تشاتام هاوس: العواصف الترابية تحد أمني يهدد الشرق الأوسط

الأربعاء 12 يوليو 2023 09:25 م

سلط تقرير لمركز "تشاتام هاوس" للأبحاث في لندن الضوء على مناسبة اليوم العالمي الأول لمكافحة العواصف الرملية والترابية (12 يوليو/تموز)، مشيرا إلى أن إقراره يدل على أن الأمم المتحدة قلقة بشأن تزايد حدة انتشار هذه العواصف.

وذكر التقرير، الذي ترجمه "الخليج الجديد"، أن عام 2022، شهدت تأثيرا للعواصف الترابية على عديد الدول بالشرق الأوسط، من تركيا إلى عمان، وضربت العراق بشكل خاص.

وفي حين أن السماء البرتقالية هي سمة مناخية طبيعية للمنطقة، فإن شدة وتواتر ومدة العواصف الترابية في السنوات الأخيرة تلفتت الانتباه إلى تغير حادث.

وتحدث العواصف الترابية في البيئات القاحلة وشبه القاحلة عندما تهب الرياح وتعلق وتنقل جزيئات التربة الرخوة، ويبلغ قطر جزيئاتها أقل من 0.05 ملم ويمكن أن تنتقل لآلاف الكيلومترات، ما يميزها عن جزيئات العواصف الرملية الأكبر حجمًا والتي تنتقل بضعة كيلومترات على الأكثر.

ويلفت تقرير إلى أن البناء على ضفاف الأنهار وسوء ممارسات إدارة الأراضي والمياه يزيد من حدة المشكلة، وأن الحكومات في الشرق الأوسط، المشتتة بسبب الصراع والظروف الاقتصادية الهشة، لم تعط ظاهرة العواصف الترابية الأولوية.

ففي سوريا والعراق، على سبيل المثال، هزت سنوات من الضربات العسكرية الجوية والمعارك البرية الأرض، ما أدى إلى تدمير الغطاء النباتي والغابات عبر مناطق شاسعة.

ويؤدي تغير المناخ إلى تفاقم هذه المشكلة، إذ يخلق الجفاف مصادر للغبار عن طريق تدهور التربة وتسريع التصحر، وتحول فترات الجفاف الأطول والأقسى، الناجمة عن تغير المناخ، الأرض مصدر دائم للغبار.

وهنا ينوه التقرير إلى تقلص بحيرة هامون والأراضي الرطبة على الحدود الأفغانية الإيرانية، مع انتشار الجفاف على مدار الثلاثين عامًا الماضية.

ووفقًا لدراسة إيرانية، يؤدي تجفيف المسطحات المائية إلى زيادة انبعاثات الغبار بنسبة تصل إلى 80 %.

ومع أن العواصف الترابية قد تكون مفيدة بيئيًا، حيث تلعب دورًا مهمًا في نقل مغذيات التربة، إلا أن تأثيرها على المجتمعات البشرية يمكن أن يكون مدمرًا، فهناك مخاطر فورية لها، كما يتضح من الوفيات والإصابات الناجمة عن تراكم المركبات الناجمة عن العاصفة الترابية بولاية إلينوي الأمريكية في مايو/أيار الماضي.

الأثر الصحي

كما تتعرض الصحة على المدى الطويل للخطر من جزيئات العواصف الصغيرة التي تؤدي إلى تفاقم مشاكل الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية ويمكن أن تنشر مسببات الأمراض المحمولة جوا.

ويمكن أن تؤدي العواصف الترابية أيضًا إلى بوار المحاصيل ونفوق الحيوانات، وبالتالي تهدد الأمن الغذائي الهش في المنطقة.

يمكن أن "تنتقل" الآثار الضارة للعواصف الترابية إلى البنية التحتية الحيوية، ففي فبراير/شباط 2017، تسببت التصريفات الكهروستاتيكية الناتجة عن عاصفة ترابية في حدوث ماس كهربائي في محولات الطاقة بمقاطعة خوزستان الإيرانية المنتجة للنفط.

وانخفض إنتاج النفط في المقاطعة بمقدار 700 ألف برميل في يوم واحد، وعانت العديد من المدن، بما في ذلك العاصمة الأهواز، من انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى 24 ساعة.

وتعطلت خدمات الهاتف المحمول والإنترنت، واضطرت المدارس والمكاتب العامة إلى الإغلاق لعدة أيام، وواجهت المستشفيات صعوبة في الحصول على طاقة احتياطية محدودة، ما دفع المواطنين، المحبطين بالفعل من البطالة ونقص المياه، إلى الاحتجاج.

التوتر الجيوسياسي

وفي منطقة يمزقها التوتر الجيوسياسي، يمكن للعواصف الترابية أن تغذي لعبة إلقاء اللوم على الخارج، ففي إيران، غالبًا ما يحمل المسؤولون المسؤولية على جيرانهم، وألقوا باللوم على عاصفة 2017 في خوزستان على سوء إدارة الأراضي والمياه في العراق.

وبالمثل، في عام 2022، اتهم رئيس منظمة حماية البيئة الإيرانية، علي سلاجقة، كل من السعودية وتركيا بتأجيج العواصف الترابية الأخيرة.

ورغم أن تركيا ليست مصدرًا رئيسيًا للغبار، إلا أن برنامجها المكثف لبناء السدود على نهري دجلة والفرات قلل من تدفق المياه في دول المصب، ما أدى إلى فقدان الغطاء النباتي وتوسع النقاط الساخنة للعواصف الترابية.

 ونظرًا لأن تغير المناخ يقلل من هطول الأمطار ويزيد من معدلات التبخر، يصبح الوصول إلى المياه متشابكًا مع الأمن القومي. وقد تؤدي عاصفة ترابية في المستقبل إلى إشعال فتيل الصراع بين الدول في الشرق الأوسط، والذي ستنتشر عواقبه إلى ما هو أبعد من المنطقة، بحسب تقرير "تشاتام هاوس".

ويؤكد التقرير على ضرورة أن لا تعالج الحلول إخفاقات الحوكمة العابرة للحدود فحسب، بل إخفاقات الحوكمة الوطنية أيضا، مشيرا إلى أن العراق مثال على ذلك، إذ تعاني معظم الأراضي الزراعية من التصحر أو باتت معرضة لخطره.

وتشكل عائدات النفط 85% من الميزانية الوطنية العراقية، ما يخلق نظامًا موجهًا نحو خدمة قطاع الهيدروكربونات على حساب قطاعات مثل الزراعة والمياه.

التعاون الإقليمي

وهنا يلفت التقرير إلى وجود مجال للعمل التعاوني لمعالجة الآثار السلبية الفورية والطويلة الأجل للعواصف الترابية، فبصفتها أعضاء في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، تستفيد جميع بلدان المنطقة من برنامج نظام الاستشارات والتقييم للإنذار بالعواصف الرملية والترابية (SDS-WAS) ، الذي يوفر المعرفة والتكنولوجيا اللازمة للتخفيف من العواصف الترابية وتقليل تأثيرها.

وفي هذا الإطار، حصلت السعودية على اعتماد المنظمة العالمية للأرصاد الجوية لمركزها الإقليمي الخاص بالتحذير من العواصف الرملية والترابية في يوليو 2023.

وأطلقت بعض الحكومات الوطنية مبادرات واسعة النطاق لغرس الأشجار لزيادة الغطاء الأخضر وتقليل التقاط الغبار، خاصة السعودية والأردن.

لكن دولا أخرى لا تبادر في الاتجاه ذاته، فليس لدى تركيا، على سبيل المثال، حافزًا كبيرًا لتقليص طموحاتها في مجال الطاقة الكهرومائية للتخفيف من العواصف الترابية في دول مصب نهري دجلة والفرات.

ويوصي التقرير باستكشاف مقترحات للمنفعة المتبادلة في هذا الشأن، مثل تأجير السدود لتخزين المياه في الجبال الأكثر برودة في تركيا مقابل الكهرباء من العراق.

وقد يكون النهج العملي للتعاون الإقليمي بشأن المرونة في مواجهة العواصف الترابية هو "السعي في البداية إلى الحد الأدنى من الاتفاق بشأن سياسات المياه وأقصى قدر من التعاون في الحفاظ على الأراضي"، بحسب التقرير.

ويظهر مؤشر "دبلوماسية الغبار" في يوليو/تموز 2022، أن الحكومة الإيرانية عقدت مؤتمرًا وزاريًا مع 11 دولة من المنطقة، اقترح فيه الرئيس، إبراهيم رئيسي، تشكيل منظمة وصندوق بيئي إقليمي.

وإضافة لذلك، وقعت إيران مذكرات تفاهم لزيادة التعاون وتبادل المعلومات بشأن العواصف الترابية مع الإمارات والعراق وسوريا والكويت.

وحتى قبل استئناف العلاقات الدبلوماسية في مارس/آذار الماضي، سعت إيران بنشاط للتعاون مع السعودية بشأن هذه القضية، وفي سبتمبر/أيلول، ستستضيف مؤتمرا دوليا حول العواصف الرملية والترابية، بدعم من الأمم المتحدة.

وبالمثل، وافق مسؤولون من الكويت والعراق، في أوائل عام 2023، على مشروع عابر للحدود، ممول من الكويت بقيمة 13.2 مليون دولار، لإصلاح الأراضي المتصحرة في جنوبي العراق.

وبالنظر إلى أن دراسة علمية إقليمية حددت هذه المنطقة كمصدر رئيسي للعواصف الترابية التي تؤثر على جيران العراق، فإن هذا النوع من التعاون منطقي.

وفي حين أن المبادرات الوليدة واعدة، فقد تستغرق سنوات حتى تترسخ، وفي غضون ذلك، لا ينبغي التقليل من عواقب العواصف الترابية، بحسب تقرير "تشاتام هاوس".

المصدر | تشاتام هاوس/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تشاتام هاوس العواصف الترابية تركيا عمان العراق

ف.بوليسي: على الشرق الأوسط المتغافل اقتناص حماس واشنطن النادر لإنشاء هيكل أمني بالمنطقة