تغييرات داخلية محمومة وتهدئة مع الخارج.. السودان إلى أين؟

الأربعاء 7 مارس 2018 06:03 ص

أحداث متسارعة تشهدها الساحة السودانية خلال الأسابيع الأخيرة، فمع تصاعد حدة التوتر الداخلي على وقع أزمات اقتصادية طاحنة تمر بها البلاد، سعى النظام السوداني إلى تخفيف حدة التوترات الخارجية، خاصة مع مصر، وذلك بالتزامن مع حزمة من الإقالات والتعيينات المهمة في صفوف الجيش والمخابرات وأجهزة الدولة التنفيذية.

ففي 27 فبراير/شباط المنصرم أصدر الرئيس السوداني «عمر البشير»، حزمة من القرارات، تم بموجبها إجراء تغييرات واسعة في القيادات العليا بالقوات المسلحة، لكن أبرزها كان تعيين الفريق ركن «كمال عبدالمعروف الماحي» رئيسًا للأركان المشتركة للجيش، خلفًا للفريق أول ركن «عماد الدين مصطفى عدوي».

قبلها بيوم واحد، أعلنت قوى المعارضة عودتها لتنظيم تظاهرات الاحتجاج ضد غلاء الأسعار، إضافة إلى اعتصامات ومظاهرات، تمهد لإسقاط النظام، وفق تصريحات الأمين العام لحزب الأمة القومي «سارة نقدالله» التي خرجت لتوها من السجن بقرار رئاسي.

وأضافت أمام المؤتمر: «قوى المعارضة سياسية ومدنية توحدت إرادتها واتفقت لأول مرة حول موقف موحد تجاه قضية التغيير وإزالة النظام لصالح نظام جديد.. سنمضي في تنفيذ برامج الندوات والمذكرات والمسيرات والاعتصامات والتظاهرات وكل الأنشطة السلمية».

لكن المفارقة، أن تهديدات المعارضة بإسقاط النظام، جاءت بعد أقل من أسبوع واحد على إطلاق سراح أكثر من 80 من الناشطين السياسيين والطلاب، كدفعة أولى للإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين الذين احتجزوا على خلفية الاحتجاجات ضد الغلاء والسياسات الاقتصادية.

وقال مساعد الرئيس السوداني «عبدالرحمن الصادق المهدي»، إن إطلاق سراح السجناء كان بأمر من الرئيس، مؤكدا أن الإجراءات مستمرة لإطلاق جميع المعتقلين، دون أن يحدد عددهم، وأضاف: «سنعمل على إزالة الأسباب التي تؤدي إلى الاحتجاجات والاعتقالات».

البعد الدولي والضغوط الخارجية كانت حاضرة في قرار الإفراج، حيث جاء بعد 3 أيام من إبداء السفارة الأمريكية في الخرطوم قلقها لاحتجاز سياسيين وناشطين، كما سبق أن طالبت سفارات دول الاتحاد الأوروبي في الخرطوم، في بيان مشترك، السلطات السودانية بالإفراج عن الموقوفين.

وبين هذا وذاك، أدى «فيصل حسن إبراهيم»، نائب «البشير» في حزب المؤتمر الشعبي الحاكم، اليمين الدستورية، مساعدا للرئيس السوداني.

وكانت بداية القرارات الرئاسية الساخنة والمثيرة في 11 فبراير/ شباط الماضي، بتعيين الفريق «صلاح قوش» مديرا عامًّا لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وذلك بعد إعفائه من هذا المنصب عام 2009، قبل أن يعتقل ويسجن سبعة أشهر، بتهمة المشاركة في محاولة انقلابية ضد «البشير».

وقالت تقارير إعلامية إن «قوش» يتفرد بعلاقات وثيقة مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي أي» في مكافحة الإرهاب، رغم أن السودان على قائمة واشنطن التي تضم «الدول الراعية للإرهاب»، كما سلّم «قوش» كثيرا من قادة الحركات الإسلامية على مستوى العالم للولايات المتحدة.

حلول أمنية للاقتصاد

وتبدو الأزمة الاقتصادية في مقدمة ما يشغل السلطات السودانية، والتي ربما دفعت «البشير» إلى بعض قراراته سالفة الذكر، خاصة المتعلقة منها بالناحية الأمنية، رغم أن المنطق يشير إلى مسؤولية وزارات أخرى مختصة بالأزمة.

ورفعت الحكومة سعر الدولار الجمركي من 6.9 إلى 18 جنيها، لتنخفض قيمة العملة السودانية مقابل العملات الأخرى إلى أرقام غير مسبوقة، حيث تجاوز سعر الدولار الأمريكي حاجز الـ 40 جنيها للمرة الأولى، مطلع فبراير/ شباط المنصرم.

تعيين مدير جديد لجهاز المخابرات والأمن، جاء كحل ربما يسعى من خلاله «البشير» إلى إنهاء جزء ليس باليسير من الأزمة الاقتصادية، ولعل هذا تفسره تهديدات الرئيس وأعضاء حكومته «بالضرب بيد من حديد» على المتلاعبين بقوت الشعب والمتاجرين في السوق السوداء، فضلا عن التلويح باستخدام عقوبات أشد صرامة في مواجهة هؤلاء بتهم الإرهاب وغسيل الأموال، وتصل عقوباتها إلى الإعدام.

ولعل الحل الأمني لأزمة الاقتصاد، ينطلق من اعتقاد السلطات السودانية بأن ما تشهده الأسواق من ارتفاعات قياسية في أسعار السلع، مؤامرة مدبرة من المعارضة التي تسعى لتأليب الرأي العام ضد النظام بهدف إسقاطه.

هذا الحراك المعارض، فاقم معاناة السودانيين، وأشعل غضبهم في شوارع البلاد؛ الأمر الذي واجهه النظام بحل مشابه للحل الذي اعتمده في مواجهة الأزمة الاقتصادية المسببة لهذا الغضب.

«البشير» قال في أحد خطاباته في 8 فبراير/شباط الماضي: إن «الحكومة عازمة على قطع الطريق أمام المتربصين والمتاجرين ومروجي الأزمات بين الشعب السوداني»، في وقت تصاعدت الاتهامات الرسمية بشأن «سعي مخابرات دول إلى إثارة الفتن في البلاد»، وأن «المعارضة تريد استغلال الغلاء لإسقاط النظام».

ويبدو أن «البشير» يرى أهمية تصدير أجهزة الأمن في مواجهة الأزمة الاقتصادية، فعقب توليه منصب مدير عام جهاز الأمن والمخابرات، توعد «قوش» بملاحقة المضاربين في الأسواق ومهربي السلع المدعومة إلى الخارج، وقال إن البعض «يعبث بمقدرات البلاد ومقوماتها ونظامها الإداري، ويشوهون دولاب العمل المدني، ويسعون أيضا إلى إضعاف العملة الوطنية والنيل من سمعة الجهاز المصرفي».

وبينما لاقت هذه الخطة الأمنية الواسعة تأييدا من الحزب الحاكم والأحزاب المشاركة في الحكم، رأى آخرون أن هذا المنهج سيؤدي إلى مزيد من الفشل ويدللون على ذلك باستمرار ارتفاعات الأسعار دون ضوابط كافية لها حتى الآن.

محاولة انقلابية

وبحسب مراقبين، فإن كل ما سبق يؤكد بصورة أو بأخرى أن مسار الأمور في السودان كان  بمثابة محاولة انقلابية على «البشير»، لكن الرجل سعى لإبطالها من خلال التصعيد العسكري والحشد الإعلامي، وكذلك من خلال إقالة بعض الشخصيات التي شك في دعمها للتحركات الانقلابية.

ويرى متابعون أن الإمارات وأطرافا خليجية وعربية أخرى، هم من يقفون وراء محاولة الانقلاب على «البشير»، حيث إن تلك المحاولات لا تعد الأولى من نوعها، فقد سبق وأن أقدم «البشير» على إقالة مدير مكتبه «عثمان طه الحسيني»، وذلك منتصف العام الماضي، بعدما اكتشف مخططا يسعى إلى تنفيذه «عثمان طه»، يستهدف دعم محاولة انقلابية في قطر بتمويل إماراتي سعودي، ومن ثم محاولة انقلابية في السودان.

«البشير» أقدم في يونيو/حزيران الماضي، على إقالة «عثمان طه»، بعد أن اكتشف أن هذا الرجل، الذي كان الآمر الناهي في السودان، كان يتصرف دون علم أجهزة الدولة السودانية بما في ذلك الرئيس نفسه، وانكشفت صلاته السرية بكل من السعودية والإمارات، بعد أن عرض عليهما المساعدة في تنفيذ انقلاب عسكري سريع في قطر يُطيح بالنظام القائم هناك، وذلك دون علم «البشير»، ودون علم أي من أجهزة الدولة، طالبا من الرياض وأبوظبي ثمنا لذلك.

أما المفاجأة التي توصلت إليها أجهزة الأمن في السودان، فهو أن «عثمان طه» كان ضالعًا في مخططي انقلاب، وليس في مخطط واحد، الأول هو تنفيذ انقلاب في دولة قطر، وأما الثاني فهو في السودان، حيث كان يريد الحصول على الدعم السعودي الإماراتي من أجل الإطاحة بـ«البشير» في الخرطوم، وتولي حكم السودان من بعده.

الأمر ذاته يبدو أنه تكرر، لكن بصورة أخرى خلال الأيام الماضية، لكن مع شخوص مختلفة وبتفاصيل جديدة، حيث كشفت مصادر دبلوماسية سودانية النقاب عن امتلاك الخرطوم معلومات مخابراتية بتحركات مصرية مدعومة من بعض دول الخليج للإطاحة بـ«البشير» عبر انقلاب عسكري، إذ بات يشكل الأخير صداعا في ملفات ساخنة يأتي على رأسها ملف «سد النهضة» و«حلايب وشلاتين»، ما دعي الخارجية السودانية لسحب سفيرها لدى القاهرة «عبد المحمود عبد الحليم»، للتشاور في خطوة من تلك الخطوات.

تجدر الإشارة إلى أن محاولة الانقلاب على «البشير» رتبت بعد أن شكل التقارب التركي السوداني باتفاقية «سواكن» ازعاجا لمصر ولبعض دول الخليج، خصوصا وأن تركيا تقف في صف قطر في مواجهة الحصار الخليجي المفروض عليها، وتخشى مصر ودول خليجية من إقامة قاعدة عسكرية في الجزيرة السودانية، وهو مايعني  نفوذا لإسطنبول على البحر الأحمر.

مخطط الإطاحة بالبشير كان قد كشف عنه رئيس لجنة العلاقات التركية القطرية في البرلمان التركي «ياسين أقطاي» حيث قال في مقابلة مع صحيفة «الشرق» القطرية، نشرت في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن «الإمارات دعمت محاولة انقلاب ضد عمر البشير في السودان قبل أشهر، من أجل جر البلاد إلى حالة من الفوضى لا يعلم عاقبتها إلا الله».

تهدئة مع مصر

ويبدو أن الإعلان عن عودة السفير السوداني إلى مصر، الاثنين الماضي، جاء ليطوي مؤقتا واحدة من الصفحات القاتمة في العلاقات بين البلدين، في ظل التوتر الداخلي الذي يهدد أركان النظام السوداني.

وبالرغم أن النظام السوداني قد لا يكون مقتنعا بخطوة عودة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل سحب سفيره من القاهرة للتشاور منذ شهرين، لكنه يبدو مضطرا على وقع تصاعد حدة المشكلات الداخلية إلى ضرورة التهدئة مع مصر.

ما يدعم هذا التحليل أن النقاط الجوهرية التي قد تدفع الخلافات إلى الواجهة مرة أخرى لم تطرأ عليها تغييرات هيكلية، فأزمة مثلث حلايب وشلاتين وأبورماد على حالها وقابلة للانفجار في أي وقت، موقف السودان المحوري من ملف سد النهضة لم يتغير حتى الآن، وعلاقة الخرطوم بكل من قطر وتركيا لم يطرأ عليها جديد.

ويمكن القول أن «البشير» لم يعدل أو يغير من توجهاته إزاء قطر وتركيا، لكنه خفف من اندفاعات نظامه السلبية مع مصر، وصعد قيادات أمنية وعسكرية وحزبية وتنفيذية ليست على خصام مع القاهرة، إن لم تكن قريبة منها أو على استعداد للتعاون معها، لأنه لا يريد أن تظل الجبهة المصرية على حالها السابق من التوتر، والتهدئة المطلوبة خيار محوري في هذه اللحظة الحاسمة التي يعاني فيها النظام من سلسلة من الأزمات الداخلية المركبة، لا يستطيع تحمل تكاليفها الباهظة إذا خاص صراعا مزدوجا، في الداخل والخارج.

من جهة أخرى، يرى مراقبون أن «البشير» يحاول من خلال التغييرات الأخيرة قصقصة أجنحة مناوئيه من الإسلاميين، داخل المؤسسة العسكرية وفي حزب المؤتمر الوطني الحاكم، والاستعانة بآخرين، وهم محسوبون أيضا على التيار الإسلامي للتخلص من المناهضين لما يجري من استعدادات سياسية وقانونية لتهيئة المسرح أمام استمرار «البشير» لفترة رئاسية جديدة بعد عامين.

وبحسب متابعين، فإن «البشير» يحاول أن تكون خطواته أسرع بكثير من خطوات خصومه، وكما قام بتقليم أظافرهم من قبل على مدار سنوات حكمه، يحاول تكرار المسألة بقدر أعلى من الحرفية لأن المنتمين إلى الحركة الإسلامية في السودان بفروعها المختلفة استوعبوا دروس الماضي وبدأوا خطوة مواجهة «البشير» لذا فقد جاء «البشير»، بمن يعرفون خفاياهم وقام بتصعيدهم.

وفي كل الأحوال ستظل جدوى القرارات الأخيرة الذي اتخذها «البشير»، داخليا وخارجيا، موضع اختبار خلال الفترة الفترة المقبلة، في انتظار ما تخفيه الأيام القادمة للسودان.

  كلمات مفتاحية

العلاقات السودانية المصرية سد النهضة حلايب وشلاتين المخابرات السودانية أزمة اقتصادية بالسودان