لماذا تسعى إيطاليا لتعزيز تعاونها مع الإمارات؟

الأحد 7 مايو 2023 01:52 م

رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، تسعى الآن إلى وضع حد للتوترات السابقة مع الإمارات بشكل كامل؛ لأنها ترى في أبوظبي شريكًا خليجيًا حيويًا لروما.

هكذا يعلق تقرير لموقع "المونيتور"، ترجمه "الخليج الجديد" عن إعلان إيطاليا الأسبوع الماضي إنهاءً كاملاً وفورياً لحظر الأسلحة على الإمارات، الذي فرضته حكومة جوزيبي كونتي السابقة، بسبب الحرب في اليمن، وهو ما دفع حينها أبوظبي لإخلاء قاعدة عسكرية رئيسية في البلاد، ومنعت روما من الوصول إلى مجالها الجوي.

وعلى الرغم من العلاقات المتضررة، خففت إيطاليا في وقت لاحق بعض القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة إلى دول الخليج.

وجاء القرار الإيطالي في أعقاب شراكة استراتيجية بين إيطاليا والإمارات، تستلزم "تعميق آفاق التعاون في المجالات ذات الاهتمام الاستراتيجي المشترك، بما في ذلك التعاون السياسي والدبلوماسي والدولي والاقتصادي والتجاري"، بحسب بيان مشترك بعد زيارة ميلوني لأبوظبي في مارس/آذار الماضي.

وبعد لقائها مع رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أشادت ميلوني بعلاقة بلادها بالدولة الخليجية، وقالت إن العلاقات المشتركة "ستعود إلى شراكة استراتيجية".

وهذه الزيارة إلى الإمارات كانت أول زيارة لميلوني إلى دولة عضو بمجلس التعاون الخليجي، وثالث زيارة إلى دولة عربية بعد الجزائر وليبيا.

وكانت رغبات إيطاليا في استعادة العلاقات مع الخليج مدفوعة بمخاوف عملية بشأن الطاقة والأمن، حيث تسعى روما أيضًا إلى دعم المساعي التي تقودها الولايات المتحدة لمواجهة روسيا، مع توخي الحذر بشأن الصين.

ويعد الإعلان عن رفع القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة للإمارات خطوة رمزية أخرى في جهود إيطاليا لتعزيز علاقاتها مع الخليج، حيث من الواضح أنها تنظر إلى أبوظبي كشريك رئيسي.

عينها على الطاقة

في حين أن تعاون إيطاليا مع الخليج، قد يعتمد على طول عمر حكومتها، فإن علاقات الطاقة الجديدة هذه على الأقل يمكن أن تدعم تعاونًا أوثق بين روما وأبوظبي في المستقبل.

وينقل تقرير "المونيتور"، رؤية ميلوني التي حددتها للسياسة الخارجية، حين قالت لصحيفة "ذا ناشيونال" المملوكة للإمارات، إن "الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأوسع هو أحد الأولويات الرئيسية لحكومتي، ونعتقد أن التعاون الوثيق مع دول الخليج أمر بالغ الأهمية من أجل مواجهة التحديات".

بعد ذلك، وقعت شركة الطاقة الإيطالية "إيني" اتفاقية تعاون مع شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك"، تهدف إلى توسيع الاستثمارات المشتركة وفرص البحث والتطوير في قطاع النفط والغاز.

كما تتضمن الاتفاقية خططًا لاستكشاف فرص بحثية جديدة في مجال الطاقة المتجددة والاستدامة.

يقول معلق الشؤون الإيطالية المقيم في روما إيرين إيفاناج: "واجهت إيطاليا مشاكل في تطوير مشاريع الطاقة الخاصة بها؛ مما جعلها أكثر اعتمادًا على الواردات".

ويضيف: "بعد الضعف الناجم عن التخلي عن الغاز الروسي بين عشية وضحاها، فإن رغباتها في شراكات طاقة جديدة تعد دافعًا رئيسيًا لزيادة العلاقات مع الإمارات والخليج".

ومع ذلك، وبينما أدت تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تسريع رغبة روما في بناء شراكات جديدة في مجال الطاقة، فقد ظهر إطار أوسع للتعاون الاقتصادي الثنائي.

تجارة غير نفطية

ويلفت التقرير إلى مصالح في التجارة غير النفطية، مع العديد من الشركات الإيطالية المملوكة للدولة جزئيًا أو كليًا، والتي يتم تشجيعها الآن على القيام بأعمال تجارية مع الإمارات، وسط توقعات أن يزداد الاستثمار الثنائي.

ويعلق على ذلك إيفاناج قائلا: "حكومة ميلوني تسعى للعمل من أجل "المصلحة الوطنية" من خلال دعم هذه الشركات".

وتعد إيطاليا الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي مع الإمارات، حيث تعمل أكثر من 600 شركة إيطالية في الدولة الخليجية، وفقًا لوكالة ترويج التجارة الإيطالية.

وتُظهر بيانات الوكالة أن المواد الغذائية والمجوهرات والآلات تشكل صادرات روما الرئيسية إلى الإمارات.

ووفق إيفاناج أيضًا، فإنه "نظرًا لحذر إيطاليا بشأن الاستثمار من الصين، ودعمها للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة وأفكار ميلوني الواقعية في السياسة الخارجية، فإن الاستثمار من الدول الغنية الأخرى مثل الإمارات سيكون موضع ترحيب أكبر".

مخاوف استراتيجية

ويستطرد التقرير: "ليست العلاقات الثنائية فقط هي التي تنمو، ولكن هناك مخاوف استراتيجية متبادلة أيضًا، حيث أن محاولات إيطاليا للقيام بدور الوسيط في الأزمات الإقليمية سوف يتداخل مع النفوذ القوي لدولة الإمارات".

ورسخت أبوظبي نفسها كقوة متوسطة مؤثرة في المنطقة في السنوات الأخيرة، ودعت منذ عام 2021 إلى سياسة "صفر مشاكل" تجاه جيرانها، وسط ما اعتبره المحللون "إعادة ضبط كبيرة" في الشرق الأوسط.

يقول أستاذ الجغرافيا السياسية في الجامعة الكاثوليكية للقلب المقدس بميلانو ريكاردو ريديلي، إن هناك رغبات مشتركة لتعزيز التعاون الثنائي في سيناريوهات مختلفة.

ويضيف: "مع سياسة أبوظبي الأخيرة الأقل تصادمية في المنطقة تجاه خصومها التقليديين، إلى جانب رغبات روما في التوسط وآمالها في بناء علاقات مع الخليج، يمكن أن تؤدي إلى شراكات أقوى بين روما وأبوظبي".

وبحسب "المونيتور"، تريد ميلوني أيضًا تركيز دور روما في "الفناء الخلفي" لها في البحر الأبيض المتوسط، وقد تجلى ذلك في ليبيا، حيث على الرغم من دعم أطراف مختلفة في الصراع بين عامي 2019 و2020 مع دعم إيطاليا للحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها والإمارات التي كانت تدعم في السابق قوات خليفة حفتر في شرق ليبيا، فقد أصبحت مصالح البلدين أكثر انسجاماً مع الصراع.

وليبيا هي دولة غنية بالنفط وكانت مستعمرة إيطالية سابقا وينطلق منها مهاجرون غير شرعيين عبر البحر المتوسط إلى دول أوروبية، لاسيما إيطاليا، بحثا عن حياة أفضل.

ومنذ مارس/ آذار 2022 تتصارع على السلطة في ليبيا حكومتان إحداهما برئاسة فتحي باشاغا وكلفها مجلس النواب بطبرق (شرق) والأخرى معترف بها من الأمم المتحدة، وهي حكومة عبدالحميد الدبيبة (في الغرب) الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.

يقول الزميل في المجلس الأطلسي كريم مزران: "هذا يعكس كيفية تخفيف الانقسامات، وهذا يمكّن إيطاليا من التكيف مع دور الإمارات في ليبيا".

ويضيف: "إيطاليا تدرك أنه لا يمكن أن يكون لها عدو قوي في المنطقة (أي الإمارات) دون المساومة على مواقفها.. لذلك أتوقع زيادة التعاون بين الإمارات وإيطاليا في بناء الأمن في ليبيا".

وبالحديث عن مزيد من التعاون الأمني بين الإمارات وإيطاليا، يتوقع مزران أيضًا تدريبات عسكرية مشتركة في المستقبل بين البلدين.

كما يسلط الضوء على رغبة الإمارات في الاستفادة من الأنظمة الأمنية الإيطالية وتجديد الصادرات العسكرية.

وعلى نطاق أوسع، تواصلت إيطاليا مع دول إقليمية أخرى من أجل شراكات في مجال الطاقة، بما في ذلك الجزائر ومصر، بينما تريد بناء جسور مع القاهرة بعد التداعيات التي أعقبت مقتل الباحث جوليو ريجيني عام 2016.

يقول ريديلي: "أعلنت إيطاليا عن فكرة (خطة ماتي) جديدة لأفريقيا، مستوحاة من مؤسس إيني (إنريكو ماتي) الذي تصور نهجًا قويًا للتضامن ضمن السياسة الاقتصادية الغربية التقليدية".

ويضيف: "على الرغم من أن هذه الخطة لا تزال في مراحلها التكوينية، إلا أن هذه الخطة تسعى إلى تعاون اقتصادي وتعاون فعال في مجال الطاقة بشمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والذي من المرجح أن يطلق مبادرات ثنائية إيطالية إماراتية لدعم التنمية والاستقرار".

ويتابع أن مثل هذا التعاون في القرن الأفريقي من المرجح أن يتعاظم بالنظر إلى العلاقات التاريخية لإيطاليا بالمنطقة والنفوذ الجيوسياسي والاقتصادي الكبير للإمارات، وسيؤدي إلى الاستقرار في القرن الأفريقي؛ ما ينعكس على التجارة في البحر الأحمر.

ومن المثير للاهتمام أن علاقات إيطاليا مع الإمارات تعزز أهدافها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والأهم من ذلك أنها أقرب إلى البحر الأبيض المتوسط.

وزارت ميلوني نيودلهي قبل وصولها إلى أبوظبي في مارس/آذار، حيث عززت إيطاليا والهند العلاقات الثنائية، لا سيما في مجال التعاون الدفاعي.

يقول مزران: "تشعر إيطاليا أنه يجب أن تميل إلى المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة تهديد الصين في البحر الأبيض المتوسط".

وعلى الرغم من أن الإمارات قد طورت علاقات ثنائية قوية مع الصين في "عمل متوازن" بين واشنطن وبكين، فإن قربها من المحيط الهندي يعني أن إيطاليا يجب أن تحافظ على وجود هناك لمساعدتها على العمل مع شركائها في المحيطين الهندي والهادئ.

المصدر | المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات إيطاليا تعاون ثنائي ليبيا المتوسط