استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

السعودية وانتزاع الهزيمة من فكي النصر

الاثنين 5 مارس 2018 01:03 ص

ربما لن تنجح المحاولة الجارية حالياً في مجلس الشيوخ الأميركي لوقف الدعم العسكري الأميركي للحرب السعودية - الإماراتية في اليمن. (لم يعد مفيداً الاستمرار في التحدث عن "تحالف عربي تقوده السعودية"، فليس لمثل هذا التحالف من وجود)!

والأرجح أنها لن تنجح. لكن مجرد بلوغ الأمر هذه المرحلة من تدهور العلاقات السعودية - الأميركية، يرسل رسالة تحذير قوية بأن الأمور ليست على ما يرام. وتتعقد المشكلة أكثر، لأن القيادة السعودية الحالية وضعت كل بيضها وريالاتها في سلة الرئيس دونالد ترامب، وقدمت لإسرائيل أكثر بكثير مما كانت تريد، بل مما كانت تحلم به.

صحيح أن الكونغرس الأميركي كان قد سنّ قانون "جاستا"، بأغلبية ساحقة منعت الرئيس السابق باراك أوباما من نقضه. ومعروفٌ أن ذلك القانون قصد به فتح الطريق أمام ضحايا أحداث "11 سبتمبر" في 2001 لمقاضاة السعودية، وتحميلها المسؤولية عن تلك الأعمال.

وقد جاء ترامب إلى السلطة، وهو يتوعد بأن يكون قاسياً على السعودية ودول الخليج، ومطالبتها بدفع "أتاوات" في مقابل الدفاع عنها. لكن العلاقات مع الولايات المتحدة تحسنت كثيراً بعد قمة الرياض في صيف العام الماضي، نتيجة تفاهمات حول التقارب (الحميم جداً) مع إسرائيل، والتعاون ضد إيران وضد "الإرهاب"، وكذلك دفع "أتاوات" بلغت عشرات المليارات من الدولارات من صفقات الأسلحة ووعود الاستثمار. وما خفي أعظم.

في ذلك الوقت، لم تكن كل أبعاد الكارثة اليمنية قد ظهرت للعيان بصورتها الحالية بعد، فحين انطلقت حرب اليمن في ربيع عام 2015، بدا كما لو كانت ضربة معلم سعودية ولملكها الجديد، سلمان بن عبدالعزيز.

ذلك أن سياسات الملك سلمان راجعت في الظاهر مواقف كارثية عديدة لسلفه الملك عبدالله، وأولها التورّط في المستنقع المصري، بدعم الانقلاب هناك، وإعلان جماعة الإخوان المسلمين إرهابية، وإهدار عشرات المليارات من الدولارات لدعم نظامٍ يتجه نحو الإفلاس والانهيار.

خفف سلمان كذلك من العداوة للإسلاميين والمؤسسة الدينية السعودية، وأعاد العلاقات إلى طبيعتها مع قطر، واتخذ موقفاً حازماً تجاه إيران التي كانت استغلت الفراغ الناتج عن غياب السعودية عن الساحة لتتمدد.

قبل ذلك كانت السعودية، وبقية دول الخليج، الرابح الأكبر من الربيع العربي الذي لم يهدد من دولها سوى البحرين. ورغم أن الكويت شهدت حراكاً قوياً بتأثير الربيع العربي، إلا أن المركبات الديمقراطية في النظام الكويتي امتصت الصدمة، واستوعبت آثارها لتقوية النظام، لا إضعافه.

ونسبة لانشغال مصر باضطراباتها الداخلية، وغياب دول عربية كبرى، مثل العراق والجزائر، لأسباب مماثلة، فإن مجلس التعاون الخليجي تبوأ بسرعة موقع القيادة العربية.

وبهذه الصفة، حشد العالم وراء الثورتين السورية والليبية، وتولى رعاية الانتقال الديمقراطي في اليمن، كما قدّم الدعم لمصر في عهد الثورة. وعموماً بدأ مجلس التعاون يلعب دوراً قيادياً إيجابياً غير منازع في المنطقة.

لكن هذا الوضع لم يدم طويلاً، حيث تراجع الدور الخليجي بسرعة، واتسم بسلبيةٍ سعت إلى نقض غزلها من بعد قوة أنكاثاً. وهكذا توقفت معظم دول مجلس التعاون الخليجي عن دعم الديمقراطية في مصر وليبيا وتونس، قبل أن تبدأ بعضها سراً في العمل على تقويضها، ودعم عناصر معادية للاستقرار في تلك البلدان.

تزامن هذا مع تقاعسٍ كبيرٍ عن دعم الثورة السورية، ما سمح لإيران ومليشياتها باحتلال المشهد، بدعم من روسيا. وقبل ذلك، كانت إيران قد عزّزت مواقعها في العراق الذي أصبح، إلى حد كبير، محمية إيرانية. وقد عزّز ظهور "داعش" وتمدّدها في سورية والعراق من الديناميات المؤيدة للنفوذ الإيراني.

كانت إيران، ولا تزال، أكثر عزلة دوليا من السعودية، وأقل موارد، كما أن نظامها يواجه مأزق مشروعيةٍ مزدوجاً، كان من بعض مظاهرها "الثورة الخضراء" في عام 2009، ومواجهات أحمدي نجاد وأنصاره مع بقية قطاعات النخبة المحافظة الحاكمة، ثم انتصار حسن روحاني غير المتوقع في انتخابات 2013.

ولكن إيران استخدمت مواردها القليلة، وقدراتها العسكرية والاستخباراتية، والتيارات والجماعات الشيعية الموالية، لتعزيز مواقعها. وقد جندت العراق المجاور لإيجاد محور "شيعي" تستند إليه في ذلك، وذلك قبل أن تلتهم سورية ثم لبنان.

ورغم تورّط إيران في فظائع النظام السوري وانتهاكات العراق، إلا أن موقفها الدبلوماسي تعزّز في السنوات الماضية، خصوصاً مع الاتفاق النووي مع الغرب. يكفي أن الكونغرس اليوم يوجه انتقاداته للسعودية لانتهاكات اليمن، على الرغم من أنها لا تقارن بما يقع في سورية، وكفى به فشلاً دبلوماسياً!

في المقابل، ساهمت السعودية، ومن حالفها، في تقويض استقرار أكبر معقل سني (مصر)، وأشعلت في داخلها حرباً أهلية، ثم شنت الحرب على الحركات الإسلامية المعتدلة، خصوصاً في اليمن، وخذلت الثوار في سورية وليبيا.

ولم تكتف بذلك، بل شنت حرباً شعواء على الوهابية، سندها ومصدر شرعيتها. وزاد حاكمها الفعلي، فشن الحرب على العائلة المالكة، وعلى قطاع الأعمال في السعودية، فكان كذابح الدجاجة التي تبيض ذهباً.

ويمكن تلخيصاً القول إن السعودية في عصرها الجديد شنت الحرب على أنصارها الحقيقيين، وأخذت تلهث وراء أعدائها، طلباً لودهم ونصرتهم. وقد جاهر قادتها بعزمهم على إجراء ثورة علمانية في بلاد الحرمين، وهو لعمري من خطل الرأي.

فها هنا جهل لم نسمع بمثله، لأن العلمانية لم تنشأ في مهدها عبر شن حربٍ عمياء على الدين، وإنما نشأت من تغير في القيم الدينية أولاً (عبر الإصلاح البروتستانتي)، ليس بغرض تقويض الدين، وإنما بقصد تعزيزه وتنقيته من البدع والشوائب.

ثم جاء تعزيز ذلك بقيم بديلةٍ من خارج الدين، لكن في تصالح معه. فقد روج أنصار العلمانية العقل وسلطانه، والحرية وحقها، والعزة والكرامة ومكانتهما. وغافلٌ من يتصدّى لمحاربة الدين وقيمه بخواء فكري، وإفلاس أخلاقي، لا بضاعة له سوى القهر والرشوة، ولا بضاعة له سوى الكذب والنفاق والتلوّن.

فحتى إبليس إمام الكذابين لا يأتي إلى ساحة الوغى خاوي الوفاض من مزينات المنكر بهذه الطريقة.

فما تواجهه السعودية من أزماتٍ وتراجع إقليمي وعالمي وداخلي هو جله من صنعها، ومن إشكاليات السياسات التي تبنتها. فهي تواجه عزيمة إيران وصلابتها بمنطقٍ رخوٍ يقوّض نفسه بنفسه، وتسعى إلى مواجهة مليشيات إيران العقائدية بجيش من المنافقين والمرتزقة والكَذَبة، وتراهن دبلوماسياً على الأحصنة الخاسرة.

ولعل أكبر كبوات النظام السعودي وأنصاره التهجم على جارتها قطر. فقد حوّلت بجرة قلم (أو بفبركة فيديو) أحد أقوى حلفائها إلى عدو، مطلقةً أكثر من طلقةٍ على قدمها، إن لم يكن على رأسها، بهذه الخطوة غير الموفقة.

في المقابل، نجحت قطر في تحويل هذه الهجمة إلى انتصار دبلوماسي، جعل السعودية تبدو هي المحاصرة. ويكفي أن أشد ما كان يخشاه السعوديون وحلفاؤهم هو تسليط الضوء الإعلامي على سوءات أنظمتهم. لكن التهجم على قطر وضع هؤلاء في دائرة الضوء بصورةٍ غير مسبوقة، بحيث أصبحت قناة الجزيرة أخفّ مشكلات أنظمة الحصار.

فما يحدث في واشنطن اليوم هو نتاج خسارة إعلامية للرأي العام الغربي، تحديداً بسبب أن ممارساتٍ كشفت عيوب هذه الأنظمة، من كذبٍ مفضوح لا يمر حتى على الأطفال، ومن تعسّفٍ داخلي وإسكاتٍ للأصوات، ومن تورّط في مغامرات خارجية كارثية مثل اليمن وليبيا وغيرها.

فقد تحول حصار قطر بالفعل إلى عمليةٍ انتحارية، بينما تخلصت قطر من ورطة اليمن والاضطرار إلى مجاراة جاريها في مغامراتهما، فكسبت الحُسنَيين.

* د. عبد الوهاب الأفندي أكاديمي سوداني أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا.

  كلمات مفتاحية

السعودية أميركا إسرائيل الربيع العربي حرب اليمن الثورة المضادة حصار قطر مصر سياسات مضطربة الوهابية المؤسسة الدينية السعودية العلمانية