بخطوط إمداد من ليبيا وتشاد وأوغندا.. هكذا أبقت الإمارات حرب السودان مشتعلة

الجمعة 26 يناير 2024 12:59 م

سلط موقع "ميدل إيست آي" الضوء على تفاصيل دور الإمارات في الإبقاء على حالة الحرب الداخلية في السودان مشتعلة، مشيرا إلى حصول قوات الدعم السريع السودانية على عدد كبير من الأسلحة بدعم وتمويل من أبوظبي.

وذكر الموقع البريطاني، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن عديد الخبراء يرون أن الدعم الإماراتي هو الذي مكّن "الدعم السريع" من الاستمرار في الحرب، وساعد أبوظبي على "اللعب فوق مستواها" عبر شبكة معقدة من خطوط الإمداد والتحالفات التي لا تقتصر على السودان، بل تمتد كذلك لتشمل ليبيا وتشاد وأوغندا.

وأضاف أن مدرج "حمرة الشيخ"، وهو مهبط للطائرات في ولاية شمال كردفان بالسودان، استقبل في منتصف نهار 6 أغسطس/آب 2023، طائرة تحمل شحنةً أسلحة، واجتمع عدد من السكان المحليين حولها، والتقط أحدهم مقطع فيديو يوثق أن الطائرة البيضاء من طراز بيتشكرافت 1900، وذيل مطلي باللون الأزرق، ومملوكة لشركة Bar Aviation التي يقع مقرها في أوغندا.

ونقل الموقع البريطاني عن مصدر مطلع أن الطائرة المحملة بالأسلحة أقلعت من الإمارات وشملت حمولتها صواريخ كاتيوشا الروسية، وكانت في طريقها إلى قوات الدعم السريع.

وفي السياق، قال محلل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق، كاميرون هادسون: "في البداية، كنت أقول أنا وغيري: سيكون من الصعب على قوات الدعم السريع مواصلة الصراع. لكنهم أثبتوا أننا جميعاً على خطأ، وأعتقد أن الدعم الخارجي هو الذي صنع الفارق".

وأضاف: "أعتقد أن حجم الدعم المقدم من الإمارات كبير جداً. لقد أبقاهم في المعركة، وسمح لهم بمواصلة هذا القتال دون نهايةٍ في الأفق".

وأشار الموقع البريطاني إلى تأكيد مسؤولين ودبلوماسيون ونشطاء محليين وحقوقيون من السودان والغرب لوجهة نظر هادسون، إذ سهّلت مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة وصول الدعم الإماراتي إلى قوات الدعم السريع، خاصة صواريخ الأرض-جو، ما ساهم في إطالة أمد الصراع المسلح ولم يسفر إلا عن مزيدٍ من الفوضى في المنطقة.

مصالح استراتيجية

ونوه التقرير إلى أن قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ "حميدتي"، اختار دبي لتكون مركزاً رئيسياً لـ "إمبراطوريته التجارية"، وبات مقرباً من نائب رئيس الإمارات، منصور بن زايد، كما أن الذهب المستخرج من المناجم الخاضعة لسيطرته في دارفور يتم نقله إلى الإمارات، حيث يقيم شقيق حميدتي الأصغر، القوني دقلو.

ولدى الإمارات مصالح أخرى طويلة الأمد داخل السودان، تشمل شراء الأراضي الزراعية واستيراد الماشية، إضافة إلى سلسلة من مشروعات الموانئ بطول ساحل البحر الأحمر، بينها خطة بـ6 مليارات دولار لإنشاء ميناء في شمال بورتسودان.

ويلفت الموقع البريطاني، في هذا الصدد، إلى بعد سياسي لمصالح الإمارات في السودان، ما عبر عنه عبد الله حالقي، من منظمة Refugees International: "بقوله: "لقد عملت الإمارات على خنق ظهور الديمقراطية في المنطقة أكثر من أي دولة أخرى".

وخلال الأشهر التي سبقت الحرب في السودان، أفاد دبلوماسيون أوروبيون في شمال أفريقيا بأن المسؤولين الإماراتيين أخبروا الدول الأوروبية بأن عليها دعم قوات الدعم السريع، وذلك "إذا كانت ترغب في دعم الديمقراطية داخل السودان"، ثم بدأت تلك القوات، أواخر العام الماضي، في تبني حملة علاقات عامة تزعم تأييد الديمقراطية.

ومع بزوغ فجر العام الجديد، التقى حميدتي برئيس الوزراء السوداني السابق، عبد الله حمدوك، في أديس أبابا وتعانقا، ما قدم مؤشرا على تعاون بينهما، إذ يعيش حمدوك الآن في الإمارات، كما أن مركز أبحاثه المُسمى بـ"المركز الأفريقي للتنمية والاستثمار" مسجل هناك.

إدخال الأسلحة

ولأن الجيش يُهيمن على المجال الجوي السوداني، كان التحدي الذي يواجه قوات الدعم السريع، منذ اندلاع العرب، هو تأمين خطوط الإمداد، وهو ما عملت الإمارات على مواجهته، عبر توفير الإمدادات وتوصيلها عبر قوات الجنرال الليبي، خليفة حفتر، حسبما نقل الموقع البريطاني عن مسؤولين في جنوب ليبيا ومصادر مقربة من قائد قوات شرق ليبيا.

وحدّدت تلك المصادر سلسلةً من القواعد الجوية الليبية الرئيسية التي يجري نقل البضائع منها إلى جمهورية أفريقيا الوسطى جواً، ثم نقلها بالسيارات إلى دارفور براً.

وفي السياق، ذكر المحلل السياسي، جلال حرشاوي، أن عائلة حفتر كانت حريصةً على الحفاظ على "شبكات التجارة غير المشروعة القائمة بين السودان وشرق ليبيا"، مشيرا إلى أن تلك الشبكات شملت: الوقود، والكبتاجون، والحشيش، والذهب، والسيارات المسروقة، والاتجار في البشر.

وفي هذا الإطار، بدأت عائلة حفتر "في إرسال المساعدات" إلى قوات الدعم السريع، لكن مع اشتداد وطيس الحرب، تغيّرت طرق الإمداد التي كانت تنطلق من ليبيا بسبب المراقبة الدولية. حيث فرض مجلس الأمن حظر تسليح على غرب السودان، ثم جدّد قراره في مارس/آذار الماضي.

وأوضح الباحث في الشؤون الأفريقية، موسى تيهوساي، إن الدعم العسكري الذي ينطلق من شرق وجنوب ليبيا إلى السودان كان يمر في الأغلب عبر مجموعة فاجنر، حيث كانت المجموعة تنقل الأسلحة المتطورة والمعدات العسكرية، مثل صواريخ "سام-7" والأنظمة المضادة للصواريخ، عبر الشحن الجوي من مدينة الكفرة.

وأضاف: "كانت طريقة العمل تتغير باستمرار. وكانت أحجام الشحنات تختلف أيضاً. ولم تتوقف المساعدات فعلياً، فلطالما كانت نية الإمارات وروسيا هي ضمان انتصار حميدتي، وذلك منذ اليوم الأول".

جيران السودان

ولدى إقليم دارفور، غربي السودان، حدود مع تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى أيضاً، وفي الأخيرة تعتمد حكومة الرئيس، فوستان آرشانغ تواديرا، على قوات فاجنر من أجل الدعم العسكري في قتالها ضد المتمردين.

وصرحت مصادر معارضة في أفريقيا الوسطى بأن مرتزقة فاجنر تورطوا في نقل الأسلحة عبر الحدود إلى قوات الدعم السريع في دارفور، وكانت تلك الإمدادات تأتي من ليبيا جواً في بض الأحيان، وليس دائماً.

ولفت هادسون إلى أن الإماراتيين سعوا إلى تغيير موقف حكومة تشاد التي كانت تخشى زعزعة الاستقرار نتيجةً الحرب على حدودها، وترى في قوات الدعم السريع جماعةً قد تساعد على تغيير النظام الحاكم لديها، ورتبوا لقاء بين القائد العسكري والرئيس الانتقالي لتشاد، محمد إدريس ديبي، مع أحد مستشاري الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، وشقيق حميدتي وذراعه اليمنى، عبد الرحيم دقلو، وذلك في العاصمة أنجمينا، مطلع شهر يوليو/تموز.

وعرضت الإمارات على ديبي "أكثر من مليار دولار" مقابل "تبديل موقف تشاد نحو دعم قوات الدعم السريع" بحسب هادسون، مشيرا إلى أن هذا المبلغ كان سببا في تحول مدينة أم جرس التشادية النائية، التي تنحدر منها عائلة ديبي، إلى "منطقة مزدهرة"، خلال صيف 2023.

وحتى الـ30 من سبتمبر/أيلول، سجلت منصة Gerjon لتتبع الرحلات الجوية 109 رحلات شحن انطلقت من الإمارات وتوقفت لفترة وجيزة في عنتيبي بأوغندا، قبل أن تحلّق مرةً أخرى متجهةً إلى أم جرس.

وتحوّلت أم جرس إلى قلبٍ نابض "لعملية سرية متقنة" تديرها الإمارات لدعم قوات الدعم السريع "عبر توريد الأسلحة والمسيَّرات القوية، وعلاج المقاتلين الجرحى، ونقل الحالات الأكثر خطورة إلى واحدةٍ من مستشفياتها العسكرية"، حسبما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

لكن الرحلات الجوية من أوغندا إلى تشاد كانت قابلةً للتتبع، ولهذا تحاول قوات الدعم السريع وداعميها نقل الشحنات إلى المجال الجوي السوداني حتى يستعصي تعقبها، بحسب "ميدل إيست آي".

رحلات أوغندا

وهنا يلفت الموقع البريطاني إلى أن رحلة بتاريخ 6 أغسطس/آب الماضي إلى شمال كردفان كانت جزءاً من الجهود المبذولة لإرسال الإمدادات جواً إلى داخل السودان مباشرةً، وحطّت تلك الطائرة بنجاح، لكن الضربات الجوية من الجيش السوداني بعدها بأيام أنهت العمل على هذا الخط حتى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما عاود الجيش قصف "حمرة الشيخ" مجدداً لقناعته بأن قوات الدعم السريع عادت لإرسال طائرات الإمداد من جديد.

وكانت الطائرة الظاهرة، في الفيديو الذي وثقه أحد سكان شمال كردفان، مملوكةً لشركة Bar Aviation  التي يرأسها باراك أورلاند، وهو رجل أعمال إسرائيلي يعيش في أوغندا منذ نحو عقدين، ومقرب من عائلة الرئيس الأوغندي، يويري موسيفيني.

لكن محامي حقوق الإنسان الأوغندي، نيكولاس أوبيو، قال للموقع البريطاني: "لقد تحدثت إلى العديد من الأشخاص الذين يُعرِّفون أورلاند على أنه تاجر أسلحة".

وقال إيهود يعاري، المحلل الإسرائيلي الذي شغل منصب مستشار شؤون السودان سابقاً، إن شركة Bar Aviation  سيّرت رحلات جوية من أوغندا إلى شرق تشاد أيضاً، مضيفا: "هناك شك في أن تلك الرحلات كانت تحمل إمدادات من الإمارات".

وأردف يعاري أن "التعاملات التجارية بين حميدتي والأوغنديين تتماشى مع حجم المساعدة المالية التي تقدمها الإمارات لتشاد".

فيما أكد أوبيو أنه في حال استخدام الإمارات طائرات Bar Aviation لإرسال الأسلحة إلى السودان، فمن المستحيل أن يحدث ذلك دون علم الرئيس موسيفيني.

المصدر | ميدل إيست آي/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات السودان حميدتي أوغندا خليفة حفتر ليبيا

دانة الإمارات تعلن إيقاف العمليات الإنتاجية لأحد خزانات حفظ السوائل

مندوب السودان الأممي: الإمارات تدعم عدوان الدعم السريع بالأسلحة والمرتزقة