فورين بوليسي: خطة بايدن الجديدة للشرق الأوسط لا تحمل جديدا

الخميس 15 فبراير 2024 08:27 م

إن الكثير من الأضرار التي لحقت بأرواح البشر ومنازلهم في الشرق الأوسط، وبالأمن الإقليمي والعالمي، ومصداقية الولايات المتحدة، أصبحت بالفعل غير قابلة للإصلاح.

هكذا يشير نائب رئيس مركز السياسة الدولية في واشنطن ماثيو دوس، في مقال بمجلة "فورين بوليسي"، وترجمه "الخليج الجديد"، والذي يقول إن "العقيدة المنقحة للرئيس جو بايدن" حول الشرق الأوسط، لا تحمل سوى القليل من الأمل في التغيير.

ويلفت إلى أنه في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، أكد بايدن وإدارته أنه لا يمكن العودة إلى ما قبل ذلك، وهو ما يعطي انطباعا بأن هناك رؤية لما سيأتي بعد ذلك.

وقال بايدن في مؤتمر صحفي يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول، في أوضح رسالة عن هذه الرؤية: "من وجهة نظرنا، يجب أن يكون حل الدولتين"، في إشارة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

والشهر الماضي، عرضت الإدارة خطتها الجديدة للشرق الأوسط عبر توم فريدمان، كاتب العمود في صحيفة "نيويورك تايمز"، وهو الصحفي المفضل لدى بايدن منذ فترة طويلة، والذي كتب: "نحن على وشك رؤية استراتيجية جديدة لإدارة بايدن تتكشف لمعالجة هذه الحرب المتعددة الجبهات التي تشمل غزة وإيران وإسرائيل والمنطقة".

وكتب فريدمان: "إذا تمكنت الإدارة من تجميع كل ذلك معًا، وهو أمر ضخم، فإن عقيدة بايدن يمكن أن تصبح أكبر إعادة اصطفاف استراتيجي في المنطقة منذ معاهدة كامب ديفيد عام 1979".

ويعلق دوس على حديث فريدمان بالقول: " بينما أقدر هذه الحماسة، ولكن دعنا نقول فقط إنني لا أثق بقدر كبير في حكمه، عندما يتعلق الأمر بالمبادئ الكبيرة والجريئة للشرق الأوسط".

ويلفت إلى أن آخر مرة بدا فيها متحمسًا إلى هذا الحد، كان للرؤية الثورية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

ويضيف: "إن خطة بايدن التي يعرضها لا تقدم سوى القليل مما هو جديد أو واعد، وتهدد بإبقاء السياسة الأمريكية عالقة في نفس المأزق الفاشل الذي كانت عليه منذ عقود".

وكما نقل فريدمان، فإن الخطة تتكون من ثلاثة أجزاء: دفعة متجددة لإقامة دولة فلسطينية، واتفاق التطبيع الإسرائيلي السعودي المدعوم من الولايات المتحدة، والذي سيشمل تحالفًا أمنيًا أمريكيًا مع المملكة، ولكنه سيكون مشروطًا بالدعم الإسرائيلي للجزء الأول، والرد الأكثر عدوانية على إيران وشبكتها الإقليمية.

ويشير إلى أن إحدى المشاكل الرئيسية في عملية السلام التي تديرها الولايات المتحدة هي أنها فرضت بشكل عام عواقب على الجانب الأضعف، أي الفلسطينيين، بينما أعطت لإسرائيل الجزرة، بينما كانت العصا من نصيب الفلسطينيين.

ويزيد: "هناك بعض الدلائل الآن على أن الإدارة مستعدة لتغيير ذلك"، ضاربا المثل بالأمر التنفيذي الأخير الذي يسمح بفرض عقوبات على المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية، فضلا عن المنظمات التي تدعمهم، والذي يقول إنه "يشكل علامة صغيرة، ولكنها مهمة على أن الولايات المتحدة مستعدة أخيرا لفرض عواقب على كلا الجانبين".

وكذلك الأمر بالنسبة لمذكرة البيت الأبيض الأخيرة التي تجعل المساعدات العسكرية تشترط الالتزام بالقانون الدولي، وهي الفكرة التي أشار إليها بايدن سابقا باعتبارها "غريبة".

وفي حين أن ضرورة المذكرة أمر مشكوك فيه، حيث أن الإدارة لديها بالفعل الأدوات والسلطات اللازمة لفرض شروط على المساعدات، إلا أنها لا تزال خطوة في الاتجاه الصحيح، شريطة، بالطبع، أن تستمر الإدارة في السير على هذا النحو، وألا تتعامل مع العملية الجديدة باعتبارها مجرد وسيلة لدفن المزاعم ذات المصداقية حول الانتهاكات الإسرائيلية في المزيد من طبقات الورق.

لكن بصرف النظر عن بعض الاهتمام الأكبر بالفلسطينيين، فإن خطة بايدن بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، تبدو إلى حد كبير مثل خطته قبل ذلك التاريخ، وذلك لأن الأولوية الأساسية هي نفسها: "المنافسة الاستراتيجية مع الصين، وهي العدسة التي تنظر من خلالها هذه الإدارة إلى السياسة الخارجية بأكملها".

ويضيف: "يُنظر إلى الاتفاقية الأمنية الأمريكية السعودية على أنها خطوة ضرورية لإبعاد الصين عن الشرق الأوسط، والطريقة الوحيدة لتسويق مثل هذا الاتفاق مع مثل هذا النظام هي تغليفه باتفاقية تطبيع سعودية إسرائيلية".

ويزيد: "هناك الكثير من الأسئلة التي يجب طرحها حول مثل هذا الاتفاق، ولكن السؤال المهم هو: إذا كانت عقود من العلاقات الوثيقة والدعم العسكري الذي لا مثيل له بين إسرائيل والولايات المتحدة، لم تمكن الولايات المتحدة من التأثير على مسار الحرب في غزة أو للحد من إساءة استخدام إسرائيل للأسلحة، هل يمكن للاتفاق مع بن سلمان أن يضمن الاستخدام المسؤول للأسلحة من قبل السعوديين؟".

ويتابع دوس: "من المفيد أن نتوقف لحظة لندرك كيف دمرت أحداث الأشهر الأخيرة تمامًا فرضية أساسية في (اتفاقيات إبراهام)، وهي أن الفلسطينيين لا يهمون حقًا، وقد تم تقديم ذلك، بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفائه في واشنطن، كدليل على ادعاءهم الذي قدموه منذ سنوات".

ويستطرد: "تبين أن الأمر كان ذو دوافع سياسية، فلا ينبغي أن يكون هذا مفاجئًا، ففي نهاية المطاف، نتنياهو هو الرجل الذي أكد أن غزو العراق والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني كانا فكرتين عظيمتين.. فهو يتمتع بسجل لا تشوبه شائبة تقريبا من الأخطاء بشأن المنطقة".

وحسب دوس، فإن إدارة بايدن تدرك الآن أنها من خلال تصديقها لمنطق "اتفاقيات إبراهام"، قللت بشكل كبير من الأهمية الدائمة لتحرير فلسطين بين الشعوب الإقليمية، وهذا تصحيح مرحب به، ولكنه غير كامل.

ويضيف: "ما قبل 7 أكتوبر، لم تكن الخطة معيبة لمجرد أنها كانت مبنية على القمع الدائم للشعب الفلسطيني، بل كانت معيبة لأنها كانت مبنية على القمع الدائم لجميع شعوب المنطقة، في محاولة لإعادة ترسيخ النظام الإقليمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة من الحكومات المسيئة وغير التمثيلية التي وعدت بتحقيق الاستقرار".

ويزيد: "كما كان علينا أن نتعلم بشكل رهيب مرة أخرى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإن مثل هذا الترتيب قد يبدو مستقراً لبعض الوقت، إلى أن لا يحدث ذلك".

ويشدد دوس، على أن "الأولوية الملحة الآن هي إنهاء أعمال القتل في غزة، وضمان إطلاق سراح الأسرى الذين تحتجزهم حماس".

ويلفت إلى أنه منذ فترة وجيزة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت الإدارة مستعدة للانخراط في محادثات حول (اليوم التالي)، ولكن يبدو أنها لا تقدر بشكل كامل مدى الواقع المروع الذي تخلقه إسرائيل على الأرض، يومًا بعد يوم، بدعم أمريكي غير محدود وغير مشروط، سيحدد ما هو ممكن بالفعل في ذلك اليوم النظري.

ويعلق متابعا: "هذا هو الحال بشكل خاص لأن المجهود الحربي الإسرائيلي يقوده رئيس وزراء يعلم أن حياته السياسية ستنتهي بمجرد انتهاء عملية القتل، وبالتالي لديه حافز لإطالة أمد القتال".

ويخلص التحليل إلى أن الكثير من الأضرار التي لحقت بأرواح البشر ومنازلهم، وبالأمن الإقليمي والعالمي، ومصداقية الولايات المتحدة، أصبحت بالفعل غير قابلة للإصلاح، وسوف يكون التأثير على سمعة بلادنا، كما قال ديفيد بتريوس عن فضيحة التعذيب في أبو غريب "غير قابل للتحلل".

ولكن، حسب دوس، هناك خطوات يمكن أن تتخذها الإدارة لتخفيف الضرر، وأهمها إعادة سياسة الولايات المتحدة بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى التوافق مع القانون الدولي، واعتبار إسرائيل دولة محتلة.

كما يشدد على ضرورة إعادة موقف وزارة الخارجية بأن المستوطنات الإسرائيلية في تلك الأراضي غير قانونية، وإعادة فتح القنصلية العامة في القدس لتكون بمثابة السفارة الأمريكية للفلسطينيين، والتي أغلقها الرئيس السابق دونالد ترامب ووعد بايدن بإعادة فتحها.

ويلفت كذلك إلى أهمية دعم تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب المحتملة التي ترتكبها جميع الأطراف، تماماً كما حدث في حرب روسيا في أوكرانيا.

ويشير دوس إلى أن أي جهد جاد لتعزيز التحرير الفلسطيني سيتطلب من بايدن الضغط على إسرائيل بطريقة لم يُظهر حتى الآن أي استعداد للقيام بها، مضيفا: "لا يوجد مجال للالتفاف حول ذلك، ولكنه يتطلب أيضاً من الإدارة أن تنظر إلى الأزمة الحالية ليس فقط باعتبارها تحدياً لسياستها الإقليمية، بل أيضاً للنظام الدولي القائم على القواعد برمته الذي تدعي أنها تدعمه".

ويزيد: "إن تقديم بعض الهدايا للفلسطينيين في البداية لا يعالج المنطق المعيب بشكل أساسي للاستراتيجية الأمنية المبنية على ديمومة الحكم الاستبدادي".

ويتابع: "أنا لا أطلب نسخة بايدن من أجندة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش للحرية، التي افترضت خطأً قدرة الولايات المتحدة على تحويل الأنظمة السياسية تحت تهديد السلاح، ولكن من الجدير بنا أن ندرك أنه حتى لو كانت وصفة بوش خاطئة، فإن تشخيصه الأساسي، وهو أن الاعتماد على الأنظمة القمعية لتوفير الأمن والاستقرار يشكل رهاناً سيئاً".

وحتى الخميس، قتل الجيش الإسرائيلي في غزة 28 ألفا و663 فلسطينيا وأصاب 68 ألفا و395، معظمهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض، بحسب السلطات الفلسطينية.

كما تسبب في دمار هائل وأزمة إنسانية كارثية غير مسبوقة، مع شح إمدادات الغذاء والماء والدواء، ونزوح نحو مليوني فلسطيني، أي أكثر من 85 بالمئة من سكان القطاع، بحسب الأمم المتحدة.

وللمرة الأولى منذ قيامها في 1948، تخضع إسرائيل لمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، بتهمة ارتكاب "جرائم إبادة جماعية" بحق الفلسطينيين.

المصدر | ماثيو دو/ فورين بوليسي - ترجمه وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

بايدن عقدية بايدن إسرائيل حرب غزة غزة نتنياهو

بايدن مرتبك أمام إصرار إسرائيل على اجتياح رفح.. وهكذا تخطط واشنطن لعدم دفع الفاتورة

قبل تزويد إسرائيل بذخائر دقيقة.. واشنطن تشترط تجميد الاستيطان