الوحدة الاقتصادية الإيرانية التركية تصطدم بانقسامات أمنية.. كيف؟

الجمعة 16 فبراير 2024 08:25 م

أعربت تركيا وإيران عن اهتمام واضح بتحسين علاقاتهما الاقتصادية الثنائية، ولكنهما ما زالتا منقسمتين حول مجموعة من القضايا الجيوسياسية والأمنية، والتي تظل الإجابات عليها بعيدة المنال.

هكذا يتحدث تحليل لـ"منتدى الخليج الدولي"، ترجمه "الخليج الجديد"، لافتا إلى أنه "يتعين على الجانبين حل القضايا الأمنية الإقليمية الكبرى بقدر كبير من العناية، وعندها فقط يمكن للدولتين أن تصلا إلى الأهداف السامية التي حددتها".

ويقول التحليل إن تركيا وإيران، الجارتان اللتان تتمتعان بتاريخ مشترك طويل وحافل، تحتاجان إلى علاقات قوية إذا كان لهما أن تتعاونا عبر نطاق واسع من المجالات الاقتصادية.

ويشير إلى أنه في الوقت الحاضر، لم تترجم المصالح المشتركة إلى نهج مشترك في السياسة الخارجية، فقد سعت أنقرة وطهران إلى تحقيق أهداف متعارضة تمامًا في بعض الأحيان.

وجاءت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إلى تركيا في 24 يناير/كانون الثاني، لتؤكد التزام البلدين بتعزيز روابط الثقة والمصالح المشتركة بينهما، حيث ناقش مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان مجموعة من القضايا الثنائية، بما في ذلك الأمن والطاقة والتجارة.

وخلال زيارة رئيسي، وقع مع أردوغان 10 وثائق تعاون تعزز التعاون الاقتصادي والتعاون الثنائي، تشمل مجالات الطاقة ومناطق التجارة الحرة والثقافة والإعلام والاتصالات، والنقل بالسكك الحديدية.

كما سلطت الزيارة الضوء على ضرورة عمل البلدين معًا لمكافحة الإرهاب، في أعقاب الهجوم الإرهابي الأكثر دموية في إيران ما بعد الثورة في 3 يناير/كانون الثاني الماضي.

ويلفت التحليل إلى أنه من الواضح أن هناك رغبة قوية في تعزيز العلاقات الثنائية، وتمهيد الطريق لمراحل جديدة من التعاون.

ومن شأن تحسين التعاون في مجال الطاقة بين إيران وتركيا أن يكون بمثابة نعمة لأنقرة، التي تحتاج إلى مجموعة متنوعة من مدخلات الطاقة للحفاظ على انتعاشها الاقتصادي بعد وباء "كورونا".

وتم إبرام اتفاقية بقيمة 200 مليون دولار بين شركة إدارة الشبكة الإيرانية وشركة نقل الكهرباء التركية(TEIAS)  لتشغيل خط شبكة خوي-فان، الذي يربط خط (BtB HVDC) بقدرة 400 كيلوفولت بين خوي في إيران وفان في تركيا.

ومع إمكانية التوسع إلى الدول الأوروبية، يعد هذا أول رابط شبكة عبر الحدود في إيران يستخدم تقنية (HVDC)، ويسهل تبادل الكهرباء بين إيران وتركيا.

ويعمل خط الطاقة بقدرة 600 ميجاوات و400 كيلوفولت على تمكين تجارة الكهرباء نفسها، وهو ما يمكن أن يحفز الاقتصادات على جانبي الحدود.

هذه التطورات، وفق التحليل، هي الأحدث في قائمة طويلة من الاتفاقيات الثنائية المهمة التي تمتد عبر الحدود بين هذه الدول المجاورة.

وعلى مدى نصف العقد الماضي، وقعت أنقرة وطهران مجموعة من الاتفاقيات المهمة التي تتناول العديد من القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك التجارة في المنتجات الزراعية، والاستثمار في احتياطيات النفط والغاز، وصادرات الغاز.

كما أنشأ الجيران "مناطق تجارة حرة" على طول حدودهم لتعزيز النمو الاقتصادي، والتي تسعى مثل تلك الموجودة في مدينة خوي، إلى تعزيز تنمية الأعمال السنوية، وضمان قدر أكبر من التجارة في المناطق الحدودية، وتنشيط قطاع النقل المتعثر في المنطقة، بهدف ضخ رأس المال في الاقتصاد المحلي.

وخلال اجتماع لرجال الأعمال الأتراك والإيرانيين، حث رئيس غرفة التجارة والمناجم والصناعة والزراعة الإيرانية (ICCIMA) صمد حسن زاده، على زيادة التعاون بين القطاعين الخاص التركي والإيراني، على أمل أن يحقق البلدان وهدف تجاري ثنائي بقيمة 30 مليار دولار، وهو الهدف الذي يمكن لهذه المناطق تحقيقه.

ويعد ممر النقل البري بين إسلام آباد وطهران وإسطنبول، والذي بدأ عملياته في عام 2021، مثالاً آخر على الجهود المبذولة لتعزيز التجارة عبر الحدود.

وتحت رعاية منظمة التعاون الاقتصادي، أنشأت وزارة التجارة التركية ونظيراتها في إيران وباكستان هذه المبادرة الثلاثية بهدف تعزيز العلاقات وتسهيل التجارة والنقل.

كما أبرمت قطر وإيران وتركيا اتفاقية نقل، حيث تعمل إيران كدولة عبور بين قطر وتركيا.

وتعد هذه الشراكات جزءًا من مبادرات أكبر لزيادة التجارة وتبسيط إمدادات السلع بين الدول.

وكذلك يعد خط أنابيب الغاز بين تركيا وإيران ومبادرات النقل البري المشتركة من العوامل المهمة في تعزيز العلاقات الاقتصادية والطاقة بين إيران وتركيا.

إلا أن هذه الاتفاقيات، وفق التحليل، تتعقد باستمرار بسبب الديناميكيات الأمنية المعقدة في المنطقة، والتي تؤثر على التعاون الإقليمي والاقتصادي.

فقد واجهت صادرات الغاز الإيراني إلى تركيا صعوبات على مدى العقد الماضي، بما في ذلك الاضطرابات واسعة النطاق والانخفاض الكبير في عام 2023 بعد النقص في الجمهورية الإسلامية.

وينتهي عقد التصدير المبرم بين البلدين لمدة 25 عامًا في عام 2026، مما يثير مخاوف من عدم تمديد الاتفاقية وسط مخاوف بشأن التسعير والعقوبات.

ويضيف استكشاف تركيا لموردين بديلين، ولا سيما أذربيجان الغنية بالغاز، والتي تربطها بإيران علاقة متوترة، قدرا أكبر من عدم اليقين بشأن الواردات المستقبلية.

ويعتمد المستقبل على المفاوضات، والجغرافيا السياسية، ومشهد الطاقة الإقليمي المتطور.

ويقول تحليل "منتدى الخليج الدولي"، إن المشهد الجيوسياسي المتغير في الشرق الأوسط، والتحول في أنماط الطاقة العالمية، وإمكانية تصاعد المنافسة الاقتصادية العالمية، قد يؤثر جميعها على العلاقات التجارية المستقبلية بين إيران وتركيا.

وحتى بعد زيارة رئيسي الناجحة، لا يزال هناك عدد من قضايا السياسة الخارجية الثنائية معلقة، أهمها هذه القضايا هو الموقف المختلف بين البلدين تجاه حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تعتبره أنقرة جماعة إرهابية، ولكن طهران لم تنتقده في بعض الأحيان.

كما يشكل الوضع الأمني في العراق، وفق التحليل، مصدر قلق مشترك، ويزيد من تعقيده علاقات طهران بإقليم كردستان، وتعاونها المحدود مع أنقرة بشأن مسائل حزب العمال الكردستاني.

وزاد هذا التعقيد في السنوات الأخيرة بسبب إعادة انتشار حزب العمال الكردستاني في الجانب الإيراني من جبل قنديل.

علاوة على ذلك، تتعرض تركيا للتهديد في العراق من قبل أجزاء من قوات الحشد الشعبي المتحالفة مع إيران.

كما يتعرض أمن المناطق الآمنة التابعة لتركيا في سوريا لمزيد من المخاطر بسبب تعاون إيران مع وحدات حماية الشعب الكردية، وبالتالي الهجمات المنسقة التي تشنها هذه الميليشيا على القوات التركية والجماعات المسلحة السورية المدعومة من أنقرة في إدلب.

وساهم صعود الميليشيات الشيعية في جميع أنحاء العراق وسوريا في حدوث تحولات ديموغرافية في جميع أنحاء جنوب تركيا القريب.

والواقع، وفق التحليل، فإن إيران استفادت من التخفيضات الروسية في هذا المسرح، حيث تم سحب القوات الأجنبية ونشرها في أوكرانيا.

ويضيف: "سوف تكون هناك حاجة إلى المرونة الاستراتيجية من جانب الجانبين لمعالجة القضايا الأمنية المشتركة وتمهيد الطريق أمام قدر أكبر من التعاون الاقتصادي".

قضية خلافية أخرى، يثيرها التحليل، حول استمرار الجانبين في التنافس على النفوذ في القوقاز، والذي لا يساعد كثيراً في تهدئة المخاوف الجيوسياسية.

وتبنت تركيا وإيران سياسات متباينة تجاه أرمينيا وأذربيجان، مما أدى إلى زيادة العداء في قرة باغ، كما أن إنشاء ممر زانجيزور، الذي سيربط أذربيجان بجيبها الغربي عبر طريق على طول الحدود الإيرانية، قد يسبب قلقًا كبيرًا في طهران.

من جانبها، تسببت إيران في تفاقم حالة عدم الاستقرار الإقليمي من خلال التعاون مع روسيا لتسريع برنامجها النووي، وهي السياسة التي تخلف عواقب ليس فقط على جنوب القوقاز، بل على الشرق الأوسط برمته، وفق التحليل.

وتعارض تركيا بشدة حصول إيران على أسلحة نووية، وتنظر إلى سياسة حافة الهاوية النووية الإيرانية باعتبارها نقطة اشتعال محتملة للتصعيد الإقليمي أو سباق التسلح.

ورغم أن تركيا لم تبد قط اهتماماً بتطوير قدرة نووية خاصة بها، فإن إيران المسلحة نووياً من الممكن أن تفعل الكثير لتغيير هذه الحسابات.

ويخلص التحليل إلى أنه من شأن الاتفاقات الأخيرة التي اتفق عليها الرئيسان رئيسي وأردوغان أن تعود بالنفع على البلدين بشكل كبير، ولكن تظل العقوبات وعدم القدرة على التنبؤ الجيوسياسي عقبات خطيرة أمام التنفيذ الناجح لهذه الاتفاقيات".

ويضيف: "هذا من شأنه أن يؤدي إلى تحسين أمن الطاقة والتجارة الثنائية".

ويتابع: "على الرغم من أن الاتفاقيات تمثل خطوة أولى مشجعة، إلا أنها تأتي بالطبع مع عيوب محتملة، حيث يهدد التضخم المفرط في كلا البلدين بالتحول إلى أزمة مالية شاملة".

ويزيد: "كما أن نظام العقوبات الدولية الحالي يجعل من الصعب على تركيا التعامل مع السوق الإيرانية".

ولكن، ووفق التحليل، "لا يزال الحفاظ على العلاقات الطيبة يتطلب التعامل بمهارة مع الخلافات الناجمة عن المشاكل الإقليمية، مثل تلك المتعلقة بسوريا، والعراق، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني".

ويختتم التحليل بالقول: "لتحقيق هدف القادة المعلن المتمثل في تحقيق تجارة سنوية بقيمة 30 مليار دولار، يتعين على الجانبين حل القضايا الأمنية الإقليمية الكبرى بقدر كبير من العناية، وعندها فقط يمكن للدولتين أن تصلا إلى الأهداف السامية بينهما".

المصدر | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا إيران تعاون اقتصادي الطاقة رئيسي أردوغان