MEE: العدل الدولية قد تقدم منطلقا لتحرر الفلسطينيين من صهيونية الإبادة الجماعية

الجمعة 12 يناير 2024 02:03 م

سلط أستاذ السياسة العربية الحديثة والتاريخ الفكري بجامعة كولومبيا الأمريكية، جوزيف مسعد، الضوء على ما كشفه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من طبيعة الصهيونية كـ "طائفة إبادة جماعية" حسب تعبيره، مشيرا إلى أن قرار محكمة العدل الدولية لشأن ممارسات جيش الاحتلال في غزة قد يمثل منطلقا لتحرر الفلسطينيين.

وذكر مسعد، في مقال نشره موقع "ميدل إيست آي" (MEE) وترجمه "الخليج الجديد"، أن توصيف "الأكثر عنصرية" للحكومة الإسرائيلية الحالية، بقيادة بنيامين نتنياهو، بات محل إجماع التيار الرئيسي في الغرب، وهو ما جاء تاليا لاستقرار توصيف منظمات حقوق الإنسان الغربية الرئيسية لإسرائيل بأنها دولة "فصل عنصري" منذ تأسيسها.

وأضاف أن نفس الحكومة، التي كانت موضع إدانة دولية، هي التي تشن حرب الإبادة الجماعية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، ومع ذلك فإنها تحظى بالدعم والتسليح والتمويل من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، الذين تناسوا انتقاداتهم السابقة ولم يتراجعوا عن تبرير الجرائم و

وبات السؤال المطروح على نحو متزايد، بحسب مسعد، هو: هل غالبية اليهود الإسرائيليين تنطبق عليهم أوصاف حكومتهم أيضًا؟ وهل حكومتهم ليست انعكاس لثقافتهم السياسية السائدة؟

ليست هامشية

وهنا يشير مسعد إلى ما لاحظه رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي"، ديفيد هيرست، مؤخراً بشأن أولئك الذين يعبرون عن عنصرية الإبادة الجماعية بين اليهود الإسرائيليين، بما في ذلك الجنود والفنانين والسياسيين، وبالتالي فهذا الفكر لم يعد هامشياً، بل يمثل ما يعتقده التيار السائد في إسرائيل من تأييد للإبادة الجماعية والعنصرية والفاشية، وهو ما يعبرون عنه عندما يتحدثون عن الفلسطينيين دون خجل، بل بفخر.

ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجراها معهد الديمقراطية الإسرائيلي ومؤشر السلام التابع لجامعة تل أبيب، فبعد أكثر من شهر من بدء العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، قال 57.5% من اليهود الإسرائيليين إنهم يرون أن قوات الجيش الإسرائيلي تستخدم قوة نيران "قليلة جدًا" في غزة، بينما قال 36.6% إن الجيش الإسرائيلي يستخدم قدرًا مناسبًا من قوة النيران، وقال 1.8% فقط إنهم يعتقدون أن الجيش يستخدم قدرًا كبيرًا من القوة النارية.

وهنا يلفت مسعد إلى أن عنصرية الحركة الصهيونية منذ بدايتها معروفة وموثقة، ولذا فقد شرعت دائما في تطهير فلسطين عرقيا من سكانها الأصليين، وهو ما عبرت عنه الصحافة الإسرائيلية مؤخرا، عبر مقالات تصور التطهير العرقي الذي تخطط له إسرائيل لفلسطينيي غزة وطردهم المحتمل إلى سيناء المصرية وتصوره على أنه "أمر رائع" و"واحد من أكثر الحلول المناسبة لضمان مستقبل سلمي لسكان غزة".

ويشير مسعد إلى أن هذا الاقتراح من الممكن أن يواجه باقتراح مماثل بانتقال المستعمرين اليهود في إسرائيل طوعا إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وخاصة ألمانيا، لضمان حقوقهم وامتيازاتهم، باعتبارهم أنسب البلدان لهم؛ لأن المسؤولين والمثقفين الإسرائيليين غالباً ما يزعمون أنهم يعيشون في محيط يشبهونه بـ"الغابة".

هذا التعبير هو ما وصف به منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، العالم غير الغربي في العام الماضي، بينما وصف أوروبا بأنها "حديقة"، فيما شددت الرئيسة الألمانية للاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، أيضًا على أن "الثقافة اليهودية أوروبية" وأن "أوروبا يجب أن تقدر يهوديتها. حتى تتمكن الحياة اليهودية في أوروبا من الازدهار مرة أخرى".

ويضيف مسعد أن خطوة الهجرة الطوعية لليهود الإسرائيليين، الذين يحمل أكثر من مليون منهم بالفعل جوازات سفر أوروبية وأمريكية، من شأنها أن تنقذ الشعب الفلسطيني (والشرق الأوسط على نطاق أوسع) من العنف والحروب التي شنها الاستعمار الصهيوني منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر إلى قيام إسرائيل عام 1948 وما بعده.

ويضيف: "بدلاً من دفع إسرائيل ورعاتها الغربيين إلى التفاوض سراً مع الكونغو أو كندا لاستقبال الفلسطينيين، كما أورد تقارير مؤخراً، يتعين على الأمم المتحدة والدول العربية أن تحث الدول الغربية بكل حماس على الترحيب باليهود الإسرائيليين في وسطها".

التراث اليهودي

ومع كشف استطلاعات الرأي والتحليلات الأخيرة عن تأييد غالبية اليهود الإسرائيليين لإبادة الفلسطينيين جماعيا، فإن انتقالهم إلى أوروبا والولايات المتحدة "سيجلب لهم المزيد من السعادة وراحة البال"، حسب تعبير مسعد.

وفي هذا السياق، أكدت منسقة المفوضية الأوروبية لمكافحة معاداة السامية وتعزيز الحياة اليهودية، الألمانية، كاتارينا فون شنوربين، مؤخرا أن "أوروبا لن تكون أوروبا بدون تراثها اليهودي"، وأوضحت: "التراث اليهودي جزء من الحمض النووي لأوروبا. وكمؤسسات أوروبية، نريد حماية التراث اليهودي، والحفاظ عليه والاعتزاز به. وهذا جانب رئيسي لتعزيز الحياة اليهودية، وهو الهدف النهائي لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي بشأن مكافحة معاداة السامية".

وإزاء ذلك، يرى مسعد أنه من المفترض أن تفتح أوروبا أبوابها أمام اليهود، على عكس ما حدث في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، أو أن تفع ذلك الولايات المتحدة، التي رفضت قبول اللاجئين اليهود الفارين من النازيين وأعادت سفينة مليئة بهم في عام 1939 إلى أوروبا حيث لقي الكثير منهم حتفهم في معسكرات الموت التابعة لهتلر.

ويضيف: "لقد غادر عدد كبير من الأطباء النفسيين إسرائيل بالفعل نظرا لعبء العمل الكبير الذي زاد منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، ونظام الصحة العقلية الذي بات على شفا الانهيار"، مشيرا إلى أن ذلك ليس مفاجئاً، "لأن دعم ذبح الفلسطينيين منذ عام 1948 أصبح بمثابة عبادة للإبادة الجماعية بين جميع شرائح المجتمع والحكومة في إسرائيل".

ويتابع مسعد: "مثل جميع أعضاء الطوائف العنيفة، فالطريقة الوحيدة لإنقاذهم من أنفسهم هي إلغاء برمجتهم. ولا شك أن هذه ستكون عملية طويلة ومعقدة، وستتطلب في حالة العديد من اليهود الإسرائيليين، التراجع عن عقود من غسيل الأدمغة. ولعل نفس هؤلاء الأطباء النفسيين الذين غادروا إسرائيل يمكن أن يساعدوا في تفكيك برمجة اليهود في بيئة أوروبية آمنة لتخليصهم من ارتباطهم بالتطهير العرقي وحروب الإبادة الجماعية".

مستقبل فلسطين

وفي هذه الأثناء، تثير القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، والتي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، إنذارات في البيت الأبيض وعواصم أوروبا الغربية، فهي ليست سوى الحلقة الأخيرة لاتهام إسرائيل بارتكاب جرائم.

فقبل عام، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على طلب فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية بأغلبية 87 صوتاً مؤيداً و26 صوتاً معارضاً، و"كانت الأصوات المعارضة لنفس الدول التي تدعم اليوم حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة"، بحسب مسعد.

ويرى مسعد أن تاريخ هذا النوع من القضايا بمحكمة العدل الدولية يبشر بخير بالنسبة للفلسطينيين، إذ سبق للمحكمة أن نظرت، في قضية تفويض نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لحكم مستعمرة "ناميبيا" بعدما رفض هذا النظام قرار إلغاء تفويضه بحكمها عام 1969.

 وعندما تحدت جنوب أفريقيا الأمم المتحدة ورفضت الانسحاب، أحيل الأمر في يوليو/تموز 1970 إلى محكمة العدل الدولية للحصول على رأي استشاري، وكان قرار المحكمة بتأييد انسحاب جنوب أفريقيا عام 1971.

ورغم أن جنوب أفريقيا لم تلتزم بالقرار أيضا، واستمر رعاة نظامها الغربيين بحلف شمال الأطلسي في دعم تكتيكات التأخير المتنكرة في صورة "عملية سلام"، واستخدموا حق النقض (الفيتو) ضد قرارات الأمم المتحدة التي دعت إلى فرض عقوبات على الدولة المتعصبة للبيض، إلا أن قرار محكمة العدل الدولية كان هو الأساس الذي أدى لاحقا إلى الاعتراف بحق الشعب الناميبي في تقرير المصير.

واستغرق الأمر "حرب تحرير" لناميبيا قبل حصولها على الاستقلال أخيرًا في عام 1990، ما يعني أن قرار محكمة العدل الدولية بشأن حرب الإبادة في غزة، قد "يبشر بالخير لنضال الشعب الفلسطيني ضد مستعمريه المتعطشين للدماء"، حال إدانته لإسرائيل، بحسب مسعد.

فالقرار لن يحقق التحرر وإنهاء الاستعمار بشكل فوري، لكنه سيعمل على تسريع هذه العملية بشكل ملموس حتى تفكك نظام التفوق اليهودي الإسرائيلي وإنقاذ الفلسطينيين من عبادة الإبادة الجماعية الصهيونية.

المصدر | جوزيف مسعد/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

بنيامين نتنياهو غزة الإبادة الجماعية إسرائيل معهد الديمقراطية الإسرائيلي الحركة الصهيونية

هل تهزم جنوب أفريقيا إسرائيل في محكمة العدل الدولية؟.. كاتب أمريكي يسرد حقائق مهمة

سجال في محكمة العدل بشأن حرب غزة.. هذا ما تخشاه إسرائيل

كاتب أمريكي ينتقد دفاع إسرائيل أمام العدل الدولية: خلقوا واقعا كاذبا ودافعوا عنه

فورين بوليسي: نفاق الغرب يقود دعم الجنوب العالمي لاتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية

المكسيك وتشيلي يحيلان حرب غزة للجنائية الدولية