السعودية وتركيا.. علاقات مضطربة ومستقبل غامض

الأربعاء 7 مارس 2018 10:03 ص

أعاد اعتراف الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) وما تبعه من جدل حاد عربيا وإسلاميا، العلاقات السعودية التركية إلى الواجهة مجددا، وكشف هشاشة الاتفاقيات والعلاقات بين الجانبين رغم المحاولات الكبيرة التي بذلت طوال الفترة الماضية لتجاوز الخلافات بين البلدين.

وعقب ذلك، شنت وسائل إعلام سعودية وأخرى ممولة بشكل غير مباشر من الرياض وأبوظبي هجوما إعلاميا واسعا على الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» على خلفية مواقفه الأخيرة من القدس وهو ما دفع الإعلام التركي إلى الرد بالمثل على هذه الهجمات.

وعلى الرغم من وقوف تركيا بشكل رسمي إلى جانب قطر في الأزمة الخليجية الأخيرة، إلا أن الرئاسة والحكومة التركية سعت بقوة من أجل إظهار وقوفهم «على مسافة واحدة من جميع أطراف الأزمة الخليجية، وعدم الدخول في خلافات سياسية قد تتطور لخلافات اقتصادية مع المملكة».

وما زاد توتر العلاقات بين البلدين، هو زيارة «أردوغان» الأخيرة إلى السودان والإعلان عن منح الخرطوم جزيرة «سواكن» لتركيا لإعادة إعمارها، وما تبع ذلك من أنباء عن احتمال إنشاء قاعدة عسكرية وميناء عسكري تركي في السودان، ما دفع الإعلام السعودي لاعتبار ذلك عملا عدائيا تركيا موجها ضد المملكة.

وعقب ذلك، حاولت تركيا تلافي أي تدهور قد تشهده علاقاتها مع المملكة فتتابعت زيارات المسؤولين الأتراك إلى الرياض، حيث زار رئيس الوزراء التركي «بن على يلدريم» الرياض في 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

وأكد «يلدريم»، خلال الزيارة على أن «تركيا والسعودية دولتان محوريتان بالنسبة لإحلال السلام والاستقرار في المنطقة على المدى الطويل»، مضيفا: «يمكنني القول بأن وجهات نظرنا متطابقة بنسبة 90% بشأن قضايا المنطقة وسبل حلها»، معتبراً أنه «لا توجد خلافات في وجهات النظر بين تركيا والسعودية، وأنه توجد تباينات بسيطة فيما يتعلق بكيفية حل القضايا».

وبعد ذلك بشهر، أجرى رئيس الشؤون الدينية التركي «علي أرباش» زيارة إلى المملكة استمرت ثلاثة أيام، التقى خلالها عددا من كبار المسؤولين السعوديين، وقال وزير الشؤون الإسلامية السعودي «صالح بن عبد العزيز آل الشيخ»، إن «المملكة وتركيا يد واحدة، وكل من يريد المساس بهذه العلاقة الجميلة فلن يجد ما يتمناه»، على حد تعبيره.

وخلال لقائه مفتي السعودية، أكد «أرباش» على أن شعبي تركيا والسعودية يعملان على خدمة الإسلام والمسلمين، ودعا إلى اليقظة لمحاولات زرع الفتنة بين البلدين، فيما قال «آل الشيخ» إن «العلاقات بين البلدين تزداد توطدا يوما بعد يوم».

وفي إطار تلك التصريحات الإيجابية من الجانبين، أعرب وزير الخارجية التركي، «مولود جاويش أوغلو»، بداية الشهر الماضي، عن ثقته بقدرة السعودية على إدارة وحل الأزمة الخليجية المستمرة منذ منتصف العام المنصرم، فيما نفت الخارجية السعودية، «جملة وتفصيلا» صحة تقارير إخبارية بشأن انزعاج المملكة من زيارة رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» الأخيرة إلى تركيا.

فيما أشارت مصادر إلى أن ولي عهد السعودية «محمد بن سلمان» ينوي زيارة أنقرة خلال الفترة المقبلة، وأن ترتيبات متواصلة لتحديد الموعد النهائي للزيارة وبرنامجها.

تصعيد جديد

ولكن سرعان ما جاءت خطوة لتشير إلى هشاشة تلك التصريحات الإيجابية بين الطرفين حيث أعلنت مجموعة قنوات «إم بي سي»، مطلع الشهر الجاري، أنها أوقفت بث المسلسلات التركية، بسبب سوء العلاقة بين السعودية وتركيا.

ولم تقدم المجموعة أي توضيحات بخصوص توقف بث المسلسلات التركية، مكتفية بإزالة كل الحلقات من موقع قنواتها الرسمية، وتعويضها بمسلسلات مصرية ولاتينية وآسيوية.

وما يدلل على ان هذه الخطوة تعكس توترا مكتوما، هو حقيقة أن هذه المسلسلات التركية، التي تبثها مجموعة «إم بي سي» حصريا على قنواتها، تجلب للمجموعة عددا قياسيا من الجماهير العربية، ما سيشكل ضربة قوية لنسب مشاهدتها عربيا.

وتلا هذه الخطوة، إعلان الإعلامية المصرية «لميس الحديدي»، المؤيدة للنظام المصري، خلال برنامجها اليومي على فضائية «سي بي سي» (خاصة)، أن «بن سلمان» قال إن «مثلث الشر» في المنطقة هم العثمانيون وإيران والجماعات الإرهابية.

وأضاف ولي العهد السعودي، حسب «الحديدي»، أن «تركيا تريد الخلافة، وفرض نظامها في المنطقة، وإيران تريد أن تُصدر الثورة والجماعات الإرهابية التي تحاصرها الدول العربية».

ولاحقا، نفت السعودية التصريح المنسوب إلى «بن سلمان»، وقال المتحدث الإعلامي باسم السفارة السعودية بتركيا، في بيان منشور على موقع السفارة الرسمي: «إشارة إلى التقارير الصحفية التي ذكرت أن سمو ولي العهد قد ذكر في لقاء له مع بعض الإعلاميين في القاهرة أن هناك قوى للشر في المنطقة، وكان من ضمنها ما نقله بعضهم بأن سموه قال إنها تركيا.. فإننا نوضح أن المقصود بكلام سمو ولي العهد هو ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمون والجماعات الراديكالية».

فيما سارع الجنرال السعودي المقرب من النظام «أنور عشقي» إلى ترميم آثار كشف الإعلامية المصرية عن موقف «بن سلمان» من تركيا، حيث قال «عشقي» في تغريدة له «ما من مسلم إلا ويعترف بفضل أردوغان، فقد أعاد إلى تركيا وجهها الإسلامي المشرق، لهذا نعتب على من نحب، ولا نرضى أن يلقي السفهاء قاذوراتهم من حديقتهم على منازلنا».

فيما حاول تبرير قرار وقف بث المسلسلات التركية على مجموعة قنوات «إم بي سي»، قائلا: «تركيا أجازت لعدة فضائيات أن تتطاول على السعودية، والمملكة لا تسمح لمن يتطاول على تركيا، فهل تختلف أخلاقنا عن أخلاقهم؟».

وتجدر الإشارة إلى تأثير أبوظبي على تشكيل العلاقة بين السعودية وتركيا، فتركيا ترى أن الإمارات تقف وراء الكثير من المؤامرات في المنطقة ومنها محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/تموز 2016.

وفي وقت سابق، اعتبرت صحيفة «يني شفق»، المقربة من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، أن الإمارات تحولت إلى «قرد» الولايات المتحدة و(إسرائيل) لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.

وقالت الصحيفة إن «الإمارات أصبحت رأس بلاء الشرق الأوسط؛ في ظل سعيها إلى زعزعة الأوضاع في قطر ومصر واليمن، إضافة إلى امتداد يد السوء الإماراتية إلى تونس».

ويبدو أن السعودية في مرحلة صعود «بن سلمان» للعرش لا تستطيع الفكاك من نفوذ ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد» في تشكيل علاقاتها الخارجية، لذا فمن المتوقع أن يظل مسار العلاقات السعودية التركية مضطربا.

وبحسب مراقبين، فإن تكرار التوتر السعودي التركي الذي يخرج إلى الواجهة بعد فترات التهدئة المتكررة، يشير إلى أن الخلاف أكبر من قدرة الجانبين على احتوائه، ولكن يظل السؤال الأهم عن مدى إمكانية صمود تلك العلاقة، خاصة مع التحديات والتحولات المصيرية التي تعصف بالمنطقة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات السعودية التركية مجموعة قنوات إم بي سي محمد بن سلمان أردوغان القدس