استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

وضع بائس يحتاج إلى إيديولوجيات جديدة

الخميس 28 مايو 2015 04:05 ص

في خضمّ الفوضى والضياع والقلق الذي يجتاح كل مجتمعات العرب تنمو مجاميع من القراء التي تعترض على إدماج أي فكر أو أية مبادىء إيديولوجية في الكتابات السياسية حول الأوضاع العربية الراهنة.

المطلوب هو الكتابة عن الأحداث، ثم ذكر مايوافق الكاتب أو يعترض عليه، من دون أن يستند التوافق أو الاعتراض إلى مرجعية فكرية تعبّر عن إيديولوجية متماسكة وشاملة يؤمن بها الكاتب.

بالنسبة إلى هذا النوع من القراء، كلّ شيء نسبي ومؤقّت عابر، وبالتالي لا ارتباط له بالتاريخ، أو الجغرافيا، أو الهوية، أو المبادئ والقيم الضرورية لضبط العملية والسيرورة السياسية العربية.

وبالتالي فإن المناداة بأن تحكم الحياة السياسية العربية وتصرفات الأنظمة المبادئ السياسية والثقافية الجامعة والموحّدة، والطموحات القومية المستقبلية، والعوامل التضامنية المقوّية لمناعة الأمة ضدّ الأخطار الخارجية،  إن تلك المناداة بالنسبة إلى أولئك القراء هي نوع من التنظير الذي لايرتبط بالواقع العملي، ونوع من هلوسة المجانين ومن أحلام اليقظة التي يتّصف بها المراهقون في السياسة.

ولكن هل حقاً أن مايجري في كلّ أرض العرب من حرائق ودمار وتوجّه محموم نحو الخروج من الحضارة العصرية التي تعيشها الإنسانية، لايحتاج إلى إيديولوجية جديدة عقلانية متماسكة تنطلق من نقد موضوعي لحال الأمة، ثم تضع للأمة أهدافاً تتوجه نحوها، وتقترح وسائل ومنهجيات لتحقيق تلك الأهداف؟ نحن هنا نتحدّث عن إيديولوجية لا تتخلّى عن الكثير من الأسس التي قامت عليها الإيديولوجيات السابقة، ولكنها تنقدها وتنقّحها وتضيف إليها مكونات جديدة تأخذ في الاعتبار المستجدات التي طرأت على الحياة العربية والساحة العالمية في السنين الأخيرة.

وكجزء من التعلّم من دروس الماضي وتجنّب بعض الأخطاء التي وقعت فيها الإيديولوجيات السابقة، سواء كانت قومية أو ليبرالية أو يسارية، ماركسية أو إسلامية سياسية، فإنها لن تطرح نفسها كإيديولوجيا تمثّل الحقيقة الوحيدة المطلقة، ويتبناها حزب قائد طليعي يقود ويعلو فوق الأحزاب الأخرى، وإنّما كواحدة من بين إيديولوجيات أخرى متعدّدة تطرح جميعها نفسها كإيديولوجيات متنافسة بشفافية، وذلك كأفكار وبرامج سياسية – اجتماعية لا تكتمل أية حياة ديمقراطية من دونها.

وهي لن تقبل أن تكون إيديولوجية دولة مستبدة أو فاشستية، ترغم المجتمع على تبنّيها بالسوط وبالابتزاز، إنها بذلك تتجنّب أن تكون إيديولوجيا منغلقة على نفسها، متزمتة ورافضة للمراجعة المستمرة والتغيّر المستجيب للحاجات المستجّدة في حياة الشعوب والمجتمعات العربية.

ثمّ، لننظر إلى الواقع البحت:

هل يمكن تجاهل مشاعر الانتماء للهوية العروبية في قلوب وعقول الملايين من العرب، التي ترعرعت وتراكمت عبر القرون، وتجاهل الواقع العالمي الذي لاسبيل لاتّقاء الشرّ فيه إلا بقيام التكتلات الكبيرة المتضامنة، وتجاهل عشرات العوامل الثقافية المشتركة، في التاريخ وفي الحاضر بين شعوب هذه الأمة، وبالتالي هل يمكن تجاهل التأثير الكبير لما يحدث في أي قطر عربي في بقية أقطار الوطن الكبير؟ إن الجواب العقلاني القاطع هو: كلّا.

إذاً، فإننا لا ننظر ولا نمارس الأحلام الساذجة عندما نربط بين ما يجري في سوريا، أو العراق، أو السودان، أو اليمن، أو هذا القطر العربي أو ذاك، وبين مصير ومستقبل الوطن العربي كلّه.

إننا في هذه الحالة نمارس النظرة الواقعية الشاملة، لا النظرة المجزأة المعزولة.

نظرة كهذه للأمور تستدعي مرجعية إيديولوجية تقوم على الإيمان بضرورة توحيد هذه الأمة، حتى لو اختلفنا حول نوعها وتوقيتها ومراحلها وأساليب تنفيذها.

ومن أجل أن تكون تلك الوحدة بين شعوب، لا بين حكام أو أنظمة سياسية، لا بد من أن تحتوي تلك المرجعية الإيديولوجية على الإيمان بالديمقراطية التي وحدها ستمكّن الشعوب من قول كلمتها بحرّية ومسؤولية.

والشعوب لايمكن أن تكون حرّةً، وحاملةً للمسؤولية من دون العيش تحت نظام اقتصادي – اجتماعي قائم على العدالة الاجتماعية التي لن تتواجد إلا بتبنّي الكثير مما تنادي به الاشتراكية الديمقراطية، وأنظمة التزام الدولة بالرعاية الاجتماعية الإنسانية العادلة.

وكذلك، لايمكن للشعوب أن تكون حرةً ومسؤولةً من دون أن تكون مبادىء حقوق الإنسان المقرّة دولياً، بما فيها على الأخص حقوق المرأة، جزءاً من تلك المرجعية الإيديولوجية.

والواقع أن مسيرة الأنظمة الديمقراطية حيثما وجدت تؤكّد أن النظام الديمقراطي الذي لايستند إلى مرجعية إيديولوجية عقلانية إنسانية، تتعامل مع واقع مجتمع ذلك النظام وتطلعاته المشروعة، وتعترف بحق الإيديولوجيات الأخرى بالتواجد معها، ذلك النظام سينقلب إلى نظام تنافس وصراع على السلطة والثروة بين أشخاص مغامرين انتهازيين وديماغوجيين يعيشون على الإثارة والكذب.

الأوضاع العربية البائسة تحتاج إلى أبعد، الحدود إلى إيديولوجيات جديدة تأخذ أفضل ما في الماضي وتضيف إليه أفضل مايعالج المستجدات. ومن دون ذلك سنبقى في الضّياع والتخبّط.

* د. علي محمد فخرو مفكر بحريني ووزير سابق. 

  كلمات مفتاحية

وضع عربي إيديولوجيات جديدة حقوق الإنسان المرأة