الورقة الفلسطينية.. هل تخسرها مصر؟

الاثنين 17 أكتوبر 2022 09:00 ص

قديما كانت القاهرة هي العاصمة الشرق أوسطية الوحيدة التي تعرف الملف الفلسطيني بكل تفاصيله جيدا، إلا أنه خلال السنوات الماضية ظهرت الدوحة وأنقرة وعمان والجزائر، في أدوار محورية بالقضية الأولى في المنطقة؛ ما دفع مصر إلى التراجع خطوة وأحيانا خطوتين.

ففي مايو/أيار الماضي، كان لقطر دور محوري في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وفصائل المقاومة، قبل أن يتبعها لقاءات هامة لممثلي السلطة والفصائل في تركيا، وتحركات أردنية واسعة للتصدي للانتهاكات في القدس، وأخيرا نجحت الجزائر في لم شمل الفرقاء الفلسطينيين بوثيقة تأمل في أن تساهم بإنهاء انقسام دام لسنوات.

بيد أن دور مصر خلال هذه الأحداث، تجمد وسط توتر لعلاقات مع إسرائيل، بعد موجة تطبيعية لدول عربية، سحبت البساط بشكل أو بآخر من القاهرة، على الرغم من رغبة تل أبيب في إعادة مصر للصورة من جديد.

ففي العقود القليلة الماضية، لعبت الحكومة المصرية دائمًا دور الوسيط في النزاعات بين الفلسطينيين وإسرائيل؛ القضية التي جعلت مصر تعتبر ركيزة في استراتيجية الشرق الأوسط للولايات المتحدة بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979.

هذا ساعد على توفير نفوذ كبير لرجال الدولة المصريين في واشنطن والعواصم الأوروبية؛ حيث تم التعاون العسكري والمالي بين واشنطن والقاهرة على أساس دور مصر في الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل.

لكن اتفاقيات التطبيع لعام 2019، والتي قادتها الإمارات، عززت الاعتقاد بين قادة القاهرة بأن مركز القوة في العالم العربي قد تحول إلى الخليج، وأن مصر فقدت مكانتها السابقة في السياسات الأمريكية في المنطقة.

إن التطور السريع الذي تشهده إسرائيل في مجال التعاون العلمي والتبادل السياحي والعلاقات الاقتصادية والتجارية مع الإمارات في المستقبل القريب قد طغى على نفوذ مصر بشكل أكبر، ولا سيما بالنظر إلى قدرة الإمارات المالية والتكنولوجية على تسريع مثل هذه المبادرات.

والتراجع في الدور المصري، يقف ورائه في المقام الأول النظام برئاسة "عبدالفتاح السيسي"، الذي دعم المشروع الإسرائيلي والأجندة الإماراتية التي تخدم هذا المشروع.

فبعد أن استقبل أول رئيس مدني منتخب في مصر "محمد مرسي" رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الفلسطينية "خالد مشعل" في قصر الرئاسة، اتهم نظام "السيسي" عقب الانقلاب على "مرسي" الحركة بالمسؤولة عن اقتحام السجون في مصر، واندفع الإعلام بكلّ ما أوتي من قوة إلى القول إنّ الفلسطينيين يريدون الدخول إلى سيناء والبقاء فيها، وإنّ هناك مشروعاً كان يقوده "الإخوان المسلمون"، حينما أتوا إلى السلطة لإعادة توطين الفلسطينيين في سيناء.

تبعت ذلك هجمة شرسة شنّها النظام لإخلاء سيناء بحجّة محاربة الإرهاب، وهدف من خلالها أيضا إلى القضاء على الأنفاق بين مصر وقطاع غزة، والتي كانت تعتبر متنفسا مهما للقطاع المحاصر منذ عام 2006.

وورطت هذه التصرّفات النظام المصري في أزمات كثيرة، وجعلته يفقد مكانته وقدرته على التحرّك في القضية الأبرز بالشرق الأوسط؛ إذ أصبح الموقف المصري مرتهنا بالنظام الإماراتي، والذي اكتشف بعد ذلك أنّ الأخير يهدف إلى تحجيم دور مصر، بل محاصرتها من خلال أعدائها، والهيمنة علي المنطقة بالاشتراك مع إسرائيل.

وأدى انخراط النظام المصري في المعارك الإماراتية بالوكالة، وارتهان قراره بحكومة أبوظبي، إلى فقدان مصر أوراق ضغط عدة حول هذه القضية الأبرز للدول العربية.

في المقابل، تصاعدت بقوة أدوار قطر وتركيا والأردن وأخيرا الجزائر، على الساحة الفلسطينية؛ ما سحب البساط بشكل ملحوظ من مصر.

قطر

الدور القطري في القضية ظهر جليا في 2014، عندما دعا أمير قطر "تميم بن حمد"، خلال كلمته أمام القمة العربية التي عقدت بالكويت آنذاك، إلى عقد قمة عربية مصغرة بهدف التوصل إلى مصالحة بين الفصائل الفلسطينية، قبل أن يعلن مساهمته بدفع مليون دولار من أجل إنشاء صندوق عربي لدعم صمود القدس، بعد عدم التزام آخرين بذلك.

ومنذ ذلك الحين، دخلت قطر في وساطات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

كما نسجت قطر علاقات وثيقة مع الفصائل الفلسطينية بغزة، وعلى رأسها حماس، وقدمت مساعدات مالية للقطاع منذ 2012، ونفذت عشرات المشاريع الكبرى.

وعلى المستوى السياسي، تستضيف قطر على أراضيها مكاتب حماس في الخارج، وتجري باستمرار لقاءات مع المسؤولين الفلسطينيين.

إسرائيل من جهتها معنية بوجود أكثر من لاعب ووسيط في جبهة غزة، ولعل قطر تعد على رأس هذه الدول بفضل دبلوماسيتها النشطة وتمويلها السخي، فيما تأتي مصر في المرتبة الثانية.

وهذا التقسيم يعود لما يملكه كل طرف من أدوات أو أوراق للتفاوض؛ فالقطريون بإمكانهم تمويل ما يلزم قطاع غزة من مشاريع تبقي حالة الهدوء على حالها، وتمنع أي مواجهة قادمة بين حماس وإسرائيل.

تركيا

وبالتزامن مع تصاعد النفوذ القطري، كان الاهتمام على المستويات الرسمية والأكاديمية والشعبية في الداخل التركي بالقضية الفلسطينية متزايدا.

إذ نجحت تركيا باستضافة تحركات المصالحة الفلسطينية الداخلية، ووضع بصماتها عليها، فاستقبل المسؤولون الأتراك وفي مقدمتهم الرئيس "رجب طيب أردوغان" قادة حماس والجهاد، والرئيس الفلسطيني "محمود عباس" ورموز السلطة وفتح.

ويأتي تركيز الفلسطينيين على التواجد الدائم في تركيا، وطلب دعمها، بعد خيبة أملهم من القاهرة، التي انحازت لجوقة التطبيع الجارية، وعارضت الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي الرافض له، مع بقاء السؤال حول قدرة أنقرة على استبدال نفوذ القاهرة في الساحة الفلسطينية.

ورغم إعادة العلاقات بين تركيا إسرائيل، إلا أن أنقرة استقبلت بعدها بأيام "عباس" مؤكدة دعمها للقضية الفلسطينية، وأن إعادة العلاقات مع تل أبيب لا تعني التخلي عن القضية الفلسطينية.

لم يقف الدور التركي عند الساحة السياسية، بل أنشأ مكتب لوكالة الإغاثة "تيكا" في فلسطين، والتي ركزت اهتمامها في مجالي التعليم والصحة، وأقامت أكثر من 600 مشروع ما بين مستشفيات ومدارس ومشاريع صغيرة نالت غزة ثم القدس ثم بقية المدن الفلسطينية النصيب الأكبر منها.

الأردن

أما الحكومة الأردنية، فعلى الرغم من أنها فقدت البوصلة مع فصائل المقاومة، إلا أنها لا تزال تتمتع بعلاقات "جيدة" مع السلطة وإسرائيل؛ ما يجعلها لاعبا أساسيا في القضية، وفق مراقبين.

وبات واضحا أن الأردن معني بدرجة كبيرة بتحقيق الاستقرار في الضفة الغربية، ودوام عمل مؤسسات سلطة رام الله، حتى يتمكن من التعامل مع الحالة الفلسطينية بشكل مؤسسي.

ويمثل "حل الدولتين" خيارا أساسيا لأي حكومة أردنية؛ لأنه في حال تلاشى هذا الحل؛ فإنها ستفقد المساحات المتاحة لها إقليميا، وجزءا من وظيفتها على الصعيد الدولي، وبالتالي فإن كبح أي تطور للمقاومة يمثل هدفا لكل من يطالب بهذا الخيار.

الجزائر

وفي المقابل، تأتي الجزائر التي أبدت مؤخرا انخراطا نشطا في الملف الفلسطيني؛ حيث استقبلت الرئيس "محمود عباس"، وقدمت منحة مالية للسلطة الفلسطينية، واستضافت حوارا جامعا للفصائل الفلسطينية، أسفر عن توقيعهم وثيقة "لم الشمل"، وهي الخطوة التي لم تنجح فيها مصر منذ سنوات.

وسبق أن استضافت الجزائر فصائل فلسطينية على أراضيها، وعلى رأسها حركة فتح، كما أن لها تاريخا من احتضان المؤتمرات الفلسطينية، ومن أبرزها ذلك الذي أفضى إلى إعلان استقلال دولة فلسطين من قبل منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1988.

والعام الماضي، تعهدت بمنح فلسطين 100 مليون دولار أمريكي، ومن ثم يأتي قرار استضافة الفصائل الفلسطينية استمرارا لهذا الدعم.

ووفق مراقبين، لا ترحب القاهرة على وجه الخصوص بمشاركة الجزائر في الملف الفلسطيني؛ "لأنها من المحتمل أن تضعف نفوذها في القضية".

جدير بالذكر أن الوساطة المصرية بين الفصائل الفلسطينية أسفرت عن توقيع الفصائل "اتفاقية الوفاق الفلسطيني" عام 2011، وتوقيع حركتي حماس وفتح اتفاقا للمصالحة عام 2017 في القاهرة، ولكن الاتفاقين لم يسفرا عن رأب الصدع في البيت الفلسطيني.

وقد أدركت القاهرة بالفعل هذا التراجع في دورها، قبل أن تجد التصعيد الأخير في مايو/أيار والذي امتد لنحو 3 أيام، فرصة لتعيد تموضعها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

وهدفت القاهرة، وفق مراقبين، من ذلك إلى إرسال رسائل عدة إلى الإسرائيليين؛ أولها أنّ محاصرة مصر في إثيوبيا قد تؤدي إلى ذهاب مصر لتقديم الدعم الكامل للمقاومة الفلسطينية، ورفع قدرتها وكفاءتها القتالية في مواجهة إسرائيل.

بمعنى آخر، الإسراع بمحاصرة مصر الإسرائيليين في الأراضي المحتلة، قبل أن تحاصرها إسرائيل في منابع النيل.

فمنذ أن اندلعت المواجهات تغير موقف النظام الذي اتخذ خطوات وضح من خلالها دعمه المقاومة، ولما يحدث، وإنْ بصورة جزئية، لكن ظهر أنّ هناك تغيراً في موقف النظام، فقد تغير خطاب الإعلام الرسمي تجاه القضية الفلسطينية.

كما أنّ النظام أعاد فتح معبر رفح لتقديم المساعدات، إلى جانب إرساله أطباء بالتعاون مع وزارة الصحة ونقابة الأطباء، إلى مستشفى العريش، لتقديم العلاج للمصابين من قطاع غزّة جرّاء القصف الهمجي والوحشي للاحتلال الإسرائيلي.

هذا التغير قوبل بتعنت إسرائيلي لتظهر توترات دبلوماسية بين البلدين، شملت استمرار إجراءات الجيش الإسرائيلي ضد عناصر حركة "الجهاد الإسلامي" في الضفة الغربية، على عكس الاعتقاد المصري بأن وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه القاهرة لإنهاء العملية العسكرية في غزة، سيجعل الجيش الإسرائيلي يخفف من الضغط العسكري على الحركة.

كما طالب المصريون بالإفراج عن سجناء حركة "الجهاد الإسلامي" لتعزيز الهدنة، وهو ما لم يتم.

وتلقت القاهرة هذه التطورات باعتبارها إهانة، لتخسر مصر تارة الفصائل، وتارة أخرى إسرائيل.

ويقول الكاتب الفلسطيني "فارس أبو هلال"، في مقال سابق له: "وفي حين تخسر مصر دورها في القضية الفلسطينية، فإنها يمكن أن تسترجع هذا الدور بلعب دور حقيقي ومحايد في إتمام المصالحة الفلسطينية، ولعب دور أكبر في قطاع غزة، من خلال إقامة علاقة تجارية طبيعية بين القطاع ومصر، وهو ما سيعود على مصر بمكاسب معقولة في ظل ارتفاع الأسعار بغزة مقارنة بمصر".

وأضاف: "لكن هذا الدور يحتاج أن تتحرك مصر في سياساتها الخارجية بنشاط، وبعيدا عن استقطاباتها الداخلية والأيدولوجية، وبتحرر أيضا من السطوة الإسرائيلية".

ويتابع" أبوهلال": "لكن هذا الأمر متعطل أيضا بسبب بناء مصر لعلاقاتها مع الاحتلال بعد الانقلاب على أسس داخلية؛ إذ يتعامل النظام منذ يوليو/تموز 2013 مع الاحتلال باعتباره صمام أمن يدعم شرعيته في الغرب، وخصوصا في الولايات المتحدة".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القضية الفلسطينية مصر فصائل المقاومة فلسطين قطر حماس تركيا الضفة غزة

مصر لكندا: لا يمكن تجاهل القضية الفلسطينية أو تركها دون حل

العفو تتهم الحكومة المصرية بخنق حرية التعبير في التضامن مع غزة

جهود مصرية لتحقيق تهدئة في الأراضي الفلسطينية