإجراءات التي لم يكن على المتلقي فعلها نتيجة لهذه المساعدة، فإنه ليس أكثر من برنامج للرعاية الاجتماعية، إضافة إلى ما له من الآثار الضارة. فهو أولا، يشجع المتلقين للقيام بما يريدون مع وجود المساعدات دون الحاجة إلى الخوف من عواقب أفعالهم، وهو «خطر أخلاقي». وثانيا، يخلق «نفوذا عكسيا» يدفع واشنطن إلى الوراء للحفاظ على سلاسة العلاقات وتدفق المساعدات، بدلا من الاستفادة من اعتماد المتلقي على الدعم العسكري الأمريكي.

ويشكل كلا هاتين المشكلتين، في جزء منهما، إرثا لعملية السلام في الشرق الأوسط. وتعتبر الدول العربية التى تعيش فى سلام مع (إسرائيل)، مصر والأردن، حزم المساعدات العسكرية الأمريكية أمرا مستحقا لها مقابل دفن الماضي مع الدولة اليهودية. وما تحصل عليه واشنطن بتقديم هذه المساعدات هو الثقة بأن اثنين من جيران (إسرائيل) سيبقون في سلام معها. ولكن هذا يعد تحريفا للتاريخ. فلم تقدم واشنطن أي مساعدة رسمية إلى أي من البلدين عندما وقعتا معاهدات سلام مع (إسرائيل). والأهم من ذلك أن مستقبل معاهدات السلام لم يعد يعتمد على المساعدات الأمريكية. وترى مصر والأردن أنهما من مصلحتهما الخاصة الحفاظ على السلام مع (إسرائيل)، بدعم أمريكي أو بدونه.

إصلاح المساعدات

وتحتاج المساعدة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط (وعلى نطاق أوسع) إلى إصلاح جدي. وفيما يلي 4 أفكار رئيسية للمساعدة في إصلاحها.

أولا: قبل تخصيص المساعدة الأمنية، يجب على المتلقين أولا أن يبرهنوا على التزامهم بمجموعة من القواعد والمعايير وقواعد الحكم الرشيد فيما يخص قطاع الأمن.

ثانيا: يتعين على وزارة الخارجية والكونغرس إنشاء آليات جديدة لتقييم وقياس جدوى المساعدات الأمنية بدقة، مقارنة بمؤشرات الأداء المرتبطة بأهداف السياسة الخارجية الأمريكية.

ثالثا: ينبغي ربط بيع الأسلحة بالتزامات تدريب جديدة يتعين على البلد المضيف الوفاء بها قبل تسليم الأسلحة والمعدات.

رابعا: لإثبات التزامها بالأداء والنتائج، ينبغي أن تشمل جميع عقود توريد الأسلحة والتدريب شروطا تستند إلى معالم الأداء المتفق عليها بصورة متبادلة.

ويتفق معظم من في مؤسسة الدفاع الأمريكية - من حيث المبدأ - على أن إدخال المزيد من المساءلة عن المساعدات العسكرية الأمريكية ومبيعات الأسلحة هو هدف جدير بالاهتمام. لكنهم سيعبرون عن قلقهم من أن الإجراءات التي نوصي بها ستدفع دول الشرق الأوسط إلى اللجوء إلى روسيا أو الصين لشروط أسهل. ومع ذلك، بالنسبة للعديد من شركائنا في مجال الأمن، وخاصة السعودية ومصر، فإن دمج الأسلحة الروسية والصينية في هيكل قواتها سيخلق مشاكل تشغيلية ولوجستية خطيرة. وعلاوة على ذلك، لا تقدم موسكو ولا بكين المساعدات في شكل منح، مما يعني أنها ليست بدائل قابلة للتطبيق للبلدان التي تعتمد على المساعدات المالية الأمريكية لشراء المعدات. وحتى بالنسبة للبلدان التي تستخدم أموالها الخاصة، فإن تفضيلها القوي للمعدات الأمريكية، التي ترى أنها أعلى من البدائل، وعلامة على الدعم الأمريكي، يعني بأنها ستكون على استعداد لتقديم رقابة أكثر صرامة إذا كان ذلك هو ثمن الحصول على الأسلحة الأمريكية.

ويمكن للمساعدة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط أن تضخم نفوذنا، وتساعدنا في بناء قوات عسكرية محلية تخفف العبء عن القوات الأمريكية. ولسوء الحظ، تم إنفاق المليارات من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين لأغراض غير واضحة، دون رقابة كافية. ومن خلال التعلم من أخطاء الماضي، وتنفيذ الإصلاحات الموصى بها لدينا، يمكن للحكومة الأمريكية البدء في كسر هذه الحلقة من الفرص الضائعة.

المصدر | ذا أمريكان كونسرفاتيف

  كلمات مفتاحية

المساعدات العسكرية الأمريكية واشنطن مصر المملكة العربية السعودية (إسرائيل)