استكشاف ديناميكيات العلاقات الباكستانية الإيرانية

الأحد 3 سبتمبر 2023 05:47 ص

بناء علاقة قوية ومتبادلة المنفعة بين إيران وباكستان سيعتمد على إدارة التعقيدات الجيوسياسية، وتحسين الروابط الاقتصادية، وتعزيز الأمن الإقليمي من خلال التعاون في مكافحة الإرهاب.

هكذا يستكشف مقال أيمن جميل في "مودرن دبلوماسي" والذي ترجمه "الخليج الجديد" الديناميكيات بين باكستان وإيران، ويسلط الضوء على العوامل المهمة التي أثرت على علاقاتهما مع مرور الوقت.

ويشدد المقال على أن تشجيع الحوار بين الثقافات والتفاعلات بين الشعبين، سيعزز التفاهم المتبادل بين باكستان وإيران، مما يفتح الطريق أمام تعاون أقوى وأكثر إثمارا في مواجهة البيئة الخارجية المتغيرة باستمرار.

وتتمتع باكستان وإيران، وهما جارتان قريبتان في جنوب آسيا والشرق الأوسط، على التوالي، بعلاقات طويلة الأمد، فمنذ استقلال باكستان في عام 1947، كانت بين البلدين علاقة اتسمت بمزيج من التعاون والتعقيد، وكان للقضايا التاريخية والجغرافية والاقتصادية والدينية تأثيرها على العلاقات الثنائية.

ويرى المقال، أن المخاوف الأمنية المشتركة بين باكستان وإيران تعد أحد العوامل الأساسية التي تعزز التعاون، فلدى كلا البلدين مصلحة في محاربة الإرهاب والتطرف، لأنهما يقعان في مناطق معقدة، وقد تعاونا في مجموعة متنوعة من المواضيع، مثل التجارة والطاقة والبنية التحتية، فضلاً عن الجهود الرامية إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي.

لكن العلاقة بين إيران وباكستان تواجه أيضًا بعض الصعوبات.

ويعد الصراع بين إيران السعودية أحد أكبر العقبات، كما أن التنافس على النفوذ في المنطقة، سبب صراعات في بعض الأحيان.

وبالرغم من التقارب بين الدولتين، لا يزال البلدان يتنافسان على السلطة في المنطقة، بالإضافة إلى ذلك، هناك اختلافات دينية كبيرة بين البلدين، والتي تسبب الصراع في بعض الأحيان.

ويشير الكاتب إلى أن البيئة الدولية المتطورة طرحت تحديات وفرصًا جديدة للعلاقات الباكستانية الإيرانية، حيث أدى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، إلى خلق حالة من عدم اليقين في المنطقة.

ومع ذلك، فقد حدثت تغييرات إيجابية أيضًا، وقد تساهم في تحسين العلاقة.

وتعاونت الدولتان في عدد من المواضيع، بما في ذلك عملية السلام الأفغانية والحرب ضد الإرهاب، لأن لكل منهما مصلحة في تعزيز الاستقرار الإقليمي.

علاوة على ذلك، أصبح التعاون بين باكستان وإيران أمراً متزايد الأهمية باعتباره ضرورياً لضمان الأمن الإقليمي.

الأمن والاستقرار الإقليميين

لقد أصبح الأمن والاستقرار الإقليميان الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى، بسبب الطريقة التي يتغير بها العالم، خاصة فيما يتعلق بالإرهاب والتطرف والأوضاع غير المستقرة في أفغانستان.

ومن أجل التعامل مع هذه المشاكل الأمنية المشتركة، أصبح من الضروري الآن زيادة التنسيق وتبادل المعلومات الاستخبارية بين البلدين.

بالإضافة إلى ذلك، إبعاد نفسيهما عن الأزمات الأكبر بينما تستمر التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا.

قانون التوازن

ويعتقد الكاتب أن العلاقة بين باكستان وإيران أصبحت أكثر تعقيدا بسبب الطبيعة الجيوسياسية المتنوعة.

وتسببت إيران، التي تلعب دورا رئيسيا في الشرق الأوسط، في توتر العلاقات مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بسبب قضايا من بينها برنامجها النووي والعقوبات الدولية.

ومن ناحية أخرى، تواصل باكستان الحفاظ على تحالفات استراتيجية مع الولايات المتحدة والسعودية، الأمر الذي أدى في بعض الأحيان إلى اختلافات في مواقفهما بشأن القضايا الإقليمية والدولية.

وأمام ذلك، وفق المقال، يتعين على البلدين ممارسة "دبلوماسية ماهرة"، واتخاذ قرارات حكيمة من أجل التغلب على هذه التعقيدات الجيوسياسية.

وأصبح الوضع الجيوسياسي أكثر إثارة للاهتمام بسبب التفاعلات الثلاثية بين إيران وباكستان والسعودية.

ولطالما كانت لدى السعودية وباكستان علاقات وثيقة، في حين ترى إيران أن السعودية عدو في المنطقة، وهذا وضع إسلام آباد في موقف توازن صعب، حيث تحاول الحفاظ على علاقات وثيقة مع الرياض دون إغضاب طهران.

ويتطلب الأمر مهارة دبلوماسية للإبحار في هذا المثلث الدقيق من أجل منع تصاعد التوترات والإضرار بالأمن الإقليمي.

مصلحة مشتركة

يشير المقال إلى أنه نظراً لحدودهما المشتركة والقضايا الأمنية التي تفرضها على الجارتين، فإن علاقات باكستان وإيران مع أفغانستان تتأثر إلى حد كبير بعدم الاستقرار، وقد أصبحت تحركات الإرهابيين عبر الحدود، وتهريب الأسلحة، والهجرة غير الشرعية، أكثر سهولة بفضل الحدود التي يسهل اختراقها، الأمر الذي يثير المخاوف بشأن أمن الجميع.

بالإضافة إلى ذلك، واجه كلا البلدين قيودًا على الموارد وقضايا إنسانية نتيجة لتدفق اللاجئين الأفغان.

ورغم أن باكستان وإيران لهما مصلحة في تحقيق الاستقرار في أفغانستان من أجل التصدي لهذه التحديات الأمنية والإنسانية، فإن الاختلافات في استراتيجيات المشاركة الإقليمية وأساليب حل الصراعات قد تؤدي في بعض الأحيان إلى توتر العلاقات الثنائية بين البلدين.

ومن أجل تحقيق التوازن بين مصالحهما الجيوسياسية والعمل على تحقيق السلام الإقليمي، يتعين على باكستان وإيران أن تستمرا في إدارة الاضطرابات في أفغانستان.

التعاون العسكري

ويعد التعاون العسكري بين البلدين أحد الجوانب المعقدة والمتطورة للعلاقات الثنائية بين باكستان وإيران.

وعلى مر السنين، تعاونت الدولتان عسكريًا بطرق متنوعة، متأثرة بديناميكيات الأمن الإقليمي والأهداف المشتركة.

ويشير المقال أن أمن الحدود كان أحد المجالات الرئيسية للتعاون العسكري بين البلدين.

ونظرًا لطول الحدود المشتركة وسهولة اختراقها، ظهرت مشاكل التهريب والهجرة غير الشرعية والأنشطة المسلحة عبر الحدود، وقد نفذت دوريات حدودية تعاونية وقنوات لتبادل المعلومات الاستخبارية لحل هذه المشاكل.

ويضيف المقال أن باكستان وإيران عملتا معًا لمكافحة التهديدات الإرهابية القادمة من منطقة الحدود المشتركة بينهما، حيث تقاسم البلدان المخاوف بشأن المنظمات الإرهابية العاملة في المناطق الحدودية، الأمر الذي أدى إلى تبادل المعلومات الاستخبارية والعمليات العسكرية التعاونية.

وفي مجال التدريبات العسكرية غالباً ما تشارك القوات المسلحة الباكستانية والإيرانية في تدريبات مشتركة، والتي تسعى إلى تحسين التعاون وزيادة إمكانية التشغيل البيني وتبادل أفضل الممارسات.

وينوه المقال إلى التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، فمن خلال صناعاتهما المحلية، حاولت كل من البلدين تحسين قدراتهما الدفاعية.

وفي تصميم وتصنيع الأنظمة والمعدات العسكرية، كانت هناك أمثلة على نقل التكنولوجيا والتعاون.

وفي الأمن البحري، يشير الكاتب إلى أن لدى باكستان وإيران مصلحة مشتركة في الحفاظ على الأمن البحري وحماية خطوط الشحن الإقليمية، بسبب قربهما من بحر العرب.

ولتحسين التعاون البحري والاستعداد لمواجهة التحديات الأمنية المحتملة، شاركوا في تدريبات بحرية مشتركة.

كما كان أحد العناصر الحاسمة في تعاونهما العسكري، هو التواصل والتنسيق بشأن القضايا المتعلقة بالأمن الإقليمي.

بلوشستان

ويعتقد الكاتب أن موقع بلوشستان الاستراتيجي وديناميكياتها الجيوسياسية المعقدة، لعب تاريخياً دوراً حاسماً في التأثير على العلاقات بين باكستان وإيران.

وقد أعربت كل من البلدين عن قلقهما بشأن القضايا الأمنية في بلوشستان نتيجة للحدود المشتركة للإقليم معهما.

وشهدت المنطقة نشاط العديد من الجماعات المسلحة والانفصالية، مما أدى إلى الإرهاب عبر الحدود، وتعريض استقرار وسيادة البلدين للخطر.

ولمكافحة هذه المخاطر وضمان أمن الحدود، أبدت باكستان وإيران استعداداً أعظم للعمل معاً بشأن القضايا الأمنية من خلال الانخراط في عمليات عسكرية تعاونية ومشاريع تبادل المعلومات الاستخبارية.

الآفاق الاقتصادية

وكما يعد التعاون الاقتصادي قوة دافعة وراء تطوير تحالفات دولية قوية بين الدول، فأصبحت الروابط الاقتصادية القوية بين باكستان وإيران ممكنة بفضل تاريخهما المشترك وقربهما الوثيق.

وأصبح استكشاف فرص التعاون والمكاسب المتبادلة أمراً ضرورياً، حيث يعمل كلا البلدين على تحقيق إمكاناتهما الاقتصادية الهائلة.

ووفقا للمقال، ترتكز العلاقات الاقتصادية الباكستانية الإيرانية على تجارة الطاقة، حيث تحتاج باكستان النفط والغاز، المتواجد بوفرة في إيران.

 ويهدف مشروع بناء خط أنابيب الغاز بين طهران وإسلام آباد، إلى زيادة أمن الطاقة في باكستان، إلا أن تنفيذ المشروع تعقد بسبب العقوبات الدولية المفروضة على إيران.

ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام، يبدو أن قرار التوقف متأثر بضغوط الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي.

وبموجب الاتفاق، إذا تراجعت باكستان عن التزامها، فعليها دفع 18 مليار دولار كغرامة.

ولكن للتعامل مع هذا الوضع، يجري الجانبان مفاوضات للتوصل إلى حل مناسب للجانبين، وهو ما كشفه السفير الإيراني لدى باكستان رضا أميري، خلال ندوة عقدها معهد أبحاث السياسة في إسلام آباد.

كما أنه في الآونة الأخيرة، اتفق الجانبان على إجراء مقايضة تجارية على سلع محددة بما في ذلك النفط والغاز لتعظيم الإمكانات التجارية.

ويمنح مشروع دعم أسواق الحدود، الذي افتتحه رئيس الوزراء السابق نواز شريف، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 18 مايو/أيار 2023، السكان المحليين والمواطنين في البلاد، تفاؤلا بازدهار المؤسسات وزيادة الإيرادات.

ميناء تشابهار وجوادار

وفقا للكاتب تقول باكستان إن ميناءي جوادار وشابهار، يجب أن ينموا كأخوين وليس كمنافسين.

ومن خلال زيادة الاتصالات عبر السكك الحديدية والطرق والعلاقات البحرية، ينبغي للميناءين أن يكمل كل منهما الآخر في تعزيز التجارة في المنطقة، حيث سيستفيد اقتصاد كل من جوادار وشهبهار من التعاون التجاري، والذي من شأنه أن يوفر أيضًا فرص العمل.

وبالنسبة للعلاقات الباكستانية الإيرانية، فإن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وهو مشروع رئيسي لمبادرة الحزام والطريق الصينية، مهم للبلدين.

ومن خلال بناء ممرات التجارة والبنية التحتية، يهدف الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني إلى ربط ميناء جوادار الباكستاني بمقاطعة شينجيانغ الصينية.

وفي غضون ذلك، تسعى مشاركة الهند في تطوير ميناء تشابهار الإيراني إلى تحقيق التوازن بين تأثير الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني وتحسين وصول الهند إلى أفغانستان وآسيا الوسطى.

وقد أبدت كيانات عالمية مختلفة، تسعى كل منها إلى تعظيم مصالحها وقوتها، اهتمامًا بتطوير واستخدام هذه الموانئ.

ووفقا للكاتب ينعكس التفاعل المعقد للمصالح الجيوسياسية في المنطقة في العلاقة بين تشابهار وجوادار.

ومن خلال هذه الموانئ، تحاول إيران وباكستان والهند والصين ملاحقة أهدافها الاقتصادية والاستراتيجية، مما يجعل من الصعب التنقل بين المصالح المتعددة الموجودة هناك.

وللتأكد من أن تطوير مينائي تشابهار وجوادر يساهم في الثروة والاستقرار الإقليميين، فإن البراعة الدبلوماسية والحوار البناء والتعاون العملي أمر بالغ الأهمية.

ومن الممكن أن تكون العلاقة بين المناءين حافزاً للتواصل الإقليمي والتكامل الاقتصادي، وتوليد مزايا متبادلة لجميع الأطراف المعنية، من خلال الاعتراف بإمكانية تحقيق نتائج مربحة للطرفين وإيجاد أرضية مشتركة.

ويختم الكاتب مقاله بالقول، أن المشهد العالمي المتغير يقدم فرصًا وتحديات للعلاقات بين باكستان وإيران. ويتعين على كلا البلدين تعديل أساليبهما في التعامل مع السياسة الخارجية مع تطور الديناميكيات الإقليمية والعالمية من أجل حماية مصالحهما وتعزيز التعاون.

المصدر |   أيمن جميل/ مودرن دبلوماسي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران باكستان الهند السعودية