صفقات استحواذ وتصنيع محلي.. الإمارات تتبنى نهجا مزدوجا لقطاع الدفاع البحري

الجمعة 28 أبريل 2023 12:02 م

سلط الباحث المتخصص في الشؤون الأمنية لمنطقة الخليج، ليوناردو مازوكو، الضوء على استراتيجية دولة الإمارات العربية المتحدة لقطاع الدفاع البحري، مشيرا إلى نهج "مزدوج" يقوم على الموازنة بين شراء القطع البحرية وتصنيعها محليا.

وذكر مازوكو، في مقال نشره بموقع "منتدى الخليج الدولي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن معرضي أبوظبي للأسلحة، آيدكس/نافدكس 2023، ومعرض الدفاع البحري "نافدكس"، الذي أقيم أواخر فبراير/شباط الماضي، شهد توقيع الإمارات صفقة بقيمة 408 مليون دولار مع شركة بناء السفن الإندونيسية PT PAL لشراء منصة إنزال سفينة برمائية، تزامنا مع إعلان توقيع عقد آخر بقيمة 1.1 مليار دولار لبناء أسطول من طرادات BR71 MKII المتطورة تقنيًا للبحرية الأنجولية.

وأضاف أن شركة أبوظبي لبناء السفن، الذراع البحرية لمجموعة إيدج الدفاعية، ستقوم ببناء السفن الحربية لأنجولا في حوض تبلغ مساحته 330 ألف متر مربع في المصفح بأبوظبي.

ويرى مازوكو أن الإعلانين يؤشران إلى أن عمليات الاستحواذ على الأصول ستظل مكونًا حيويًا في استراتيجية الإمارات لتعزيز قوتها البحرية وتأمين شبكاتها سريعة التوسع من الموانئ والبنية التحتية اللوجستية في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.

وفي الوقت ذاته، لا يزال تطوير قاعدة صناعية دفاعية محلية قادرة على تلبية الاحتياجات الوطنية والفوز بشريحة أكبر من سوق السلاح العالمية يمثل أولوية استراتيجية للإمارات، وهو ما تظهره صفقات الأسلحة الأخيرة، كيف بدأت الجهود الإماراتية تؤتي ثمارها، بحسب مازوكو.

وأشار إلى أن هذه التطورات تقدم مؤشرًا حاسمًا على كيفية قيام الإمارات بالتحسب لوضع انخفاض التزام الولايات المتحدة بالأمن الإقليمي، والتهديد العسكري الإيراني الدائم، والرغبة المتزايدة في الحكم الذاتي الاستراتيجي.

عمليات الاستحواذ

ومع وجود أسطول بحري صغير، يتكون إلى حد كبير من السفن القديمة التي خرجت من خدمة القوات البحرية الغربية، سعت الإمارات إلى تعويض عدم التوازن التكتيكي وبناء قواتها البحرية من خلال شراء سفن جديدة متطورة تقنيًا من شركات بناء السفن العالمية.

وفي عام 2009، وقعت الإمارات صفقة مع شركة بناء السفن الإيطالية "فين كانتييري" لبناء سفينة كورفيت من طراز أبوظبي، بمدى يصل إلى أكثر من 3 آلاف ميل بحري.

وعززت السفينة قدرة الإمارات على إجراء مهام المراقبة والدوريات في المياه الساحلية والبحار المحيطة بشكل كبير، إذ يمكن للسفينة التي يبلغ ارتفاعها 88 مترًا أن تشارك أيضًا في حرب ضد الغواصات لأنها مزودة بصواريخ "إكزوست" المضادة للسفن وطوربيدات.

وبعد عام، وقعت الإمارات عقدًا لشراء سفينتين من "فين كانتييري"، من فئة "فلج 2"، بنظام قتالي متقدم ومرن، قادر على المشاركة في مهمات مختلفة، ومنها الدوريات وعمليات المراقبة والدفاع ضد التهديدات الجوية والسطحية.

وتضمن برنامج "فلج 2" خيارًا لنقل التكنولوجيا من "فين كانتييري" إلى حوض بناء السفن المحلي في أبوظبي لبناء سفن إضافية.

وفي عام 2019، قدمت الإمارات طلبًا بقيمة 850 مليون دولار لشراء طرادات من طراز "جو ويند" من شركة بناء السفن الفرنسية "نافال".

وبمدى يصل إلى 4500 ميل بحري، تجمع الطرادات بين أنظمة صواريخ متطورة مضادة للسفن وصواريخ أرض-جو والجيل الأخير من المعدات الإلكترونية والرادار، ما يمكنها من القيام بمجموعة كاملة من عمليات الدفاع البحري.

كما ستوفر سفينة الكورفيت، التي يبلغ ارتفاعها 85 مترًا، قدرة على الحرب المضادة للغواصات بفضل صفقتين وقعتهما الإمارات مع مجموعة نافال في اليوم الثالث من معرض نافدكس 2023 لتوفير طوربيدات خفيفة الوزن وشراك خداعية مضادة. ومن المتوقع أن تبحر السفينتان إلى الإمارات في أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024.

ويشير مازوكو، في هذا الصدد، إلى أحدث عملية شراء إماراتية للقطع البحرية، وهي سفينة برمائية لمنصة إنزال من إندونيسيا، تُظهر قفزة كبيرة إلى الأمام في قدرتها على عرض قوتها، بمدى يتجاوز 10 آلاف ميل بحري.

وبالإضافة إلى طاقم مكون من حوالي 130، فإن سفينة الدعم متعددة الأغراض التي يبلغ طولها 163 مترًا ستستوعب 500 جندي وستحمل مركبات مشاة وطائرات إنزال وقوارب عالية السرعة وما يصل إلى 5 طائرات هليكوبتر وبعض الطائرات المسيرة.

 وتعكس خطوة شراء سفينة قادرة على القيام بمجموعة متنوعة من الأدوار أثناء الإبحار بعيدًا عن الوطن تصميم الإمارات على اكتساب وجود بحري أكثر حزماً في المياه خارج جوارها المباشر، حسبما يرى مازوكو.

ورغم أن إيران لا تزال تحتفظ بتفوق كبير في القدرات البحرية، فإن عمليات الاستحواذ الإماراتية المستهدفة من شأنها أن تسمح للإمارات جزئيا بتضييق فجوة القوة الصلبة.

فبدلاً من السعي وراء الهدف غير الفعال، المتمثل في توازن القوة البحرية مع إيران، ركزت الإمارات على امتلاك سفن متطورة قادرة على مواجهة تكتيكات الحرب الإيرانية غير المتكافئة.

التصنيع المحلي

وفي حين أن شركات بناء السفن الإماراتية أصبحت أكثر قدرة على المنافسة على مستوى العالم، وأصبحت منتجاتها تحظى بشعبية متزايدة في معارض الأسلحة، فإن جهود الإمارات المبكرة لتطوير مجمع صناعي عسكري محلي تعود إلى ما يقرب من عقدين من الزمن.

وفي عام 2004، حصلت شركة أبوظبي لبناء السفن على عقد لبناء 6 طرادات صواريخ متعددة الأغراض (فئة بينونة) للبحرية الإماراتية، وهي المرة الأولى التي تمنح فيها البحرية الإماراتية مثل هذا البيع الضخم للأسلحة إلى شركة بناء سفن محلية.

ورغم تعاقد "أبوظبي لبناء السفن" مع شركة بناء السفن الفرنسية Constructions Mécaniques De Normandie لتصميم وبناء الدرجة الأولى من الطرادات، إلا أن الصفقة شكلت نقطة تحول بالغة الأهمية في تطوير الخبرة المحلية في بناء السفن من خلال عمليات نقل التكنولوجيا والمعرفة الهامة.

وفي عام 2009، فازت "أبوظبي لبناء السفن" بعقد قيمته 272 مليون دولار لتنفيذ برنامج المرحلة الثانية من توسيع وتحديث أسطول زوارق الدوريات السريعة للبحرية الإماراتية.

وتعاقدت الشركة الإماراتية من الباطن مع شركة "سويدش شيب مارين" لتصنيع الزوارق الثلاثة الأولى.

وفي عام 2021، منحت البحرية الإماراتية صفقة أسلحة بقيمة 952 مليون دولار إلى "أبوظبي لبناء السفين" بهدف شراء 4 سفن دورية بحرية من فئة فلج 3.

وتعاقدت الشركة الإماراتية من الباطن مع شركة ST Engineering السنغافورية "لتوفير التصميم، ومعدات المنصات، والمساعدة الفنية"، على أن يتم بناء السفن في حوض المصفح.

وفي اليوم الأول من نافدكس 2023، وقعت "أبوظبي لبناء السفن" صفقة قياسية للأسلحة مع البحرية الأنجولية لبناء أسطول من طرادات BR71 MKII في أول صفقة بيع دولي للشركة الإماراتية.

وجرى تصميم الطرادات الأنجولية بشكل أساسي لإجراء عمليات دفاعية ساحلية ومن المتوقع أن يتم تزويدها بأنظمة أسلحة متطورة مماثلة لتلك الموجودة حاليًا في طرادات البحرية الإماراتية.

وفي اليوم الثاني، أبرمت "أبوظبي لبناء السفن" عقدًا بقيمة 47.6 مليون دولار لتوفير عدد "غير معلن" من زوارق الدوريات السريعة بطول 12 مترًا و 16 مترًا لهيئة البنية التحتية الحيوية وحماية السواحل في دولة الإمارات.

وهنا يشير مازوكو إلى أن هذه الصفقات تؤشر إلى الثقة المتزايدة للقيادة الإماراتية في الحلول البحرية المصممة والمبنية محليًا، لافتا إلى أن تطوير المجمع الصناعي العسكري الإماراتي خلال العشرين سنة الماضية عن 4 أنماط:

الأول: سعي الإمارات إلى تعزيز قاعدتها الصناعية الدفاعية المحلية من خلال إقامة شراكات استراتيجية مع شركات بناء السفن ذات المستوى العالمي.

والثاني: إعطاء الإمارات الأولوية للشركات التي تميل إلى نقل التكنولوجيا والاستعانة بمصادر خارجية للإنتاج عند اختيار شركائها.

الثالث: استهداف الإمارات للاحتفاظ بدور قيادي لشركة أبوظبي لبناء السفن في مشاريع التصنيع المشتركة.

رابعًا، تركيز الإمارات على تعزيز خبرات بناء السفن والمعرفة الفنية في مجموعة من الأصول البحرية.

مراحل التطور

وتؤكد التحولات في استراتيجية المشتريات الدفاعية للإمارات والشكل المتغير للبحرية الإماراتية على مر السنين على عملية من 3 مراحل تعكس الأهداف المتطورة للقادة الإماراتيين، حسبما يرى مازوكو، وهي:

أولا: إعطاء الأولوية لتطوير القدرات الدفاعية البحرية وتعزيز الأمن الساحلي للبلاد.

ثانيا: توسيع الذراع البحرية للإمارات لتشمل سفنًا متعددة الاستخدامات قادرة على العمل بكفاءة في كل من المياه الساحلية والمفتوحة.

ثالثًا: تحويل الانتباه إلى الأصول البحرية التي تمنح البحرية الإماراتية عمقًا استراتيجيًا خارج منطقة الخليج من خلال شراء السفن العابرة للمحيطات وبناء بنية تحتية لوجستية قادرة على الحفاظ على عمليات الانتشار طويلة الأجل.

وبينما خطت الإمارات خطوات كبيرة في تطوير قوة بحرية متطورة لتلائم هذه الطموحات، تظل هذه الجهود عرضة لقيود، على رأسها نقص القوى العاملة المدربة، بحسب مازوكو.

فالبحرية هي قوة مسلحة كثيفة الأفراد، وقد كافحت الإمارات تاريخياً لبناء صفوفها، لكن قواتها لا تضم سوى 2500 فرد فقط حاليا، كجزء من إجمالي القوات المسلحة البالغ عددها 63000 فرد.

ورغم ذلك، تعد الإمارات واحدة من أكبر مشتري الأسلحة في العالم، ولا يزال تطوير بنيتها التحتية العسكرية يتصدر أولويات الدولة.

ومع عرض الجيل الأخير من السفن المسيرة، ومجموعة من اتفاقيات التعاون الموقعة مع شركات بناء السفن ذات المستوى العالمي، كشف نافديكس 2023 أن الابتكار التكنولوجي والشراكات الاستراتيجية هي مكونات حاسمة في خارطة طريق الإمارات لصناعة سفن محلية مزدهرة.

المصدر | ليوناردو مازوكو | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات شركة أبوظبي لبناء السفن المصفح أنجولا البحرية إيدج ليوناردو مازوكو