هل تنجح أموال «صندوق النقد» في إصلاح الاقتصاد أم تلقى «مصر» مصير «اليونان»؟

الخميس 28 يوليو 2016 08:07 ص

في الوقت الذي اعتبر فيه اقتصاديون لجوء «الحكومة المصرية»  للاقتراض من «صندوق النقد»، فرصة أخيرة لإصلاح الاقتصاد، أبدوا تخوفًا من تفاقم الديون الخارجية على مصر.

كما حذروا من أن تلقى أموال الصندوق نفس مصير المساعدات الخليجية، إذا لم تلتزم الحكومة بتطبيق برنامج إصلاحي شامل يضمن حل مشكلات القطاعات الاقتصادية المولدة للعملة الصعبة وعلى رأسها السياحة والاستثمار الأجنبي.

وأعلنت الحكومة، الثلاثاء الماضي، عن اقترابها من إتمام مفاوضات مع «صندوق النقد» للحصول على قرض سيسهم في تخفيف حدة أزمة النقد الأجنبي المهيمنة على البلاد.

وقال «عمرو الجارحي»، وزير المالية أمس، إن مصر تتفاوض للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار بواقع 4 مليارت سنويًا، وذلك ضمن برنامج يستهدف جذب تمويلات بقيمة 21 مليار دولار خلال 3 سنوات.

وقال «صندوق النقد»، في بيان أمس، إن بعثة ستزور القاهرة يوم السبت المقبل لبدء مناقشات البرنامج التمويلي الذي تقدمت مصر بطلبه رسميا، على أن يتم الإعلان عن نتائج هذه المناقشات في منتصف شهر أغسطس/ أب المقبل.

واعتبر «بنك استثمار برايم»، في مذكرة بحثية اليوم الأربعاء، أنه «لا حل لأزمة نقص العملة الأجنبية إلا عن طريق الحصول على مساعدات مالية خارجية وبالأخص من صندوق النقد الدولي».

وتعاني مصر نقصًا حادًا في مواردها من العملة الصعبة وسط تراجع إيرادات السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج والاستثمارات الأجنبية المباشرة.

عبور الأزمة

وقالت «ريهام الدسوقي»، كبيرة محللي الاقتصاد في بنك استثمار أرقام كابيتال الإماراتي، إن «المبالغ التي ستحصل عليها مصر من صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات ستساعدها على عبور الأزمة الحالية في الأجل القصير، حتى تتعافى المصادر الاقتصادية الطبيعية لتوليد العملة الصعبة».

وأضافت أن «التوقيع مع الصندوق لا يعني لمصر الحصول على أموال فقط، وإنما يعني أن مصر تتعهد بشكل رسمي بالالتزام بتطبيق خطة الإصلاح الاقتصادي، وهي خطة انتظرها المستثمرون الأجانب طويلا، وستشجعهم على العودة للعمل في مصر».

الإنقاذ الآجل

وفي هذا السياق يحذر «بنك برايم» من أن تتقاعس الحكومة عن تنفيذ خطة الاصلاح الاقتصادي التي ستتفق عليها مع الصندوق، حيث يقول إن الحصول على تمويل الصندوق «يتطلب مجهود أكبر بوتيرة أسرع لتطبيق برنامج إصلاحي اقتصادي شامل .. بغير ذلك، فإن الدعم الخارجي وما يتبعه من تخفيض متوقع للعملة سوف يعتبران مجرد حزمة إنقاذ للآجل القصير فقط».

وكانت مصر حصلت من الخليج على مساعدات بقيمة 25 مليار دولار خلال الأربعة سنوات الماضية بحسب وكالة «ستاندرد أند بورز» للتصنيف الائتماني، لكن هذه التمويلات لم تنجح في كبح أزمة النقد الأجنبي التي تفاقمت مع تراجع الاحتياطي إلى مستويات تغطي بالكاد ثلاثة أشهر من الواردات في الوقت الحالي.

دوامة الديون

وبجانب المخاوف من مدى قدرة مصر على تطبيق برنامجًا إصلاحيًا تحت مظلة «صندوق النقد» يضمن معالجة أزمتها المالية بشكل جذري، يبدي خبراء مثل «عمرو عادلي»، الباحث بمركز كارنيجي، قلقًا كبيرًا من اعتماد البلاد المتزايد على الاستدانة الخارجية.

حيث يقول «عدلي» إنه مع إقرار مصر لحزمة التمويلات التي أعلنتها أخيرا بقيمة 21 مليار دولار، ستشهد البلاد توسعا «غير مسبوق» في الاستدانة الخارجية منذ حقبة التسعينيات.

واضاف «عندي تخوف كبير من الأرقام المعلنة، 7 مليار دولار سنويًا لمدة 3 سنوات، هذا رقم كبير جدًا، هذا بخلاف القروض الأخرى التي وقعتها مصر وآخرها القرض الروسي لتمويل المحطة النووية بقيمة 25 مليار».

وقفز الدين الخارجي لمصر بنسبة 34.1% في الربع الثالث من العام المالي الماضي الذي انتهى في يوم 31 مار س 2016، ليصل إلى نحو 53.4 مليار دولار، مقابل نحو 39.9 مليار دولار في نفس الفترة من العام المالي السابق.

وأضاف «عدلي» أنه «في مارس/ أذار الماضي كانت الحكومة تتحدث عن جذب الاستثمارات الأجنبية وأقامت مؤتمر شرم الشيخ لهذا الهدف، لكن ما يحدث حاليا هو محاولة لحل الأزمة في المدى القصير، من خلال الاقتراض بدلا من جذب الاستثمارات».

وأشار «عدلي» إلى أن «هذا النمط من التفكير يدخل البلاد في دوامة من الاقتراض المستمر حتى لا تفلس، وهو نموذج أشبه بما يحدث في اليونان».

وأوضح «قد لا نشعر حاليا بخطورة هذه الديون، لكن عندما يحل وقت سدادها والفوائد المترتبة عليها، ستكون هناك أزمة، خاصة أن القطاعات الاقتصادية المصرية لا يمكنها توليد كل الدولارات اللازمة لسداد هذه الديون».

لكن «ريهام الدسوقي» أعتبرت أن «التوقيع مع صندوق النقد يضمن أن الحكومة ستنفذ كل الإصلاحات المتفق عليها في البرنامج، وهو ما يجعل هذا الاتفاق مختلفا عن اتفاقات التمويل التي حصلت عليها في السنوات الماضية من الخليج».

خفض الجنيه

ويتوقع المحللون أن يكون تعويما جديدًا للعملة المحلية من أبرز الإجراءات المصاحبة لإتفاق مصر مع الصندوق، وعلق بنك «الاستثمار بلتون» في مذكرة بحثية اليوم على اقتراب خطوة التعويم بقوله «اقترب اليوم الموعود وحانت ساعة الصفر».

وقالت «بلتون» «نرى أن اتخاذ إجراء قبل وصول بعثة صندوق النقد بـ 48 ساعة ستكون بادرة جيدة جدًا لإتمام مباحثات قرض النقد الدولي بنجاح وتأمين الحصول عليه قبل نهاية العام».

وأشار بنك «استثمار برايم» إنه قبل الإعلان عن الاقتراض من الصندوق كان «من غير المجدي تعويم الجنيه لما يتضمنه من خسائر وتكاليف -في صورة تصاعد معدلات التضخم- أكثر من منافعه»،  لكن بعد الحصول على هذه المساعدات «نتوقع تخفيض الجنيه في القريب العاجل».

وأكد هاني جنينة، مدير قطاع الأسهم في بلتون من ناحيته «كل الظروف المحلية والعالمية في صالح البنك المركزي لاتخاذ قرار التعويم الكامل والفوري في سعر صرف الجنيه» كما توقع قراراً وشيكًا خلال أسبوعين على أقصى تقدير.

الصندوق والتعويم

وأوضح «جنينة» أنه يتحدث عن تعويم كامل وليس مجرد خفض تدريجي.

وأضاف: «لا تراجع عن التعويم، صندوق النقد لن يتهاون في هذا الشرط، غير مقبول بالنسبة للصندوق أن تحصل على دولارات لتصرفها في الدفاع عن سعر وهمي للجنيه».

لكن في المقابل تري «ريهام الدسوقي»، و«رامي عرابي»، محلل الاقتصاد الكلي في شركة «مباشر لتداول الأوراق المالية، أن خفض الجنيه بشكل تدريجي هو السيناريو الأقرب حتى لا تحدث قفزة كبيرة في الأسعار تعقبها مشكلات اجتماعية وسياسية.

وقالت مذكرة لبنك «استثمار بلتون فاينانشيال» صدرت أمس الأربعاء، إنه فور الإعلان عن المفاوضات على قرض «صندوق النقد»، تراجع سعر الدولار في السوق السوداء إلى 12.6 جنيه للدولار، بعدما قفز فوق 13 جنيها في أخر يومين.

وتوقع «بلتون» أن يبيع حائزوا الدولار ما اشتروه بهدف المتاجرة والمضاربة بنفس القوة التي اشتروا بها ترقبا لخفض محتمل في سعره، خاصة إذا اتخذ «البنك المركزي» قرارًا وشيكاً بزيادة أسعار الفائدة في اجتماع لجنة السياسات النقدية.

وسجل الدولار مستويات غير مسبوقة من الارتفاع في السوق الموازية خلال اليومين الماضيين ووصل إلى 13.10 جنيه في بعض الصفقات، وسط توقعات بخفض وشيك في سعر العملة المحلية، بعد تصريحات أدلى بها محافظ البنك المركزي قال فيها إن «سياسة الحفاظ على سعر الجنيه كانت خطأ فادحا».

وأثنى «جنينة» على ما وصفه بـ «نجاح» «محافظ البنك المركزي في إحداث حالة من الإرباك في السوق حتى يعرف «أين آخر السوق السوداء؟» وأنه قادر على السيطرة عليها.

السعر المتوقع للدولار

وأضافت مذكرة «بلتون» أن السعر العادل للدولار حاليا يتراوح بين 11 و12 جنيها، وأنه قد يقترب من 10 جنيهات إذا دخلت تدفقات كبيرة بالعملة الصعبة خلال الفترة المقبلة.

وتوقعت «ريهام الدسوقي» أن يتراوح سعر الدولار بعد تخفيض الجنيه بين 10 و11 جنيها في السوق الرسمي، بينما توقع «عرابي» أن يتراوح 9.6 و 10.2 جنيه.

وكان محافظ البنك المركزي السابق، «هشام رامز»، قد بدأ في تطبيق سياسة للتخفيض المتدرج للجنيه مقابل الدولار، منذ نهاية 2012، وذلك بتحديد سعر العملة الأمريكية من خلال طرحها في مزادات للبنوك، لكن السوق السوداء كانت ترفع سعر الدولار بأكثر من الزيادات التي كان يمررها المركزي للسوق الرسمي.

وبعد تولي «عامر» رئاسة المركزي ببضعة شهور سمح بخفض قوي للجنيه، حيث خفض يوم 14 مارس/ أذار الماضي سعر صرف العملة المحلية إلى 8.85 جنيه للدولار من 7.73 جنيه، لكنه عاد ورفعه 7 قروش في عطاء استثنائي يوم 16 مارس/ أذار، ليستقر عند 8.78 جنيه للدولار.

المصدر | رويترز

  كلمات مفتاحية

صندوق النقد مصر الاقتصاد اليونان

مصر تطلب 12 مليار دولار من «صندوق النقد الدولي» لمواجهة أزمتها الاقتصادية

‏صندوق النقد العربي يتوقع نمو اقتصاد قطر 3.5% عام 2017

مصر تطلب قرضاً جديداً من صندوق النقد بـ7.11 مليار دولار

مصر ووصفة صندوق النقد السامة

هل حان وقت اقتراض مصر من صندوق النقد الدولي؟

مسؤول أمني: الخطة الاقتصادية للحكومة المصرية تثير مخاوف من اضطرابات اجتماعية

مصر.. توتر في السوق السوداء للعملة وسط حملة أمنية قبيل وصول بعثة صندوق النقد

إقراض «صندوق النقد» لمصر.. «استقرار مؤقت» و«زيادة في المديونية»

مصر وقبلة صندوق النقد السامة

4.5 مليار دولار تمويل من البنكين «الدولي» و«الأفريقي» لمصر

اتفاق مصر مع صندوق النقد يصاحبه تقشف لا يطاق