الفيلم الأمريكي «اللعبة».. للحقيقة أبعاد أخرى!

الاثنين 5 مارس 2018 01:03 ص

فيلم اليوم «اللعبة أو The Game» فيلم آخر من أفلام المخرج الأمريكي «ديفيد فينشر» (إنتاج 1997)، بالإضافة لفيلم منتصف الأسبوع الحالي «الحالة المحيرة لبنجامين بتن» (إنتاج 2008)، وفيلم «نادي القتال» (إنتاج 1999) الذي عرضنا له من قبل.

وفي رأينا ورأي بعض النقاد فإن فيلم اليوم حمل فكرة فلسفية تم تطويرها في الفيلمين السابقين اللذين تعرضنا لهما من قبل.

باختصار، فكرة فيلم اليوم تطرح سؤالًا يبدو محيرًا في عالم الاقتصاد الضخم العابر للقارات، والشركات العملاقة المتخصصة في بيع المنتجات والربح الوفير من وراء المستهلك، وإيهامه في نفس الوقت بأنه الرابح في الصفقة، وأنها لا تريد إلا نفعه في المقام والمنزلة الأولى، عبر عمليات الغش التي تطارد المواطن في دول العالم بداية من الثالث ونهاية بالمغلوبين على أمرهم الذين اعتادوا تصديق أوهام وأكاذيب الساسة والإعلام، ولو كانوا في دول العالم المتقدم.

وبين طوفان الإعلانات المكتسحة للحياة في التليفزيون ووسائل الإعلام المختلفة والشوارع من جانب، والإعلام العملاق الموجه في أغلب دول العالم لصالح الأنظمة، وإلحاح الحاجات الاقتصادية والمزيد من الانفتاح على التكنولوجيا الخدمية الاستهلاكية من أجهزة كهربائية تدخل في جميع المجالات المتداخلة مع جسده.

في خضم كل هذه الأشياء تضيع الحقيقة من بين عيون وعقول وحواس الملايين أو ربما لا يجدون الوقت الكافي للتفكير فيها أو حتى محاولة الوصول إليها.

لعبة الحياة

«نيكولاس فان أورتنر» أو الممثل (مايكل دوغلاس)، اقتصادي معروف في سان فرانسيسكو، يعمل في نطاق مالي واسع، ويحرص على سرية حساباته البنكية، ويُهرب عشرات الملايين إلى بنوك سويسرا بانتظام.

في لقطات الفيلم الأولى نراه طفلًا صغيرًا تبدو على محياه دلائل الراحة بين والديه وأخيه، لكن سرعان ما تصل الأمور إلى الكابوسية، فأبوه الذي يعاني من مرض نفسي وأزمات متعاقبة يفضل أن يُلقي بنفسه من أعلى بناية لينتحر وهو في عمر 48 عامًا.

وفي يوم ميلاده، الموافق لعمر أبيه حين انتحاره، يجد «أورتن» نفسه وحيدًا تمامًا، يرفض تهنئة سكرتيرته الثانية البالغة الجمال، ويعيش في قصر واسع مفروش بأفخم الأثاث بعد أن طلق زوجته طبيبة الأسنان، ولم ينجب منها وتزوجت الأخيرة من رجل عادي وسعدت معه وأنجبت طفلة، ما جعله يشعر نحوها بمزيد من الاحتقار.

يحرص «أورتن» على أن يحيا في برج عاجي، لا يسمح لأحد بمجرد الاقتراب منه، ويعامل عامة الناس من الخدم وما شابه بتكبر شديد، ثم هو يتساءل عن مستقبله ونهاية حياته هل يصير غنيًا مثل أبيه لكن يموت منتحرًا!

في نفس يوم مولد البطل يقابله أخوه الصغير «كونراد فان اورتن» أو (شون بن) في مطعم فاخر، ويطمئنه إلى أنه لا يريد منه مالًا، وأنه شفي تمامًا من مرضه النفسي، أما بخصوص هدية يوم ميلاده فإنه يسأل في أسى: ماذا يمكنني أن أهدي مَنْ يملك كل شيء؟

ولكن الهدية حاضرة مُكلفة، غالية الثمن، لكنها تعيد ترتيب الحياة من جديد، إنه اشتراك في لعبة لشركة عالمية لتغيير مفاهيم الحياة وقلبها رأسًا على عقب.

تقتضي اللعبة أن يذهب البطل «أورتن» إلى مكتب الشركة للاطمئنان على سلامته البدنية والنفسية معًا، فيما يراه عبثًا وينبه المسؤول «جيم فينغولد» أو (جيمس ريبرن) إلى ضرورة إصلاح النظام كله الخاص بالشركة ويغادر متأففًا كعادته حينما يخالط الغرباء، ويعتذر لأخيه، ويواصل عمله الاقتصادي بلا قلب محاولًا تحطيم حياة أحد التابعين له، والأخير كان صديقًا لأبيه.. لأنه خسر عدة صفقات.

لكنه يلاحظ أن هناك كاميرات سرية في بيته تمكن مذيع التليفزيون من تبادل الحديث معه، وأن نادلة في مطعم تعمد سكب الشراب عليه، ولما يعنفها وتُطرد من العمل بسببه يجد تحذيرًا مكتوبًا على المنضدة من نتيجة فعلها، فيتبعها ليجد نفسه في عدة ورطات، يجد قتيلًا أمامه في حادث سيارة، فيبلغ الشرطة، فتقبض عليه والنادلة «كرستين» أو (ديبورا كارا أنغر) التي تهرب من المستشفى فيضطر للجري خلفها، ثم يستضيفها في بيته لدقائق فينقلب حال البيت بعد ذلك، يجد ماسًا كهربيًا في أزرار الكهرباء، وأوراق صفقاته مختفية!

ويضطر للذهاب إلى فندق للراحة وهناك تسوء الأمور أكثر، يجد فيلمًا خارجًا وصورًا جنسية لنفس النادلة، ويضطر لمواجهة تابعه الذي يريد طرده بأنه يفتعل المشكلات لئلا يغادر عمله، فيخبره الأخير أنه غادر العمل بالفعل، فلا يجد بدًا من الذهاب لبيت النادلة بعد بحث عن عنوانها، وهناك يكتشف أن حساباته البنكية كلها تمت قرصنتها، وأن المطلوب محوه جسديًا وقتله لئلا يطالب بأمواله.

وعبثًا يحاول أن يجد أحدًا يفهمه، وحين يركب سيارة أجرة يفاجئ بسائقها يهرب منها ويلقيه بها في النهر، وحين ينام يصحو ليجد نفسه بلا مال تقريبًا في المكسيك، وهناك يجاهد مع الشحاذين ليبقى على قيد الحياة ويجد ما يسد رمقه.

وحينما يعود لسان فرانسيسكو يبدأ في التحول إلى النقيض يعتذر لزوجته السابقة، ويطلب سيارتها، ويذهب لملاقاة مدير الشركة الخاصة باللعبة ويجبره على الذهاب معه إليها، ويبدأ بمسدسه الخاص في تهديد جميع أفراد الشركة بالقتل، وهنا تخبره «كرستين» أن الأمر مجرد لعبة ليس إلا، وأنهم جميعًا يوهمونه بما هو عكس الحقيقة، أمواله في مأمن، وأوراقه الثبوتية وعالمه المرفه لم يمس، وما دار حوله كان عبر مؤثرات صوتية كما في الأفلام، وتكاليف ما فسد من مبان وسيارات سيدفعها أخوه، لكنه لا يصدق الحقيقة لفرط انفعاله باللعبة ويقتل أخاه وينتحر كأبيه.

وفي آخر مشاهد الفيلم يتضح أن الآخ لم يُقتل وأنها كانت تتمة اللعبة التي شارك جميع مَنْ حوله فيها حتى مطلقته، وأن الشركة صاحبة اللعبة رتبت لإنقاذه من الانتحار لما عرفت بتاريخه النفسي وآلامه.

وبعد اللعبة الطريفة يجد البطل طريقه للحياة البشرية الحقيقية بعيدًا عن المال والأعمال، يشعر بالفقراء، ويسامح زوجته السابقة، ولا يرهق متبوعيه ويحطم حياتهم، بل يبدأ علاقة عاطفية مع بطلة اللعبة «كرستين».

جاء أداء «مايكل دوغلاس» مميزًا مناسبًا لأجواء الفيلم البالغة الغموض، ما أسبغ وأضفى قدرة تمثيلية إيجابية على بقية أبطال الفيلم، وجاءت الموسيقى التصويرية والمكياج مناسبين.

فيلم «اللعبة» دليل على أن الحياة الجيدة هي القابلة للتعاون والشعور بالآخرين من حولنا، وأن للحقيقة جوانب تغيب أحيانًا عنا، وأن الفيلم الجيد ينهض بقصته الفذة بجميع العناصر السينمائية من مونتاج وماكيير وموسيقى تصويرية وإضاءة.. إلى آخره!

المصدر | الــــــخــليج الجــــديد

  كلمات مفتاحية

فيلم أمريكي اللعبة The Game دوغلاس رجل مال سان فرانسيسكو برج عاجي حقائق شركات اقتصاد إعلام