حصار قطر وحرب اليمن والقدس .. ملفات تنتظر «بن سلمان» في البيت الابيض

الثلاثاء 6 مارس 2018 11:03 ص

من المقرر أن يقوم ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، الذي يسعى إلى تحويل المملكة من سلطة قائمة بذاتها إلى سلطة تسهم في تشكيل الأحداث الإقليمية، بزيارة البيت الأبيض في 19 مارس/آذار.

ويسعى ولي العهد أيضا إلى تعزيز العلاقات مع مجتمع الأعمال في الولايات المتحدة، وتقديم ما يسمى بـ«رؤية 2030» للمملكة العربية السعودية.

ويهدف «بن سلمان» أيضا من خلال الزيارة إلى الاستفادة من سياسة «أمريكا أولا» التي ينادي بها الرئيس «دونالد ترامب»، التي تهدف إلى توسيع التحالف الاستراتيجي الأمريكي-السعودي، من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي بين البلدين.

ومن المتوقع أن يبحث الزعيمان أيضا قضايا الأمن الإقليمي المتعلقة بالتعاون في ملفات إيران واليمن وتنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، بالإضافة إلى ذلك، سيحاول «ترامب» على الأرجح تأمين الدعم السعودي لخطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية.

أزمة الخليج

ومع ذلك، من المتوقع أن يركز اجتماع «ترامب» مع «بن سلمان» في المقام الأول على جهود حكومة «ترامب» لحل أزمة الخليج، التي اندلعت في 24 مايو/آيار عام 2017، عندما تم اختراق وكالة الأنباء القطرية الرسمية، وعزت بيانا وهميا إلى الأمير القطري الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني».

ومنذ ذلك الحين، أرجع المسؤولون الأمريكيون الاختراق إلى الإمارات العربية المتحدة، وهي تهمة تنكرها أبوظبي.

وفي 5 يونيو/حزيران، قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر بسبب مزاعم بأنها تدعم الإرهاب وتحتضن إيران وجدول أعمالها الإقليمي.

كما فرضت حصارا وحظرا اقتصاديا على قطر، بما في ذلك قطع جميع الإمدادات الغذائية والعلاجية عن طريق إغلاق الحدود البرية والبحرية، وقد نفت قطر هذه الاتهامات.

وفي إطار الجهود الأمريكية لحل أزمة مجلس التعاون الخليجي، استضافت واشنطن الحوار الاستراتيجي الأمريكي القطري يوم 30 يناير/كانون الثاني.

ولا يمثل الحوار انتصارا دبلوماسيا للدوحة فحسب، بل يثبت بشكل فعال أن الاتهامات الموجهة ضدها كانت مزيفة وذات دوافع سياسية، ولكن ذلك يشير بشكل عام إلى أن واشنطن ترى أن الاستقرار في الخليج هو مصلحة أمنية وطنية رئيسية.

ولتحقيق هذه الغاية، دعا «ترامب» أيضا ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد آل نهيان»، حاكم دولة الإمارات بحكم الواقع، إلى زيارة البيت الأبيض في 27 مارس/آذار، ويُنظر إلى الزعيم الإماراتي على نطاق واسع في واشنطن باعتباره بطل الأزمة.

وبعد 10 أيام، من المتوقع أن يقوم الأمير «تميم» بزيارة للبيت الأبيض أيضا، وعقب الاجتماعات الثنائية الثلاثة على التوالي، بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، يخطط البيت الأبيض لاستضافة قمة كامب ديفيد لقيادة دول مجلس التعاون الخليجي، لوضع حد للأزمة رسميا.

ومع ذلك، لا توجد في الوقت الحاضر مؤشرات على تسوية الأزمة، مع استمرار الخطاب القاسي المناهض لقطر، الذي أبداه المسؤولون الإماراتيون والسعوديون دون هوادة.

وبالتوازي مع حل أزمة الخليج، يسعى «ترامب» إلى تسريع عملية السلام في الشرق الأوسط، حيث يهدف إلى جعل (إسرائيل) أقرب إلى دول مجلس التعاون الخليجي، كجزء من استراتيجية أوسع نحو عزل إيران إقليميا.

ويرتبط اجتماع «ترامب» القادم مع «بن سلمان» باستراتيجية الأمن القومي التي أطلقتها الإدارة الأمريكية مؤخرا، والتي تعرّف السعودية و(إسرائيل) على أنهما الركيزتان الأساسيتان لجدول أعمال واشنطن الإقليمي، وتدعو الوثيقة أيضا إلى وحدة دول مجلس التعاون الخليجي.

وفي الوقت الذي تم فيه تحديد إيران في الوثيقة كخصم إقليمي رئيسي لواشنطن، فقد تم نشر الاستراتيجية وسط عدم اليقين حول ما إذا كان «ترامب» سيخرج من خطة العمل الشاملة المشتركة التي تهدف إلى الحد من الطموحات النووية الإيرانية.

اليمن

وقد سعت الإدارة الأمريكية بالتوازي مع ذلك إلى تزويد المملكة بالمعلومات الاستخباراتية اللازمة لمنع المتمردين الحوثيين اليمنيين من تحقيق مكاسب استراتيجية، بعد أن اجتاحوا العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/أيلول عام 2014، وأجبروا الرئيس «عبد ربه منصور هادي» على المكوث في المنفى في السعودية.

وقد تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران، وهو ما يمكنه التأثير على الرياض، التي يخوض جيشها بالفعل حربا مكلفة ضد الحوثيين.

ومع ذلك، وبعد ما يقرب من 3 أعوام من بدء حرب التحالف بقيادة السعودية ضد الحوثيين، تحول الصراع إلى طريق مسدود.

وعلى الرغم من تفوق الائتلاف الجوي، والقدرة على شن غارات جوية عبر أنحاء اليمن، وفرض حصار بحري على البلد الأكثر فقرا في العالم العربي، فشلت المملكة في إضعاف موقف الحوثيين كأفضل فاعل سياسي في اليمن.

ووسط هذه التطورات، طالب عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي «مايك لي»، و«بيرني ساندرز»، يوم الأربعاء 28 فبراير/شباط، البيت الأبيض بإنهاء التدخل العسكري الأمريكي في الحرب الأهلية في اليمن، وقدم المشرعان، إلى جانب السيناتور «كريس ميرفي»، قرارا مشتركا يستجوب البيت الأبيض حول الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.

ولم يكن تغير الديناميكيات في واشنطن، إلى جانب حقيقة التكلفة الباهظة لتلك الحرب، سوى كارثة بالنسبة لسكان اليمن، حيث أطلق ذلك العنان لأكبر كارثة إنسانية في العالم، ومن المتوقع أن تتصدر تلك القضية جدول أعمال اجتماع «ترامب - بن سلمان».

وتشارك وزارة الخارجية الأمريكية على مر الأسبوعين الماضيين، تمهيدا لزيارة «بن سلمان»، وراء الكواليس في المناورة الدبلوماسية للضغط على الرياض وأبوظبي لفتح ميناء الحديدة في اليمن أمام الإمدادات الإنسانية.

ويرتبط الضغط الدبلوماسي الأمريكي مباشرة بالأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن، التي ازدادت تفاقما بسبب سلسلة من الغارات الجوية التي شنتها قوات التحالف، والتي أسفرت عن مقتل مئات المدنيين وإصابة آلاف الآخرين.

وقد يكون للفشل في تسريع عملية السلام في اليمن عواقب وخيمة على الأمن السعودي، في ضوء سلسلة الهجمات الصاروخية الحوثية الأخيرة التي استهدفت العاصمة السعودية، والتي تشير إلى أن الحوثيين يستطيعون - بدعم إيراني - تصعيد ضرباتهم الصاروخية على الرياض.

ومع انهيار الحرب في سوريا، يمكن لليمن أن يصبح المسرح الذي تختاره طهران ضد واشنطن، باستهداف السعودية من خلال تكثيف الهجمات الصاروخية التي تستهدف الرياض.

وبالنظر إلى أن روسيا لا تزال لاعبا رئيسيا في سوريا، وأن الرئيس «فلاديمير بوتين» قد أقام علاقات عملية مع تركيا و(إسرائيل) والدول العربية وإيران، يبدو من غير المرجح أن تتراجع طهران ​عن الوضع القائم بدعم روسيا في سوريا، خاصة مع تحول المد الآن لصالح نظام «بشار الأسد».

وبالنظر إلى هذه العوامل، سيكون من الخطأ النظر في الاضطرابات الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة فوق أجواء سوريا باعتبارها تصعيدا صوب نزاع كبير، وإنما هو حادث معزول يهدف إلى اختبار كلا الطرفين عزم بعضهما البعض.

ومن المرجح أن يركز اجتماع «ترامب» مع «بن سلمان» على هذه العوامل، إلى جانب تحديد خطوات ملموسة حول كيفية التعامل مع الصراع السوري، بشكل يسعى نحو تسوية سياسية مع نظام الأسد المدعوم من موسكو وطهران، ضد جماعات المعارضة التي كانت واشنطن والرياض تدعمها سابقا.

سوريا والشرق الأوسط

ومن المحتمل أن يقيّم الزعيمان كيفية التعامل مع روسيا وإيران وتركيا بعد تقاربهم مع سوريا.

ولكن وسط حملة «ترامب» للمقاربة بين تل أبيب والرياض، كجزء من استراتيجيته لعزل طهران، فإن الموقف السعودي يعاني بين الفلسطينيين بشكل كبير، ما قد يعوق قدرة المملكة على المساعدة في تسريع عملية السلام في الشرق الأوسط.

وقد وجد مسح أجراه المركز الفلسطيني لبحوث السياسات والمسح، في غزة والضفة الغربية، أن 82% من الفلسطينيين لا يثقون في أن السعوديين يدافعون عن حقوقهم، و75% و70% لا يثقون على التوالي في الإمارات ومصر، حلفاء السعودية الرئيسيين.

وما يزيد من تعقيد المسألة هو أن مصر تحت قيادة الرئيس «عبدالفتاح السيسي»، تعاني مند انعدام الأمن مع قيام الجماعات الإرهابية بشن هجمات متكررة ضد أهداف مدنية، على الرغم من التكتيكات القمعية التي تتبعها القاهرة ضد كل من ينتسب أو يتعاطف مع العدو اللدود لها، جماعة «الإخوان المسلمون».

وقبل الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة، يمكن أن يرتفع العنف، في حين يمكن للحكومة أن تستجيب بمزيد من التدابير القمعية ضد المعارضين السياسيين، تحت ستار الأمن ومكافحة التطرف.

وتساعد هذه العوامل على تفسير قرار «بن سلمان» في اللحظة الأخيرة بزيارة مصر في 4 مارس/آذار، كجزء من محاولة لإظهار الدعم السعودي لـ«السيسي» قبل الانتخابات الرئاسية في مصر، وبعد مصر، سافر إلى لندن في 7 مارس/آذار، وذلك قبل زيارته المقررة للولايات المتحدة.

ويثير الصراع الداخلي المصري، والاقتصاد المصري المتعثر، التساؤلات حول قدرة مصر على المساعدة في سد الخلافات الإسرائيلية الفلسطينية، وهي قضايا من المرجح أن يركز عليها اجتماع «ترامب» مع «بن سلمان» أيضا.

وقد ذكر «ترامب» مرارا رغبته في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ودعا الرياض وأبوظبي والقاهرة للمساعدة في الضغط على رام الله مقابل تقديم دعم استخباراتي معزز للرياض ضد الحوثيين.

وقد يكون استمرار عدم الاستقرار في مصر، إلى جانب عدم الثقة الفلسطينية في النوايا الأمريكية والسعودية المعنية لتسريع عملية السلام في الشرق الأوسط، سببا في تعقيد الجهود الإقليمية للتوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

التعاون الاقتصادي

وسوف ينعقد اجتماع «ترامب» مع «بن سلمان» في إطار المجموعة الاستشارية الاستراتيجية المشتركة، التي تم إطلاقها في الرياض عام 2017، وقد تم إطلاق هذه المجموعة بالتوازي مع خطاب «ترامب» في الرياض أمام القادة العرب والأفارقة.

وتجتمع هذه المجموعة مرة واحدة على الأقل سنويا، بالتناوب بين البلدين، وتركز المجموعة على مجموعة من القضايا، تتراوح بين التعاون الأمني، وتمويل مكافحة الإرهاب، والطاقة، والاقتصاد، والتجارة.

ومن غير الواضح ما إذا كان ممثلو مجتمع الأعمال سيشاركون هذه المرة، كما فعلوا خلال رحلة «ترامب» الأولى.

ومن غير المحتمل أن تساعد الأجندة الاقتصادية الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية في تحقيق الاستقرار الذي تمس الحاجة إليه في الشرق الأوسط الأوسع.

وفي حين أنه قد يكون من المغري بالنسبة لـ«ترامب» و«بن سلمان» ترسيخ قوة الشراكة الثنائية من خلال التركيز على تعزيز التعاون الاقتصادي، فإن ذلك لن يفعل شيئا يذكر للمساعدة في حل المشاكل الملحة في المنطقة.

وبدلا من ذلك، لا يساعد عدم الاستقرار داخل مجلس التعاون الخليجي إلا على تفاقم مختلف العوامل المذكورة آنفا، وهو يضع واشنطن ضد طهران، ورام الله ضد الرياض، الأمر الذي يسرع باندلاع الحرب بالوكالة بين ملوك الخليج وملالي الجمهورية الإسلامية.

وعلى الرغم من هذه المخاطر، يوفر اجتماع «ترامب» مع «بن سلمان» الفرصة لوضع بعض النقاط على الحروف، ويمكن أن يحدث ذلك على الرغم من أن «ترامب» قد أشعل غضبا على نطاق واسع في العالم العربي من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، وعلى الرغم من قراره بإخطار إيران باستخدام خطة العمل الشاملة كأداة نفوذ، ودعم علنيا المتظاهرين الإيرانيين كجزء من جهد استراتيجي لإجبار طهران على تعديل سياساتها الإقليمية.

ومن خلال الانخراط في ما يبدو أنه ليس أقل من جولة مصارعة دبلوماسية، يمكن لدعم «ترامب» لـ(إسرائيل) والسعودية أن يغير المنطقة إلى الأفضل، إذا كان قادرا فقط على توفير انتصار رمزي للفلسطينيين، وهو ما يمكن أن يحدث باعترافه بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وإذا ما استخدم موقفه الثابت ضد طهران لإقامة صفقة كبرى مع الجمهورية الإسلامية تتضمن سياسات إقليمية.

المصدر | ذا ناشونال إنترست

  كلمات مفتاحية

زيارة واشنطن ترامب بن سلمان مصر حرب اليمن حصار قطر