تحليل: حسابات معقدة للمفاوضات الثلاثية بين أمريكا والسعودية وإسرائيل

الأربعاء 16 أغسطس 2023 06:53 م

سلط المركز العربي بواشنطن الضوء على مفاوضات الولايات المتحدة الأمريكية من أجل توقيع اتفاقية ثلاثية مع السعودية وإسرائيل، مشيرا إلى أن السعودية والولايات المتحدة تجريان مفاوضات معقدة، في هذا الصدد.

وذكر المركز، في تقدير ترجمه "الخليج الجديد"، أن اتفاقا ثلاثيا من شأنه أن يشمل التطبيع بين السعودية وإسرائيل وخفض العلاقات السعودية الصينية، مقابل التزام أمني أمريكي واضح تجاه الرياض، والمساعدة في مشروع الرياض للطاقة النووية المدنية، ونوع من الحل لقضية فلسطين.

وأضاف أن الرياض شهدت، خلال الأشهر القليلة الماضية، دبلوماسية مكثفة رفيعة المستوى تهدف إلى تحقيق مثل هذا الاتفاق قبل نهاية عام 2023 لكن التناقضات بين الحسابات ووجهات النظر الأمريكية والسعودية والإسرائيلية قد تعرقل هذه الاتفاقية، على الأقل في المدى القصير.

ورغم المخاوف بشأن إيران وموافقة السعودية على فتح مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية التجارية الإسرائيلية، فقد رفضت المملكة حتى الآن الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم التي توسطت فيها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب.

وبعد زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، في مايو/أيار 2023 إلى الرياض، تجددت الجهود الأمريكية المتعلقة بالتطبيع بين السعودية وإسرائيل، بعد تصريح ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان آل سعود.

لكن في مقابلة مع CNN، قلص الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الآمال في التوصل إلى اتفاق بسبب المطالب السعودية لواشنطن، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية المشتركة، والتوترات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته، والتي وصفها بايدن بأنها الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل.

وأجرى رئيس الموساد الإسرائيلي، ديفيد بارنيا، زيارة سرية لواشنطن في منتصف يوليو/تموز الماضي للتحقق من جهود الإدارة الأمريكية للتوصل إلى اتفاق مع السعودية.

وفي حين أن غالبية شروط السعوديين تتعلق بالولايات المتحدة، فإن المملكة تصر على الحصول على بعض التنازلات الإسرائيلية بشأن القضية الفلسطينية لتبرير الاتفاق.

اعتبارات الأطراف

ورغم أن المفاوضات جارية بين السعودية والولايات المتحدة، إلا أن هدفها النهائي هو التوصل إلى اتفاق ثلاثي يضم إسرائيل، ولكل طرف حوافزه وحساباته الخاصة، بالإضافة إلى التخوفات والتحفظات، التي تجعل إمكانية التوصل إلى صفقة بعيدا، على الأقل في المستقبل القريب.

فالهدف السعودي الرئيسي في اتفاق محتمل هو تأمين ضمانات أمنية أمريكية للدفاع في حالة وقوع هجوم، في إطار 3 مطالب محددة، هي:

  1. توقيع معاهدة دفاع متبادل مشابهة لحلف شمال الأطلسي تشبه بند المادة 5 للحلف، والتي بموجبها تلتزم الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة في حالة وجود أي تهديد عسكري.

وتنص المادة 5 من ميثاق الناتو على أنه "إذا كان أحد أعضاء الحلف ضحية هجوم مسلح، سيعتبر كل عضو آخر في الحلف هذا العمل هجوما ضد جميع الأعضاء، وسيتخذ الإجراءات التي يراها ضرورية لمساعدة الحليف الذي هاجمه".

  1.  تأمين المساعدة الأمريكية في بناء مفاعل نووي مدني والسماح بتخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية تحت إشراف أمريكي.
  2. تأمين أسلحة أمريكية متطورة مثل نظام الدفاع الصاروخي في منطقة الارتفاعات العالية (ثاد) الذي من شأنه أن يساعد المملكة العربية السعودية في مواجهة صواريخ إيران متوسطة وطويلة المدى.

وتخشى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل أن يؤدي دعم برنامج نووي مدني سعودي إلى بدء سباق تسلح نووي إقليمي، خاصة أن الرياض تريد تخصيب اليورانيوم باستخدام مواردها المحلية في منشآت محلية، ما قد يعني أنها قد تصل بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات تسمح لها بتطوير أسلحة نووية. ومع ذلك، أشارت إسرائيل مؤخرًا إلى أنها قد توافق بشروط على هذا الطلب السعودي.

أما بالنسبة لتزويد المملكة بأسلحة متطورة، فإن ذلك سيرضي صانعي الأسلحة الأمريكيين، لكنه قد لا يحظى بموافقة الكونجرس، الذي يعارض الحرب السعودية في اليمن، ويعرب عن عدم رضاه عن سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان.

 ومن الصعب تخيل أن حكومة إسرائيل الأكثر تطرفاً حتى الآن ستقدم تنازلات حقيقية للفلسطينيين. وحتى لو أظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعض المرونة فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى انهيار الائتلاف الحاكم.

وإضافة لذلك، فإن المعارضة الإسرائيلية لن توافق على إنقاذ رئيس الوزراء بقبولها الانضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية في أعقاب مشروعه للإصراح القضائي.

التقدير الأمريكي

يأتي ذلك فيما تود الولايات المتحدة إعادة هندسة المشهد السياسي والأمني للشرق الأوسط من خلال الجمع بين أصول حلفائها وشركائها، بما في ذلك العرب وإسرائيل، وتعزيز قدراتهم لمواجهة التحديات، وتحديداً من إيران.

وتود الولايات المتحدة أيضًا التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولديها مخاوف بشأن النفوذ الصيني في الخليج والشرق الأوسط بشكل عام، ومن زيادة التعاون السعودي الصيني.

وهنا يشير تقدير المركز العربي إلى أن واشنطن كانت قلقة من المحادثات بين الرياض وبكين لاستخدام اليوان الصيني في تداول النفط، الأمر الذي يشكل تهديدًا خطيرًا لمكانة الدولار الأمريكي كعملة احتياطي عالمية رئيسية.

كما تريد الولايات المتحدة من السعودية تقليص تعاملاتها مع عمالقة التكنولوجيا في الصين مثل "هواوي"، التي تم حظرها في أمريكا وكندا والعديد من الدول الأوروبية، إذ أن تقييد التعاون السعودي الصيني سيشكل تغييرًا كبيرًا في ميزان القوى في الشرق الأوسط.

كما تود إدارة بايدن إنهاء التنسيق السعودي الروسي بشأن أسعار النفط لزيادة الضغط على موسكو في حربها مع أوكرانيا وخفض تكاليف الطاقة قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2024.

وبحسب تقدير المركز، فإن اتفاقا مع السعودية، سيفتح الباب أمام التطبيع بين إسرائيل والعالم الإسلامي بأسره، ما سيكون إرثًا مهمًا لسياسة بايدن الخارجية.

ومع ذلك، لا تزال هناك شكوك في إمكانية إقناع السعودية بإبعاد نفسها عن الصين وروسيا بسبب المصالح الجوهرية التي تتقاسمها مع البلدين، وبسبب جهودها ودول الخليج الأخرى للبقاء غير منحازة في المنافسة بين القوى الكبرى.

ويرى بعض المراقبين أن المملكة قد لا تكون متحمسة لمساعدة بايدن في الفوز بولاية ثانية بسبب موقفه السلبي من المملكة في عام 2020، ووقف دعمه النهائي لجهود المملكة الحربية في اليمن بعد أن أصبح رئيسًا، وبسبب رغبتها في رؤيتها عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

وإضافة لذلك، من المحتمل أن يعرقل كل من الديمقراطيين والجمهوريين معاهدة دفاع مع السعودية أو تزويدها بأسلحة متطورة، فمن الواضح أن الجمهوريين غير مهتمين بمساعدة بايدن في هذا الأمر لأن القيام بذلك سيُترجم إلى فوز له قبل الانتخابات.

كما ينتقد التقدميون في الحزب الديمقراطي سجل المملكة الحقوقي ويرون أن التطبيع السعودي الإسرائيلي يضعف إمكانية إقامة دولة فلسطينية ويعيد حقوق الشعب الفلسطيني.

ومع ذلك يرى آخرون أن نجاح إدارة بايدن في التوصل إلى صفقة سعودية إسرائيلية هو مكافأة لحكومة نتنياهو، التي تحاول تقويض سلطة القضاء الإسرائيلي وإضعاف ما يسمى بالحركة الديمقراطية في البلاد.

حسابات إسرائيل

وعن التقدير الإسرائيلي، يشير المركز العربي إلى أن أي اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل مرتبط بإرث نتنياهو السياسي، إذ يأمل أن يكون الزعيم الإسرائيلي الذي ينهي 75 عامًا من العداء العربي لإسرائيل ويضمن قبول العالم العربي والإسلامي لوجود إسرائيل واغتصابها لفلسطين.

ويعتقد نتنياهو أن التطبيع مع السعودية هو الجائزة الكبرى لإسرائيل وأن السلام مع العالم العربي سيجعل قضية فلسطين هامشية إقليمياً ودولياً، ما يمكن إسرائيل من أن تقرر بمفردها علاقاتها مع الفلسطينيين في الأراضي التي احتلتها منذ عام 1967.

ولهذا السبب يبدو نتنياهو مستعدًا للنظر في شروط التطبيع، بما في ذلك احتمال امتلاك السعودية لمفاعل نووي مدني، وهو ما عبر عنه مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، مشيرا إلى أن عشرات الدول لديها مفاعلات نووية مدنية، بما في ذلك مصر والإمارات.

لكن المؤسسات العسكرية والأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية تعارض هذا الرأي، ما دفع نتنياهو إلى إبعاده عن إدارة المفاوضات مع السعودية وقصر المناقشة على فريق سري.

ويواجه نتنياهو اتهامات بتعريض وجود إسرائيل للخطر من أجل تأمين إرثه ومصالحه الشخصية، وقد تؤدي قضايا مثل الوعد المنشود بعدم ضم الضفة الغربية، ووقف بناء المستوطنات، والسماح بحرية الحركة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة وتحسين أوضاعهم الاقتصادية، إلى انهيار ائتلافه الحاكم، ولذا فهو يفضل التطبيع الجزئي مع السعودية دون تبادل للسفارات.

وفي ضوء تلك الاعتبارات، يؤكد المركز العربي صعوبة التأكد مما إذا كان الاتفاق الثلاثي سيكون متحققا قبل الانتخابات الأمريكية عام 2024، لكن المؤكد هو أن الأطراف الثلاثة تدرس بجدية اتفاقا جزئيا إذا ثبت أن التوصل إلى اتفاق شامل حول هذه الخلافات متعذر.

المصدر | المركز العربي بواشنطن/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية إسرائيل التطبيع الولايات المتحدة

صفقة التطبيع السعودي الإسرائيلي.. مسار محفوف بالمخاطر لبن سلمان

"بدر السعدون لا يمثلنا".. سعوديون يتبرؤون من ناشط أساء للفلسطينيين ويطالبون بمحاسبته

للتباحث حول صفقة ضخمة.. بايدن يدرس لقاء بن سلمان على هامش قمة العشرين

صحيفة عبرية: انقسام إسرائيلي حول "حلف دفاعي" مع الولايات المتحدة

تحليل: لا مصلحة أمريكية في تطبيع سريع بين السعودية وإسرائيل