«ن. تايمز»: كيف أصبح «الأسد» أكبر مشاكل «بوتين» في سوريا؟

الجمعة 9 مارس 2018 09:03 ص

حينما كان يجلس مع رئيس النظام السوري «بشار الأسد» أواخر العام الماضي، وصف مبعوث كبير من الكرملين الفوائد وراء رعاية موسكو للوصول إلى تسوية سياسية بشأن الصراع السوري، خاصة في إعادة بناء وإعمار البلاد التي مزقتها الحرب.

لكن «الأسد» قاطع المسؤول الروسي، متسائلا لماذا يكون الحل السياسي ضروريا في الوقت الذي تقترب فيه الحكومة السورية من النصر، وفقا لدبلوماسي عربي بارز اطلع على الاجتماع.

وبعد عامين ونصف العام تقريبا من تدخله عسكريا لدعم «الأسد»، يجد الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» نفسه عالقا في سوريا، غير قادر تماما على إيجاد حل، رغم إعلانه «إنجاز المهمة» في 3 مناسبات على الأقل.

وفي حين كان تدخل «بوتين» العسكري عاملا في إقحام «الكرملين» كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط للمرة الأولى منذ عقود، فإن تخليص روسيا من سوريا أثبت أنه أكثر صعوبة بكثير مما كان متصورا.

وتكمن المشكلة في أن موسكو ربطت تحقيقها للأهداف بـ«الأسد»، مع مساحة محدودة للمناورة.

ولا يستطيع «بوتين» سحب قواته أو دفع أي تغيير سياسي حقيقي في سوريا دون المخاطرة بانهيار حكومة «الأسد»، الأمر الذي يعرض للخطر كل من الجهود المبذولة لتقليل النفوذ الأمريكي في المنطقة والمكانة الخاصة بـ«بوتين». 

ويدرك «الأسد» جيدا تلك الحقيقة، ويقاوم المحاولات الروسية للتوصل إلى حل وسط مع المعارضة السورية.

وفي هذا التوازن غير السار، تستمر الحرب مع نتائج غير معروفة بالنسبة لموسكو. وبوصفها أقوى ممثل خارجي، يتم اتهام روسيا على نحو متزايد بالمأساة التي يعيشها المدنيون السوريون.

ويوم الثلاثاء، أصدر محققو الأمم المتحدة تقريرا لربط سلاح الجو الروسي للمرة الأولى بجريمة حرب محتملة، عندما نفذت طائرة مقاتلة عسكرية سلسلة من الهجمات في نوفمبر/تشرين الثاني على بلدة «الأتارب» غرب حلب، مما أسفر عن مقتل 84 شخصا على الأقل، وإصابة أكثر من 150.

وفي جميع أنحاء سوريا، يتسبب المزيج المتقلب من القوات - بما في ذلك المرتزقة الروس الذين يسبب مصيرهم صداعا في الداخل - في المخاطرة بتضخم العنف وتعميق التدخل الروسي.

وفي الوقت نفسه، تتسبب المنافسة المتنامية مع إيران بشأن عقود إعادة الإعمار في خطر تآكل تحالفهما.

وكانت الخلافات مع دمشق واضحة تماما في اجتماع عقد في موسكو في أواخر فبراير/شباط.

وافتتح وزير الخارجية «سيرغي لافروف»، اجتماعا استغرق يومين في نادي «فالدي» للمناقشة، وربما كان المنتدى السياسي الدولي الأبرز في روسيا، بتقييم «وردي» للجهود التي تقودها روسيا لتوحيد الأطراف السورية المتصدعة في المفاوضات لإنهاء الحرب. وأبدت حكومة النظام السوري اهتماما.

وفي خطاب لها، حذفت «بثينة شعبان»، وهي مستشارة مقربة لـ«الأسد»، كل ما ذكر عن التسوية التي تم التفاوض عليها. وبدلا من ذلك، قالت مرارا وتكرارا إن دمشق ستعلن قريبا «نصرا نهائيا»، قالت إنه قد تأخر بسبب تقديم المساعدات الأمريكية والتركية إلى المعارضة.

وأعربت روسيا عن إحباطها بشكل علني، قائلة إن «جزءا من النخبة الحكومية السورية قد يكون لديها آمال أكبر في تحقيق نصر عسكري، لكن الأرباح ستكون أكبر من خلال المفاوضات في نهاية المطاف».

وفي موسكو، أشار خبراء في شؤون الشرق الأوسط ومحللون عسكريون إلى أن الانقسامات داخل الحكومة الروسية، خاصة داخل وزارة الدفاع، تسهم في توسع الفجوة بين روسيا وسوريا.

ويريد فصيل متشائم أن يحافظ على مكانة الجيش والخروج من سوريا، حيث يرى أن هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» المتشدد العام الماضي كانت بمثابة مخرج جيد أضاعته روسيا. لكن هناك فصيل آخر يرى مزايا لوجود روسيا الدائم في الجرح المفتوح في سوريا.

وعلى المستوى المهني، يتناوب الضباط كل 3 أشهر، ويكتسبون خبرة في ميدان المعركة، ويحصلون على ترقيات أسرع وأجور أعلى. كما وفر النزاع عرضا للأسلحة الروسية، التي تعد أهم صادرات البلاد بعد النفط.

احتواء الخلافات

كما تصارع روسيا لاحتواء الخلافات مع إيران وتركيا.

ومن الناحية الاستراتيجية، تتفق موسكو وطهران على أهمية الحفاظ على الحكومة السورية الحالية. وهما يحافظان على علاقة عسكرية تكافلية أيضا، مع امتلاك روسيا للأجواء، في حين تدير إيران نحو 60 ألف مقاتل يشكلون العمود الفقري لقوات النظام البرية.

ومع ذلك، تظهر الشقوق، حيث يقترب وقت إعادة الإعمار. ويلزم إعادة بناء قطاعات هامة للاقتصاد، لا سيما استغلال النفط والغاز والفوسفات ومحطات الطاقة، ومرفأ جديد، وشبكة ثالثة للهاتف المحمول.

وقال المحرر في «التقرير السوري» ومقره بيروت «جهاد يازجي»، إن إيران اعتقدت أنها احتكرت مشاريع مهمة بسلسلة من المذكرات الموقعة أوائل عام 2017. لكنها لم تتوصل إلى عقود مؤكدة.

وكان نائب رئيس الوزراء الروسي «ديميتري روغوزين»، قد أعلن أن روسيا فازت بالسيطرة الحصرية على قطاع النفط، الذي كانت الشركات الغربية تديره في السابق.

وتشير الشكاوى من كلا البلدين إلى أن الأمور لا تزال متقلبة.

ومشيرا إلى أن روسيا حصلت بالفعل على تنازلات سياسية وعسكرية واقتصادية، قال «رحيم صفوي»، أحد كبار مستشاري «علي خامنئي»، في إيران، مؤخرا إن سوريا قد تسدد التكاليف التي تكبدتها إيران من خلال التعاون في قطاعات النفط والغاز والفوسفات.

ومع ذلك، قال المبعوث الروسي، الذي حضر الاجتماع مع «الأسد»، إن الشعب الروسي يتوقع بعض المقابل لتضحياتهم، ووصف سوريا بأنها «دولة غنية بلا حدود».

وعلى الرغم من مطالبهما، فلا روسيا ولا إيران قادرة على تحمل تكاليف إعادة الإعمار، التي قدرتها سوريا بأكثر من 200 مليار دولار. وبدلا من ذلك، يبدو أن كلاهما يريد أن يكون بمثابة الوكيل لشركات خاصة أو دول أخرى.

ويعتمد معظم اللاعبين العرب والغربيين على أي استثمار في المصالحة السياسية. وتراقب الصين الوضع أيضا.

ويقول الخبراء إن روسيا تصر على أن الحوار السياسي لا يزال حيا، ويرجع ذلك جزئيا إلى حاجتها إلى تحريك الاتحاد الأوروبي والمانحين الآخرين. 

ويحاول الروس استخدام حملة علاقات عامة لجعل الأمر يبدو وكأنه عملية دستورية حقيقية، يقودها السكان الأصليون في سوريا، بينما هي في الأساس عملية مزيفة.

وفي نهاية المطاف، يقول المحللون إنه سيتعين على الكرملين التعامل مع واشنطن، التي تسيطر قوات التحالف التي تقودها على ثلث البلاد، بما في ذلك معظم ثروة النفط. ويعتقد العديد من الخبراء أن هناك شكلاً من أشكال الحوار الروسي الأمريكي الذي يتضمن باقي اللاعبين الخارجيين، وهو الأمل الوحيد لإنهاء الصراع.

وتتوقع روسيا في النهاية التوصل إلى اتفاق سلام مع واشنطن، من شأنه أن يعزز دور الكرملين في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، فإن الانتظار يحمل في طياته خطر انجرار روسيا إلى عمق أكبر في النزاع، من خلال عدة معارك متوترة. في الشمال بين تركيا وأعدائها الأكراد. وفي شرق سوريا بين قوات الحكومة السورية المدعومة من المرتزقة الروس والقوات المتحالفة مع الولايات المتحدة. وعلى طول حدود (إسرائيل) مع لبنان وسوريا بالقرب من مرتفعات الجولان، مثل موقع المواجهة الأخيرة بين إيران و(إسرائيل).

وقال خبير شؤون الشرق الأوسط في أكاديمية العلوم الروسية «بوريس دولغوف»: «ربما اعتقدت الحكومة الروسية أنه عندما دمرت تنظيم الدولة انتهت الحرب، وأنها ستنهي العنف وتوفر الوسائل لحل سياسي. لكن الواقع ليس هكذا».

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

الصراع السوري روسيا إيران بشار الأسد