تحليل: نجاح التعاون بين مصر والعراق مرهون بدول الخليج

الأربعاء 2 أغسطس 2023 06:59 م

سلط الباحث المشارك بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، يريفان سعيد، الضوء على تعزيز مصر والعراق من دبلوماسية التعاون المشترك بينهما، مشيرا إلى أن مجلس التعاون الخليجي لا يزال هو العمود الفقري للتأثير في السياسة الإقليمية.

وذكر سعيد، في تحليل نشره بموقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أجرى في 13 يونيو/حزيران الماضي، رحلته الثانية إلى القاهرة في أقل من 100 يوم، برفقة 11 وزيرا وعشرات رجال الأعمال العراقيين، ووقع 11 مذكرة تفاهم لتوسيع التجارة والسياحة والاستثمار، في إطار تكاملي أوسع بين العراق ومصر والأردن.

وأضاف أن العلاقة العراقية المصرية، شهدت على مر السنين فترات من التعاون والتنافس والديناميكيات المتغيرة مدفوعة بتطلعات القيادة والسياسات والصراعات الإقليمية، ورغم هذه التعقيدات، أدرك البلدان أهمية استمرار المشاركة الدبلوماسية لاستكشاف سبل التعاون.

وفي عام 1963، حاولت مصر والعراق، إلى جانب سوريا، تشكيل تحالف عربي إقليمي لتعزيز أمنهما واستقرارهما وتعزيز ناتجهما الاقتصادي من خلال تحرير التجارة.

وفي محاولة للتنافس مع مجلس التعاون الخليجي، أسست مصر والعراق والأردن واليمن مجلس التعاون العربي في عام 1989، ومع ذلك، لم يدم التحالف طويلاً بسبب غزو العراق للكويت في العام التالي.

وفي الثمانينيات، عندما استنزفت الحرب الإيرانية العراقية القوة العاملة في العراق، أزال نظام صدام حسين قيود التأشيرات عن المصريين وجلب 1.5 مليون عامل مصري، وفي يوليو/تموز 1988، أنشأت مصر والعراق اللجنة العليا المصرية العراقية المشتركة لتعزيز مصالحهما الاقتصادية والأمنية والتجارية، غير أن غزو العراق للكويت عطل عمل اللجنة.

وأعاد العراق ومصر مؤخرا إحياء اللجنة باجتماع في أكتوبر/تشرين الأول 2020 ببغداد، ووقعا خلال الاجتماع 15 اتفاقية تعاون في مجالات تشمل الاستثمار والتعاون الصناعي والتجارة والنقل البحري والبنية التحتية والمياه.

وعقدت اللجنة اجتماعها التالي خلال زيارة السوداني للقاهرة في يونيو/حزيران ووقعت 11 اتفاقية.

ورغم أن تفاصيل الاتفاقات ليست واضحة، إلا أنها مع ذلك تظهر تصميم كلا البلدين على تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية.

ويمكن أن يمهد عمل اللجنة العليا المشتركة الطريق لمزيد من التعاون بين العراق ومصر، عبر إطار عمل مطور للمناقشات رفيعة المستوى، وتبادل الأفكار، وإجراءات صنع القرار، ما يسمح لبغداد والقاهرة بالعثور على مجالات ذات اهتمام مشترك للتعاون، والتعامل مع العقبات، وتطوير الاستراتيجيات.

وتسهل اللجنة العليا المشتركة على الوفود السفر ذهابًا وإيابًا إلى العراق ومصر، وعقد التجمعات التجارية، وإقامة شراكات، ما يمكن أن يعزز التجارة الثنائية، ويحفز التوسع الاقتصادي، وخلق فرص عمل في كلا البلدين.

التعاون العمالي

وهنا يشير سعيد إلى أن العراق يصنف كدولة ريعية، ويعتمد بشكل كبير على عائدات مبيعات النفط، وبالتالي يواجه تحديات كبيرة تخص البطالة، تؤثر بشكل خاص على الشباب.

ورغم ارتفاع معدل البطالة، يُظهر بعض المواطنين العراقيين عزوفًا عن قبول فرص عمل معينة بسبب وصمة العار الاجتماعية المرتبطة بأدوار المكانة المتدنية.

ونتيجة لذلك، لجأ القطاع الخاص العراقي إلى توظيف أكثر من 1.5 مليون عامل أجنبي، بما في ذلك قرابة 25 ألف مصري.

وبالنظر إلى المستقبل، وفي إطار مقايضة النفط بإعادة الإعمار، فإن القاهرة لديها خطط طموحة لزيادة عدد العمال المصريين في العراق إلى أكثر من 1.5 مليون، مع توقعات بأن تجذب الاستثمارات المصرية في العراق عددًا كبيرًا من المصريين إلى البلاد.

ومع ذلك، فإن هذا الوضع يسلط الضوء على تعقيدات معالجة البطالة وديناميكيات العمل في العراق وأهمية العمالة الأجنبية في المشهد الاقتصادي للبلاد، ما يجعل الحلول لتمكين القوى العاملة المحلية وخلق فرص عمل جذابة للعراقيين أكثر أهمية.

غير أن حل مشكلة المدفوعات المالية المستحقة للعمال المصريين المتقاعدين، الذين عملوا في القطاعين العام والخاص في العراق، أمرًا ضروريًا للتعاون العمالي الشامل بين البلدين.

فاتفاقية يوليو/تموز 1988 بين القاهرة وبغداد تمنح العمال المصريين حق الحصول على معاشات التقاعد العراقية، ولذا فإن بغداد مدينة بمبلغ كبير من المال لآلاف المصريين الذين عملوا في العراق حتى عام 2003.

وفي مايو/أيار الماضي، أجرى وزير العمل والشؤون الاجتماعية العراقي، أحمد الأسدي، ونظيره المصري، حسن شحاته، 48 ساعة من المناقشات المكثفة حول حل قضية المعاشات التقاعدية وتعزيز علاقات العمل والاستثمار.

ويؤكد سعيد أن العراق، الذي مزقته الصراعات، في حاجة ماسة إلى الاستثمار الأجنبي والعمالة لدعم جهود إعادة الإعمار، وأن الاستثمار والعمالة المصرية يمكن أن يلعبا دوراً حيوياً في هذا الصدد.

وبالنظر إلى الروابط التاريخية والثقافية واللغوية، يشعر العديد من العمال المصريين بارتباط عميق بالعراق، ما يجعلهم مناسبين تمامًا للاندماج في المجتمع العراقي.

ويمكن أن يساهم هذا التقارب الوثيق بشكل كبير في عملية إعادة بناء العراق، وتعزيز التعاون وإفادة كل من العراق ومصر.

وإضافة لذلك، سمح العراق للهيئة المصرية العامة للبترول بتأجيل مدفوعات مشتريات النفط، منذ عام 2016، وهو ما تم تجديده في مارس/آذار الماضي، ما اعتبره سعيد شكلا من أشكال المساعدة المالية لمصر التي تواجه حاليًا أزمة اقتصادية حادة.

التعاون الثلاثي

وأضاف أن زيارة السوداني إلى مصر كانت جزءًا من جهود أوسع من قبل العراق ومصر والأردن لإنشاء آلية تعاون ثلاثية للتكامل الإقليمي، مشيرا إلى أن قادة الدول الثلاث التقوا 4 مرات منذ عام 2019 لوضع الأساس لتكتل اقتصادي.

كما اجتمع وزراء خارجية البلدين في قمم ثلاثية تهدف إلى تعميق التعاون، وعقد مجلس التنسيق العراقي الأردني المصري أول اجتماع له في سبتمبر/أيلول 2020.

وهذه الزيادة في الدبلوماسية رفيعة المستوى تسلط الضوء على مدى التزام العراق ومصر والأردن إلى إقامة علاقات قوية ويوحي بأن البلدان يريدان تعميق علاقاتهما من خلال تشكيل تحالف اقتصادي مشابه لذلك الذي شكلاه مع اليمن في عام 1989.

ومن شأن هكذا مشروع أن تكون له اعتبارات اقتصادية وأمنية وسياسية، بما في ذلك الربط الكهربائي بين الدول الثلاث، بحسب سعيد، مضيفا: "لكن الأهم من ذلك، ما تريده بغداد والقاهرة وعمان حقًا هو استعادة وضعها السابق كقوى سياسية ودبلوماسية واقتصادية كبرى في الشؤون العربية".

ويشير سعيد إلى أن العراق يملك ثروة من النفط، لكن عقودًا من الصراع الداخلي والإقليمي أضعفت بنيته التحتية واقتصاده، كما عانت مصر من صعوبات اقتصادية مستمرة بالإضافة إلى اضطرابات الربيع العربي.

ولعب الأردن دورًا مهمًا باعتباره وسيطًا إقليميًا، لكن حجم البلد واقتصاده وجغرافيته حدت من قدرتها على إبراز قوته على المستوى الإقليمي.

ويمثل هذا الواقع تحديات اجتماعية وسياسية واقتصادية شديدة لبغداد والقاهرة وعمان تعيق قدرتهما على ممارسة نفوذهما.

ولهذه الأسباب، يرى سعيد أن الحفاظ على العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي يظل أمرا بالغ الأهمية للتنمية الاقتصادية والاستقرار الإقليمي، إذ أعطت اقتصادات تلك الدول وتركيز الثروة فيها بروزًا إقليميًا ودوليًا متزايدًا.

وفي غضون ذلك، انتقلت أدوار العراق ومصر التاريخية في العالم العربي من الأدوار المركزية إلى الأدوار الداعمة بسبب انتقال السلطة والنفوذ إلى دول الخليج.

ويمثل التشكيل المحتمل لتكتل اقتصادي يضم مصر والعراق والأردن فرصة واعدة للتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز الترابط الاقتصادي والتجارة والاستثمار، حسبما يرى سعيد، مؤكدا أن تحقيق أهداف التكتل المحتمل مرهون بالتأكد من أن مبادراته وسياساته تتماشى مع مصالح مجلس التعاون الخليجي.

وأشار إلى أن الزيادة في وتيرة العلاقات الدبلوماسية بين العراق ومصر والأردن تعمل على تطوير مشروع إقليمي أكثر طموحًا، وتبرز مؤشرا على الجهود المتضافرة التي تبذلها البلدان الثلاثة لإقامة شراكة أعمق وأشمل، يمكن أن تفيد شعوبها والمنطقة ككل.

ويخلص سعيد إلى أن الاستمرار في العمل عن كثب مع دول مجلس التعاون الخليجي يظل هو المسار الأرجح لنجاح شراكة مصر والعراق والأردن.

المصدر | يريفان سعيد/معهد دول الخليج العربية بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العراق مصر عبدالفتاح السيسي محمد شياع السوداني مجلس التعاون الخليجي