كيف ينذر دعم بايدن لإسرائيل بتخلي الأمريكيين السود عنه؟

الأحد 18 فبراير 2024 01:47 م

تجاهل البيت الأبيض لأصوات المجتمع الأمريكي-الأفريقي، المنددة بعدم فرض واشنطن ضغطاً كافياً على إسرائيل لوقف حربها على غزة، تمثل عامل قلق لهذا المجتمع، الذي بدأ يشكك في دعمهم للرئيس جو بايدن، في الانتخابات المقررة نهاية العام الجاري.

هكذا لفت مقال للزميل في برنامج "فن الحكم الأمريكي" بمؤسسة "كارنيغي للسلام" كريستوفر شيل، نشرته مجلة "فورين بوليسي"، وترجمه "الخليج الجديد"، يقول فيه إن تراجع الحماسة لبايدن جزئياً يعود إلى تضامن الأمريكيين السود مع الفلسطينيين.

وكتب شيل أنه طوال عقود من الزمن، وبالرغم من السياسات المتنوعة لمجتمع السود، كانت معالجة مخاوف هذه الفئة الناخبة بشأن القضايا العرقية والاقتصادية المحلية كافية لتعزيز تصويتها لمصلحة الحزب الديمقراطي، لكن هذا يتغير الآن.

وأضاف: "المزيد من الناخبين السود يشككون في دعمهم لبايدن بسبب تردده في الدعوة لوقف إطلاق النار في غزة بعد استشهاد أكثر من 28 ألف شخص في القطاع، إلى جانب تعرض القوات الأمريكية في المنطقة لأكثر من 150 هجوماً ومقتل 3 جنود في الآونة الأخيرة".

وفي بداية يناير/كانون الثاني، وفي محاولة لتعزيز الروح المعنوية السياسية بين ناخبيه الأكثر ولاء، ظهر بايدن في كنيسة إيمانويل الأسقفية الميثودية الأفريقية (كنيسة الأم إمانويل) في تشارلستون بولاية ساوث كارولاينا، حيث قُتل 9 أمريكيين سود بالرصاص على يد مسلح أبيض متعصب سنة 2015.

وفي هذا الموقع، كان من المناسب أن يتحدث بايدن عن قضايا داخلية مثل العنصرية والعنف السياسي، لكن متاعب السياسة الخارجية التي واجهها بايدن تبعته إلى المنبر، حيث قاطعه متظاهرون مطالبون بوقف إطلاق النار في الحرب بين إسرائيل وحماس.

وتلعب الكنائس مثل كنيسة الأم إيمانويل دوراً رئيسياً في تشكيل قرارات التصويت لمجتمع السود، يتحدث المزيد من رجال الدين من على المنابر ضد دعم بايدن لإسرائيل.

وكشفت مقالة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً أنه على مدى الأشهر القليلة الماضية، دعا أكثر من 1000 قس أسود ينتمون إلى كنائس محافظة وتجمعات تقدمية إلى إنهاء العمليات الهجومية الإسرائيلية في غزة وإطلاق سراح جميع الأسرى المحتجزين لدى "حماس".

ووفق شيل، فكما هو الحال في أجزاء أخرى من الجمهور الأمريكي، يأتي الكثير من الزخم وراء دعوات الزعماء الدينيين السود لوقف إطلاق النار من المصلين الأصغر سناً.

وكان الاستياء المتزايد من تعامل بايدن مع الصراع متوقعاً في بعض النواحي، حيث كشف استطلاع أجرته مؤسسة "كارنيغي للسلام الدولي" حول رأي الأمريكيين السود بشأن الحرب في أكتوبر/تشرين الأول، أي قبل وقت طويل من ارتفاع عدد القتلى في غزة، أن 95% من الأمريكيين السود رفضوا فكرة "الدعم الثابت" لإسرائيل.

علاوة على ذلك، في حين أن معظم الأمريكيين السود (65%) لم يشعروا بسوء أكبر تجاه بايدن في هذه الفترة المبكرة من الصراع، كان السود الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً أكثر عرضة بنسبة 33% للإبلاغ عن شعور أسوأ تجاه بايدن بالمقارنة مع بقية المشاركين.

وقال أحد القساوسة في ولاية جورجيا المتأرجحة: "سيكون من الصعب جداً إقناع شعبنا بالعودة إلى صناديق الاقتراع والتصويت لصالح بايدن".

يأتي ذلك في أعقاب استطلاع رأي كشف أن معدل موافقة الناخبين السود على أداء بايدن في الأشهر الأخيرة، انخفض بنحو 20 نقطة مئوية.

يرتبط تراجع الحماسة لبايدن جزئياً بتضامن الأمريكيين السود مع الفلسطينيين بين بعض هؤلاء الناخبين الساخطين، وبالنسبة إلى آخرين، يمكن أن يكون الدعم الباهت لبايدن بسبب رفضهم لتورط أمريكي آخر في الشرق الأوسط، وفق شيل.

وعلى سبيل المثال، كشف نفس استطلاع "كارنيغي" أن 24% من المشاركين السود شعروا بأنه لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تشارك في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وأن 33% فقط سيكونون على استعداد لإرسال قوات إلى المنطقة، إذا تعرضت إسرائيل لهجوم من دولة مجاورة.

ومن المنصف افتراض أن يثير مقتل 3 من أفراد الخدمة السود، بسبب هجوم بطائرة من دون طيار بالقرب من الحدود السورية الأردنية مشاعر قوية حول موقف بايدن في الشرق الأوسط، والكلفة البشرية والمادية الدائمة التي يتحملها المجتمع الأمريكي الأسود في زمن الحرب.

وسارعت وسائل إعلام أمريكية، تمثل السود مثل "أمستردام نيوز" و"ذا روت" و"بلاك إنتربرايز"، للإشارة إلى أن أعضاء الخدمة الثلاثة الذين قتلوا كانوا من السود.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، مثل "أكس" (تويتر سابقا)، يتساءل العديد من الأمريكيين السود الآن عن الهدف الاستراتيجي لتمركز هؤلاء الجنود هناك في المقام الأول، وعما إذا كان بايدن سيتمكن من منع المزيد من الوفيات بين القوات الأمريكية في منطقة لا تنخرط الولايات المتحدة بنشاط في الحرب الدائرة هناك.

وحسب شيل، فإن المعدلات المرتفعة للخدمة العسكرية للسود، إلى جانب الذكرى الأخيرة لحروب ما بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي بلغت تكلفتها 8 تريليونات دولار، سترخي بثقلها على تفكير الناخبين السود وهم يتصارعون مع القضايا الاقتصادية والعنصرية محلياً.

وأضاف: "إذا كان هذا المجتمع يعتقد أن سياسة بايدن في الشرق الأوسط، أدت إلى زيادة الهجمات على القوات الأمريكية، وهي نقطة يناقشها العديد من النقاد، فمن المحتمل أن يؤثر هذا على الناخبين السود".

وأظهر الكثير منهم تاريخياً مستويات عالية من التحفظ تجاه استخدام القوة في الخارج، ويرون أوجه تشابه مع نضالهم التاريخي من أجل الحقوق المدنية.

وتابع أنه مع اقتراب موسم الانتخابات، لن يكون حضور مسؤولي الإدارة المناسبات الدينية والاجتماعية للسود كافياً لتأمين أصواتهم كما حدث سنة 2020، وهذا صحيح بشكل خاص إذا استمر تدهور الأزمة الإنسانية في غزة قبل نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

ويمكن فهم التصريحات الأخيرة للأعضاء السود في حكومة بايدن، مثل نائبة الرئيس كامالا هاريس ووزير الدفاع لويد أوستن، ضد تعامل إسرائيل مع العمليات العسكرية في غزة، على أنها محاولة لمعالجة المستائين بسبب الوضع الإنساني المتدهور في المنطقة، وإنقاذ سمعة بايدن كبطل لحقوق الإنسان، وهي عنصر أساسي لبرنامجه في انتخابات 2020، وفق شيل.

وأضاف: "مع ذلك، قد تضيع مثل هذه التصريحات هباء إذا لم يرَ أعضاء مجتمع السود تغييراً في سياسة الشرق الأوسط".

ومنذ مطلع القرن العشرين، كان الرأي العام الأمريكي الأسود حول التدخلات العسكرية الأمريكية ينذر أحياناً كثيرة باستياء عام أوسع نطاقاً من السياسة الخارجية السيئة.

وعلى سبيل المثال، كان الأمريكيون السود من بين المجموعات الأولى والأعلى صوتاً التي أثارت المخاوف بشأن حرب العراق سنة 2003 والتي يُنظر إليها الآن على نطاق واسع كحرب مشؤومة.

ويختم شيل مقاله بالقول: "لسوء الحظ، كان خبراء السياسة الخارجية بطيئين في بعض الأحيان بالاستماع إلى رأي الأمريكيين السود حول دور واشنطن في العالم، إذا كان بايدن سينجح بتأمين فترة ولاية ثانية، فهذا هو الوقت المناسب للقيام بذلك".

المصدر | فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

بايدن انتخابات حرب غزة إسرائيل فلسطين السود الأمريكيون السود دعم إسرائيل