«جمهورية كأن».. «علاء الأسواني» في أحدث رواياته يشهر بـ«الإخوان»

الثلاثاء 6 مارس 2018 03:03 ص

«جمهورية كأن» أحدث روايات الكاتب المصري «علاء الأسواني»، سبقتها روايات «عمارة يعقوبيان»، «شيكاغو»، و«نادي السيارات»، بالإضافة إلى عدد من الكتب يضم مجموعات قصصية ومقالات سياسية.

الرواية الأخيرة صدرت عن «دار الآداب» في بيروت بخلاف الروايات والكتب السابقة الصادرة عن دار «الشروق» القاهرية، وأرجع مدير الدار الأخيرة عدم نشر الرواية بها لأنها: «ستضعنا في مواجهة مع النظام لا نتحمل تبعاتها».

أما «الأسواني» فعلل عدم نشر الدار للرواية الصادرة في 11 من فبراير/شباط الماضي، أي في الذكرى السابعة لتنحي الرئيس المخلوع «محمد حسني مبارك» بأن: «.. همّه الشاغل هو الإنسان، أينما وكيفما كان، لذلك تتناول الرواية عددا من الشخصيات التي أثرت فيها ثورة يناير بالسلب أو الإيجاب، وبما أن الحديث يدور عن يناير، كان من الضروري التعرض لجانب توثيقي من الثورة المصرية، ورفض ما جرى أثناءها من مذابح وتجاوزات»، مضيفًا: «ربما كان ذلك هو السبب الذي جعل دور النشر داخل مصر تخاف من نشر الرواية»، بحسب «روسيا اليوم» في 7 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

الظلم الروائي

تقع رواية «جمهورية كأن» في 521 صفحة، و73 قسمًا أو بابًأ، والأخيرة موزعة بالتبادل بين أربعة أصوات تمثل أهم شخصيات العمل الأدبي المفترض، خاصة مع أُسر هذه الأصوات ومعارفها وأصدقائها.

الشخصية الأولى في الرواية للواء «أحمد علواني»، مسؤول جهاز مباحث أمن الدولة وقت اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني المصرية، وجميع أحداث الرواية تظهره وكأنه حاكم مصر الأول، فقرار تنحي «مبارك» أعلم به «علواني» جميع الدوائر المحيطة به قبل التنحي بساعات، وهذه الداوئر تضم نجوم السياسة والفن والرياضة (على قمة الأخيرين حارس مرمى المنتخب) صـ257 من الرواية، بالإضافة للإعلام وعلماء الدين السلفيين في مصر، وتكليف ضباط مباحث أمن الدولة بكل مجموعة منهم لصياغة عقل جمعي للشعب المصري يعود به إلى تقبل القمع من جديد، ورفض الثورة.

إننا أمام مرحلة أولى من مراحل التشفي التاريخي تحت زعم التوثيق، وليس من التوثيق في شيء نسبة أحداث روائية، في المقام الأول، إلى شخصيات مشكوك من البداية في قدراتهم على إحداث تأثير على مجريات الأحداث، في وقت تنحي الرئيس المخلوع، تحت مسمى «كان من الضروري التعرض لجانب توثيقي من الثورة المصرية».

وعقب جملة المؤلف الأخيرة في الوكالة المذكورة، انطلق من قاعدة يتفق الجميع عليه إلى ما لا يمكن تقبله من تدليس التاريخ، أما الجملة فهي: «ورفض ما جرى أثناءها (الثورة المصرية) من مذابح وتجاوزات»، و«الأسواني» ـ كعادة الانتقائيين للأحداث ـ يحدد ما سيتناوله بأنه ذكرى مجازر دارت أثناء الثورة أما ما بعد ذلك فلا يلزمه في شيء.

إن الحرية التي تضيق في مصر اليوم برواية «الأسواني» الأخيرة ومقالاته، في الجريدة التابعة لدار النشر التي أغلقت أمامه الأبواب لا تجعل الكاتب  ينادي بالحرية لجميع أطياف المجتمع، بل تدفعه للتجاوز عن المجازر التي حدثت بعد الثورة بل يأخذ موقفًا معاديًا من الأمن المصري وشخصيات عامة (قائد منتخب مصر) كما في جزء روايته السابق ومئة من النخب الفنية والرياضية والسياسية.

بعد قليل نتناول ما رمى «الأسواني» به جماعة «الإخوان المسلمون» عبر مرشدها الأسير المسجون، مما لا يقره عاقل ولا يرضاه صاحب ضمير حي، ولكننا قبل ذلك نتوقف عند الفارق الدقيق الأكاديمي بين المؤرخ والأديب.

مسؤولية المؤرخ وحيادية الأديب

وصف «الأسواني» دوره في الرواية بالتوثيقي لأهم جوانب ومجازر الثورة المصرية، وهو ما يدفعنا للوقوف أمام رأي «ابن خلدون» (1332 - 1406م) حول تعريف التوثيق وأدوات صاحبه المؤرخ.

جاء في كتاب «تاريخ ابن خلدون»، حول تعريف التاريخ وكتابته: «التاريخ فن من الفنون التي تتداوله الأمم والأجيال (...) وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق... » «تاريخ ابن خلدون» جـ1 صـ3.

أما الرواية فمن المعروف أنها أبرز فنون الأدب اليوم، لانتشارها الشديد، وتسخير الإمكانات التكنولوجية والبشرية في السينما والتليفزيون لتحويلها إلى أعمال مصورة ومرئية، ولكن الأمر لا يخلو من كون الرواية دائمًا معرضة لوجهة نظر صاحبها التي تغير وتبدل وتصول وتجول في الواقع، بل تنكر وتعدل بحسب أدوات الأديب وخضوعه لضميره من عدمه.

وبوجه عام قيل إن الرواية تساوي التاريخ، كما كان من الممكن أن يحدث، بحسب وجهة نظر الأديب، وأن التاريخ يساوي الرواية كما حدثت، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يتدخل المؤرخ فيها بالحذف والانتقاص والإضافة والزيادة.

وتبقى المساحة الوسطى بين الأمرين أو «الرواية التاريخية» التي إن أخذت من هنا وهناك من عمل المؤرخ والأديب خضعت لضمير الأديب كما ألمحنا من قبل.

«الأسواني» والتجني على مرشد «الإخوان»

ليس من شيم وصفات أصحاب الرأي الافتئات ورمي الأشخاص غير القادرين على الرد أو إبراز الحقائق ونفي الأباطيل، بالإضافة لجميع ما ذكرنا حول المؤرخ والأديب، وإن كان الأمر لا ينفي بالطبيع إمكانية انتقاد الأفعال والسياسات لمأسورين أو حتى مغادرين للحياة، والدلوف لنقاط الإيجاب والسلب إن وجدا ولكن أن يصف «الأسواني» مرشد الإخوان بأنه في يوم «تنحي مبارك» بأنه زار مكتب مسؤول أمن الدولة متغاضيًا وضاربًا عرض الحائط بدموية تاريخ «مبارك» مع «الإخوان»، بل الادعاء بأن التنسيق بين المرشد وأمن الدولة كان على أشده لإزهاق الثورة وخيانة دم الشهداء، فهذا ما ترفضه الفطرة السوية الصحيحة قبل المهنية لدى الأديب والمؤخ.

المصدر | الــــــخــليج الجــــديد

  كلمات مفتاحية

مصر ثورة يناير ذكرى التنحي علاء الاسواني جمهورية كأن رواية بيروت منع توثيق روائية تأريخ تجني مذابح مرشد الإخوان