تهديدات روسيا النووية.. استعداد عسكري أم توازن ردع؟

الثلاثاء 27 يونيو 2023 11:09 ص

سلط زميل مركز ديفيس للدراسات بجامعة هارفارد، بيتر روتلاند، الضوء على القلق المتزايد في صفوف النخبة الروسية منذ مايو/أيار الماضي بشأن الجمود فيما يسمى بـ "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، مع استمرار هجمات الطائرات المسيرة على موسكو وقصف المدن الحدودية داخل البلاد، مشيرا إلى تجدد الدعوات لاستخدام السلاح النووي لإجبار الغرب على قطع إمداد أوكرانيا بالأسلحة.

وذكر روتلاند، في تحليل نشره موقع "ريسبونسبل ستيتكرافت" وترجمه "الخليج الجديد"، أن هذه الآراء جرى تداولها في اجتماع 20 مايو/أيار لمجلس السياسة الخارجية والأمنية، وهو تجمع مؤثر للمسؤولين ومراكز الفكر في موسكو.

 وقال نائب مجلس الدوما كونستانتين زاتولين، إن أحد المشاركين، في الاجتماع، دعا إلى إلقاء قنبلة نووية على رزيسزو، وهي مركز النقل في جنوب شرق بولندا، والذي تتدفق من خلاله معظم الأسلحة إلى أوكرانيا.

ويشير روتلاند إلى ترجيح أن يكون الشخص الذي اقترح إلقاء قنبلة نووية على رزيسزو هو، سيرجي كاراجانوف، رئيس المجلس، منذ أن نشر مقالًا في 14 يونيو/حزيران دعا فيه إلى الاستخدام الواضح لسلاح نووي لإجبار الغرب على الاستسلام.

وجادل كاراجانوف آنذاك بأنه حتى لو انتصرت روسيا في ساحة المعركة، فإنها ستواجه تمردًا في الأجزاء التي تحتلها من أوكرانيا، وأن الطريقة الوحيدة لسحق المقاومة ستكون وقف تدفق الدعم من الغرب.

وخلص المقال إلى أن "الهدنات ممكنة لكن المصالحة ليست كذلك"، مشيرا إلى أن "الورقة الرابحة لروسيا هي استعدادها لاستخدام سلاح نووي تكتيكي".

وأعرب كاراجانوف عن أسفه لأن الناس في الغرب "فقدوا خوفهم من الجحيم.. نسوا أهوال الحرب، ولم يعد يخافوا حتى من الأسلحة النووية"، مضيفا: "سيتعين علينا استعادة مصداقية الردع النووي من خلال خفض العتبة المرتفعة بشكل غير مقبول لاستخدام الأسلحة النووية". وكان كاراجانوف واثقًا من أن انفجارًا نوويًا واحدًا سيكون كافياً لإجبار الغرب على الاستسلام وأن خطر التصعيد منخفض، لأن الولايات المتحدة لن تكون على استعداد للتضحية بـ "بوسطن من أجل بوزنان" حسب تعبيره.

وهنا يشير روتلاند إلى أن كاراجانوف كان، في تسعينيات القرن الماضي، ليبرالياً يدعم تكامل روسيا مع أوروبا، معلقا: "إنه لأمر مروع أن نرى رجلاً في مكانته يجادل من أجل الاستخدام الفعلي للأسلحة النووية. لكنه ليس وحده بأي حال من الأحوال، فقد قدم ديمتري ترينين، الرئيس السابق لمركز كارنيجي موسكو، الممول من الولايات المتحدة، حجة مماثلة في سبتمبر/أيلول 2022".

وأشار إلى أن مثل هذه الآراء تحظى ببعض التأييد في الرأي العام الروسي، إذ وجدت إحدى الدراسات الاستقصائية أن 29% من المستجيبين يعتقدون أن استخدام روسيا للأسلحة النووية سيكون له ما يبرره.

ولا تمثل آراء كاراجانوف السياسة الروسية الرسمية، وسارع بعض محللي موسكو الآخرين مثل، أليكسي أرباتوف، وإيفان تيموفييف، إلى نشر مقالات تنتقد موقفه وتحذر من مخاطر التصعيد غير المنضبط بعد الاستخدام الأول لسلاح نووي.

ومنذ بداية الحرب، ذكّر القادة الروس حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مرارًا وتكرارًا، بأنهم على استعداد لأن يكونوا أول دولة تستخدم الأسلحة النووية إذا رأوا "تهديدًا وجوديًا" لروسيا.

سابقة القرم

ويلفت بوتلاند إلى أن روسيا استخمت التهديد النووي جرى حتى أثناء ضم شبه جزيرة القرم، ففي فيلم وثائقي تم إنتاجه عام 2015، قال بوتين إنه كان مستعدًا لوضع الأسلحة النووية في حالة تأهب قصوى.

وفي يونيو/حزيران 2020، أصدر الكرملين وثيقة توضح الشروط التي ستستخدم روسيا بموجبها الأسلحة النووية، شملت "الاعتداء على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية، وعندما يكون وجود الدولة نفسه تحت التهديد".

ورداً على ذلك، أوضحت الولايات المتحدة منذ بداية الحرب أنه لن يتم إرسال قوات مقاتلة تابعة لحلف شمال الأطلسي إلى أوكرانيا، ورفضت تنفيذ "منطقة حظر الطيران" التي طلبها الرئيس، فولوديمير زيلينسكي، في الأيام الأولى للحرب.

وكانت الولايات المتحدة وروسيا تشير بالفعل إلى معايير ردهما المحتمل في التبادلات الدبلوماسية في الأسابيع التي سبقت غزو أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

وامتنعت روسيا عن شن هجمات على المستودعات في بولندا التي تتدفق منها الأسلحة إلى أوكرانيا، وأثنت الولايات المتحدة أوكرانيا عن مهاجمة أهداف داخل الاتحاد الروسي.

وفي السياق ذاته، أرسلت الولايات المتحدة المدفعية الصاروخية الأوكرانية HIMARS بمدى 80 كيلومتر، لكنها رفضت إرسال البديل بمدى 300 كم، وهو ما علق عليه بوتلاند بقوله: "الخوف من التصعيد النووي يكبح الطرفين".

ومع ذلك، عندما بدأت روسيا هذا العام في سحب مراكز القيادة واللوجستيات خلف خط المواجهة، احتاجت أوكرانيا إلى أسلحة بعيدة المدى لضرب تلك الأهداف داخل مناطق أوكرانيا المحتلة.

ولذا بدأت الولايات المتحدة، في فبراير/شباط 2023، في إرسال قنابل صغيرة القطر (GLSDB) يمكن أن تصيب أهدافًا على بعد 150 كيلومتر.

وفي مايو/أيار الماضي، أعلنت المملكة المتحدة أنها ستزود أوكرانيا بصواريخ "كروز ستورم شادو" الجوية، بمدى يبلغ 250 كيلومتر.

ويلفت روتلاند إلى أن التصعيد في مدى وقوة الأسلحة المسلمة إلى أوكرانيا هو أحد أسباب عودة بعض القادة الروس إلى التهديدات النووية، إضافة إلى موجة الهجمات التي شنتها أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة على مجموعة متنوعة من الأهداف داخل روسيا، من مستودعات الوقود إلى المطارات القاذفة وحتى موسكو نفسها، باستخدام طائرات مسيرة محلية الصنع".

ويضيف روتلاند: "لا نعرف بالضبط مقدار الضغط الذي يمارسه المسؤولون الأمريكيون بشكل خاص على كييف للتوقف عن هذه الهجمات. ولا نعرف أيضًا ما إذا كانت الولايات المتحدة تفكر في شن هجمات على لعبة القرم العادلة، مثل الضربة التي دمرت جسر كيرتش الحيوي في أكتوبر/تشرين الأول 2022، واستخدمتها روسيا كذريعة لإطلاق وابل مدمر على شبكة الكهرباء الأوكرانية".

وكان التصعيد الأخير هو إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 9 يونيو/حزيران، أنه يخطط لشحن أسلحة نووية تكتيكية إلى بيلاروسيا.

قلق أمريكي

وتبدو واشنطن قلقة من سياسة حافة الهاوية التي ينتهجها بوتين، بحسب روتلاند، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قال في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2022: "لأول مرة منذ أزمة الصواريخ الكوبية، لدينا تهديد مباشر باستخدام الأسلحة النووية".

ومع ذلك، فإن الخبراء الأمريكيين منقسمون حول مدى جدية التعامل مع التهديدات النووية الروسية، فقد جادل كيفين رايان، الجنرال المتقاعد والملحق العسكري السابق في موسكو، في أبريل/نيسان الماضي بأن بوتين "كان يهيئ الظروف للاستخدام النووي منذ بداية الحرب وهو مستعد لاستخدام سلاح نووي متى قرر ذلك".

فيما عارضت ديما أدامسكي، الأستاذة بجامعة رايشمان في إسرائيل، هذا الرأي قائلة إن "وراء كل هذا التهديد، بنية الردع المتبادل".

المصدر | بيتر روتلاند/ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

روسيا أوكرانيا موسكو الغرب السلاح النووي

تقدير روسي: صراع موسكو والغرب يتجه نحو حرب نووية

روسيا تزود غواصاتها النووية الجديدة بصواريخ فرط الصوتية