المصارف العربية والامتثال

الخميس 11 يونيو 2015 09:06 ص

شهدت الأعوام الماضية كثيراً من التحولات في البيئة المصرفية العالمية، خصوصاً في مجال الامتثال لأفضل الممارسات المهنية أو للعقوبات العالمية المفروضة على بعض الدول والكيانات. فالعام الماضي غرمت الولايات المتحدة مصرف «بي إن بي باريبا» الفرنسي 8.9 مليار دولار نتيجة مخالفته الحظر الأميركي المفروض على كوبا وإيران والسودان، وذلك بعد أشهر شاقة من المفاوضات بين الطرفين.

ووافق «دويتشه بنك» الألماني على دفع غرامة مقدارها 2.17 مليار دولار إلى السلطات الأميركية، مقابل وقف الملاحقة الجنائية حول التلاعب بأسعار الفائدة بين المصارف بينها معدلات «ليبور». وقبل أيام فرضت الولايات المتحدة غرامة بلغت 5.7 مليار دولار على خمسة من أكبر مصارف العالم، لكشفها تلاعباً في أسواق صرف العملات الأجنبية. وكان النصيب الأكبر لمصرف «باركليز» سيدفع 2.4 مليار دولار، إضافة إلى فصله ثمانية من موظفيه، كما فرِضت غرامة على مصرفي «جي بي مورغان» بمبلغ 550 مليون دولار، و «سيتي غروب» بنحو 925 مليون دولار.

وأثارت هذه العقوبات مخاوف لدى جميع مصارف العالم من التعامل مع مصارف متورطة في خرق هذه العقوبات مما يعرضها للعقوبات هي الأخرى بسبب ضعف إجراءات التحقق والامتثال لديها. ومن ثم قطعت مصارف كثيرة علاقات المراسلة مع المصارف الصغيرة أو المتوسطة الحجم أو التي تعمل في مناطق خطرة خشية تورطها، حتى من دون عملها، في علاقات عمل مع كيانات محظورة.

وما حدث لـ«بي إم آي أو» وهو مصرف صغير نسبياً، خير مثل على ذلك، إذ سيطر المصرف المركزي في سيشيل على المصرف بعدما قطعت كل المصارف العالمية علاقات المراسلة معه بسبب التكاليف والأخطار المتصاعدة المرتبطة بهذه العلاقات.

وأجبِر مصرف «بي إم آي أو» على السيطرة عليه من المصرف المركزي بعدما خرج المصرف الوحيد المراسل له وهو «مصرف الصين» بالخروج من العلاقة معه في تشرين الأول (أكتوبر) 2014 ولم يعد يسهل عمليات تحويلات الزبائن من العملات الأجنبية وهو النشاط الرئيسي لمصرف «بي إم آي أو»، وعندما لم يتمكن المصرف من العثور على بديل، اضطر المصرف المركزي للسيطرة عليه في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، فمن دون مصرف مراسل، لم يعد المصرف قادراً على قبول ودائع من زبائنه من المصارف الأجنبية، أو تقديم أية مدفوعات إلى الزبائن.

وأعلِن عن إغلاق 17 مصرفاً عالمياً الآلافَ من حسابات المصارف المراسلة، والتي تعتبر عالية الأخطار لأن المصارف رأت أن الصعوبات والتكاليف المرتبطة بتدقيق حسابات المراسلة تفوق بكثير الأرباح الصغيرة التي يمكن أن تتولد منها.

إن ما ذكرناه من أمثلة على تكاليف الامتثال وأخطاره هي من أوضح الأمثلة على تأثير المصارف العالمية في المؤسسات المالية الصغيرة لأنها قامت بقطع علاقات المراسلة المصرفية معها. إن لوائح مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب الصارمة وتكاليف الامتثال المرتبطة بها، هي الأسباب الرئيسية لتقليص شبكات المصارف المراسلة التي تهدد بقاء المصارف الصغيرة، أو حتى الأكبر منها الموجودة في البلدان والمناطق التي تعتبر عالية الأخطار في نظر المصارف العالمية.

من هنا، تغير مشهد العقوبات عالميا ويجرى حالياً الإعلان عن العقوبات بصورة أكثر تعقيداً وعلى أساس منتظم، بالتالي حصلت زيادة كبيرة في أخطار العقوبات. ونتيجة لذلك بات معظم المصارف المراسلة يسأل أسئلة تفصيلية عن إطار إدارة أخطار العقوبات الموجود لدى المصارف العربية، خصوصاً في أعقاب الغرامات الضخمة التي فرضت على المصارف العالمية الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة، إذ بات اهتمام الأجهزة الرقابية يتحول الآن إلى المصارف من العالم العربي.

وباتت المصارف العربية تواجه تحديات متزايدة على أكثر من صعيد وهي مطالبة بالإسراع في وضع إطار لإدارة أخطار العقوبات يتضمن اعتماد سياسة مكتوبة ومعتمدة للعقوبات وتطوير عمليات وإجراءات مكتوبة لتسهيل التنفيذ السليم لهذه السياسة. كذلك، فهي مطالبة بوضع نظام دقيق للفحص وتنفيذه وذلك من أجل عمل فحص للزبائن والتعاملات وتوفير التدريب الشامل على كل المسائل المتعلقة بالعقوبات سواء لموظفي الامتثال أو موظفي مكاتب الدعم والمكاتب الأمامية وتأسيس وظيفة مستقلة للامتثال مدعمة بكفاءات بشرية وموارد فنية ومالية ملائمة وغيرها من الخطوات الضرورية.

 

  كلمات مفتاحية

المصارف العربية البنوك العقوبات المالية دويتشه بنك

الإمارات توقع رسميا على اتفاقية الامتثال الضريبي الأمريكي «فاتكا»

الفائدة السالبة متعذرة نظرياً ومطبقة فعلياً

دور الأجهزة النقدية والمالية العربية في امتثال المصارف للمعايير الدولية

السعودية الأولى عربياً في لائحة المصارف الأكثر سلامة في العالم