هبوط أسعار النفط: أسباب ونتائج

السبت 2 يناير 2016 08:01 ص

إن الانخفاض الدراماتيكي لأسعار النفط في الفترة الأخيرة، وللوهلة اﻷولى، يبدو بلا أفق. فقد لامست مستوياته حدود الأسعار التي شهدتها أزمة العام 2009. ما أسباب هذا الهبوط، وما هي تداعياته على المستوى العالمي؟

منذ حزيران 2014 والأسعار تهبط بشكل عمودي، حتى خسر برميل النفط حوالي 67,7 في المئة‏ من قيمته السوقية الى اليوم. هذا الانخفاض له تداعياته على المدى الطويل حتى لو عادت الأسعار الى الارتفاع التدريجي في المدى المنظور. عوامل عدة رئيسية ساهمت ولا تزال في دعم هذه الظاهرة سنتناول أبرزها.

في الأسـباب

تباطؤ الطلب العالمي على النفط: إن تباطؤ نمو الصين الى ما دون 7 في المئة غذّى المخاوف بشأن انتعاش النشاط الصناعي في البلاد، الذي ظهر في أدنى مستوى له في 6 سنوات. فقد برزت مؤشرات جدية وهيكلية على ركود قطاعات صناعية مهمة في الصين، الأمر الذي يؤدي الى ضعف الاستهلاك، وبالتالي إلى ضعف الطلب على النفط بمعدل يقدّر بمليون برميل يومياً، وهي نسبة تعادل ثلثي الزيادة المتوقعة للطلب العالمي على النفط للعام 2015.

فائض في المعروض من النفط: من بين العوامل الرئيسية التي تفسّر هذا التراجع في الأسعار هو الإفراط في الإنتاج الذى خلق فائضاً مردّه الى أسباب عدة، ومنها: رفض منظمة «أوبك» خفض إنتاجها النفطي بهدف دعم الأسعار (30 مليون برميل يومياً) خشية خسارة حصتها السوقية، علماً أن كل المؤشرات تدلّ على تراجع الطلب العالمي خلال الفترة السابقة، والمتوقع أن يستمر الى نهاية العام 2016.

تظهر البيانات المتوفرة حاجة السوق العالمي من نفط "أوبك"، وهو اقل بنسبة كبيرة من معروضها. إن قرار "أوبك" بالحفاظ على المعروض بمستوياته الحالية، يساهم بإدخال فائض على السوق بمعدل يتراوح بين ٧٠٠ و١٥٠٠ الف برميل يومياً، وهذا كفيل لوحده بشد الأسعار الى أسفل.

تضخم الإنتاج العالمي من النفط الصخري الأميركي: في العام 2015، ارتفع إنتاج النفط الصخري اﻷميركي الى أعلى مستوياته خلال الـ20 عاماً الأخيرة، فقد وصل اﻹنتاج الى 9,5 مليون برميل يومياً أي زيادة بنسبة 15 في المئة مقارنة بمستوى العام 2014. هذه الزيادة قابلها انخفاض نسبة اعتماد الاقتصاد الاميركي، والذي يعتبر المستهلك الرئيسي والمحرك للطلب العالمي، على النفط الخارجي. وهذا ما ترجمته الإحصاءات الصادرة مؤخراً عن EIA، والتي تشير الى تراجع حصة استيراد الولايات المتحدة من النفط الى 22 في المئة‏ في العام 2015 مقارنة بـ60 في المئة للعام 2005. وهذا بدوره يعتبر عاملاً إضافياً ضاغطاً على الأسعار.

العودة المتوقعة للنفط الإيراني الى الأسواق العالمية: بموجب الاتفاق النووي الأخير، يتمّ رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران. وهذا من شأنه أن يؤدي الى فتح الأسواق أمام النفط الإيراني التي من المتوقع من خلاله أن يتم إغراق الأسواق بكمية إضافية من المعروض بنسبة مليون برميل إضافية يومياً، وما له من آثار سلبية التي قد تؤدي إلى هبوط الأسعار بنسبة 10 دولارات (تقرير البنك الدولي، أيلول 2015).

قوة الدولار: إن تسعير النفط بعملة واحدة ألا وهي الدولار، أدخل عاملاً مهماً ومؤثراً على علاقة المتغيّرين. فقد أثبتت الدراسات أن هناك علاقة سببية عكسية بين الدولار والنفط: إذا ارتفع الدولار ينخفض النفط تلقائياً. بحسب الدراسات، فإن ارتفاع الدولار بنسبة 1 في المئة‏ يقابله انخفاض في أسعار النفط بنسبة 1,3 في المئة‏. لذلك، نلاحظ أن شهر حزيران كان نقطة انعطاف لكل من المتغيّرَيْن. فالدولار بدأ بالصعود وأسعار النفط بالهبوط، هذا ما يفسر قوة التضادّ بينهما. ونلاحظ أيضاً أن قيمة الدولار ارتفعت بنسبة 22 في المئة فيما أسعار النفط فقدت 67,7 في المئة من قيمتها السوقية. من هنا نستنتج أن هبوط أسعار النفط بهذه الحدّة سببه، إضافة لفائض العرض، ارتفاع قيمة الدولار.

في النتائج

في موازاة ذلك، فإن انخفاض أسعار النفط له تأثيرات على العالم أجمع، إيجابية كانت أم سلبية.

تأثيرات إيجابية محدودة: إن انخفاض الأسعار الى هذا المستوى يُفترض أن يكون من مصلحة الدول المستوردة للنفط وخاصة دول OECD التى تملك معدلات تضخم مقبولة نسبياً، حيث لذلك آثار إيجابية على انخفاض أسعار الصادرات وزيادة القدرة التنافسية. لكن انخفاض قيم العملات (اليورو واليوان..)، وانعدام معدلات التضخم قلّل من الفوائد المُحتملة على المدى القصير على هؤلاء الدول.

فاليورو خسر 12 في المئة‏ من قيمته مقابل الدولار وربح 7 في المئة‏ من انخفاض أسعار النفط مقارنة بالدولار. وبالتالي فإن الفائدة المرتجاة جراء تراجع الأسعار باتت محدودة. كذلك الحال بالنسبة لليابان، التي لم تستفد بدورها من هبوط الأسعار نتيجة الأزمة الهيكلية في اقتصادها، بحيث أظهر مؤشر نموّها الصناعي تراجعاً بلغ قدره 15 في المئة خلال 2015.

مَن المستفيد الفعلي إذاً؟ الأفراد هم المستفيد الأكبر من الحصول على المشتقات النفطية بأسعار منخفضة، شأنهم شأن الأسر الأميركية التي استطاعت النهوض من عبء ديونها المالية جراء الأزمة الأخيرة. كذلك هي الحال بالنسبة لبريطانيا التي تمتلك معدل تضخّم طبيعي، إذ إنها تستفيد من هذا الهامش. أما بالنسبة لباقي الدول فالتأثير بسيط ومحدود. بل على العكس، فإن انخفاض أسعار النفط له آثار سلبية وخطيرة على الصعيد العالمي.

إن الدول كافة، سواء المصدّرة أم المستوردة للنفط، تتأثر بهذا الانخفاض. على صعيد الدول المستوردة للنفط، يتمثل الخطر الداهم بمعدلات التضخم المستهدفة. فمنطقة «اليورو»، مثلاً، تقاتل منذ فترة طويلة لاستهداف تضخم في حدود 2 في المئة، ولذلك تستخدم الوسائل كافة للوصول الى هذا الهدف.

لكن الدراسات أثبتت أن هبوط أسعار النفط بنسة 10 في المئة‏ يؤثر على التضخم بنسة ٤ نقاط. الأمر الذي يؤدي الى تهديد جدي لسياسات تلك الدول التي تصارع من أجل تحقيق معدلات نمو اقتصادية وعدم الانزلاق في الانكماش.

أما في ما يتعلق بالدول المصدرة للنفط، فالمملكة العربية السعودية، تسعى جاهدة إلى خفض الإنفاق الحكومي، فهي تلجأ آنياً الى إصدار السندات والاستدانة لسد فجوة العجز في الميزانية التي سببه انخفاض الأسعار. فالمملكة التي تعتمد في 90 في المئة من مداخيلها على النفط، ستجد نفسها للمرة الأولى في عجز يتخطى 20 في المئة من الدخل العام، بحسب تقرير صندوق النقد الدولي. فإذا كانت بعض الدول كالسعودية والكويت تستطيع الصمود لفترة طويلة، ماذا عن باقي الدول المنتجة والأعضاء في «أوبك»؟ فالجزائر وفنزويلا، مثلاً، اللتان تعتمدان بنسبة 70 في المئة‏ و96 في المئة‏ من مداخيلهما على النفط، في وضع حرج للغاية لعدم امتلاكهما السيولة الكافية لسد احتياجاتهما على المدى الطويل. هذا بإلإضافة الى خسارة فنزويلا لتصنيفها الائتماني نتيجة الأزمة، وهي التي تعاني في الأصل من صعوبة التمويل من أسواق المال، ما يجعلها عرضة للإفلاس. أما روسيا المثقلة بالعقوبات الاقتصادية، فمن شأن هبوط أسعار النفط أن يدخلها في انكماش قد يطول لستة أعوام. بينما ستواجه ايران صعوبات جمّة في محاولتها تحسين وضعها الاقتصادي في ظل أسعار متدنية كهذه.

ماذا عن القطاع النفطي الخاص؟ عند هذا المستوى من الأسعار، لا يُعَدّ الاستثمار في قطاع النفط جذاباً نظراً لضعف الربحية. فبعض الشركات خفّضت استثماراتها وبدأت بإعادة هيكلة لضمان توزيع أرباح على مستثمريها.

هذا بالإضافة الى أن الهبوط الحاد في أسهم الشركات، دفع كثيراً من المستثمرين، خاصة صناديق التحوّط والتقاعد، الى هجرة القطاع والبحث عن بدائل استثمارية أكثر أمناً، ما عرّض هذه الشركات الى خطر السيولة النقدية. كما تمثل الخطة المتعلقة بمكافحة الاحتباس الحراري والتي تعتبر شركات النفط أول المعنين بها، عامل ضغط إضافي على الشركات النفطية.

خـلاصـة

إن انخفاض سعر النفط الى مستوياته الحالية، من دون شك يؤثر بشكل سلبي على كثير من الأطراف. ومع ذلك، لا يبدو أن السعودية مستعدّة لخفض إنتاجها. بل هي مستعدة أكثر من أي وقت مضى للذهاب في حرب تنافسية مع منتجي النفط الصخري الأميركي للحفاظ على حصتها السوقية من جهة، وللاحتفاظ بمركزها القيادي في منظمة «أوبك» مقابل الصعود الإيراني المحتمل على الساحة العالمية من جهة أخرى.

بناءً على ما تقدم، يتوقع أن تبقى أسعار النفط عند هوامشها الحالية لغاية أواخر العام 2016 وبداية العام 2017. في هذه الفترة، يلتقي عامل ارتفاع النمو العالمي مع زيادة الطلب على النفط (تقرير EIA و OPEC). كذلك الحال بانتهاء مفاعيل التيسير الكمي QE الأوروبي التي من خلاله يتوقع أن تتحسّن قيمة العملة الأوروبية مقابل الدولار. هذان العاملان يشكلان منعطفاً حقيقياً ومهماً يمكّن أسعار النفط من سلوك صعود متّزن يلامس حدود 65 دولاراً للبرميل.

  كلمات مفتاحية

انخفاض أسعار النفط أوبك السعودية النفط الصخري إيران منطقة اليورو الصين تخمة المعروض