مكاسب للرياض وتل أبيب.. تفاصيل صفقة أمريكية إيرانية محتملة

الثلاثاء 20 يونيو 2023 10:56 ص

ياسين مهداوي- الخليج الجديد

خلف الستار تدور منذ أشهر مباحثات غير مباشرة مكثفة بين الولايات المتحدة وإيران للتوصل إلى "اتفاق نووي مصغر" من المتوقع أن يحمل أيضا مكاسب للسعودية وإسرائيل في ملفات متعددة ومتشابكة تعكس طموحات نووية واقتصادية وانتخابية وتطبيعية، بحسب رصد "الخليج الجديد" لتصريحات مسؤولين وتقديرات خبراء.

وفي عام 2018، انسحب الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 واعتبر أنه غير فعال وأعاد فرض العقوبات على طهران، فجمدت لاحقا التزاماتها  بموجب الاتفاق، وباتت أقرب من أي وقت مضى إلى إنتاج سلاح نووي، وفقا لتقديرات غربية.

رسميا، نفت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وجود مباحثات، ولو غير مباشرة، مع إيران بشأن ما يُسمى "اتفاق مصغر أو مؤقت" حول البرنامج النووي الإيراني، الذي تقول إسرائيل والغرب إنه يهدف إلى إنتاج أسلحة نووية، بينما تردد طهران أنه مصمم للأغراض السلمية، وبينها توليد الكهرباء.

وفي 14 يونيو/ حزيران الجاري، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، خلال مؤتمر صحفي، إن "الشائعات حول اتفاق نووي مؤقت أو غير ذلك خاطئة أو مضللة"، معربا في الوقت نفسه عن اعتقاده بأن "الدبلوماسية هي أفضل طريق لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، لكننا لا نستعد جميع الخيارات الممكنة".

ذلك النفي جاء غداة إعلان ميلر نفسه أن واشنطن وافقت على تحرير 2.7 مليار يورو من الأموال الإيرانية المجمّدة جراء العقوبات الأمريكية في بنوك عراقية، والقادمة من واردات الغاز والكهرباء الإيرانية، وذلك لاستخدامها في معاملات إنسانية غير خاضعة للعقوبات.

وفي اليوم نفسه، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، في مؤتمر صحفي، إن محادثات مسقط ليست سرّية والحديث مع واشنطن قائم "من خلال وسطاء" و"تبادل الرسائل مستمر"، لكنه نفى في الوقت نفسه أن يكون الهدف هو "اتفاق مؤقت".

ومقابل النفي الأمريكي والتأكيد الإيراني، أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لجنة العلاقات الخارجية والأمن في الكنيست (البرلمان) مؤخرا بأن واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران حول "اتفاق مصغر".

وتعتبر كل إيران وإسرائيل الدولة الأخرى العدو الأول لها، وتمتلك تل أبيب، أوثق حليف لواشنطن في المنطقة، ترسانة نووية لم تعلن عنها رسميا وغير خاضعة للرقابة الدولية.

مطالب متبادلة

ونقلا عن مسؤولين من الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية (The NYTimes) إن "إدارة بايدن تتفاوض بهدوء مع إيران للحد من برنامجها النووي وإطلاق سراح سجناء أمريكيين، ضمن جهد أمريكي أكبر لتخفيف التوترات وتقليل مخاطر المواجهة العسكرية مع طهران".

وتابعت أن "الهدف الأمريكي هو التوصل إلى اتفاق غير رسمي وغير مكتوب يسميه مسؤولون إيرانيون "وقف إطلاق نار سياسي"، مضيفة أن واشنطن تريد "منع المزيد من التصعيد في علاقة عدائية طويلة الأمد أصبحت أكثر خطورة مع تكديس إيران لمخزون من اليورانيوم عالي التخصيب يقترب من صنع قنبلة نووية".

كما ترغب واشنطن، بحسب الصحيفة، في أن تتوقف طهران عن "تزود روسيا بطائرات بدون طيار لاستخدامها في (حربها المستمرة في) أوكرانيا (منذ 24 فبراير/ شباط 2022)". ونفت إيران أكثر من مرة تزويد روسيا بمثل تلك الطائرات منذ بدء الحرب.

واعتبرت الصحيفة أن "المحادثات غير المباشرة، وبعضها في سلطنة عمان، تعكس استئناف الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران بعد أكثر من عام من انهيار مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، والذي حد بشدة من أنشطة إيران مقابل تخفيف العقوبات".

وذلك الاتفاق وقَّعته إيران مع الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين روسيا، إلى جانب ألمانيا، وكان يهدف إلى منع طهران من إنتاج أسلحة نووية.

ووصف مسؤولان إسرائيليان الاتفاق بين واشنطن وطهران بـ"الوشيك"، وسيشمل التزاما إيرانيا بعدم تخصيب اليورانيوم بنقاء يتجاوز المستوى الحالي البالغ  60%، وفقا للصحيفة التي لفتت إلى أن إنتاج سلح نووي يحتاج تخصيب بمستوى 90%.

كما نقلت عن مسؤولين إيرانيين إن طهران ستوقف كذلك هجمات وكلائها المميتة على المتعاقدين العسكريين الأمريكيين في سوريا والعراق، وستوسع تعاونها مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وستمتنع عن بيع صواريخ باليستية لروسيا.

في المقابل، تتوقع إيران أن تتجنب الولايات المتحدة تشديد العقوبات التي تخنق اقتصادها بالفعل، وعدم السعي إلى إصدار قرارات عقابية جديدة في الأمم المتحدة أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد طهران بسبب نشاطها النووي، بحسب الصحيفة.

وأردفت أن إيران تتوقع كذلك من الولايات المتحدة أن ترفع تجميد أصول إيرانية، بينها  بنحو 7 مليارات دولار من مدفوعات شراء النفط المحتجزة في كوريا الجنوبية، وسيقتصر استخدامها على الأغراض الإنسانية، مقابل إطلاق سراح ثلاثة سجناء إيرانيين أمريكيين.

تشجيع للتطبيع

إسرائيليا، ثال الرئيس السابق لجهاز الاستخبارت العسكرية (آمان) اللواء احتياط تامير هايمان إن إيران ستحصل على أصول مجمدة بنحو 20 مليار دولار، وسيخصص جزء صغير منها للمتطلبات العسكرية والأغلبية للاحتياجات الإنسانية.

واعتبر هايمان، مدير "معهد دراسات الأمن القومي" في تل أبيب (INSS) أن "الجوانب الإيجابية في الأمر هي توقف الوضع عن التدهور، فلن تتجاوز إيران بعد الآن مستوى تخصيب 60٪ لليورانيوم.

وتابع أن "إسرائيل تشتري وقتا ثمينا سيتيح لنا الاستعداد بشكل أفضل لخطة بديلة، فقوة الردع الإسرائيلي ليست مرتفعة حاليا"، خاصة في ظل تدهور العلاقات بين تل أبيب وواشنطن ومن أبرز مظاهره عدم دعوة نتنياهو حتى الآن إلى البيت الأبيض منذ توليه منصبه في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

وبالنسبة لما قد تجنيه إسرائيل من الصفقة المحتملة، قال هايمان إن "المكافأة الأمريكية قد تكون على شكل مساعدة في الترويج لتطبيع العلاقات مع السعودية، بشرط أن تقبل تل أبيب تخصيب المملكة لليورانيوم من أجل إنتاج الوقود".

ولا ترتبط السعودية بعلاقات علنية مع إسرائيل، وتشترط أن تنسحب الأخيرة من الأراضي العربية المحتلة منذ 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين.

وربما لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، "فمن المحتمل أيضا الاتفاق على مساعدات أمريكية من شأنها أن تضمن التفوق العسكري النوعي لإسرائيل لسنوات قادمة"، وفقا لهايمان.

ومنتقدا انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، قال هايمان: "لو كنا في الاتفاق النووي الأصلي، لكان وضعنا أفضل، لكن عند الاختيار بين الخيارات السيئة، فإن التفاهمات الحالية أفضل من لا شيء".

وتبدو المعارضة الإسرائيلية غير راضية عن  الاتفاق المحتمل، إذ انتقد زعيمها يائير لابيد عدم قدرة نتنياهو على التأثير على إدارة بايدن، مرجعا ذلك إلى خطة الحكومة الإسرائيلية المثيرة للانقسام بشأن "إصلاح القضاء" والتي أضرت بالتحالف مع واشنطن.

وتقول حكومة نتنياهو إن تلك الخطة تهدف إلى إعادة توازن مفقود منذ سنوات بين السلطات القضائية والتشريعة والتنفيذية، بينما ترى المعارضة أنها تمثل "انقلابا قضائيا" وتهدد بـ"تقويض الديمقراطية في إسرائيل"، مما أثار احتجاجات شعبية متواصلة يشارك فيها مئات آلاف الإسرائيليين، مع تحذيرات من "حرب أهلية" في ظل استقطاب حاد.

ووفقا للمحلل العسكري الإسرائيلي بن كاسبيت، في تقرير بموقع "المونيتور" الأمريكي (Al Monitor)، فإنه في ظل "تراجع الدعم المحلي لنتنياهو بسبب مشروع إصلاح القضاء المثير للجدل والانكماش الاقتصادي، فإن كل ما تبقى له كي يقدمه للجمهور هو (التطبيع) السعودية ليعيد صورته العامة كزعيم عالمي.. إنه يحلم بذلك نهارا وليلا".

ويعتبر محللون إسرائيليون السعودية بمثابة "جوهرة التاج" في التطبيع مع الدول العربية؛ نظرا إلى مكانة المملكة الدينية بين المسلمين في أرجاء العالم، بالإضافة إلى قدراتها الاقتصادية الضخمة.

كما لا تخلو مساعي بايدن المكثفة لكبح البرنامج النووي الإيراني وتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية من طموح سياسي شخصي، إذ يرغب بشدة في إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية في انتخابات 2024، بحسب بن كاسبيت.

ومن أصل 22 دولة عربية، تقيم ست دول هي مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب والسودان والعراق علاقات علنية مع إسرائيل التي تحتل أراضٍ في فلسطين وسوريا ولبنان منذ حرب 5 يونيو/ حزيران 1967.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران الولايات المتحدة صفقة السعودية إسرائيل نووي تطبيع

لدوافع أمريكية وإيرانية.. صفقة النووي المرتقبة لن تكون مكتوبة

الصفقة النووية المتواضعة.. هل هي أفضل خيار أمريكي إيراني حاليا؟