استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

شبح إحياء «الحراك الشعبي» أردنيا

الأحد 11 مارس 2018 03:03 ص

منذ ما يزيد على الشهر، يواصل نشطاء حراكيون، من مدينة السلط الأردنية، اعتصامات مسائية، احتجاجاً على رفع الأسعار والمعاناة الاقتصادية نتيجة السياسات الحالية. إلاّ أنّ الشعارات عادت إلى سقوف عادية، بعدما ارتفعت، في مرّات سابقة، لتصل إلى الملك وعائلته، قبل أن يتدخل الوجهاء، وتجري اعتقالات بحق عدد من المشاركين، ثم إعادة ضبط الخطاب الحراكي في هذه الفعاليات.

وعلى الرغم من محدودية الحراك الشعبي، واقتصاره على عشرات الناشطين في السلط والكرك، وبعض الفعاليات الخجولة للأحزاب التقليدية، وعلى الرغم من تقليل المسؤولين والسياسيين من أهمية ما يحدث وتواضعه؛ فذلك لا ينفي أنّ هنالك مخاوف حقيقية، غير معلنة، لدى مسؤولين من شبح الحراك الشعبي، والعودة إلى مناخات 2011-2012، عندما انتشرت الحراكات الشعبية في محافظات عديدة، وامتزجت المطالب الاقتصادية بالاجتماعية بموضوع الإصلاح السياسي.

لماذا يبدو هاجس تجدد الحراك الشعبي ممكناً، بل محتملاً، في ظني، بدرجة كبيرة؟ وما الذي يجعل المسؤولين قلقين جداً منه اليوم؟ ثمة أسباب متعدّدة، في مقدمتها الأزمتان المالية والاقتصادية، وهما متداخلتان، فالمديونية والعجز يسيطران على تفكير الدولة، وينسجان القرارات المالية المتتالية، بناءً على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، مثل القرارات التي ألغت، أخيرا، الإعفاءات الضريبية، وأزالت الدعم عن سلع عديدة، منها الخبز.

وفي الوقت نفسه، مثل هذه الضرائب والرسوم وضعف السيولة ومحدودية الاستثمارات ينعكسان على الأوضاع الاقتصادية، خصوصا معدلات البطالة المرتفعة لدى جيل الشباب، والأسعار والركود العملي للسوق المحلي.

بالنتيجة، من المنطقي أن تكون لهذه الظروف المالية والاقتصادية ارتدادات سياسية ومجتمعية، وتدفع شرائح اجتماعية غير قادرة على التكيّف معها إلى التعبير عن التذمر والانزعاج ولوم السياسات الرسمية، ما قد ينعكس على رفد الحراك بفاعلين جدد.

يتضافر هذا وذاك مع السبب الثاني المهم، وهو الأزمة السياسية، فلم تؤثر ولم تغير سلسلة الإصلاحات التشريعية والسياسية التي قامت بها الدولة (منذ أحداث الربيع العربي في العام 2011، وشملت تعديلات دستورية، وانتخابات، وتغيير قانون الانتخاب) في تغيير المزاج الاجتماعي، أو رأب فجوة الثقة المتنامية بين الحكومات والشارع.

وتشير أغلب استطلاعات الرأي إلى تراجع غير مسبوق في الثقة بين مؤسسات الدولة والشارع، ما يعني أنّ هنالك تزاوجاً كبيراً بين الأزمتين، السياسية والاقتصادية.

في المقابل، هناك حالة إنكار وتجاهل من المسؤولين والسياسيين لأهمية الأزمة السياسية، مع التركيز على الأزمة المالية، وكأنّ العمل المطلوب مالي مرتبط بسياسات مالية، أو حتى اقتصادية.

ومن هنا وُلد أردنياً، في الأعوام الأخيرة، مفهوم "الحكومة التكنوقراطية"، التي تتجاهل مفهوم الولاية العامة والدور المطلوب للحكومات في إدارة الشأن السياسي، ما ولّد حالة من الفراغ السياسي، وعزّز الفجوة المذكورة بين مؤسسات الدولة والشارع.

ربما حالة التجاهل لأهمية السياسة نابعة من أكثر من عامل، الأول وجود نخبة اقتصادية وفنية في مواقع القرار، تؤمن بمعادلة أنّ الأولويات اقتصادية، والتحسن في هذا الجانب سينعكس على الأوضاع السياسية.

وهذا قد يكون صحيحاً جزئياً، لكن في المقابل، فإنّ سؤال المليون هو فيما لو لم تنجح السياسات الاقتصادية والمالية في تحسين الأوضاع، ولم يلمس الناس ذلك، ما هو البديل غير دوامة من الأزمات السياسية الداخلية ومزيد من الأخطاء والإخفاق.

ينضاف إلى ما سبق عجز المسؤولين عن مواجهة الشارع، والخشية من حمل أعباء السياسات الاقتصادية، فيفضّل الوزراء تحميل ذلك للأمن ولمؤسسات الدولة الأخرى، على قاعدة "سلّم تسلم"، وهو منطق خطير، فضلاً أنّه جبان، ويعكس تجريفاً للدستور الذي يجعل من الحكومات متكافلة بالتضامن أمام البرلمان، فإنّه سيؤدي إلى إزالة الحكومة باعتبارها حلقة وسيطة بين الملك والشارع، وهو ما حدث.
الأزمة الراهنة في الأردن أكثر تعقيداً وخطورة مما يعتقد بعضهم، فهي ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، وتتجاوز ردود الفعل على سياسات وقرارات مالية إلى مشكلة فشل عقلية الدولة وسياساتها في فهم المرحلة الجديدة، والاعتماد على مرحلة "ما قبل الربيع العربي" في إدارة الأمور، بينما شروط "العقد الاجتماعي" تغيرت من جذورها، وتحديداً في مفهوم علاقة الدولة بالمواطنين، والتوقعات المتبادلة بين الطرفين، وفي تعريف الآفاق المستقبلية.
* د. محمد أبورمان باحث بمركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية

  كلمات مفتاحية

الأردن العقد الاجتماعي الشباب الأردني ارتفاع الأسعار الإصلاح السياسي الأزمة السياسية الأزمة المالية